ظل مرضى السكري يموتون منذ أن قام قدماء المصريين بملاحظة  بعض المرضى الذين يعانون من كثرة التبول والعطش المستمر، وإكتفائهم  فقط بوصف شرب الكثير من الماء، ومن بعدهم ملاحظة أطباء الهند بانجذاب النمل لبول هؤلاء المرضى،  وقيامهم بتسمية هذا المرض بـ البول السكري، أي البول الشبيه بالعسل (Honey-like urine)، وقيام الإغريق بتسمية هذا المرض باسم الـ (Diabetes) فيما بعد، بمعنى كثرة الإخراج أي التبول، ثم أواخر عام 1700م  بإضافة مقطع (Mellitus) أي السكري، ظل هؤلاء المرضى يموتون، بحالة ما نعرفه الأن بـ (Diabetic Ketoacidosis)، أو حموضة التبول السكري الكيتونية. فما الحل!!

عودة بالزمن إلى ما قبل 150 عام، تحديداً  صيف عام 1868م، تمكن طالب طب ألماني في جامعة برلين يدعى بول لانجرهنز (Paul Langerhans) باستخدام  مجهره الصغير، من إكتشاف مجموعات متشابهة من الخلايا المتناثرة داخل البنكرياس اسماها باللغة الألمانية (Zellhaufen) أي الكومة من الخلايا، وتابع شغفه بهذه الخلايا  حتى بعد تخرجه ودراسته للدكتوراة، ولكن لم يستطع في النهاية تحديد وظيفتها، واكتفى فقط بعرض مشاهداته في مناقشة رسالته للدكتوراة عام 1869م! بعد 25 عام – سنة 1893م، قام عالم  الأنسجة الفرنسي إدوارد لاجويس، باللغة الفرنسية (Édouard Laguesse)، بتسمية هذه المجموعات المتناثرة باللغة الفرنسية (Les îlots de Langerhans) جزر لانجرهانز، باللغة الإنجليزية  تقابل (Islets of Langerhans)، وافترض أنها تقوم بإفراز مادة ما لها علاقة بهضم الطعام، بعد ملاحظة العالم الألماني أوسكار منكواسكي (Oskar Minkowski) أن إزالة البنكرياس من الحيوانات يؤدي  إلى إصابتهم بمرض التبول السكري! لكن مازال المرضى يحكم عليهم بالموت، وكل ما في وسع الأطباء فعله هو التوصية بشرب الماء، والتقليل من أكل السكريات!

في عام 1920م، خرجت مقالة طبية  تتسائل عن إمكانية أن يكون استخلاص  تلك المادة المزعومة من البنكرياس قد يساهم في المستقبل في علاج مرض التبول السكري! وفي ذلك العام، وعند قراءتها، فكر جراح  العظام الكندي الشاب فريدريك بانتج، أو (Frederick Banting) مع مساعده طالب الطب الشاب كارلس بيست (Charles Best) بدراسة المرض، وإجراء تجارب استخلاص تلك المادة من  جزر لانجرهانز داخل البنكرياس، فانضما إلى مختبر البروفيسور جون ماكلويد (John MacLeod)، أستاذ علم وظائف الأعضاء حينها! أكتشف الثنائي أن المعضلة تكمن في أن إنزيمات البنكرياس كانت تهضم تلك المادة أثناء استخلاصها، ولذلك قررا أن يتخلصا من الأنسجة التي تفرز تلك الإنزيمات الهاضمة! بفكرة ذكية − وهي سد قناة البنكرياس، (Pancreas Duct) وبالتالي يحدث تراكم وارتجاع لكل الإنزيمات داخل البنكرياس لتقوم بهضم الخلايا المفرزة لتلك الإنزيمات نفسها ويتبقى جزء  البنكرياس الذي يفرز هذه المادة المزعومة! فحصلا بعد عدة أسابيع من سد قناة البنكرياس، على بواقي البنكرياس، ثم قاما بتجميدها بماء مالح ثم طحنها، وإضافتها لمحلول ملحي، ثم حقنها في حيوان منزوع البنكرياس، فحدث ما توقعتها المقالة – وعادت نسبة السكر في الدم إلى طبيعتها خلال ساعتين!

في نهاية عام 1921، انضم للفريق جيمس كوليب، (James Collip) بروفيسور الكيمياء الحيوية المخضرم،  الذي ساعد في تطوير طريقة أفضل لفصل وتنقية المادة المكتشفة، ومن ثم أطلقوا عليها اسم إيليتين (Isletin)، من الكلمة باللغة الإنجليزية (Islet) أي الجزيرة الصغيرة، ليكون الاسم الكامل مادة جزيرات لانجرهانز.

بعد ذلك غير مدير المختبر البروفيسير جون ماكلويد اسمها إلى كلمة إنسولين (Insulin)، من الكلمة  اللاتينية (insula) أي الجزيرة! ليأتي عام 1922م، وتنجح محاولات حقن المرضى بالأنسولين عن طريق العضل، ليفتح الباب لعلاج الملايين من المرضى! التحق فريق البحث الثلاثي بشركة الكيميائي الصيدلي الأمريكي الجنسية إيلي ليلي (Eli Lilly)،  وهي شركة ليلي للمستحضرات الصيدلية (Lilly Pharmaceutical Company) ليتم إنتاج الإنسولين تحت الاسم التجاري (Iletin) عام 1923م، المستخلص من البقر والخنازير، وبذلك لم يعد تشخيص المريض بـ التبول السكري حكماً بالإعدام منذ ذلك الوقت!

الإنتاج الصناعي

التجربة الأولى كانت مبنية على المستخلص الذي حصل عليه فريدريك بانتج من  البنكرياس. والذي كانت مشوباً بالبروتينات والدهون، مما يعوق امتصاص الإنسولين في الجسم والذي كان يتسبب أيضاً في تفاعلات  تحسسية أدت لتكوين خراج مكان الحقن مع أول تجربة في البشر، ولفصل الإنسولين، كان لابد من فصل البروتينات والدهون الموجودة!

أي جزئ بروتين يحتوي على بعض الشحنات الموجبة وبعض الشحنات السالبة، ولكن محتوى الماء داخل الخليط يزيد من ذوبان البروتينات لأنه يتفاعل بشكل قوي مع تلك  الجزيئات، فيعزل الشحنات الموجودة على جزيئات البروتين عن بعضها البعض بشكل كامل، فيمنعها من التجاذب فيما بينها ومن ثم يمنع الترسب! لذلك إذا أردنا تنقية خليط ما، فعلينا  إزالة الماء منه، بإذابة الخليط في الكحول الذي له قوة أقل في عزل الشحنات، ومن ثم التجاذب أكثر فيما بينها، ومن ثم تترسب بسهولة، فيتم فصل الشوائب ويتم الحصول على مستخلص يحتوي على  إنسولين أكثر تركيز ونقاء، وهو تماماً ما فعله جميس كوليپ.

بعد محاولات كثيرة إكتشف كوليب أن  أنسب تركيز للكحول والذي يرسب الشوائب ولا يرسب إنسولين، وهو بإضافة محلول 80% كحول  و 20% ماء إلى المستخلص، عدة مرات، لتنجح تجربة حقن المرضى بمادة الإنسولين بشكل فائق،  فقط جرعة واحدة للحقن العضلي في اليوم تكفي!

عندما حاول جميس كوليپ إنتاج كمية كبيرة، فشل في استخلاص  مادة الإنسولين الفعالة، دون سبب معلوم، بالرغم من أنه اتبع  نفس الخطوات، وبذلك سيكون هناك عجز في توفير جرعات يومياً كافية للمرضى إذا ما قرر الخروج  للسوق، مما يجهض الفكرة ويجعلها حبيسة المختبرات لذلك اضطرت جامعة تورونتو الكندية التي تتضمن مختبر البروفيسور جون ماكلويد، أن تتعاقد في مايو عام 1922م مع  شركة ليلي للمستحضرات الصيدلية، أو (Lilly Pharmaceutical Company) الأميركية لتطوير طرق تسمح بتوفير كميات كبيرة من الإنسولين! وضعت الشركة الكيميائي الأمريكي جورج وولدين (George Walden) على رأس برنامج تطوير إنتاج الإنسولين، ومحاولة اكتشاف سبب الفشل لـ جميس كوليب في إنتاج كميات  كبيرة.

بعد البحث اكتشف الكيميائي  جورج وولدين أن عند استخدام حاويات كبيرة وتعرض الخليط للهواء، تتغير درجة الحموضة pH، مما يؤدي إلى ترسب الإنسولين مع الشوائب، وبالتالي يحصل على محلول خالي من الإنسولين! البروتينات تحتوي على شحنات موجبة وسالبة، وكمية هذه الشحنات تعتمد  بشكل كبير على كم ذرات الهيدروجين الموجود في الخليط – أي درجة الحموضة الـ pH، وعند درجة pH معينة لكل نوع بروتين تتساوى الشحنات الموجبة والسالبة وتلغي بعضها البعض، مما يؤدي إلى تساقط جزيئات البروتين بفعل الجاذبية، ومن ثم الترسب، وهو ما جعل الكيميائي جورج وولدين يطلق على العملية  اسم (Isoelectric precipitation) أو الترسب بالتعادل الكهربي! بالتجارب المتكررة اكتشف وولدين أن هذه القيمة للأنسولين البقري كانت 5.7 وبالتالي كان يتوجب الحفاظ على الـ pH أقل من 5.7 مما جعل الحصول على الشكل الأنقى للأنسولين أكثر سهولة.

لتنجح الشركة باستخدام هذا الأسلوب في استخلاص 130 ألف  وحدة إنسولين من البنكرياس الواحد مقارنة بـ 20 وحدة إنسولين من البنكرياس الواحد بطريق الكيميائي جميس كوليپ! ثم لتنتقل الفكرة من المختبرات الكندية إلى المصانع الأمريكية، ومن حينها و شركة ليلي للمستحضرات الصيدلية تعد من أكبر شركات تطوير وإنتاج الأنسولين!  

نورديسك في الدنمارك

في خريف 1922م، بعد رحلة بحرية طويلة، وصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، البروفيسير  أوجست كروو (August Krogh) الدنماركي – أستاذ علم وظائف أعضاء الحيوان، بجامعة كوبنهاجن مع زوجته ماري كروو (Marie Krogh) الطبيبة والمتخصصة أيضاً في علم وظائف الأعضاء، بدعوة  من جامعة ييل الأمريكية (Yale University)، للإلقاء عدة محاضرات عن أبحاثهما في علم وظائف الأعضاء! خلال زيارتهما كانت الأخبار تتوارد عن إنجازات ونجاحات شركة ليلي في إنتاج الإنسولين بكميات كبيرة وتوفير الدواء لمرضى كثرة التبول السكري.

وهنا اقترحت الطبيبة ماري كروو، على زوجها مراسلة  جامعة ترونتو الكندية – صاحبة براءة الاختراع، لأخذ  تصريح إنتاج الإنسولين داخل الدنمارك، ولدول شمال القارة الأوروبية، كما أنها كانت قد أصيبت نفسها بمرض  السكري بعد ذلك! بعد أخذ التصريح، عاد الزوجان في ديسمبر 1922م، إلى الدنمارك، وبعد شراكة مع الطبيب الدنماركي الشاب والباحث هانز كرستيان هاجيدوورن (Hans Christian Hagedorn) وبدعم مالي من الصيدلي الدنماركي  أوجست كونج-إستد الطبيب (August Kongsted)، قاموا بتأسيس مختبر إنتاج الإنسولين بالشمال الأوروبي (Nordisk Insulin laboratorium)، كمؤسسة غير ربحية، حيث توجه أرباحها لدعم الأبحاث الطبية!

أتخذ المختبر شعار الثور، الذي  يحمل قرص شمس فوق رأسه، نظراً لنهوض عصر إنتاج الإنسولين من البقر حينها، كما أنه نفس  صورة العجل أبيس (Apis Bull) الفرعوني الذي يحمل الإزدواجية: عنفوان الخصوبة، والتدمير الأقصى، وأيضاً النهار المتمثل في القرص الشمسي فوق رأسه، والليل المتمثل  في الشكل الهلالي لقرنيه – مما يمثل تأثير الأنسولين النافع، والضار والممتد ليل نهار!

بدأ المختبر الدنماركي الناشئ في إنتاج الإنسولين للمرضي في ربيع 1923م، لأول مرة في منطقة الشمال الأوروبي، تحت رئاسة الطبيب هانز هاجيدوورن، الذي أعتزل الطب، وتفرغ لإدارة المختبر! مرت سنة تلو الأخرى، وشركة  ليللي الأمريكية من ناحية ومختبر نورديسك الدنماركي من ناحية أخرى يزيدان من نقاء الأنسولين المستخلص بجعله خالياً من شوائب البروتين الحيواني، الذي كان يتسبب في تهيج مكان الحقن للمرضى، وأحياناً تفاعلات تحسسية تؤدي الى تكون خراج غير بكتيري!

لاحظ الباحثون أنه كلما زاد نقاء الإنسولين كلما زادت سرعة امتصاصه إلى الدم بعد الحقن  – حيث كانت الشوائب تعيق هذا الإمتصاص، مما تطلب الحقن متكرر لثلاث مرات أو أكثر على مدار اليوم، بدل من  حقنة واحدة يومياً كما كان هو الحال في السنوات الأولى لاكتشاف الإنسولين، كما أن سرعة الإمتصاص تسبب هبوط حاد لمستوى السكر في الدم إلى  حد يهدد حياة المرضى، مما أدى عزوف المرضى عن الالتزام بجرعات الإنسولين المحددة، وبالتالي وجود مستويات عالية وغير مستقرة للسكر في الدم خصوصاً عند الاستيقاظ صباحاً، وما قد  يتبعها من حموضة بالدم!

ظهرت الحاجة لتطوير طريقة  لضبط إتاحة الإنسولين للدم (Controlled Delivery System) بإعاقة امتصاص الإنسولين، منها عمل مستحلب من الإنسولين، بزيت الليسيثن؛ أو  حقن خليط من مادة الأدرينالين خلاصة الغدة النخامية مع الإنسولين، لعمل انقباض في الأوعية الدموية، وبالتالي تقليل معدل امتصاصه. ولكن كل الطرق  السابقة لم تعطي تأثيراً منتظماً وثابتاً يمكن التنبوء به لإطالة عمل الإنسولين!

ظل الطبيب هانز هاجيدوورن  يتابع كل تلك المحاولات، ويزداد شغفه أكثر بعلاج مرض كثرة  التبول السكري. وقد رأى أن أول خطوة هي إنشاء مستشفى خاصة لعلاج المرضى، من أجل المتابعة عن قرب وإجراء الأبحاث، لذلك وفي عام 1932م، قام بالإشتراك مع الصيدلي أوجست كروو بإنشاء مستشفى عالم  التشريح الدنماركي الراحل استينو التذكاري للسكري (Steno Memorial Hospital) – لعلاج مرضى كثرة التبول السكري! بعد سنوات من التفكير، وفي عام 1934م، خطر في ذهن الطبيب هانز هاجيدوورن فكرة أن مشكلة الشوائب  البروتينية الحيوانية السابقة كانت تسبب عدة تفاعلات تحسسية لاختلاف تركيبها عن البروتينات البشرية، فقرر البحث عن بروتين منتشر في جميع الكائنات الحية، له نفس التركيب الكيميائي!

قام هانز هاجيدوورن بالإطلاع على خط بحثي كان قد بدأه في  عام 1867م، عالم الأحياء السويسري فريدريك ميشار، الطبيب (Friedrich Miescher)، للكشف عن التركيب الكيميائي  لأنوية الخلايا لاعتقاده أن سر الحياة يكمن داخلها، فأكتشف عام 1869م، خلال العمل على الحيوانات المنوية المأخوذة من سمك السلمون أن الأنوية بها جزء حمضي أسماه مادة النيوكلين (Nuclein)، وهو  ما عرف بعد ذلك بـ الحمض النووي، وجزء قلوي جداً اسماه البروتامين، الـ Protamine كلمة proto تعني بدائي.

البروتامين هو عبارة عن سلسة أحماض  أمينية أولية بسيطة، عرف بعد ذلك أنه يلتف مع الحمض النووي  ويضغطه في أقل حيز ممكن! أثبت فريدريك ميشار أن مادة النيوكلين ومادة البروتامين موجودتان تقريباً في جميع خلايا الحيوانات المنوية لمختلف الفصائل الحيوانية، كما أنه في عام 1885م، أثبت زميله ألبريخت كوسيل أو (Albrecht Kossel) وجود مادة النيوكلين أنه في باقي الخلايا الحية. فضلاً عن مادة بديلة للبروتامين اسماها بروتين الهيستون (Histone)، وتعني بالألمانية المادة الخفية!

انسولين NPH

كان من المثبت منذ عام  1864م، أنه قد تم فصل مادة  الجلوبين (Globin)، من الهيموجلوبين عندهم في دم جميع  الكائنات الحية. والجلوبين هو بروتين عديم اللون – بعكس الهيم، Heme، المسئول عن اللون الأحمر للدم! لذلك رتب هانز هاجيدوورن الترشيحات الثلاث من الأكثر  تعقيداً إلى أكثرهم بساطة: بروتين الجلوبين ثم بروتين الهيستون، ثم البروتامين، فوجد أن انسبهم من حيث سهولة الذوبان هو البروتامين. كانت مستحضرات الأنسولين  السابقة، تحت الاسم الكيميائي الـ (Insulin Hydrochloride) وهو مركب حمضي – أقل من نقطة التعادل الكهربي للأنسولين لمنع ترسب الأنسولين والحفاظ عليه في حالة من ذوبان في المستحضر، كما يساعد على عدم تنشيط أي شوائب من الإنزيمات التي قد تكون موجودة بعد الاستخلاص، وبالتالي فهو يمنع تكسر الإنسولين!

خدمت الصدفة أن إرتباط  الإنسولين مع مادة البروتامين يتطلب وسط متعادل، وأنه بعد إتمام عملية تكوين المركب، فقد حدث وأن ارتفعت نقطة التعادل الكهربي  للمركب ككل. وبما أن المستحضر متعادل، فهذا يعني أن مركب الإنسولين مع البروتامين سيترسب داخل العلب الزجاجية، ولذلك اشتهر لاحقاً بالاسم  الإنسولين المعكر، أو الـ (Cloudy Insulin)، كما أن رقم 7.3 قريب جداً من درجة الـ pH للإنسجة الخلالية تحت الجلد في مكان الحقن، مما يعني  عدم ذوبان المركب بشكل سريع بعد حقنه وبقاءه مترسباً تحت الجلد إلى أن يقوم الجسم بتكسير الرابطة بين البروتامين و الإنسولين! وبذلك أصبح لدينا نوع جديد  من الإنسولين تحت مسمى الـ (Protamine Insulinate)، والذي عرف لاحقاً باسمه الـ (Neutral Protamine Insulinate of Hagedorn NPH)، أي إنسولين هاجيدوورن البروتاميني المتعادل.

النتائج كانت مذهلة، أصبحت مدة عمل الإنسولين ضعف تلك المدة للأنسولين السابق الذي عرف باسم الإنسولين العادي/المعتاد (Regular Insulin) أي بدون أي إضافات، فالمريض أصبح يحتاج الحقن مرتين خلال اليوم فقط، كما أنه لا يتم امتصاص الإنسولين بشكل سريع، فيصل تركيزه، لقمته في الدم بشكل حاد، فلا يعاني المريض من كثرة  نوبات النقص الحاد في سكر الدم، كما كان هو الحال مع الإنسولين المعتاد، وبالتالي تحكم أفضل في إرتفاع نسبة السكر في الدم!

على مدار عامين، قام الطبيب  هانز هاجيدوورن بتجربة إنسولين الـ NPH الجديد داخل مستشفاه، ليحقق نجاحات مذهلة داخلها، ويخرج إلى السوق في عام 1936م، ويتم تسمية فترة الثلاثينيات في الأوراق العلمية : عصر هاجيدوورن (The Hagedorn Era)، مهد إلى ما نعرفه الآن بـ مستوى الإنسولين الأدنى أو بالإنجليزية الإنسولين الأساسي (Basal Insulin)!   

إضافة الزنك

عودة إلى عام 1926م، مع أستاذ علم الأدوية الدكتور جون آبل (John Abel) بكلية الطب في جامعة جونز هوبكنز، الأمريكية (Johns Hopkins University) ومحاولة تنقية الإنسولين، ليجد بنهاية الأمر أن الإنسولين النقي كوّن عدة بلورات سداسية شفافة متلألئة على جوانب أنبوب الإختبار، ويعلن في ورقة علمية أن الإنسولين البلوري الشكل (Crystalline Insulin)، هو أنقى صورة ممكنة للأنسولين.

ولكن هاجمه الجميع إما لاعتقادهم أن البللورات ما هي إلا بروتين يمتز عليه الإنسولين، حيث كان الإعتقاد أن الإنسولين له شكل غير بلوري (Amorphous)، أو لعدم قدرتهم على إعادة التجربة بأنفسهم! عام 1935م − وداخل مختبر كوناكت (Connaught Labs)  الكندي، التابع لجامعة تورنتو الكندية، والذي شهد اكتشاف الإنسولين 1922م.

ومع ديڤيد سكوت (David Scott) – الكيميائي المخضرم، الذي رأى بعد قراءة ورقة بحثية تعود للعام 1926م تثبت أن البنكرياس يحتوي على عنصر الزنك. لذا خطر في ذهنه أن إضافة عنصر الزنك أثناء استخلاص الإنسولين يسهل عملية التبلور (Crystallization)، وبالتالي استخلاص الإنسولين في أنقى صوره، وبالتالي طوّر طريقة الدكتور جون آبل، فأصبح من الإمكان إنتاج كميات كبيرة من الإنسولين البلوري الشكل، في أنقي صورة ممكنة، كما أنه أثبت أنه كلما زادت كمية الزنك المضاف للمستحضر، كلما تأخر عمل الإنسولين في الجسم، واستنتج في نهاية الأمر أن البنكرياس يستخدم الزنك لتخزين الإنسولين في صورة غير نشطة، وهو ما توصل له العلم بعد ذلك – حيث يكون الإنسولين داخل خلايا البيتا في البنكرياس عبارة عن ستة وحدات (Six Monomer) مرتبطة بذرتين زنك، قبل انحلالها وإفرازها في الدم.

مع خروج إنسولين الـ (NPH)، إلى السوق، ظهرت عدة أمور، الأولى إختلاف فعالية الإنسولين من دفعة إلى أخرى، بسبب أن جزيئات البروتامين-إنسولين تمتز على جدران العلب الزجاجية، لذلك قام الكيميائي ديفيد سكوت و زميله الكيميائي ألبرت فيشر (Albert Fisher)، في نفس العام بتجربة إضافة عنصر الزنك إلى هذا المستحضر كعامل تثبيت، يمنع امتزاز الجزيئات، ونجحت التجربة، حيث كانت هذه المستحضرات قد حققت استقراراً فيزيئياً لمدة 6 أشهر على الأقل، ليتم إنتاج الإنسولين المعدل (Protamine Zinc Insulin) بروتامين–زنك–إنسولين، أو اختصاراً (PZI)، كما أن عنصر الزنك كان يطيل من فترة امتصاص الإنسولين ليمتد أكثر من 12 ساعة − أي أكثر من مدة الـ “NPH”!

كان إمتصاص الـ “PZI”، بطيئاً وغير منتظم ويمتد إلى 24 ساعة في بعض الأحيان، مما يزيد من نوبات نقص سكر الدم، أثناء النوم خصوصاً، كما ظهرت الحاجة لتأثير فوري بعد الأكل فتم خلطه مع الإنسولين المعتاد، ولكن، وعلى العكس فشل في ضبط مستويات السكر، بفعالية وتعرض المرضى لنوبات متكررة من انخفاض نسبة السكر بالدم ليلاً، مما أدى لعزوف المرضى عن الإلتزام بالجرعات! ليأتي عام 1946م، ويكتشف الكيميائي كارليس كراينبول، أو (Charles H Krayenbuhl) وزميله الكيميائي توماس روزنبرج، أو ( Thomas Rosenberg)، داخل مختبر نورديسك للإنسولين، أن السبب كان وجود كميات زائدة من البروتامين داخل مستحضرات الـ “NPH”، مما يجعلها ترتبط بـ الإنسولين المعتاد عند خلطه معه، فيعيق امتصاصه، وكان الحال هو ضبط نسبة الإنسولين إلى البروتامين أثناء إنتاج مستحضر الـ (NPH)، لتكون 1:5، وهي الطريقة التي تم إعطاء اسم لها الـ (Isophane Insulin)، أي إنسولين له نفس التواجد، فكل من جزيء إنسولين أو بروتامين إما أن يكونا متحدين معاً أو منفصلان تحت الجلد، ويمتص الإنسولين مباشرة بعد انحلالها من المركب!

مراجع:

  • Hilgenfeld, Rolf, et al. “The evolution of insulin glargine and its continuing contribution to diabetes care.” Drugs 74.8 (2014): 911-927.
  • Borgoño, Carla A., and Bernard Zinman. “Insulins: past, present, and future.” Endocrinology and Metabolism Clinics 41.1 (2012): 1-24.
  • Quianzon, Celeste C., and Issam Cheikh. “History of insulin.” Journal of community hospital internal medicine perspectives2.2 (2012): 18701.