نتابع في الجزء الثاني ثلاث تهم أخرى عن المحليات الصناعية وهي كالتالي:-

  • التسبب بالسكري
  • إعاقة بكتريا الأمعاء
  • التسبب بالسرطان

بإستخدام محركات البحث العلمية على الإنترنت سنجد دراسات تدعم كل زعم، وسنجد أيضاً دراساتٍ تفنده، هذا سيجعل مهمتنا أكثر متعة (وصعوبة بالتأكيد). وبدل قراءة عنوان البحث وملخصه، علينا تقييم قوة الدليل ودقته، والوصول بأنفسنا للاستنتاج. ولحسن حظك، فقد رفع الحمل عن كاهلك.
إضافة لذلك سنتحدث عن المعدل اليومي المقبول لتناول للمحليات الصناعية، فخذ نفساً عميقاً ودعنا نخوض في غمار البحث..

للاطلاع على الجزء الأول

المحليات الصناعية ومرض السكري

بعد أن بينّا عدم وجود إرتباط بين المحليات الصناعية والتسبب بزيادة الوزن، حان وقت الإجابة على سؤال آخر يتعلق بالآثار على العملية الأيضية، ألا وهو “هل تسبب المحليات الصناعية مرض السكري؟”، وكما في البحث عن العلاقة بين المحليات الصناعية والبدانة، كذلك إنتهت عدة دراسات إلى وجود إرتباط ظاهري بين إستهلاك المحليات الصناعية ومرض السكري.

ونكررها مرة أخرى، إن دراسات من هذا النوع ليست دراسات منهجية عالية الجودة (RCT) أي أنها لا تعطي إجابات نهائية حاسمة، وهنا مثال آخر عن كيف أن إساءة فهم الفرق بين الترابط والتسبب (Correlation vs. Causation)، والسببية العكسية (Reverse Causality) يؤدي لنتائج مغلوطة. ففي هذه المرة لا يبين الباحثون سوى أن الأشخاص الذين يعانون من البدانة ومرض السكري (سببه زيادة إستهلاك السكر غالباً) هم أكثر إحتمالاً لتناول المحليات الصناعية، لا أن المحليات الصناعية تسبب السكري. بل على النقيض، وجدت دراسات عالية الجودة عدم وجود ارتباط بين تناول المشروبات الدايت والتسبب بالمشاكل الأيضية.

ولفهم أفضل لتوجه الدراسات الرابطة بين المحليات الصناعية والمشاكل الأيضية، فلنلقِ نظرة على الدراسات التي تناولت تأثير المحليات الصناعية على الهرمونات ومستوى السكر في الدم. بضع دراسات وجدت ارتباطاً عكسياً بين تناول المحليات الصناعية والتأثير على هرمونات التخمة وكذلك التسبب بزيادة مستوى السكر في الدم. دراسة أخرى على الفئران وجدت أن تناول المحليات الصناعية قد يسبب زيادة معدل إستهلاك الطاقة (تناول الطعام) عن طريق تثبيط الهرمون المسؤول عن الشعور بالاكتفاء (GLP-1) والمؤثر على اتزان مستوى الكلوكوز. دراسة أخرى صغيرة أجريت على 17 إمرأة مصابة بالبدانة، وجدت أن اللواتي تناولن مشروب محلى بالمحليات الصناعية قبل تناول مشروباً محلى بالسكر كان مستوى السكر لديهن أعلى بنسبة 14% ومستوى الانسولين أعلى بنسبة 20% بالمقارنة مع اللواتي شربن الماء قبل شرب الشراب الحلو. يجدر الإشارة إلى أن النساء في هذه الدراسة لم يتناولن مشروب المحليات الصناعية مسبقاً، إضافة إلى أن تأثير المحليات الصناعية على البدن يختلف باختلاف العمر والجينات والاعتياد.

وإن كانت نيتنا شيطنة المحليات الصناعية (كما يفعل الكثير من “خبراء” التغذية) فستكون هذه نهاية مقالنا، وستقتنع غالباً بأن إحباط محاولاتك في تقليل وزنك، سببه ذلك المُحلي الصناعي الذي تضعه في شايك أو قهوتك.

ولكن؛ بدل طرح ما سبق كوصف شامل للمحليات الصناعية، لابد من الإشارة إلى طرح مباين، ففي الحقيقة تنتهي غالبية الدراسات البشرية إلى أن تناول المحليات الصناعية لا يسبب زيادة مستوى السكر في الدم، ولا يؤثر على مستوى الإنسولين أو بقية الهرمونات الأيضية.

فمثلاً بينت إحدث الدراسات المنهجية (RCT) (دراسات محكمة معماة) أجريت على خمسين فرداً أن تناول علبتين من مشروب حمية غازي يومياً لحوالي 3 أشهر – بينت أن لا تأثير لها على مستوى الإنسولين، ولا على الوزن ولا على معدل إستهلاك الطعام. بالنقيض مع الدراسات التي أجريت على الفئران وهرمون (GLP-1)، فإن هذه الدراسة التي أجريت على أشخاص أصحاء لم يلاحظ فيها أي تأثير للمحليات الصناعية على الهرمون آنف الذكر (المسؤول عن شعور بالامتلاء والشبع).

بالمحصلة: لا شك بأن تناول مشروبات الحمية هو خيار أفضل من المشروبات العادية لمن يعانون مشاكل أيضية كالحساسية المفرطة للسكر (حسب المؤشر الجلايسيمي)، ولا توجد أدلة بشرية تظهر تسبب المحليات الصناعية بأي مشاكل هضمية أو بمرض السكري.

المحليات الصناعية تسبب إعاقة بكتريا الأمعاء

إن دراسة الأحياء الميكروبية للأمعاء هو مجال حديث نسبياً، ذو آثار وتطبيقات واسعة. حيث يبدو أن أنواع وأعداد البكتريا التي تقطن أمعائنا له أثر على صحتنا، بنية جسدنا، بل وحتى سلامة قلبنا ودماغنا ومزاجنا.

ورغم تزايد معرفتنا باطراد عن تأثير الأمعاء على صحة أبداننا وسلامتنا، إلا أن تأثير المحليات الصناعية على بكتيريا الأمعاء ليس بذلك الوضوح. مبدأياً، معلوم لدينا أن ما نتناوله له أثر على عدد ونوع نشاط البكتيريا في الأمعاء، عليه يكون السؤال، هل تناول المحليات الصناعية له أثر إيجابي أم سلبي، أو غير فارق أساساً؟ وكالعادة، فالإجابة ليست بتلك السهولة.

في الدراسات التي أجريت على فئران التجارب، كان أثر تناول المحليات الصناعية مؤذياً على بكتيريا الأمعاء لديها، وفي العموم؛ كانت نتيجة سلبية وأدت لزيادة الوزن ولاضعاف الإستجابة الأيضية للجلوكوز. كان ذلك بالمقارنة مع فئران أعطيت الماء أو مشروبات محلاة بالسكر. في بعض الدراسات، كان الظن بأن التأثير الضار على الفعاليات الأيضية سببه زيادة الجوع واستهلاك السعرات الحرارية. أما في دراسات أخرى، رُجِح أن الأثر السلبي كان سبب التأثير المباشر على بكتريا الأمعاء مؤدياً إلى تقليل تحمل الجلوكوز ومقاومة الأنسولين.

 

ما يثير الدهشة هو أن بعض الدراسات توصلت لآثار سلبية للمحليات الصناعية رغم التغيرات الإيجابية في حال الجسد. فعلى سبيل المثال، توصلت دراسة أجريت عام 2014 إلى أن الفئران التي أطعمت المحليات الصناعية كان لديها زيادة في مستويات سكر الصيام (fasting glucose level) وزيادة المقاومة للأنسولين مقارنة مع فئران أطعمت السكر، على الرغم من أن الأولى كان لديها وزن أقل وحالة جسدية أفضل. هذه النتائج من المفترض أنها تقلق الأشخاص الذين يعتقدون أن لياقة جسدهم مؤشر كافٍ على صحتهم. فعلى الرغم من أن المحليات الصناعية قد لا تؤثر على المظهر الخارجي إلا أنها قد تكون مؤذية للأيض. فتشير الدراسة (سليم ظاهرياً، بدينُ أيضياً) إلى إمكانية أن يبدو الشخص صحيحٌ من الخارج ظهرياً وهو في الوقت ذاته عليلٌ في الداخل جسدياً.

ما يدهش أكثر هو أن نتائج هذه البحوث ليس متوافقة جميعاً، فقد توصلت دراسة إلى أن إطعام المحليات الصناعية للفئران من شأنه تحسين تحمل الجلوكوز ومقاومة الأنسولين، وأشارت دراسة أخرى إلى أن تناول الستيفيا لا أثر له على الوزن أو تحمل الجلوكوز.

ومرة أخرى صار لدينا جبهتين من الأدلة المتعارضة في النتائج وعلينا الحسم بينها، في الجبهة الأولى لدينا اكوام من البحوث تشير لخطورة عالية ونتائج شديدة السلبية على بكتيريا الأمعاء نتيجة إستهلاك المحليات الصناعية، إلا أن هذه البحوث قد أجريت على الفئران، والبشر ليسوا فئراناً، ومعظم الناس لا يستهلك ولا حتى مقدار بسيط من الجرعة المعطاة على الفئران، حيث أن مقدار هذه الجرعة في الدراسة السابقة يعادل لدى البشر ما مقداره 165 علبة من محلي سبلندا (Splenda) أو 36 علبة من مشروب الدايت يومياً ولمدة 6 اشهر!.

لو عرفت أن شخصاً يتناول 36 صندوقاً من مشروب الدايت في الشهر وبشكل مستمر لما شككت بأن لدى هذا الشخص مشكلة حقيقية، وإلا الاستهلاك المعتدل (أقل من 36 علبة يومياً!) مع حمية معتدلة نشكك بخطره بكتريا الأمعاء..

الخلاصة: إن بكتريا الأمعاء هو مجال معقد من الطب البشري، ولهذا السبب؛ فإن تأثير المحليات الصناعية على بكتيريا الأمعاء يدعو الإحتياط والحذر. فجل ما لدينا معلومات تتعلق بتأثير المحليات الصناعية على ميكروبات الأمعاء هو تخمينات بنيت على بحوثٍ وصفية ودراسات أجريت على الفئران وعلى الشرائح المختبرية. وهنالك حاجة جمة لدراسات بشرية منهجية متقنة للإحاطة بالموضوع، وحتى ذلك الوقت فإن ما ينصح به هو المضي بحذر، والإستهلاك باعتدال أو التجنب بالكامل في حال الخوف على صحة ميكروبات الأمعاء.

المحليات الصناعية تسبب السرطان

هل تسبب المحليات الصناعية السرطان حقاً؟ دعنا من كل الأدلة القائلة بالعكس، فالأسطورة المرعبة من كون المحليات الصناعية تسبب السرطان لازالت متداولة في المجموعات الواتساب للأمهات (ووسائل التواصل الإجتماعي والإنترنت عموماً). بعدما بينت دراسة نشرت في السبعينات من القرن الماضي تسبب السكرين بزيادة نسب الإصابة بسرطان المثانة لدى الفئران، كان الإدعاء الشائع أن المحليات الصناعية تسبب السرطان، ونتيجة ذلك ألزمت وكالة الدواء والغذاء الأمريكية (FDA) بوضع علامات تحذيرية على المحليات الصناعية وحضرت السكرين حتى عام 2000 ، أما في كندا فلم يرفع الحظر إلا منذ بضع سنين مضت!

لما العجلة يا كندا! فالخبر السيء أن العديدة من الفئران نفقت جراء هذه التجربة، أما الخبر الجيد، فهو أن الجرعات التي اعطيت للفئران المسكينة من المحليات الصناعية كانت مهولة الحجم، والفئران ليست بشراً (واعجبا!)، كما أن التأثير السرطنة لا أثر له عند البشر. حيث بينت دراسة لاحقة عدم وجود ارتباط بين استهلاك السكرين وبين سرطان المثانة عند البشر. وأُكِّد ذلك في الدراسات الأحدث.

المحصلة: يمكنك القول باطمئنان أن المحليات الصناعية لا تسبب السرطان، وإن لم تزل شاكاً غير مقتنع، فإليك هذه الأبحاث لعلك بها تنتفع:-

ستيفيا

معدل الاستهلاك الآمن يومياً للمحليات الصناعية (ADI)

إن معدل الاستهلاك اليومي الآمن هو الحد الأقصى الممكن استهلاكه خلال اليوم الواحد كل يوم، والذي يمكن اعتباره غير مسبب للمشاكل الصحية، وفي الواقع؛ إن معدل الإستهلاك اليومي الآمن لمعظم المحليات الصناعية مرتفع جداً!، ومن الضروري معرفة هذا المعدل، حيث أن الدراسات التي أشرنا إليها سابقاً بخصوص الآثار الضارة كانت جرعاتها بحدود هذا المعدل، وهي كالتالي:-

 

  • الأسبرتام: 50 ملغم/كغم/يوم (أي حوالي 21 علبة كولا دايت في اليوم الواحد)
  • السكرالوز: 5 ملغم/كغم/يوم (حوالي 31 كيس سبلندا يومياً)
  • أسيسلفام البوتاسيوم: 15 ملغم/كغم/يوم (حوالي 30 علبة كولا دايت)
  • سكرين: 5 ملغم/كغم/يوم (حوالي 10 أكياس)
  • ستيفيا (الجليكوسيدات): 4 ملغم/كغم/يوم (حوالي 10 أكياس يومياً)*

أو للدقة: لنأخذ نموذجاً متوفراً محلياً وهو (تروبيكانا سلم) والمتكون من السوربيتول، السكرالوز 10 ملغم للكيس الواحد (ADI: 5mg)، أسيسلفام البوتاسيوم 8 ملغم للكيس (ADI: 15mg) ، وبما أن نسبة السكرالوز أعلى ومعدله اليومي الآن أقل، سنركز عليه في حسابنا، ولنأخذ شخصاً وزنه 70 كليوغرام: سيكون معدل الإستهلاك الآمن لديه = 70×5= 350 ملغم أو 35 كيس يومياً من هذه المادة، بالطبع فهذا العدد سيرتفع إلى 45 كيس لمن يبلغ وزنه 90 أو ينخفض لمن وزنه 50 كيلوغرام إلى 25 كيس، والمعدل يبقى كبيراً في كل الأحوال.

أما بخصوص مادة (ستيفيا) المتوفرة محلياً، فإن المادة الأعلى نسبة فيها هي الأيزومالت (Isomalt: 99.2%) وقد وصف معدل الإستهلاك اليومي من قبل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة بـ”غير محدد” أما الجليكوسيدات فإن معدل الإستهلاك الآمن لها هو 4 ملغم/كغم/يوم، أي أن الشخص البالغ وزنه 70 كيلوغرام يمكنه أستهلاك 14 كيس يومياً (للكيس الذي وزنه 2.5 غرام ونسبة الجليكوسيدات فيه 0.8%)، وهذا يوافق ما مكتوب على العلبة (10 أكياس يومياً).

للإطلاع على تفاصيل أكثر تخص المواد شديدة الحلاوة والأذونات الممنوحة بخصوصها للإستهلاك الغذائي، يمكن مراجعة موقع منظمة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لتفاصيل أكثر.

الخلاصة: هل اتخذت قرارك؟ لأني فعلت!

إن التغذية البشرية هي أمر معقد، فكل قرار غذائي متأثر بالعوامل الصحية، النفسية، الجسدية، الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن غيرها. وما يصعب القرار باستهلاك المحليات الصناعية من عدمه هو كل هذه الأبحاث المتضاربة والآراء المتناقضة، والأكاذيب الترويجية والمغالطات المنطقية. إن هذا القرار ليس بالضرورة أبيض أو أسود، فلا توجد إجابة مطلقة تنطبق على كل حال موقف. أما بعد إقرارنا بما سبق، فيتحتم علينا الخروج بنتيجة نزن فيها كل ما لدينا من أدلة، لنصل إلى القرار الأمثل الذي نكسب فيه سلامتنا ونتجنب معه كل علة، فلنطرح الفوائد والسلبيات ونخرج بنتيجة من كل ما فات.

 

فأما الفوائد: 

  • تزيد كمية الأطعمة الممكن تناولها
  • تزيد الإستمتاع بالطعام
  • تزيد الرضا عن الحمية الغذائية كما تقلل الرغبة باستهلاك الأطعمة اللذيذة الغير صحية (كالمثلجات والمعجنات والوجبات السريعة).

 

وأما السلبيات المحتملة:-

  • زيادة الشهية
  • تقليل الإحساس بالحلاوة
  • تأثيرات سلبية في الجرعات العالية على ميكروبات الأمعاء

بلى، إن حمية ليس فيها محليات صناعية هي صحية أكثر (من الناحية العلمية)، لكن (عملياً) إن كان تناولها يسبب تحسناً أكبر في صحة العامة ويقلل إستهلاك السعرات الحرارية ويشعر برضا أكبر عن الحمية ويقلل التقيد في الأطعمة – إن كان الحال كذلك فهي بلا شك جديرة بإدخالها في حميتنا الغذائية. وعلى الرغم مما يبدو من كون إستهلاك المحليات الصناعية ليس آمناً 100%، إلا أن إستهلاكها بإعتدال يمكن أن يساعدنا في نيل أهدافنا الصحية والجسدية.

المصادر:- 

*صححت هذه المعلومة عند ترجمتها بعد مراجعة البيانات المذكورة في موقع منظمة الدواء والغذاء الأمريكية (FDA)