عمّ الفرح الأوساط العلمية والأكاديمية بعد تعيين مابيل كيسيلا توريس (Mabel Gisela Torres Torres) قبل شهرين كوزير للتعليم العالي في كولومبيا، باعتبارها باحثة تعرف جيداً معاناة الباحثين. وقبل استلامها للمهام بيوم واحد قام أحد الباحثين الكولومبيين في الخارج بتقديم مقالة اثارت الأوساط العلمية وجعل قضيتها موضعاً للتداول العالمي.

في العام الماضي وفي لقاء صحفي أعلنت الباحثة حينها عن حصولها على براءة اختراع لعلاج السرطان نهائياً بواسطة مركبات فطرية، وأنها قامت بالتجربة على مرضى بسرطان الثدي والمبايض اضافة الى سرطان الكبد.

هناك مطالب الان لعزلها من المنصب لان سجلها البحثي فيه الكثير من بحوث العلم الزائف، وربما سينجح الباحثون في كولومبيا بإزاحتها عن المنصب بعد تحول القضية الى مثار للنقاش بين الأوساط الأكاديمية حول العالم عن مدى خطورة تولي رعاة العلم الزائف والبحث العلمي بالاستنتاجات العريضة غير المدعومة بالمنهجية العلمية زمام الأمور.

بطبيعة الحال، فقد يُثار التساؤل حول كيفية مرور بحث كهذا وكيفية نجاحه في ظل العملية التقليدية الناجحة للقيام بالأبحاث والتجارب ونشرها، وهنا يكمن الخلل الرئيسي فضلاً عن زيف الادعاءات. حيث قامت توريس بتجاهل مراحل مهمة في عملية تقييم البحث وقامت في الوقت نفسه بتجاهل عوامل السلامة وتقديم الفطريات للمرضى ظناً منها أنه ببساطة سليم وغير ضار. وهكذا فإنه من الصعب أن نجد بحثاً ذو أسس زائفة وهو يجتاز مراحل البحث العلمي المختلفة.

لابد هنا أن نطرح سؤالاً قمنا بطرحه في مقالات سابقة، لماذا لا يُمكن معالجة السرطان بمادة كيميائية أو مادة طبيعية ببساطة؟ أولاً علينا أن نعرف أن المواد الطبيعية وكل ما في الطبيعة هو مواد كيميائية من الأساس، كل ما هو طبيعي من النباتات والحيوانات وغير ذلك هو مواد كيميائية، سواء كان الاسمنت او الفطريات أو الثوم أو المركبات التي تستخدم في العلاج الكيميائي. أما بالعودة الى السؤال، فإن الأفكار التي يتخيلها الكثيرون حول علاج السرطان تستند إلى كون الخلايا السرطانية هي خلايا تعاني من مشكلة ما، وواقعاً فإنها ليست سوى خلايا طبيعية تعاني من نمو مضطرد نتيجة خلل وراثي دقيق.

أما الخلل الثاني في علاجات كهذه، هو أن الادعاءات الزائفة غالباً ما تقدم حلاً لأنواع عديدة من السرطان أو للسرطان بشكل عام وهذا في الحقيقة غير ممكن نظراً لتنوع المسببات وتنوع العوامل الجينية المسببة. السرطان أيضا يحمل درجة كبيرة من التعقيد بطبيعة النمو، والاستجابة للعوامل المحفزة والمثبطة للنمو اضافة الى الخلل الوراثي، فحتى ما ينجح في خطوط الخلايا المختبرية، يفشل في كثير من الحالات عند تجربته على أنسجة معقدة.

وهذا ما يجعل الطريق أمام علاج السرطان منحصراً بالعلاجات التي تنهك الجسد بأكمله نظراً لطبيعة الخلايا السرطانية المشابهة للخلايا السليمة، أو العلاجات الحديثة الحيوية التي تستهدف العنصر المسبب للخلل في الخلية بدقة وعبر وسائل أحيائية مثل الأجسام المضادة (antibodies).

إذاً فربما علينا أن نراجع أفكارنا حول السرطان قبل أن نبدأ بتبجيل الباحثين الذين يسلكون مع السرطان طريق معالجة الأمراض الجلدية أو اعتلالات الجهاز الهضمي المؤقتة، وقبل أن ينتهي تبجيلنا لهؤلاء بنيلهم لمراكز مهمة على الصعيد البحثي مثلما حدث مع هذه الوزيرة في كولومبيا.

 

مصدر الخبر:

Rodrigo Pérez Ortega, “Colombia’s first ever science minister faces calls to resign over fungi-based cancer treatment”, sciencemag.org, Feb. 3, 2020