أظهرت دراسات حديثة حول تعلم اللغة الثانية أجراها باحثون في جامعة واشنطن (University of Washington) على مجموعة من طلاب الجامعات، ممن أظهروا تفوقاً في تعلم اللغة الثانية، أن ذلك يعود إلى تأثير عدة عوامل وراثية ودماغية.

وقد نشرت الأكاديمية الوطنية للعلوم (National Academy of Sciences) وقائع الدراسة في يونيو/حزيران الماضي.

الدراسة

– وجد الباحثون أن الاختلافات الجينية للمادة الوراثية COMT، ومعايير قوة شبكة الاتصالات العصبية في الدماغ- المادة البيضاء white matter– تمثل معاً نسبة 46% من ضمن أسباب تفوق بعض الطلاب في تعلم اللغات عن غيرهم.

– حيث ذكرت بينغ ماميا (Ping Mamiya)- الباحثة في معهد التعلم وعلوم الدماغ بجامعة واشنطن (UW’s Institute for Learning & Brain Sciences): “نحن مهتمون بمعرفة لماذا يختلف أداء الطلاب عند تعلم لغة ثانية، ولماذا يؤدي بعضهم بشكل أفضل من الآخر.”

كما أضافت:” أظهرت دراستنا للمرة الأولى ارتباط الاختلافات في الجين COMT، بالتغيرات الناتجة عن عملية التعلم في المادة البيضاء بالدماغ.”  

وقالت باتريشيا كوهل (Patricia Kuhl) الباحثة المشاركة في الدراسة: “نحن نعلم أن عملية التعلم معقدة للغاية، وأن العديد من العوامل الوراثية والدماغية لها دوراً هاماً في إتمام تلك العملية. إذ أن تعلم لغة ثانية بالنسبة للكبار هو أمرٌ صعبٌ، ومثل تلك الدراسة تُعد وسيلة جيدة لاستنتاج التفاعلات بين العوامل الوراثية والدماغية في عملية التعلم.”

وقد اختار فريق البحث مجموعة من الطلاب الصينيين في السنة الجامعية الأولى – بمتوسط أعمار 20 عاماً- ممن وصلوا حديثاً إلى الولايات المتحدة. وقد اجتاز 79 طالباً من المشاركين في الدراسة الحد الأدنى من متطلبات الجامعة في اللغة الانجليزية، بينما أشترك 44 طالباً في دورات تدريبية مكثفة – لمدة ثلاثة أسابيع- تهدف إلى مساعدة الطلاب الدوليين على تحسين مهاراتهم في اللغة الانجليزية.

وقام الباحثون على مدار تلك الفترة، وما يصل إلى ثمانية أيام بعد انتهاءها، بفحص أدمغة جميع الطلاب، بما في ذلك مجموعة من الصينيين لم يشاركوا في الدورات التدريبية.

استخدم الباحثون تقنية (Diffusion tensor imaging (DTI) بالتصوير بالرنين المغناطيسي MRI، والتي تعطي إشارات بشأن بنية الاتصالات العصبية في الدماغ. ووجدوا أنه كلما كانت بنية الاتصالات العصبية في الدماغ أفضل ساعد ذلك على نقل الإشارات العصبية؛ مما قد يؤدي إلى تعلم أفضل.

نتائج الدراسة حول تأثير العوامل الدماغية على تعلم اللغة الثانية

وتشير نتائج عملية الفحص: أنه في غضون يوم واحد من التدريب المكثف على اللغة الانجليزية، بدأت المادة البيضاء تتغير. حيث أن التعرض للغة الأجنبية يُزيد من الترابط بين دوائر اللغة العصبية في الدماغ لدى الطلاب الذين التحقوا بالدورة التدريبية مقارنة بالذين لم يلتحقوا بها. واستمرت زيادة الترابط بين الدوائر العصبية المسئولة عن تعلم اللغة في الدماغ على مدار تلك الفترة، ثم تراجعت بعد انتهائها.

وذكرت ماميا (Mamiya): “أحد أبرز نتائج هذا البحث هى، القدرة على إثبات الترابط بين بنية الدماغ والبيئة التحفيزية في عقول الطلاب.”

فيمكن أن تكون الأشكال المختلفة للجين COMT، لها تأثيرات متعددة على بنية الدماغ. إذ يعتقد الباحثون أن الخصائص الوراثية للجين COMT هى المسئولة عن مدى تغير المادة البيضاء لدى الطلاب الذين حصلوا على الدورة التدريبية في اللغة.

كما وجد الباحثون- بشكل مؤكد- أن شكلين محددين من الجين COMT هما: ميثيونين/فالين Methionine/Valine وفالين/فالين Valine/Valine، ويتعلقان بالزيادات الأكثر في مراكز الاتصال بالدماغ لدى الطلاب المشاركين في الدورة التدريبية؛ وذلك باستخدام عينات من الحمض النووي أُخذت من الطلاب في بداية برنامج اللغة. أما الطلاب ذوي النمط الجيني COMT الثالث ميثيونين/ ميثيونين (Methionine/Methionine)، لم يظهر لديهم أي تغيير في المادة البيضاء أثناء عملية التعلم.

فقد كان الدمج بين الخصائص الوراثية للجين COMT وقياس المادة البيضاء في الدماغ قوياً جداً في دراسة عملية تعلم اللغة. فهما يمثلان 46% من إجمالي التفاوت في الدرجات النهائية التي حصل عليها الطلاب.

كما ذكرت ( كوهل Kuhl): “تختلف قدرات البشر كثيراً عند تعلم أي مهارة، ونحن نريد أن نعرف لماذا يحدث ذلك. فمعرفة السبب، لا تجيب فقط على اسئلة العلوم الأساسية بشأن كيف تعمل جيناتنا، وأدمغتنا، والبيئة من حولنا؛ لكن يمكن أيضاً أن تقودنا إلى التدخلات التي تعمل على تحسين عملية التعلم.”

المصدر:

University of Washington. “Success in second language learning linked to genetic and brain measures.” ScienceDaily. ScienceDaily, 13 June 2016.