سقوط شجرة داروين هو عنوان لمقال مثير نشر في مجلة (New scientist) في يناير 2009. ويفتتح بالقول ان شجرة داروين تكاد تصبح ايقونة ثابتة لكن الوقت قد حان لاسقاطها. وفيما يلي ترجمة توجز اهم ما ورد في المقال المذكور.

سقوط شجرة داروين

سقوط شجرة داروين

احد الاجزاء المهمة التي ترتكز عليها نظرية التطور لداروين هي شجرة الحياة والتي يقول عنها البروفيسور في البيولوجي فورد دولتل (W. Ford Doolittle) انه بدونها “لا يمكن ان تكون نظرية التطور لداروين صحيحة”. وشجرة الحياة التي تشرح تسلسل تطور الكائنات الحية لا تقل اهمية عن الانتقاء الطبيعي في كيان نظرية التطور وهي تتفرع من السلف المشترك الاوحد لجميع الكائنات (LUCA) الى الكائنات المتطورة في يومنا هذا كالقردة العليا والانسان.

وقد تمخض اهتمام البيولوجيين في المئة وخمسين سنة الماضية في ملأ مكونات هذه الشجرة وشهدت اهتماما كبيرا وجهودا حثيثة في ملأ فروعها لجعلها اكثر تكاملا وتقاربا غير ان الامر قد يختلف الان إذ يقول البيولوجي ايريك بابتيست من جامعة بيير وماري كوري في باريس (Eric Bapteste, an evolutionary biologist at the Pierre and Marie Curie University in Paris) انه في السنين الاخيرة بدا وان المشروع في حالة يرثى لها وهو يتحول الى قطع من الادلة السلبية كما يقول ايضا بعدم وجود ادلة على حقيقة وجود شجرة الحياة.

اذا ما السبب في ذلك؟ فتح اكتشاف الدنا في الخمسينات افاقا واسعة في الابحاث الجزيئية والابحاث في وراثة الصفات في الكائنات الحية وقد شمل الامر عملية ممنهجة في السبعينات لدراسة الرنا (RNA) للكائنات الحية وقد نجح الامر في تعزيز الثقة بنظرية شجرة الحياة. غير ان الامر كان مختلفا حين تم تطبيق البحوث نفسها على الدنا (DNA) فالامر بدا معاكسا في منتصف الثمانينات وبدت المشكلة حقيقية في مطلع عام 1990 عندما بدت العلاقة بين الكائنات الواقعة على شجرة الحياة غير متقاربة فبدلا من ان يكون الكائن (أ) قريبا من الكائن (ب) الذي كان قريبا منها في سلسلة الرنا (RNA) اتضح انه قريب من الكائن (ج) في سلسلة الدنا. وقد افترض دارون الانحدار العمودي للابناء من الاباء مما يقترح شكل الشجرة.

وقد اتضح وجود انماط من العلاقات لا يمكن شرحها الا بوجود تبادلات جينية مع انواع اخرى من الكائنات حتى عبر مسافات نوعية بعيدة وكائنات بعيدة عن البكتيريا فيما يعرف بالانتقال الجيني الافقي (Horizontal Gene Transfer HGT).

سقوط شجرة داروين والتحول من الشجرة الى الشبكة                   

منذ عام 1993 اقترح البعض ان شكل الانتقالات الجينية في البكتيريا يمكن ان يتمثل بشبكة اكثر من ان يتمثل بشجرة. وفي غضون ذلك اشهر بيولوجيون عدة اسلحتهم للدفاع عن نظرية الشجرة الواحدة الصحيحة وقام بعضهم بصناعة برامج حاسوب معقدة لاثبات ذلك. غير ان الحسم جاء في 2006 من فريق من الاحيائيين يقودهم بير بورك (Peer Bork) فقاموا باختبار 191 عينة من الجينومات المتسلسلة فوجدوا 31 منها تظهر نوعا من الانتقال الافقي (Horizontal Gene Transfer HGT) للجينات.وقد جائت النتائج بصورة عامة في شكل يشبه الشجرة الى حد كبير. وبتواصل جهود فريق بورك يقول بورك ان هناك دلائل كثيرة على الانتقال الافقي (Horizontal Gene Transfer HGT) للصفات الوراثية.

وفي بحث اخر على اصناف عديدة من البكتريا في عينة شملت 181 جينوم اتضح وجود 80% من الجينات التي تحمل دلائل الانتقال الافقي (Horizontal Gene Transfer HGT) مما زاد صورة الشجرة ضبابية. فيقول جان اندرسون من جامعة اوبسالا في السويد (Jan Andersson of the University of Uppsala in Sweden) ان دلائل الانتقال الافقي (Horizontal Gene Transfer HGT) للجينات في الكائنات المجهرية عموما (microscopic beasties) لا يقل عنه في البكتيريا ويقول ان تمثيل الكائنات الحية لا يمكن ان يتم بواسطة شجرة.

مهلا قد يقول قائل هنا ان هذا الكلام ينطبق على البكتيريا والكائنات المجهرية فقط. ولكن الا تشكل البكتيريا 90% من الانواع الموجودة على الارض؟ الا تشكل معظم الكتلة الحية للكائنات على الارض. الا يشمل معظم التاريخ التطوري وجود البكتيريا والكائنات المجهرية لوحدها اذا استمرت على الارض لما يزيد على الـ 3.8 مليار سنة. وبناء على ذلك يقول جون دوبر (John Dupre) فيلسوف البيولوجي في جامعة ايكستر في المملكة المتحدة انه اذا كان هناك شجرة للحياة فمن الممكن ان تكون شجرة صغيرة متفرعة من شبكة.

الانسان الهجين

يقول جيمس ماليت البيولوجي التطوري في كلية لندن الجامعة (James Mallet) ان 10% من جميع الحيوانات هي هجائن مع حيوانات اخرى. ومن ذلك الادلة الموجودة على ذلك تهجين الانسان الحالي مع انسان الهومو ايريكتس والنياندرتال. والتهجين حسب بعض الباحثين هو احد اهم الدوافع لتطور الكائنات الحية والتي هي عملية مستمرة حتى الان. حتى ان فريق اخر من جامعة تكساس توصل الى  ان انواعا من الفئران والاسماك والابوسوم والضفادع لها كتلة من الدنا لم توجد في 25 نوعا اخر قريب منها او لاحق لها مما يشير الى وجود انتقال افقي للجينات بشكل مستقل (Horizontal Gene Transfer HGT.

في النهاية يجدر القول ان شجرة داروين لا تمثل وصفا كافيا لعملية التطور بمجملها وكيفية حدوث التطور . اذا ما معنى زوال شجرة داروين؟ يجيب هنا الدكتور بابتيست ودوليتل ان كون شجرة التطور غير صحيحة لا يعني ان نظرية التطور غير صحيحة ولكن يعني ان الفهم الحالي لها ليس دقيقا الى الحد المطلوب. وما يتوجب فعله حيال ذلك هو فهم التطور بشكل اكثر احكاما.