في بعض الأحيان يناقشنا أشخاص راجعوا الدجالين بأن آلامهم قد ذهبت، وأن حالتهم صارت أفضل بالاعتماد على الوصفات العشبية أو مجرد العسل الذي قدمه الدجال لهم. فما هو السر؟ كيف صار لدى بعض الدجالين جيوش من المدافعين عنهم والمؤمنين بجدوى وسائلهم الباطلة في الوقت الذي يتوفر الطب الحديث بكل وسائله الفعالة التي غيرت وجه العالم؟

ببساطة إنها الأدوية

تُباع الأدوية في كثيرٍ من البلاد العربية بشكل غير خاضع للسيطرة ويُمكن لأي شخص أن يحصل على أي دواء من السوق غالباً. وحتى لو اشترطت بعض الصيدليات وجود وصفة لبيع الدواء، فإن الحصول على الدواء لن يكون مستحيلاً على الإطلاق. ما يفعله الدجالون لمن يراجعهم هو أنهم يسألونه عن حالته بشكل سطحي، ثم يقدمون له علبة من العسل، أو من خلطات الأعشاب، وقد لا يمتنعون عن إخباره عن مكونات تلك العلبة. وما قد يفعلونه في الحقيقة هو أنهم يضعون الدواء المطلوب للمريض ضمن تلك المواد ويبيعونه بسعر مرتفع جداً.

مثلاً الحالة التي ينتصر بها الدجالون على الأطباء في نظر الجهلة من المرضى، هي الحالات التي يتخللها ألم شديد أو مزمن، حيث لا يتورع الدجال عن مزج أعشابه بأقوى أنواع المسكنات والتي قد يخشى الطبيب من وصفها، لعلمه بحالة المريض بشكل كامل لتأثيراتها الجانبية وأضرارها أو حتى تأثيرها المؤدي للإدمان كما في بعض المسكنات، فيقوم بوصفها له بكميات محدودة أو لا يصفها من الأساس. أما الدجال فلا مانع لديه من وضع تلك المواد بكميات زائدة في خلطاته العشبية التي يقدمها للمرضى. فيتفاجئ المرضى بزوال الآلام ليصبحوا دعاية مجانية إضافية للدجال.

المرضى في هذه الحالة سينالون كافة الأضرار من أخذ الوصفة الطبية من شخص جاهل بما فيها تأثيرات الإدمان على بعض المسكنات وسيرتبط المريض بالدجال للحصول على دوائه السحري، والدجال بدوره لن يتورع حتى عن تقديم المخدرات للمرضى في بعض الحالات. قد يقوم الدجال بإضافة كمية معينة من الدواء إلى الخلطة العشبية، ونظراً لأن بعض الأدوية كالمهدئات وغيرها يُمكن أن تمتلك معدل سمية منخفض، فإن استخدامها في الخلطة قد يؤدي بالمريض إلى تجاوز الجرعة المقررة الموصى بها، مما يعرضه تبعات وخيمة، منها الإدمان إن كانت تلك الأدوية المضافة من المهدئات، وقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى فشل كلوي أو كبدي، بل والموت. ومما يُشجع الناس على التناول المفرط لهذه الأعشاب، هو ظنهم أن الأدوية الطبيعيـة ذات خطر ضئيل مقارنة بالأدوية المصنعة الموجودة بالصيدليات. وهذا الاعتقاد صحيح في بعض الحالات، لكن عند قيام الدجال بإضافة الأدوية إليه، حينها يجب تجنب هذه الخلطات تماماً. نظراً، لشهرة الدجالين بأدويتهم السحرية التي يُمكنها شفاء بعض الأمراض بفعالية وسرعة، يرتبط الإنسان بهم لميل طبيعي للحلول السريعة. من وجهة نظر أخرى، قد يستخدم الدجالون الأدوية الوهمية التي لا تحتوي على أي دواء، مستغلاً حقيقة أن بعض الأمراض تشفى تلقائياً من نفسها، فينخدع السذج وينسبون شفاء المرض لفعالية الدواء، وقدرة الدجال.

في حالات أخرى يقوم الدجالون بوضع الدواء المعقول ذاته للحالة المرضية ويطلبون من المريض استخدامه بنفس عدد الجرعات التي يطلبها الطبيب، وفي الحالات التي لا يراجع المرضى فيها الأطباء فإن الدجال سيظهر بصفته معالجاً رسمياً وحقيقياً أمام حشود الجهلاء. ولكن نؤكد مرة أخرى، أن الدجال لا يضيف الدواء بصورته (قرص أو كبسول) في الخلطة العشبية، بل مطحوناً، وبالتالي من الصعب للغاية أن يقوم الدجال بضبط الجرعات اللازمة، مما يعرضك للعواقب الوخيمة للسمية.

كما لا ننسى أن نذكر أن المواد العشبية بذاتها هي مواد كيميائية لا تخلو من السمية والأعراض الجانبية والتأثيرات المتعددة والتي بطبيعة الحال لن يعرفها الدجالون وغير المتخصصين.

يؤدي الدجال عملية التضليل من خلال تقديم خليط واسع من الطقوس التي يزعم أنه يعالج المرضى من خلالها، فعند السحرة قد يطلب الدجال مواد كثيرة من الصعب توفيرها، ومن ثم يطلب طقوساً وأوقاتاً معينة للطقوس. أما في حالة المعالجين الدينيين فإن الدجال سيضلل المرضى بفوائد قراءة القرآن مثلاً التي لن ينكرها المرضى أو أن يأمرهم بالالتزام بطقوس دينية معينة أو بزيارة شواهد وقبور بعض الشخصيات الدينية. قد يقدم الدين والالتزام بالممارسات والطقوس الدينية التي يقدمها الدجال، شعوراً بالأمل والإيجابية بل وحتى شعوراً بالسيطرة على النفس، ولكنه لن يشفي أبداً الأمراض والعلل الجسدية أو الذهنية (كالاكتئاب). وجد تحليل لبعض الدراسات بشأن دور الدين والروحانية في علاج الاكتئاب، علاقة عكسية بينهما وبين الاكتئاب، حيث قد يؤديان إلى زيادة الشعور بالندم بالتركيز على الذنب، وبالتالي تفاقم المرض. وأيضاً، قد تزيد هذه الممارسات من زيادة القلق إذا كان المريض يُعاني من زيادته خوفاً من العقاب لأعماله السيئة في الحياة الأخرى.

أما الدعاية المضللة التي يقوم بها الدجال فضلاً عن الدعاية المجانية التي يقدمها المرضى فتتمثل بالفيديوهات المصورة والتي تتضح رداءة التمثيل فيها ببعض الأحيان، فيقوم الدجال باستدعاء حالات مختلفة من الفقراء ويرتب معهم سيناريو معين ليتم تصويره ثم ليظهر الشخص وكأن شفي من مرضه. شخص لا يتكلم أو شخص يظهر صعوبة أو عجز في المشي أو أي حالة أخرى غير قابلة للتقصي يقوم الدجال بتنفيذ طقوسه أمام الكاميرا ثم يذهل السذج من شفاء المريض.

لا يستطيع الدجالون أن يعالجوا شخص مصاب بعلة ظاهرة في الجلد مثلاً، فالأمر سينكشف بوضوح، مع ذلك فقد تتقدم تقنياتهم ليصنعوا حالة معينة من خلال المكياج وبعدها يقومون بمعالجتها أمام الكاميرا.

يتخيل البعض أن الدجالون أغبى من أن يقوموا بهذه الأمور، وهم ليسوا علماء أو مختصين، لكنهم في الواقع ليسوا سوى فئة متطفلة على جهل الناس بتفاصيل بسيطة، الفجوة بينهم وبين هؤلاء لا تتمثل سوى بمعرفتهم بذلك الفارق وبعدة تقنيات بسيطة ليحققوا ثروة طائلة تستحق الإدامة من خلال وسائل التضليل هذه.

في بعض الحالات التي اطلعنا عليها، يذكر المرضى أن الدجال جرب معهم حيلاً متعددة لكنه فشل وأخبرهم باللجوء الى الطبيب في النهاية. وهذا الأمر طبيعي في حالات كثيرة تستعصي على الطب. وفي حالات أخرى يعتذر الدجال من البداية عن معالجة الحالة وربما يبذل محاولة واحدة. أما في حالات أخرى، فإن نفاذ الجرعة أو عدم كفايتها ضمن المادة المباعة من قبل الدجال سيُظهر عدم فاعليتها. تلك الحالات قليلة لكن يُمكن رصدها في الجهلة الذين يذكرون تجاربهم مع الدجالين.

مصدر حول العلاجات الروحانية والأمراض النفسية:

Koenig H. G. (2012). Religion, spirituality, and health: the research and clinical implications. ISRN psychiatry, 2012, 278730. doi:10.5402/2012/278730