لنجيب على هذا التساؤل يجب ان نناقش اولاً ظاهرة غريبة فى عالم الكوانتم وتسمى بالسببية الرجعية (Retrocausality) حيث وجد العلماء أنهم قد يستطيعون أن يغيروا في حَدَثٍ حَصَل فعلاً في الماضي. ببساطة وكأن الجسيم دون الذري يعرف ماذا سوف يحدث فى المستقبل وطبقا لما سوف يحدث فإنه سوف يُغيرُ من سلوكه هذا طبقا لتجربة اسمها الخيار المتأخر الماحي الكمي (Delayed choice quantum eraser) وهي تجربة مشابهة جداً لتجربة الشق المزدوج (double slit) وتعرف أيضاً بتجربة شقي يونغ.  

فى تجربة الشق المزدوج المعروفة حيث يقوم مدفع إلكتروني بإطلاق الكترون من خلال حاجز به فتحتان، وعند وضع الراصد (هو جهاز يستطيع رصد مرور الجسيم) عند فتحة معينة فى الشق المزدوج وهو في وضع العمل، فإن الإلكترون الذي يمر من الفتحة يتصرف وكأنه جسيم ويعبر من فتحة واحدة فقط، والعكس إذا كان الراصد فى وضع إطفاء فإنه يتصرف كموجة ويعبر من الفتحتين ويتداخل مع نفسه.

أما في تجربة الماحي الكمي فقد قام العلماء بوضع الراصد بعد الفتحات اصلا بحيث ان الجسيم يقرر كيف سيتصرف ؟؟ كجسيم او كموجة، ثم يقوم الراصد برصده بعد أن يكون قد قام باختياره فعلا بحيث يكون اختياره لحالته كجسيم او موجة قد أصبح حدثاً في الماضي. والمفترض هنا أنه لا يمكن أن يغير في النتيجة، ولكن الغريب جداً أن الإلكترون قد بدأ يتصرف كأنه جسيم فى كل مرة كان الراصد يعمل. تمت إعادة التجربة عدة مرات، وفي كل مرة يعمل فيها الراصد يسلك الإلكترون سلوك الجسيم، وفي كل مرة يكون الراصد مطفئاً فإن الإلكترون يسلك سلوك الموجة مع ان الراصد أصلا موجود بعد الفتحات فى الشق أي أن الإلكترون يعلم مسبقاً إذا كان الراصد يعمل أم لا! كيف ذلك؟  (المقصود هنا بسلوك الجسيم هو سلوك فيزيائي وليس قرار سيكولوجي )    

وضعت تلك التجربة العلماء فى مأزق كبير حيث يبدو ذلك وكأنه ضربٌ من الجنون لكن الغريب فعلا أنه حقيقى وبدأ علماء الفيزياء من كل أنحاء العالم وضع نظريات لمحاولة تفسير ذلك وما زال حتى الآن مجال البحث مفتوح فى هذه النقطة ..هل يمكن للحاضر او المستقبل ان يؤثر على الماضي؟ فيديو لشرح التجربة

والان بعد ان فهمنا الظاهرة هل تمكننا هذه الظاهرة من السفر للماضي أو المستقبل مثلا او حتى إرسال إشارات للماضي؟

السفر أو التواصل مع الماضي

فى الحقيقة لن تمكننا هذه التجربة من السفر إلى الماضي أو إرسال رسائل إلى الماضي. وذلك لأسباب متعلقة بالديناميكيا الحرارية (thermodynamics)  حيث لا يمكن إرسال إشارات للماضي، ولكن يُمكن فقط لحدث في الحاضر أن يؤثر على حدث قد تم في الماضي حيث ان التغير فى العشوائية بالنسبة للكون يجب ان يزداد ويستحيل ان يقل أبداً وهذا من القواعد الأصيلة فى الكون التى لا يمكن كسرها و نتيجة لذلك الزمن يتحرك دائما فى اتجاه واحد فقط وافتراض إمكانية إرسال إشارات للماضي يخالف المبادئ الاصيلة فى الديناميكا الحرارية باعتبار امكانية ان العشوائية يمكن ان تقل فى هذه الفرضية لتوضيح ذلك، اذا افترضنا ان جهاز ارسال أطلق مجموعة من الاشارات في الفضاء ستبدأ هذه الاشارات فى التشتت و تتوزع فى الكون كله من حجم اكبر لاكبر لاكبر وهكذا حتى تقل قوة تلك الإشارة وتتبدد فى النهاية. حسنا هل يمكن ان يحدث العكس؟ هل يمكن ان تتجمع تلك الاشارات وتتقارب أكثر وأكثر وتحدث العملية بطريقة معاكسة حتى ترجع الاشارة قوية ثم تعود مرة أخرى لنقطة الارسال الاصلية طبعا هذا مستحيل لان العشوائية تزداد فقط فى الكون، لِنحاول تبسيط الامر.

من المفهوم المستوحى من التجربة حيث يقوم المختبر باتخاذ قرار معين فى التجربة من حيث القياس او عدمه (من خلال اختياره لوضع التشغيل  او الإطفاء) بحيث يؤثر هذا القرار على خصائص الجسيم الخاضع للتجربة او حتى جسيم آخر فى الماضي. ذلك يعنى ان القرار الذي يمكن اتخاذه فى الحاضر يؤثر فعليا في الماضي لمحاولة تفسير تلك الظاهرة نلجأ لمفهوم التأثير عن بعد  (action-at-a-distance) وهو يعني أن الأجسام يمكن ان تؤثر على بعضها البعض حتى من مسافات متباعدة جدا وفى تأثير لحظي، مثال لذلك حالة التشابك الكمي، و ايضا لا توجد ميكانيكية معروفة حتى الآن لتفسر ذلك التأثير.

تعتبر معادلة  شرودنجر حتى الآن هي إحدى أقوى المعادلات التى تمكننا مع التعامل مع العالم الكمي. وفي هذه التجربة يعتبر الراصد نفسه جزءاً من التجربة بحيث تدخله يغير فى نتائج هذه التجربة، وما زال العلماء حتى الآن يحاولون فك أسرار هذا العالم الغريب الذى دائما ما يقيس الاحتمالات وينسف مبدأ الحتمية، حيث يبدوا على الأقل في نظر عالم الرياضيات الشهير شرودنجر (مثال لذلك التجربة العقلية المسماة بقطة شرودنجر)عالم الكوانتم هو عبارة عن حالات كمومية متراكبة وعندما تحاول رصدها كانك تجبر الطبيعة على اختيار حالة معينة لتظهر لك سلوك معين كراصد.

في النهاية أنت نفسك تُعتبر جزءاً من التجربة بالنسبة لعالم الكم، تصرفك يغير في سلوك الجسيمات ليس في الحاضر فقط ولكن أيضاً في الماضي. فهل لعلم الكيمياء أيضاً علاقة بالكم؟ او هل يمكن استخدام نظرية الكم في تفسير ظواهر تخص عالم الكيمياء الذي يهتم دائما بنوع الروابط بين الذرات؟ هل تستطيع معادلة شرودنجر تقديم المساعدة لنا فى هذا المجال؟ ستكون الإجابة فى المقال القادم الخاص ب (كيمياء الكم).

المصادر

Lisa Zygaو “Physicists provide support for retrocausal quantum theory, in which the future influences the past“, July 5, 2017, phys.org

Lisa Zyga, “Proposed test would offer strongest evidence yet that the quantum state is real“, phys.org, February 21, 2017