يعتبر آرثر ماكدونالد أحد الفيزيائيين المؤثرين في علم فيزياء الجسيمات، وذلك لعمله في إثبات أن جسيمات النيوترينو تتذبذب وتتغير من نوع إلى آخر، والذي يدل على امتلاك النيوترينو كتلة صغيرة جداً مقاربة للصفر. اهتز الوسط العلمي أنذاك وذلك لأنه من الأسس الموجودة في النموذج القياسي (والذي هو عبارة عن مخطط يحتوي على الجسيمات الأولية في الطبيعة) إن جسيمات النيوترينو لا يمكن أن تمتلك كتلة على الإطلاق، لكن آرثر اكتشف شيء مختلف تماماً. قاد ارثر مختبر سدبروي للنيوترينوز SNOLAB، وهو من أعمق المختبرات في العالم على بعد 2 كم تحت الأرض.

تكلمنا في هذه المقابلة عن فيزياء النيوترينو، وكيف تمكن آرثر من اكتشاف هذه الجسيمات. سألت ارثر عن حصوله على جائزة نوبل، من ألهمه للعمل في الفيزياء، وما هي توقعاته المستقبلية.

العلوم الحقيقية (حسن): سنبدأ بمقدمة عنكم ثم ندخل في الموضوع حول النيوترينو. الدكتور آرثر ماكدونالد هو فيزيائي رائد في مجال الفيزياء الفضائية، وقد كان المدير العام لمرقب سدبري للنيوترينو وقد شغل كرسي غراي للفيزياء الفضائية بجامعة كوينز في كينغستون بأونتاريو منذ 2006 حتى 2013. وقد حصل الدكتور ماكدونالد على شهادة البكلوريوس من جامعة دالهاوسي (Dalhousie University) بنوفاسكوشيا، وحصل على شهادة الماستر من الجامعة ذاتها، ثم حصل على الدكتوراه من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في الولايات المتحدة. وقد عمل في مختبرات تشالك ريفر النووية (Chalk River Nuclear Laboratories) قرب أوتاوا ثم انتقل ليصبح استاذاً في جامعة برينستون، ثم بجامعة كوينز وقد حصل على جائزة نوبل للفيزياء عام 2015 لاكتشافه تذبذبات النيوترينو والتي تظهر أن دقائق النيوترينو لها كتلة، وقد حصل على الجائزة مناصفة مع عالمة الفيزياء اليابانية تاكاكي كاجيتا (Takaaki Kajita) فأهلاً وسهلاً بكم د. ماكدونالد. سعادة لي مقابلتك وشرف لي التحدث معك فلطالما كنتَ قدوتي.

د. ماكدونالد: إنه من دواعي سروري.

العلوم الحقيقية (حسن): هل يمكن أن نبدأ بالسؤال حول ماهية النيوترينو ولماذا من المهمٌ جداً لنا أن نفهمها؟

آرثر: سأحاول أن اعرض مجموعة من الشرائح وأتكلم قليلاً عن النيوترينو [المحرر: سنترجم ما يذكره الدكتور من الشرائح مباشرة فقط ونضع الرسوم إن وجدت]. النيوترينو إلى جانب الإلكترونات والكواركات هي الجسيمات التي لا نعلم كيف نفككها أكثر من ذلك، وهي تظهر ضمن النموذج المعياري – النظرية الاساسية في فيزياء الجسيمات الدقيقة. [يظهر في الشرائح أيضاً: أن النيوترينو تأتي بثلاثة نكهات، الإلكترون والمو والتاو، وينبغي ملاحظة أن الإلكترون نيوترينو هنا هو ليس ذاته الإلكترون الذي يدور حول الذرة والذي نعرفه] والتي يمكن رؤيتها في الشريحة التالية والتي سأصفها بالتفصيل، إلى جانب الكواركات التي تظهر باللون الوردي، والدقائق هنا [يشير إلى اللبتونات] إلكترون، ميو وتاو والنيوترينوات المرتبطة بهم هذه هي اللبنات الأساسية التي يصنع منها كل شيء في الكون المنظور، لكنها تتأثر فقط بالقوى الضعيفة، ولا تتأثر بالتفاعلات الأقوى التي تمسك بالكواركات ضمن النيوترونات والبروتونات داخل النواة، كما أن النيوتريونات لا تتأثر بالقوى الكهرومغناطيسية لأنهم ليس لهم شحنة، لذا، فهم يتوقفون فقط لو اصطدموا بالالكترون أو بنواة الذرة، وهكذا فيمكن للنيوتريونات أن تسافر ضمن سرعة الضوء لمسافات طويلة مع احتمالية 50% فقط أن يصطدموا بشيء وهذا ما يجعل رصدهم صعباً جداً، كما أن خصائصهم كانت مجهولة تماماً بالمقارنة مع بقية الجسيمات. وتشكل النيوتريونات عدداً كبيراً من التفاعلات النووية التي تجهز الشمس بالطاقة وهذا ما استخدمناه لرصد النيوتريو من الشمس في مختبرنا الواقع تحت الأرض والذي يدعى اليوم مختبر الثلج (SNOLAB) (يظهر في الصورة) والذي كان الموقع الأصلي لمرقب سدبري للنيوترينو (Sudbury neutrino observatory). يقول النموذج المعياري بصيغته الأساسية أن النيوترينو يجب ألا يغيروا نكهتهم من أحد الأنواع الثلاث إلى الآخر وأن لا يتغيروا بينما يسافرون وأن تكون لهم كتلة صفر، لكن ما كنا قادرين على إثباته هو أن النيوترينو يتغير من إلكترون إلى مو و تاو وسأخبركم لاحقاً كيف يدلنا هذا على أن لهم كتلة أكبر من صفر.

نعود إلى النموذج المعياري، وأول كتلتين منه ليستا معروفتين ما لم تكن طالباً للفيزياء، وهو أن النيوترونات والبروتونات اللتان تشكلان كتلة الذرة مصنوعتان من أزواج من الكواركات والتي تعرف بكواركات الأعلى والأسفل والتي تظهر في العمود الأول على اليسار (لاحظ الشكل). أما الاعمدة الأخرى، أو الأجيال الأخرى من المادة كما هو موضح هي أنواع من الدقائق التي لا ترى إلا في تفاعلات الطاقة في الشمس وفي أرجاء الكون، لذا فإن هذا العمود الأول هو ما يشكل كوننا بشكل رئيسي.

النيوترينو كما أوضحنا تتأثر فقط بالقوى الضعيفة، والتي يمكن رؤيتها ضمن هذه حاملات القوى التي تؤثر على الدقائق، الدقائق Z وW تمثلان تبادل القوة بين الدقائق في القوى الضعيفة، الغلوون (G) هي نفس الشيء بالنسبة للتفاعلات القوية بين الكواركات والفوتون هو حامل القوة للتفاعلات الكهرومغناطيسية. هناك أيضاً الغرافيتون وهو ذات الشيء لكن للجاذبية لكن حتى الآن لا نعلم كيف نضع الجاذبية ضمن هذه النظرية، هناك الكثير من النظريات حولها لكنها لا تكتمل بشكل ناجح.

عندما تجد النيوترينو في الطبيعة فستجدها دائماً ضمن تفاعل ناتج من دقائق من ذات الجيل، الإلكترون-نيوترينو ينتج مع إلكترون، نيوتريون-ميون ينتج عندما يكون هناك ميون، وهكذا. وتُعرف هذه النيوترينو اليوم بأن لها كتلة بقيمة معينة بدلاً من صفر، وأن هناك جسيمات مضادة لجميع هذه الجسيمات التي اطلعنا عليها، وهذه الجسيمات المضادة لها كتلة معاكسة، ولو وجدت احدى الدقائق مع مضادها فستمحقان تاركتان طاقة خالصة، وبهذه الطريقة يعمل التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (Positron emission tomography) [إحدى تقنيات التصوير الطبية التي يمكن أن تعرض العمليات الأيضية وجريان الدم والامتصاص والتفاعلات الكيميائية في الجسم وغير ذلك] حيث تحقن مادة تشع البوزيترونات في الدم وحالما تلاقي الإلكترونات في مجرى الدم فإنها تفرز حزم مزدوجة من اشعة غاما من الممكن أن تستخدم لمعرفة ماهية المادة الكيميائية. وهكذا فإن هناك الكثير من العناصر التطبيقية لفهم هذه المواضيع.

أما بوزون هيغس فهو جسيم يوفر الكتلة لجميع الدقائق باستثناء النيوترينو والتي الآن نعرف بأن لها كتلة ولكن بآلية مختلفة تماماً. وأخيراً، المادة المظلمة والتي تم رصدها في كوننا عبر تجارب عديدة وبشكل أساسي التجارب التي أجريت في علم الفضاء، يمكن وصفها بأن لها دقائق مختلفة تماماً عن أي واحدة مما تكلمنا عنها في النموذج المعياري، لذا فإن هناك اهتمام كبير بفهمها لفهم كوننا بأقصى حد متكامل نقدر عليه وهكذا، فإن مهمة رصد المادة المظلمة هي احدى مهامنا في مختبر سنولاب، إنه مهم جداً على صعيد فهمنا لكيفية تغطية النموذج المعياري لكل شيء يصنع المادة في كوننا لأنه في الحقيقة توجد مادة مظلمة تفوق بخمسة أضعاف ما يتبقى، وكذلك على صعيد فهمنا لكيفية نشوء الكون.

النموذج العياري

النموذج المعياري

العلوم الحقيقية (حسن): ذكرتم أن جسيم النيوترينو هو جسيم مرافق للميون أو الإلكترون، فكيف يحدث ذلك فيزيائياً لو أردنا التفكير به أو تخيله في الطبيعة بشكل ما؟

د. ماكدونالد: على سبيل المثال، في التحلل الإشعاعي، كوارك (اعلى-اسفل) سيتحول مما يبعث الكترون ضمن العملية بالإضافة إلى النيوترينو [سيبعث إلكترون إلكترون نيوترينو سوية]. في عمليات الطاقة العليا، عندما تكون هناك مستويات أعلى من الطاقة ضمن العملية فيمكن أيضاً أن ينبعث جسيم ذو كتلة أكبر بمئات المرات من الإلكترون، لذا تحتاج المزيد من الطاقة للقيام بها. أما إذا كان الميون منبعثاً فالنيوترينو المنبعث سيكون الميون نيوترينو، وهكذا فهناك علاقات واحد لواحد بين الدقائق ونوعها المناظر من النيوترينو.

 

العلوم الحقيقية (حسن): كيف نميز بين أنواع النيوترينو المختلفة؟

د. ماكدونالد: إذا ما لاحظت الإلكترون الناتج فستعرف أن النيوترينو المرافق له هو إلكترون نيوترينو، وهناك عمليات يمكن بواسطتها ترسيب الطاقة في المادة بطريقة بحيث إنه لن تنتج أي من تلك الدقائق لذا فستكون حساسة لأي من أنواع النيوترينو، ونشير عادة لهذا النوع من العمليات بعمليات التيار المحايد (Neutral Current).

مختبر سنولاب

مختبر سنولاب

العلوم الحقيقية (حسن): نعلم بأن النيوترينو قد تم رصده بينما كنا نحاول أن نحل معضلة النيوترينو الشمسية، فما هي معضلة النيوترينو الشمسية وكيف تم حلها؟

د. ماكدونالد: ربما لم تفكر أنه ستكون لديّ فكرة عما ستسألني، لكن على أي حال، فيما يلي بعض الشرائح حول هذا الموضوع. راي ديفيس (Ray Davies) الذي يمكن رؤيته هنا على يسار الصورة كان مهتماً بالنيوترينو في الستينات، وقد اعتقد أن النيوترينو يمكن إنتاجه في عملية الاندماج التي تجهز الشمس بالطاقة. وقد كان عالماً مغامراً، وقد حصل على جائزة نوبل للفيزياء عام 2002 لكونه الأول ممن كانت لهم الريادة في قياس النيوترينو من الشمس في مواقع تحت الأرض. عادة تذهب تحت الأرض لتتجنب ما يمكن أن يؤثر على اجهزتك من الاشعة الكونية، وهكذا تكون محمياً عندما تحيط بك الصخور. وقد عمل ديفيس في منجم في داكوتا الجنوبية والذي أصبح الآن موقع لمختبر سانفورد تحت الأرض، أما زميله الظاهر في الصورة جون بكول (John Bahcall) فهو عالم فيزياء نظرية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا وهو صديقي وقد كنا سوية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في نهاية الستينات، وقد زارنا ري ديفيس في الصيف بينما كانوا يحاولون أن يعرفوا عن مدى الحساسية فيما لو وضعنا خزان كبير يحتوي على 800 طن من سائل والكلورين. وما وجده ديفيد بعد القياسات الأولى هو أن النيوترينو من الشمس كان أقل بثلاث مرات مما تم احتسابه ضمن حسابات بكول، لذا فقد كان السؤال، هل لأن الحسابات خاطئة؟ أم لأن التجربة خاطئة؟ أو كما لأن السبب كما تنبأ بونتيكورفو (Pontecorvo) – والذي كان له مسيرة عمل حافلة بالإبداع وقد عمل في تشالك ريفر في نهاية الأربعينات ثم ذهب للاتحاد السوفيتي في الخمسينات واكمل مسيرته هناك – بأن الإلكترون نيوترينو تتذبذب أو تتغير (في حينها كانت التاو نيوترينو لم تكتشف بعد)، وأن عملية التذبذب تلك هي التي كنا نستعرضها.

كما ذكرت تنتج النيوترينو في تفاعلات اندماجية في الشمس، والتي تبدأ بمستوى أساسي من بروتونات تشكل الهيليوم 4، والذي هو الشكل الطبيعي من الهيليوم، ثم بقية العملية التي نراها والتي تحدث بدرجة حرارة عالية جداً بقلب الشمس. ينتج النيوترينو، وهو ما لاحظه ديفيس.

في عام 1984، اقترح هيرب تشان (Herb Chen) أن المياه الثقيلة في كندا قد يمكن استخدامها كدليل لتحول النيوترينو من التحلل الإشعاعي الحاصل في الشمس وقد كنا مجموعة من حوالي 16 عالماً متعاوناً لفهم قياسات ديفيس. ما يمكن القيام به عبر المياه الثقيلة هو ملاحظة تفاعلين بدلاً من ملاحظة الالكترون نيوترينو كما لاحظ ديفيس، أو عمليات التيار المحايد التي تلتقط جميع النيوترينو. وهكذا فعبر احتساب كمية النيوترينو التي تصل الأرض ثم كم منها يتم قياسه، يمكن معرفة ما يتحول منها. في 1984 كان هناك قياس واحد تم القيام به بواسطة الكلور وتم رصد النيوترينو ذات الطاقة الأعلى به، ثم جاءت التجارب في عام 1984 ثم بدأ بناء الكاشف في عام 1990، لكن حتى عام 2001  لم ترصد التجارب الأخرى سوى أرقام مختلفة من الالكترون نيوترينو من تفاعلات مختلفة بتجارب مختلفة عبر الغاليوم أو الكلورين، وكلهم كانوا متحسسين فقط للإلكترون نيوترينو وكلهم كانوا يقيسون مقداراً أقل مما يمكن احتسابه نظرياً. مع المياه الثقيلة من الممكن القيام بأمرين، أن يكون هناك تفاعل حيث يأتي الإلكترون نيوترينو الديوترينو (النواة التي تتضمن بروتون ونيوترون) ويمكن أن يغير ذلك النيوترون إلى بروتون، وإلى إلكترون سريع الحركة ينتج حزمة من الضوء عبر ظاهرة الكترومغناطيسية شبيهة بظاهرة اختراق حاجز الصوت (sonic boom) مما مكننا من رصدها؛ ومن ثم تفاعل آخر حساس جداً، لجميع أنواع النيوترينو، ولو قارننا الطريقتين، فلو كان الفارق فيما يتم احتسابه ناتج من تحول النيوترينو إلى أنواع أخرى فإن هذا لن يؤثر على الطريقة الثانية وسنتمكن من حساب جميع النيوترينو القادم من الشمس، وهذا ما حدث في التجربة التي قمنا بها. حالما أنهينا قياساتنا في 2002، وفي الحقيقة استمر العمل بأطوار أخرى حتى 2007 كنا قادرين على اظهار العدد الكلي للنيوترينو، تتطابق إلى حد كبير مع القياس النظري، وإذا أردنا النظر إلى الإلكترون نيوترينو فقط فلدينا رقم صغير. وهناك رقم أصغر للإلكترون نيوترينو في المياه الاعتيادية. بحلول 2002 قمنا بحل معضلة النيوترينو الشمسي من خلال الكاشف الضخم في سدبري.

حسابات النيوترينو حتى عام 2000

حسابات النيوترينو حتى عام 2000

الحسابات الدقيقة للنيوترينو

الحسابات الدقيقة للنيوترينو

العلوم الحقيقية (حسن): لقد شرحتم الآن كيف يحتسب النيوترينو ثم تمت مقارنته ثم تم اكتشاف انواعه فيزيائياً، لكن بالكلام عن إيجاد تلك الحسابات تقنياً، لقد رأيت نموذجاً مبسطاً في سنولاب حيث كان هناك كرة كبيرة تبدو وكأنها محفورة في الصخر وقد كان هناك ماء يحيط بها وقد قيل أن هذا هو الجهاز الذي تم استخدامه لاكتشاف النيوترينو. كيف تمت صناعة ذلك الجهاز؟ وانا افترض أن الماء المحيط هو مياه ثقيلة؟

د. ماكدونالد: دعني اشرح شريحة أخرى تظهر صورة طبيعية للكاشف، وهي ستجعلني قادراً على شرح كل شيء بدقة. ما تراه هو كاشف سدبري وهو يقع بعمق كيلومترين تحت الأرض. كمية الأشعة الكونية التي تتداخل مع قياساتنا تم حجبها إلى حد كبير جداً. في قلب الكاشف قطر هذه الكرة هو 12 متراً وبسمك خمسة سنتمترات – ويمكن ملاحظة الشخص في الأعلى لتقدير الحجم- ويحمل هذا 1000 طن من المياه الثقيلة، مشابه لمفاعل (CANDU) كاندو (Canada Deuterium Uranium). هذا الماء الثقيل هو ما نراه من خلال حوالي 10 آلاف متحسس ضوئي، حيث حينما ينتج الضوء داخل المفاعل كما تكلمت سابقاً عن حزمة الضوء المتكونة من الالكترون نيوترينو أو بطرق عدة يتحرر الضوء من النيوترون الذي يتحرر في التفاعل الثاني، وهذا ما تلتقطه هذه المتحسسات والتي بدورها ترتبط باسلاك إلى أعلى المفاعل لغرفة السيطرة. كل شيء خارج الكرة مليء بالماء الخفيف، والذي يتم احتواءه من خلال الفجوة الأكبر بقطر 22 متراً وارتفاع 34 متراً. كل شيء تم بناؤه بظروف عالية النظافة، وهكذا يستمر الأمر حتى الآن لمن يعملون في المختبر اليوم. إذا كان كل شيء نظيفاً تتوفر القدرة لتجنب الاشعاع المحلي أيضاً وبالتالي للقيام بالتجربة بشكل جيد جداً. أما العنصر الأخير فهو من بلاستيك اليوريلون (Urylon) الذي يحبس الماء ويساعد ايضاً في كبح الاشعاع. آمل أن يشرح ذلك كيفية عمل المفاعل.

كاشف سدبري

كاشف سدبري

العلوم الحقيقية (حسن): هل ما زلت ناشطاً في سنولاب؟ وإن كنتم كذلك فما نوع العمل الذي تقومون به؟

د. ماكدونالد: ما زلت نشطاً في عدة أعمال منها سنو بلس والتي هي اصدار اكبر من سنو، حول ما يعرف بالتجربة العميقة للمادة المظلمة وتجربة الجانب المظلم، حيث يجري بناء موقع تحت الأرض في إيطاليا.

العلوم الحقيقية (حسن): لدي سؤال حول النيوترينو، ألا تحاول سنو بلس رصد النيوترينو المنبعث من الأرض؟

د. ماكدونالد: نعم هذا شيء آخر يمكنها القيام به.

العلوم الحقيقية (حسن): هل كل شيء من حولنا يبعث نيوترينو؟

د. ماكدونالد: الى حدٍ ما. اليورانيوم والثوريوم يبعثان نيوترينو أثناء التحلل الإشعاعي، وهما من المصادر الرئيسية من العناصر التي بقيت من عملية بناء العناصر فيما يعرف بالبناء النووي وفيما عرضته من تفاعل الهيليوم في الشمس وما يحدث في الكثير من الظواهر وفي السوبرنوفا. هناك نيوترينو تنبعث من تحلل هذه العناصر، وما نحاول أن نفعله هو أن نرصد تلك النيوترينو المنبعثة من الأرض، وهناك أيضاً ما يعرف بالنيوترينو المضاد. حينما يتفاعل نيوترينو مضاد مع الهيدروجين فإنه ينتج نيوترون وبوزترون. احدى طرق فهم تركيبة الأرض تحتنا هو بالنظر إلى كمية اليورانيوم والثوريوم، واللذان يعتقد أنهما يساهمان فيما يقارب 40% من الجريان الحراري حول الأرض، بعضه يأتي من باطن الأرض، وبهذه القياسات ينتقل الأمر إلى الفيزياء الأرضية (جيوفيزياء) بدلاً من الفيزياء الفضائية. وهذا هو مما يدرسه سنو بلس. وهناك أيضاً التحلل لنظائر مثل بوتسايوم 40 والذي يعد من أكثر المواد من حولنا التي تتحلل اشعاعياً وهو أيضاً يبعث نيوترينو، لذا فإن لديك انبعاث نيوترينو من أشياء كالموزة! ليس ضخماً بحيث أنه يمكن أن يؤثر عليك ولا يمكن مقارنته بما ينبعث من الشمس بأي حال لكنه أكبر مما ينبعث من اللابتوب مثلاً.

 

العلوم الحقيقية (حسن): لقد الهمك اشخاص كثيرون كما اعلم، فهل تعتقد أنه من المهم للشخص أن يكون له مثال لكي ينظر إليه وأن يكون اذكى أو أكثر جداً في العمل منك لكي تقتدي به؟ 

د. ماكدونالد: السنة الأولى لي في الفيزياء كانت جيدة جداً لاسيما حيث كان يدرسني أستاذ في جامعة دالهاوزي اسمه ريني كبتيل، لقد حفز عدداً من زملائي ممن جعلوا اتجهوا بعملهم الى الفيزياء، وكان لدي أستاذ آخر في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا واسمه مكانزي تشارل برنز، وربما كان هؤلاء قادرين على إعطاءك فكرة عما يمكن للفرد القيام به. وكذلك المعلمون في المدرسة الثانوية، كانت مدينة صغيرة ومدرسة صغيرة، ربما أقل من 20 خريجاً، وصفنا كان الذي له اهتمام بالعلم، وكان لاستاذنا بوب تشيف دروس إضافية للمهتمين بالعلوم. لقد ذهبت للجامعة مع اهتمام بالرياضيات بشكل رئيسي لكن اهتمامي بالفيزياء زاد بفضل استاذي كبتيل. لقد كان مذهلاً أن ترى أنك تستطيع وصف العالم من حولك بمصطلحات رياضية. كانوا أيضا أشخاص لطفاء جداً. هؤلاء الذين يريدون أن يكونوا مشرفين يجب عليهم أن يهتموا بمشاعرك إلى جانب تطوير ذكاءك في المجال الذي تعمل فيه. كن لطيفاً مع الآخرين!

العلوم الحقيقية (حسن): أعلم أنك حين استلمت جائزة نوبل فقد اعطوك كتاباً وكان على كل الحائزين على جائزة نوبل توقعيه، وبينما كنت تقلب الصفحات، ما الذي أوقفك في ذلك الكتاب للتساؤل؟

د. ماكدونالد: ريتشارد فاينمان، كان استاذي لفيزياء الكم في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، في نهاية الستينات. الفكرة في أنني قد احصل على جائزة نوبل مع أخذ فكر هذا الشخص بنظر الاعتبار هي أمر مذهل. التقيت بالعديد من الفائزين بجائزة نوبل منذ ذلك الحين ودائماً ما أقول، كيف انتهى بي الأمر أن أكون مع هؤلاء، لكنني دوماً كنت برفقة جيدة جداً في سنولاب، واشعر أنني استلم الجائزة بالنيابة عمن عملوا معي هناك. كما أن جميع من عملوا معي جاؤوا إلى ستوكهولم حينما دعيت لاستلام جائزة نوبل. في الفندق كان هناك دفتر فيه أسماء من شغلوا الغرفة سابقاً، وهناك اول اسم رأيته كان باراك أوباما، وكان هناك أحد أعضاء فرقة البيتلز ايضاً.

العلوم الحقيقية (حسن): آخر سؤال لدي هو ما هي توقعاتك بمجال فيزياء الدقائق؟ ما هو رأيك بخصوص النموذج المعياري؟ أو ربما نظرية لكل شيء؟

د. ماكدونالد: دعنى أعود للعرض التقديمي هنا حيث لم نتكلم بما يكفي عن المادة المظلمة، والتي يمكن أن تقودنا إلى ما بعد النموذج المعياري. عليك أن تستخدم ميكانيكا الكم عندما تعمل مع الجسيمات، وميكانيكا الكم هي وصف غير تقليدي للطبيعة، وهو يعمل بشكل جيد جداً على هذا المستوى. في ميكانيكا الكم الجسيمة التي تفرز على أنها الكترون نيوترينو لا تعتبر بأن لها كتلة فريدة بنفسها، نحن نحسب كتلتها من خلال تفاعلها مع الأشياء الأخرى والطريقة التي تتفاعل بها تنتهي بكونها مرتبطة مع ثلاثة عناصر مختلفة، أو ثلاثة حالات بما يعرف بحالات النكهات. على سبيل المثال نرى الكتل المختلفة هنا بألوان مختلفة وهناك تركيبات مختلفة لكل من هذه النيوترينو. ومن ثم تسافر هذه الجسيمات وتتغير حالات الكتلة هذه، ثم نقوم بقياس ذلك، وحينما تقيس شيئاً فإنه يتغير، وهكذا فإن التركيبات تتغير عندما نقيسها. هذا باختصار هو عملية تذبذب النيوترينو، بمقاييس أخرى، يمكن رؤية التذبذبات كما في الشكل [يشرح الدكتور المعادلة]

الحالات الكمية لانواع النيوترينو

الحالات الكمية لانواع النيوترينو

هناك أيضاً المزيد من القياسات الموازية لقياساتنا مثل قياس المفاعل في اليابان، وغيرها. وهذا يعني أننا لكي نفهم كلياً تركيب النيوترينو يجب أن نمتلك المزيد من الوسائل، وأن لا نعرف فقط أن للنيوترينو كتلة، ولكن يجب أن نعرف ما هو حجم تلك الكتلة، ومعرفة ذلك له تأثير كبير حول كيفية نشوء الكون. كما يمكن أن نعرف شيئاً آخر حول نشوء الكون، كيف يكون لدينا مادة واحدة في الكون، لأننا نعتقد أن الطاقة  في الانفجار الكبير كانت تتحول بمقادير متساوية إلى المادة (أي مادة)، لذا فإن شيئاً ما كان يتكون بالتوازي، بحيث أن المادة المضادة تحللت بعيداً. وهذه العملية من تحلل النيوترينو هي دليل على كيفية حدوث ذلك.

في سنولاب نحاول أن نقيس كل من عملية انبعاث النيوترينو بالإضافة إلى ما يأتي من الأرض، لكن أيضاً في عدد من التجارب نحاول أن ندرس المادة المظلمة. وهذا ما يمكننا أن نجيب على أهم الأسئلة حول ما بعد النموذج المعياري وكيفية رصد دقائق المادة المظلمة والنيوترينو من السوبرنوفا أيضاً.

 

العلوم الحقيقية (حسن): شكراً لكم، اقدر حقاً وقتكم وانه لشرف كبير لي.

د. ماكدونالد: انه لشرف كبير لي أن أكون قد عملت مع كل أولئك الأشخاص الرائعين وأن أكون قد عملت في سنولاب والآن مع الجيل الجديد مع أشخاص مثلك يحاولون أن يفهموا ما تم وأن يفهموا الكون بشكل كامل. استمر بفضولك. السنوات الأخيرة كانت ثورية في فهمنا للكون. لم يكن لدينا حاسوب في دالاهاوزي، حتى سنتي الرابعة، وقد جاؤوا بالحاسوب في حينها بواسطة رافعة، لذا فإن ما رأيته كان ثورياً بالنسبة لي وهذا عظيم لأن هناك تبادل بين العلم والتكنولوجيا ويمكن لأحدهما أن يطور الآخر وبالعكس. انا اقدر الشباب، ويوماً ما كنت واحداً منهم. أتمنى لك التوفيق بمسيرتك.