البروتينات هي احدى المكونات الأساسية لبناء الجسم الحي، وفي الوقت نفسه فهي عنصر غذائي أساسي. ومع تطور ثقافة ممارسة الألعاب الرياضية وتحسين الصحة ومظهر الجسم فإنها أصبحت أيضاً على رأس قائمة ما يُفكر به الناس لتحقيق نظام صحي متوازن والحصول على بنية عضلية جيدة. لكن في بعض الأحيان هناك مبالغة حول تأثيرها، لاسيما مع الدعايات المستمرة التي يقوم بها أشخاص ذوو بنية عضلية شبه مثالية لبعض المنتجات التي تحتوي على البروتين ليتم تصويرها على أنها إكسير النجاح للحصول على البنية العضلية الأفضل.

في هذا المقال سنحاول أن نوضح بعض المفاهيم الخاطئة حول تأثير بروتين مصل اللبن (الوي) والنسب المرتفعة من البروتينات على البناء العضلي، وأن نتقصى عبر الدراسات الموجودة عن حقيقة ذلك الظن حول التأثير السحري الخارق للبروتينات بشكل عام وبروتين مصل اللبن بشكل خاص.

سبق وأن نشرنا في العلوم الحقيقية مقالاً مفصلاً عن تأثير بروتين مصل اللبن على البناء العضلي وقد تضمن المقال سرداً للدراسات المنشورة حول الموضوع مع القليل بالتشكيك بتأثير تلك المادة التي تباع بسعر غال جداً. بالتأكيد لا يُمكن نفي تأثير أي مادة بروتينية وجدواها وهذا ما فعلناه في المقال. لكن لو انتبهنا الى إحدى الدراسات الواردة في المقال، والتي قارنت بين الصويا، الكربوهيدرات، وبروتين مصل اللبن لوجدنا أن الدراسة قد خلصت الى أن تأثير الصويا وبروتين مصل اللبن متقارب[1].

علبة البروتين ليست بعيدة عن تأثير الحليب أو حتى الخبز!

أثبتت إحدى الدراسات أن الزيادة في الكتلة العضلية كانت بمقدار 3.3 كيلوغرام للعينة التي تناولت بروتين مصل اللبن، فيما كان 2.3 كيلوغرام للعينة التي تناولت الكربوهيدرات! الأرقام هذه مثلت المعدل في زيادة الكتلة العضلية لجميع عناصر العينة، ورغم التقارب بينها، فإن هناك تباين بمعدل يزيد عن الكيلو ونصف بين أفراد المجموعات المشاركة في التجربة، أي أن أحد المشاركين قد يكون حاصلاً على زيادة في الكتلة العضلية وهو يتناول الكربوهيدرات فحسب، بشكل يفوق الزيادة لآخر يتناول البروتين مع نقصان كيلو ونصف عن المعدل الذي وجدته الدراسة للمجموعة التي تناولت البروتين. لا تجزم الدراسة بأسباب هذه الفروقات، لكن من ناحية الهرمونات وتحديداً هرمون التستوستيرون، فإن الذكور لهم تباينات شديدة على المستوى الفردي وربما هناك صلة لهذا.

الآن عندما نفكر بمادة باهضة الثمن وقد تغلبت على الكربوهيدرات بفارق بسيط جداً في احدى الدراسات، فلماذا التركيز عليها؟ هل نحن فعلاً بحاجة لهذا الكم من البروتينات؟ هل سنصبح مثل بباي رجل البحار لو تناولنا الكثير من البروتين؟ في الواقع كلا، بل قد تحرق البروتينات هذه كطاقة! أو قد يتخلص منها الجسم مع ضرر محتمل للكلية اذا زادت عن الحد المسموح به كما سنرى في المقال.

موقع ليف سترونغ (livestrong) الذي لا يخلو أحياناً من ترويج لبعض المواد يقدم مقارنة موزونة بين الحليب وبروتين مصل اللبن، لكنه لا يستطيع أن يخرج بخلاصة ينتصر فيها لأحدهما وهو يستشهد ببضعة دراسات لكل منهما[2]. وهكذا هو الحال في كثير من الدراسات، من الصعب أن تعطي الأفضلية لبروتين مصل اللبن بشكل كبير. فهل تعطيه الأفضلية بمالك وتعول عليه وكأنه إكسير سحري لبناء العضلات؟

تجدر الإشارة إلى أن دراسات كثيرة تقارن بروتين مصل اللبن بالبلاسيبو، أو أنها تثبت مفعوله على أشخاص ذوي تغذية سيئة جداً، أي أنهم يستبدلون بعض العناصر السيئة ببروتين مصل اللبن الجيد مثل الدراسة الشهيرة التي أجريت على عناصر من الشرطة الأمريكية وأثبتت زيادة الكتلة العضلية لديهم ونقصان الدهون مقابل المجموعة الأخرى. دراسات كهذه لا تمثل دليلاً جيداً لمقارنة أصناف مصادر البروتينات مع بعضها، أو بروتين مصل اللبن مع مواد أخرى (مثل الدراسة التي قارنته مع الكاربوهيدرات أعلاه).

نباتيون، خضريون وأشخاص عاجزون عن تناول البروتينات

قبل مناقشة مصادر البروتينات، ألا يجدر أن نناقش كمية البروتينات الفعلية التي نحتاجها؟ هل سمعتم يوماً بشخص يعاني من نقص حاد في البروتينات؟ ربما في حالات المجاعات في الدول الفقيرة فقط، والحالة نادرة بشكلها الطبيعي [3]، لأن هناك الكثير من الأوهام حول البروتينات، علينا أن نعرف بعض الحقائق.

النقطة الأولى، يستطيع جسم الإنسان صناعة 10 أحماض أمينية من أصل 20[4]. فنحن لا نعتمد كلياً على ما نتناوله من الأغذية للحصول على البروتينات. وتقوم الريبوسومات بهذه المهمة في جسم الإنسان [5]. وما تقرره الكميات الغذائية المرجعية حول ما نحتاجه من البروتينات بعيد كلياً عما تصفه شائعات الصالات الرياضية والتي تدعو الى ما يزيد عن 200 غرام، فالمقرر هو 0.8 غرام لكل كيلوغرام من الجسم بل وأقل من ذلك وفق بعض النصائح الارشادية، أي ما قد يقل عن 80 غرام للرجل [6] فقط. أما الجمعية العالمية للرياضة (The International Society of Sports) فتقترح غرامين لكل كيلوغرام من الجسم للرياضيين، والتي سنرى أن لها بعض الأضرار كما سيأتي في المقال.

أما الهوس بالبروتينات الحيوانية وبالحاجة لكميات كبيرة من اللحوم أو بروتين مصل اللبن بدعوى أن النباتات لا تحتوي على جميع الأحماض الأمينية فهو غير صحيح عند ربطه بالبناء العضلي[7]. ماذا لو علمنا أن هناك الكثير من لاعبي بناء الأجسام النباتيين بل ومن الخضريين أيضاً؟ صحيح أن البروتينات يُمكن الحصول عليها من النباتات بشكل جيد. لكن هل سيحصل عليها هؤلاء بالنسب ذاتها؟ ألا يدعونا ذلك للتشكيك في واقع الحاجة للكميات الكبيرة من البروتينات ولأنواع معينة من البروتينات للحصول على البناء العضلي، لاسيما وأن القائلين بضرورة تناول 200 غرام من البروتين سيحتاجون ربما إلى أكثر من 10 أكواب من العدس يومياً لو ارادوا تحقيق ذلك الرقم، فهل يفعل لاعبو بناء الاجسام النباتيين ذلك؟

مفاجأة أخرى كبرى حول تأثير البروتينات على البناء العضلي تتعلق بالمصابين ببيلة الفينيل كيتون أو البول التخلفي (Phenylketonuria [PKU]) حيث يعاني المرضى من ضعف او انعدام القدرة على استقلاب الحمض الأميني الفينيل ألانين (phenylalanine) نتيجة خلل وراثي. يتم تقييد هؤلاء المرضى بشكل حاد جداً من تناول البروتينات. ماذا ستتوقع حول شكل المرضى وتركيب العضلات في أجسامهم؟ إحدى الدراسات قامت بمقارنة الأطفال المصابين ببيلة الفينيل كيتون مع مجموعة ضابطة ومع مجموعة أخرى من المصابين بفرط بيلة الفينيل كيتون (Hyperphenylalaninemia) والنتيجة كانت بحسب الدراسة أنه لم توجد فروقات واضحة في كتلة الجسم النحيل (lean body mass) بين العينات المصابة والعينات السليمة[8]. ماذا عن البالغين؟ يُمكنك البحث في الانترنت عن قصص لمرضى (PKU) وسترى أنهم ليسوا هياكل عظمية رغم تناولهم للبروتينات بشكل محدود جداً. ما نفهمه من مرضى بيلة الفينيل كيتون لا يعني تجريد البروتين من الفائدة في البناء العضلي، بل نرى أنه ليس أمراً يستحق الحذر عندما تكون كمية البروتين أقل مما يُنصح به لممارسي بناء الأجسام.

خلاصة هذه الفقرة، أننا لن نصبح هياكل عظمية بعدم تناول البروتينات وفق النسب الدقيقة، كما أننا لن نصبح عمالقة اذا ما تناولنا البروتينات بكميات كبيرة، وربما الأغراض الدعائية هي التي تجعل كثيراً من موديلات ومشاهير بناء الأجسام يروجون لعلب البروتين على أنها سر نجاحهم وقلة منهم يعترفون باستخدامهم للستيرويدات لبناء الأجسام.

البروتينات الزائدة

أما حول كمية البروتينات التي نحتاجها والتي سنستفيد منها في الوجبة، فبحسب الأستاذة في جامعة الاسكا كيندرا ستيكا (Kendra Sticka) في محاضرتها على اليوتيوب فإن أجسامنا ليس لها قابلية كبيرة على الاحتفاظ بالأحماض الأمينية أو ما تصفه بالحوض، وهذا الحوض ليس كبيراً جداً بل يصل الى حوالي 150 غرام من الاحماض الأمينية في مجرى الدم. وحول ما سنستفيد منه من البروتينات في الوجبة الواحدة، تخلص دراسة براد شوينفيلد والان اراغون إلى أن ما يُمكن أن تمتصه أجسامنا وتستفيد منه من البروتينات لا يتعدى 20-25 غرام في الوجبة الواحدة، ومصير ما يتبقى من ذلك هو أكسدة الأحماض الأمينية (Amino Acids Oxidation)[9]  ويضيف الباحثان أن كل ما يتعدى الـ 20 غراماً قد يزيد من الأكسدة (ماذا عن 30 غرام في الملعقة الواحدة الكبيرة لعلب بروتين مصل اللبن؟). وأكسدة الأحماض الأمينية تعني تحول الأحماض الأمينية الى سكريات عبر عملية تشكيل السكر في الجسم (gluconeogenesis) والتي تجهز جسمنا بهذه الطريقة بالطاقة لما يزيد عن 90% من احتياجه في بعض الأحيان وبالاعتماد على الأحماض الأمينية[10].

إذاً، ربما على البعض أن يعيدون النظر في طبيعة استهلاكهم للبروتين، لاسيما الذين يتناولون 20 بيضة في وجبة واحد لاستيفاء كامل حاجة البروتين اليومية

يختبر مرضى السكري مثلاً هذه الحالة بوضوح عند الجوع الشديد أو الصيام، حيث يرتفع السكر بشكل مجهول دون تناول أي شيء، ويحتاج المريض لأخذ الإنسولين وكأنه تناول وجبة كاملة من الكربوهيدرات بعد فترات الصيام، إنها فقط عملية حرق البروتينات! تنصح أيضاً حميات الكيتو دايت بعدم تناول كمية كبيرة من البروتينات للحيلولة دون المرور بهذا التأثير الذي سيعطي للجسم ما يكفي من السكريات لتتوقف عملية تفكيك الدهون (ketosis)، والتي تُعد الهدف الرئيسي من الحمية.

غير أن البروتينات الزائدة لا تحرق بشكل آمن فحسب، بل يؤدي تناول الكثير من البروتينات بمعدل يومي وعلى فترة طويلة إلى أضرار عديدة اثبتتها الدراسات التي أشارت الى كميات مثل غرامين بروتين للكيلوغرام الواحد على أنها قد تكون مسبباً لمشاكل الجهاز الهضمي، المشاكل الكلوية ومشاكل الأوعية الدموية[11]. ورغم أن نصيحة الجمعية العالمية للرياضة تذكر هذا المقدار فإننا لا نستطيع أن نقرر هل يُمكن للرياضيين الذين تشملهم الجمعية بنصيحتها أن يستمروا بتناول هذه المقادير أم أنهم مشمولون بالأضرار! كما تتفق دراسة بعدية أخرى غطت العديد من الأبحاث حول تلك الأضرار أيضاً[12].

حرق البروتينات السريعة

ذكرنا آنفاً عملية تحويل الأحماض الأمينية في الدم إلى طاقة وبنسب عالية جداً أحياناً. ويقف أمام ذلك مفهوم قد يشكل مفاجئة سيئة لمن يحتفظ بكمية كبيرة من علب بروتين مصل اللبن. تصنف البروتينات بحسب يفيس بيوري (Yves Boirie) الى بروتينات سريعة وبطيئة، ويقصد بالسرعة والبطئ هنا، السرعة التي يمتص الجسم هذه البروتينات بها، أي أن يحولها الى أحماض أمينية في بلازما الدم جاهزة للأغراض المختلفة (التزود بالطاقة والعمليات البنائية وغيرها).

يقارن بيوري في بحثه[13] بين بروتين مصل اللبن وبروتين الكيزين، ويخلص إلى أن بروتين مصل اللبن أسرع امتصاصاً من الكيزين وهذا معروف حتى في الأوساط الرياضية ومعروف علمياً أيضاً. لكن بيوري يشير في النهاية إلى أن سرعة الامتصاص هذه تحفز أكسدة الأحماض الأمينية، أي تحويلها الى طاقة! بينما تمر البروتينات البطيئة الامتصاص بمعدل أقل للأكسدة. وقد رافق تقليل الأكسدة أيضاً قلة في معدل تحليل البروتين! العلاقة هنا أصبحت معقدة بعض الشيء، ومن الصعب تحديدها بمقادير وقيم معينة، لكن علينا أن نعرف أن ما نستفيد منه من البروتينات محدد بعامل مهم وهو حرقها، وأن سرعة امتصاص البروتينات تعني أيضاً زيادة قابلية أكسدتها.

أمام الأكسدة، سرعة تفكيك البروتينات، وسرعة حرقها، فضلاً عن الحد المسموح به للسعرات الحرارية لضمان عدم زيادة الوزن، سيكون المجال ضيقاً جداً أمام الاستفادة بشكل خارق من البروتينات التي نتناولها.

البروتين الأسرع امتصاصاً هو البروتين الأسرع ضياعاً كطاقة.

خلاصة تأثير البروتين على العضلات

تناولنا في المقال السابق المشار له حول تأثير بروتين مصل اللبن على البناء العضلي وتحديداً في جزء “مناقشة الدراسات”، كيف أن البروتين مفيد للبناء العضلي، وأنه ضروري لذلك. لكننا أشرنا إلى ضرورة الانتباه للأهمية المبالغ بها لبروتين مصل اللبن، وإلى طبيعة الدراسات المتواجدة والتي تقام على عينات غير مناسبة أو للمقارنة بين أنواع مختلفة من مساحيق البروتين. لكن التشكيك الأكبر يبقى قائماً في قضية دقيقة وهي مقارنة بروتين مصل اللبن بالأنواع الأخرى من البروتينات والتي قد لا تعطيه أولوية كبيرة مثلما كان واضحاً في هذا المقال للأسباب المتعلقة بالأكسدة وسرعة الامتصاص المقترنة بكثرة الأكسدة وقلة الكمية المطلوبة لننال الفائدة. هذا فضلاً عن التشكيك بالكمية التي نحتاجها من الأساس. أيضاً لفتنا النظر إلى النتائج المحدودة والمعقولة من التأثيرات الواردة في الدراسات، والتي يجب أن تجعلك تعيد التفكير في أي طموحات لتأثير سحري تحصل عليه عند شراءك لعلبة بروتين جديدة.

المصادر

[1] Whey protein supplementation during resistance training augments lean body mass

[2] Carly Schuna, “Can I Drink Milk Instead of a Protein Shake?”, livestrong.com

[3] Atli Arnarson, PhD, “8 Signs and Symptoms of Protein Deficiency”, October 31, 2017, healthline.com

[4] University of Arizona, “The Chemistry of Amino Acids”

[5] Scitable (Nature Education), “Ribosomes, Transcription, and Translation”

[6] Healthline.com, “Protein Intake – How Much Protein Should You Eat Per Day?”

[7] Dr. Chana Palmer Davis, “Busting the Myth of Incomplete Plant-Based Proteins”, medium.com

[8] Doulgeraki, Artemis, et al. “Body composition profile of young patients with phenylketonuria and mild hyperphenylalaninemia.” International journal of endocrinology and metabolism 12.3 (2014).

[9] Schoenfeld, Brad Jon, and Alan Albert Aragon. “How much protein can the body use in a single meal for muscle-building? Implications for daily protein distribution.” Journal of the International Society of Sports Nutrition 15.1 (2018): 1-6.

[10] Lehninger, Albert L., et al. Lehninger principles of biochemistry. Macmillan, 2005. Ch.17

[11] Friedman, Allon N., et al. “Comparative effects of low-carbohydrate high-protein versus low-fat diets on the kidney.” Clinical journal of the American Society of Nephrology 7.7 (2012): 1103-1111.

[12] Delimaris, Ioannis. “Adverse effects associated with protein intake above the recommended dietary allowance for adults.” ISRN nutrition 2013 (2013).

[13] Boirie, Yves, et al. “Slow and fast dietary proteins differently modulate postprandial protein accretion.” Proceedings of the National Academy of Sciences 94.26 (1997): 14930-14935.