مثلهم مثل البشر، ومن بين الطيور الاكثر حذقاً تتمتع الغرابيات برعاية ابوية مطولة. لا فائدة من دماغٍ كبير ينشأ بلا رعاية يوفرها وجودٌ ابوي ممتد يرعاه ويحميه، وفقاً لدراسة تقارن بين الطفولة الطويلة في تنشئة البشر وأنواع محددة من طيورٍ ذكية، يُقدر معدل حجم الدماغ للإنسان البالغ نحو 2% نسبة الى جسده لكنه يستهلك 20% من السعرات الحرارية التي يصرفها جسم حامله، ويكون احتياج الدماغ البشري للسعرات الحرارية اعلى من معدله بعد البلوغ حيث يصل الى 43%   يومياً.

“للدماغ سلوك  تكيفي غريب،  فهي تأتي فارغة وتكون عالية التكلفة” كما يقول مايكل غريسير الباحث في جامعة كونستانز والمساعد في البحث، وتخبرنا ناتالي بارليتا في مقالها بمجلة كوزموس “لهذا السبب يستغرق الأفراد كثيرا من الوقت ليكون هذا التكيّف جديراً بالاهتمام”. ان الدراسات حول البشر والرئيسيات تقترح بأن العناية الابوية المطولة هي المفتاح لجعل آلية  الدماغ الايضية ذات كُلفة معتبرة ولذلك سوف يكون تطور الاذكياء على نحو أوسع، ولتسليط الضوء أكثر على وظيفة الرعاية الابوية المطولة في تعزيز مقدرة النسل على البقاء وفي تطور قدرات إدراكية اكبر واروع قرر الباحثون صرف أنظارهم الى طرفٍ قَصي من شجرة التطور ألا وهو : الطيور.

الغرابيات هي مجموعة تضم الغراب، والغداف، والزرياب؛ تعرف بذكائها الفائق في عالم الطيور وكذلك تشتهر في اتخاذها وقتا أطول في مرحلة النشأة والبلوغ، ولوضع دراسة نظامية عن بلوغ الغربان لغاية كسوها بالريش؛ اكمل الباحثون قاعدة بيانات لمسار حياة الآلاف من الطيور من بينها 127 نوع من الغربان (بحسب تصريح اماندا هيديت لمجلة science)، وبمقارنة الغرابيات ببقية الطيور فإنها تقضي وقتاً أطول في العش قبل تكتسي بالريش، وتكون اكثر تعلقا بالأبوين ولفترة أطول، كما أنها تمتلك دماغاً أكبر بالنسبة الى جسمها مقارنة ببقية الطيور المسجلة في قاعدة البيانات، نشر الباحثون هذه المعلومات في مجلة  Philosophical Transactions of the Royal Society B.  

تضمنت الدراسة حقولاً موسعة لمراقبة نوعان من الغرابيات، غراب كاليدونيا الجديدة، والزرياب السيبيري، فطيور الزرياب التي تراقب أهلها وهي تحل احاجي تجريبية تتعلم اسرع وتتلقى كمية غذاء اكثر من قِبل الوالدين، (بحسب Cosmos) ، ان سبب بقاء طيور الزرياب الفتية مع الأبوين هو لمساعدتها على البقاء وكذلك تمرير جيناتها وتكوين سلالة خاصة بها (حسب المصدر
فطيور الزرياب هذه تبقى في مجاميع عائلية الى فترة قد تصل الى الاربع سنوات، وعلى النقيض من ذلك فإن مجموعة الطيور الشبيهة بالدجاج والمعروفة بالشقبانيات لا تحتضن بيوضها حتى،  حيث تضع بيوضها في جحر ما او داخل كومة من الاوراق المتهالكة، ولذلك فإن صغار طيور الشقبان هذه تبدأ رحلتها في الحياة بالحفر لعدة أقدام خروجاً من كومة اوراق نباتية متعفنة او التراب، ثم تظهر قدرتها على الطيران والدفاع عن نفسها. وخلال مراقبة غربان كاليدونيا الجديدة لاحظ الباحثون اباء الغربان وهم يسمحون لصغارهم بالتطفل عليهم وهم يستخدمون العيدان في جمع الطعام، ان هذا التسامح الأبوي ضروري لنشوءهم بهذا الشكل، ووفقا  للدراسة فإن صغار الغربان هذه تبقى سنة كاملة لتكتسب مهارات حياتية أكثر تعقيدا وقيمةً، وتبقى مدة ثلاث سنوات تدرس وتراقب سلوك الأبوين. 

 وتوضح ناتالي اونيومي الباحثة المساعدة في معهد ماكس بلانك المختصة بدراسة التطور المعرفي لدى البشر:-“يشترك البشر والغربان بقضاء المراحل المبكرة من الحياة في تعلم واكتساب مهارات حيوية، مشفوعاً بالتسامح والصبر الأبوي الذي يشجع الأطفال/الفراخ خلال عملية التعلم الدؤوبة هذه”  .
وتضيف ” علاوة على ذلك، فإن كِلا الغربان والبشر يمتلكون القدرة على التعلم الدؤوب والذي يستمر طيلة فترة الحياة، وهذا يعكس نوع مرن من الذكاء يُمكن الفرد من التكيف مع التغييرات البيئة التي تجرى على مدار حياته”.

يناقش الباحثون ان تطوير التربية المطولة هي أمر حيوي لتطور تزايد القدرات الإدراكية المتقدمة، وهذا محور نقاشٍ حاد بين الباحثين فقد ذكروا :”ان الرعاية الابوية المطولة توفر ملاذاُ آمناً، ومنفذاً الى القدوة المتسامحة، ومنح فرص للتعلم و كيفية جمع الطعام” وهذا سوف يمنح النسل فرصة أكبر للنجاة.
وهذا سوف يدفع نحو التطور بطريقين؛ الأول: ان النسل الناتج من أبوين مخلصين عانوا في رعايتهم سيعيش هذا النسل فترة حياة أطول وينتج اطفالاً اكثر، وهذه الخصال قد تكون طبيعية وشائعة من خلال الانتخاب الطبيعي. 

الثاني: قد تتكون ظروف تسمح بازدهار نسل فريد بذكائه، وهذا يدفع بتطور مجموعة مهارات إدراكية جديدة، ربما تستغرق شهوراً او سنين حتى تتطور.
وتقول اونيومي لمجلة  Science:” ان الدراسات حول تطوير حيوانات اخرى تغايرنا نحن البشر مثل الطيور يعطينا فكرة عن الظروف التطورية التي ساعت على تطور عقولنا الكبيرة و رُقي ذكائنا”. 

المقال الأصلي:

Alex Fox, “A Long Childhood May Be How Crows and Jays Evolved Their Smarts”, SMITHSONIANMAG.COM,  JUNE 10, 2020