“دراسات خاضعة لرقابة صارمة قد تعطينا الإجابات قريباً حول ما الذي يسبب السمنة: السعرات الحرارية أم الكربوهيدرات غير المناسبة؟”.وما هي أهم أسباب البدانة: هل هي تناول الكثير من الطعام أم تناول الأطعمة غير المناسبة خاصةً الكربوهيدرات سهلة الهضم.

يظن باحثو التغذية انهم يعرفون الإجابة، لكن في الواقع إن الباحثين لم يضعوا الموضوع تحت الفحص الصارم والاختبار العلمي حتى حتى الآن.

وسوف يقوم الباحثون برعاية ومبادرة علوم التغذية بمعالجة هذا السؤال بدقة بواسطة ضبط استهلاك الطعام والسيطرة عليه من قبل المتطوعين في منشأة الاختبار وكيف يتغير مع وجود اختلافات في تكوين النظام الغذائي.

لماذا الكثير منا يصبح بديناً؟ الإجابة على هذا السؤال تبدو واضحة. السبب الرئيسي للسمنة وزيادة الوزن بحسب منظمة الصحة العالمية، “هو اختلال توازن الطاقة بين السعرات الحرارية المستهلكة والسعرات الحرارية التي يبذلها الجسم” ببساطة، نحن نأكل كثيراً أو نجلس كثيراً، أو نفعل الاثنين سوية.

وبهذا المنطق، الفائض من السعرات – سواء من البروتين، الكربوهيدرات أو الدهون هي من المكونات الرئيسية الثلاثة، أو” المواد الغذائية الرئيسية، ” في الغذاء – حتماً تتراكم وتزيد وزنك. وبالتالي الحل أيضاً واضح: تأكل أقل، وتمارس تمارين رياضية أكثر.

السبب لمسائلة هذا التفكير التقليدي بديهي. الوصفة الطبية الشائعة لمدة أربعين عام حول (أكل أقل، رياضة أكثر)، ومع هذه الوصفة فإن السمنة منتشرة. حيث أن أكثر من ثلث الأمريكيين اليوم يعانون من السمنة المفرطة وهذه النسبة اليوم أكثر من ضعف النسبة منذ أربعين عام. وفي أنحاء العالم، هناك أكثر من نصف مليار شخص يعانون من السمنة المفرطة.

بجانب زيادة البدانة، فنحن ايضاً نطور المزيد من اضطرابات التمثيل الغذائي، مثلاً النوع الثاني من داء السكري، الذي يتميز بالشذوذ الهرموني في تجهيز وتخزين المواد المغذية وهو أكثر شيوعاً في البدناء.

عدم الإنسجام في المشكلة المتنامية يطرح إثنان من الحلول: الأول، مدى فهمنا لسبب بدانة الأشخاص هو فهم صحيح لكن هؤلاء الأشخاص الذين يعانون من مشاكل بيئية أو جينية أو أسباب سلوكية غير قادرين أو غير راغبين بمساعدة أنفسهم، والحل الثاني هو أن فهمنا خاطئ لذلك لذا فإن النصيحة الشاملة تكون حول كيفية جعل الأمور أفضل.

إذا كان الخيار الثاني هو الصحيح، وربما إذا علمنا أن الاختلال في توازن الطاقة ليس سبباً في تراكم الدهون ولكن هناك شئ اقرب الى وجود خلل هرموني؟ هذه الفكرة تبناها باحثون أوروبيون قبل الحرب العالمية الثانية. إذا كان الأمر كذلك، أن المشتبه به الرئيسي هو الكمية والنوعية من الكربوهيدرات التي نستهلكها.

هناك خطأ حول تأثير محتوى الطاقة في الأطعمة سواء الافوكادو، الخبز، الصودا أو شريحة اللحم وإن كان هو ما يجعلك تصبح بديناً، دون النظر الى التأثيرات الأخرى لهذه الأطعمة وعلى وجه الخصوص الكربوهيدرات، ودورها في التأثير على الهرمونات التي تقوم بتنظيم تراكم الدهون.

في كثير من الأحيان يشير الباحثون إلى السمنة على أنها اضطراب في توازن الطاقة، ويمكن للمرء أن يفترض أن تلك الفرضية تم اختبارها بدقة منذ عقود. لكن التدقيق العلمي البسيط للفرضية هذه لم يحدث ابداً في الواقع. وكانت التجارب صعبة للغاية، ومكلفة للغاية للقيام بالأمر بشكل صحيح. يعتقد الباحثون عادةً أن الجواب واضح، فنحن نأكل كثيراً لذلك فالتجارب لا تستحق كل هذا العناء. ونتيجة لذلك، فإن الأساس العلمي للقضية الأكثر أهمية في عصرنا يبقي المسألة مفتوحة.

بعد عشر سنوات من دراسة العلوم وتاريخها، وانا اثق بأن أي تقدم ملموس ضد السمنة لم يتحقق، إلا إذا أعدنا التفكير في فهم القضية وجدية الاختبار. السنة الماضية،شاركت مع بيتر عطية (Peter Attia) وهو جراح سابق وباحث في مجال السرطان، شاركنا في منظمة غير ربحية تسمى مبادرة علوم التغذية (NUSI)، لمعالجة هذا النقص في المعلومات.

بدعم من مؤسسة لورا وجون أرنولد (Laura and John Arnold Foundation) في هيوستن، تكساس، قمنا بتوظيف العلماء المستقلين لتصميم وتنفيذ التجارب التي سيتم اختبار الفرضيات المتنافسة بدقة من السمنة ( وبالتالي، زيادة الوزن ).

وقد التزمت مؤسسة أرنولد لتمويل ما يصل إلى 60 في المئة من ميزانية البحوث الحالية لمبادرة علوم التغذية وثلاث سنوات من نفقات التشغيل ليصبح المجموع 40 مليون دولار.

وإذا جرى كل شئ كما هو مخطط له، فيمكننا القول بدليل لابأس به منذ أثنا عشر عاماً أن السمنة سببها بيولوجي.

فرضية الهرمون

ما يجعل فهم فرضية الهرمون مثيرة جداً، هو أنها تساعد في اختصار فرضية توازن الطاقة. فكرة ان استهلاك السعرات الحرارية أكثر من إنفاقها تسبب السمنة، القانون الأول من الديناميكا الحرارية، التي تنص على أن الطاقة لايمكن انشاؤها ولا تدميرها. كما ينطبق الأمر على الأحياء، وهو مايعني أن الطاقة المستهلكة من قبل كائن حي لابد من تحويلها الى شكل مفيد، (استقلاب) ، لتفرز أو تخزن. وبالتالي، اذا ما اخذنا من السعرات الحرارية أكثر مما يتم انفاقها او إفرازها، فالفائض يتم تخزينه، فنزداد بدانة. القضية واضحة جداً، حتى الآن. ولكن هذا القانون يتكلم حول لماذا نأخذ الكثير من السعرات الحرارية اكثر مما ننفق، كما أنه لايقول لنا لماذا نحصل على تخزين الفائض بشكل دهون.

على وجة التحديد، لماذا تتراكم الخلايا الدهنية الفائضة إلى جزيئات دهنية ؟ هذا السؤال بيولوجي وليس فيزيائي.

لماذا لا تستقلب تلك الخلايا الدهنية إلى لتولد الطاقة أو الحرارة بدلاً من خزنها؟ ولماذا الخلايا الدهنية تتراكم كدهون زائدة في بعض مناطق الجسم دون غيرها؟ القول بأنها تفعل ذلك لأن السعرات الزائدة لا تستهلك هو جواب دون مغزى.

الاجابة على هذة الاسئلة على وجة الخصوص يؤدي النظر إلى دور هرمون الأنسولين الذي في تحفيز تراكم الدهون في أماكن مختلفة.

يفرز الأنسولين استجابة لنوع من الكربوهيدرات يسمى الجلوكوز. عندما ترتفع كمية الجلوكوز في الدم، كما يحدث بعد تناول وجبة غنية بالكربوهيدرات – فإن البنكرياس يفرز المزيد من الأنسولين، والذي يعمل للحفاظ على مستوى السكر في الدم دون حدوث ارتفاع خطير.

الأنسولين يخبر العضلات والأعضاء وحتى الخلايا الدهنية لتأخذ الجلوكوز وتستخدمه كطاقة لها. ويقال ايضاً الخلايا الدهنية تخزن الدهون من وجبة الدهون تستخدم لاحقاً. عند ارتفاع مستويات الانسولين تحتفظ الخلايا الدهنية بالدهون وتفضل الخلايا الأخرى الجلوكوز وليس الدهون للحصول على الطاقة.

المصادر الغذائية الرئيسية من الجلوكوز هي النشويات والحبوب والسكريات (بغياب الكربوهيدرات، فإن الكبد يعطي الجلوكوز من البروتين.) حيث أن الكربوهيدرات هي الأكثر سهولة في الهضم، والأسرع في ارتفاع مستوى ضغط الدم ( الألياف والدهون في الأطعمة تبطيء سير العملية.) وهكذا، فإن اتباع نظام غذائي غني بالحبوب والنشويات المكررة فإن ذلك يدفع بمزيد من إفراز الأنسولين من اتباع نظام غذائي غيره. السكريات مثل السكروز والفركتوز، قد تلعب دورا رئيسيا لأنها تحتوي أيضا على كميات كبيرة من الكربوهيدرات تدعى الفركتوز، والذي يتم استقلابه في الغالب من قبل خلايا الكبد. وإن لم يكن ذلك الاستقلاب نهائياً، غير أن البحوث تشير إلى أن كميات كبيرة من الفركتوز قد يكون سببا هاما من أسباب “مقاومة الإنسولين”.عندما تقاوم الخلايا الأنسولين يطلب المزيد من الأنسولين للسيطرة على نسبة السكر في الدم. ونتيجة لذلك، وفقا لفرضية الهرمون، ارتفاع نسبة الأنسولين في الدم أكثر من اي وقت مضى مما يسبب تجمع الدهون في الخلايا الدهنية بدلاً من أن تستخدم لتغذية الجسم. ما لا يزيد على عشرين إلى عشرة من السعرات الحرارية التي تخزن على شكل دهون زائدة كل يوم سوف تؤدي خلال عقود من الزمن الى السمنة.

تشير فرضية الهرمون أن الطريقة الوحيدة لمنع حدوث هذا التدهور، ولمعالجة ذلك التدهور الحاصل، هو بتجنب السكريات والكربوهيدرات التي تعمل على رفع مستويات الأنسولين. ومن ثم فإن الجسم سوف يستفيد بشكل طبيعي من مخزون الدهون لحرق الوقود. التحول من حرق الكربوهيدرات لحرق الدهون، قد يحدث حتى لو أن العدد الإجمالي للسعرات الحرارية لم يتغير. الخلايا تحرق الدهون لأن الهورمونات تخبرهم أن يقوموا بذلك بشكل فعال؛ نتيجة ذلك هي زيادة نفقات الطاقة في الجسم لفقد الدهون الزائدة في الجسم، وفقا لوجهة النظر هذه، يجب أن تستبدل الكربوهيدرات بالدهون التي لا تحفز إفراز الأنسولين أو أن يتم تحديدها.

هذه الفرضية البديلة تعني أن الأوبئة العالمية الجارية من السمنة وداء السكري من النوع 2 (الذي ينبع إلى حد كبير من مقاومة الأنسولين) تحدث إلى حد كبير بسبب الحبوب والسكر في وجباتنا الغذائية. وهذا يعني أيضا أن الخطوة الأولى في حل هذه الأزمات هو تجنب السكريات والحد من استهلاك الحبوب والخضروات النشوية، وليس القلق حول كم نحن نأكل وكيف نمارس الرياضة.

التاريخ المنسي

الحكمة التقليدية لا تحبذ دائماً الخلل في فرضية الطاقة التي تنتشر اليوم. حتى الحرب العالمية الثانية، عملت السلطات الرائدة حول قضية السمنة (ومعظم التخصصات الطبية) في أوروبا وخلصت إلى أن البدانة تنجم، مثل أي اضطراب في النمو عن وجود خلل هرموني وتنظيمي. حيث كانوا يعتقدون أن هناك شيئاً خاطئاً مع الهرمونات والإنزيمات التي تؤثر على تخزين الدهون في الخلايا الدهنية.

الطبيب الألماني، غوستاف فون برغمان، طور الفرضية الاصلية قبل أكثر من قرن من الزمان.

(وسام غوستاف فون بيرجمان هو اليوم أعلى تكريم من قبل الجمعية الألمانية للطب الباطني.) أثار بيرجمان مصطلح “ألفة الدهون” حب الدهون لوصف ميل أنسجة الجسم المختلفة لتكديس الدهون. كما ينمو الشعر في بعض الأماكن دون غيرها هكذا الدهون تتكدس في بعض الأماكن دون غيرها، وكما يفترض فإن هذا الميل لخزن الدهون يجب ان ينظم عبر العوامل الفسيولوجية.

اختفى مفهوم ألفة الشحم بعد الحرب العالمية الثانية مع استبدال الألمانية بالإنجليزية كلغة علمية مشتركة. في الوقت الذي كانت  فيه التقنيات اللازمة لفهم تنظيم تراكم الدهون في الخلايا الدهنية والأساس البيولوجي للسمنة على، غير أن تقنيات القياس الدقيق للأحماض الدهنية ومستويات الهرمون في الدم لم تخترع حتى أواخر الخمسينات.

وبحلول منتصف الستينات كان من الواضح أن الأنسولين هو الهرمون الأساسي الذي ينظم تراكم الدهون، لكن وقتها كانت السمنة تعتبر أحد اضطرابات التغذية وكانوا يعاملونها على أنها كذلك وأن البدناء يجب أن يأكلوا سعرات حرارية أقل. كما ربط في وقتها بين نسبة الكولسترول في الدم والإصابة بأمراض القلب واستهدف خبراء التغذية الدهون في وقتها على أنها الشيطان المسؤول عن ذلك، وبدأت الجهات الطبية منذ ذلك الوقت بتوصية تناول وجبات غذائية عالية الكربوهيدرات ومنخفضة الدهون. فكرة أن الكربوهيدرات يمكن أن تسبب السمنة أو مرض السكري أو أمراض القلب كانت قد رميت جانباً.

ومع ذلك، اعتمد عدد قليل من الأطباء العاملين فرضية الكربوهيدرات / الأنسولين وكتبوا كتباً حول الحمية المستندة إلى ذلك قائلين أن البدناء يمكن أن يفقدوا الوزن وأن يأكلوا بقدر ما يريدون، طالما أنهم يجتنبون الكربوهيدرات. بسبب أن أكثر الخبراء تاثيراً يعتقدون أن الأشخاص يصبحون بدناء فقط لأنهم أكلوا بقدر ما يريدون، صارت النظرة لكتب الحمية تلك على أنها أعمال نصب واحتيال. أشهر الكتاب الذين كتبوا حول الأمر روبرت اتكنز، الذي لم يتمكن من تعزيز القضية بأن تناول الأطعمة الغنية بالدهون كالجيس برغر دون تناول الكاربوهيدرات لن يكون مضراً وسيسبب نقصان الوزن بالمقابل – النصيحة التي صاروا ينظرون إليها على أنها نوع من التزوير.

تجارب صارمة

في السنوات العشرين الماضية تراكمت أدلة قوية تشير إلى أن هؤلاء الأطباء أصحاب النظام الغذائي الذين يلومون الكربوهيدرات قد يكونون على حق، إن فرضية الهرمون هي شرح عملي حول سبب حصولنا على الشحوم وزيادة الوزن ومقاومة الأنسولين، يسبب ذلك خللاً جوهرياً ليس فقط في مرض السكري من النوع 2 ولكن في أمراض القلب وحتى السرطان. وهذا يجعل من الاختبارات الصارمة لدور الكربوهيدرات والأنسولين أهمية بالغة.

لأن الهدف النهائي تحديد المسببات البيئية للبدانة، أن توجه التجارب في توضيح العمليات التي تؤدي إلى تراكم الدهون الزائدة. لكن السمنة يمكن أن تستغرق عقوداً لتطور، لذلك أي مكاسب للدهون من شهر إلى شهر قد تكون صغيرة جدا للكشف عن ذلك.

وسيتم تنفيذ التجربة الأولية الأساسية بشكل مشترك من قبل باحثين في جامعة كولومبيا، والمعاهد الوطنية للصحة، و-مستشفى ستانفورد بورنهام ومعهد فلوريدا للبحوث في أورلاندو، ومركز البحوث الطبية الحيوية بنينجتون في باتون روج في لويزيانا.

في دراسة تجريبية، سيتم ضم 16 مشارك يعانون من زيادة في الوزن والسمنة وستتم مراقبتهم والإحاطة بظروف حياتهم كاملة أثناء التجربة بشكل كامل.

وفي مرحلة معينة، ستتم تغذية المشاركين على حمية مماثلة لتلك التي يتناولها الأمريكي  بالمعدل حيث ​​الكربوهيدرات 50 % (15% من السكريات)، و35% من الدهون والبروتينات 15٪.

يتحكم الباحثون بعناية في السعرات الحرارية المستهلكة حتى يتبين الحد الذي لا يكسب ولا يفقد الوزن تحته.

ثم يغير الباحثون نهج التغذية بإعطاء النسبة الأكبر من السعرات الحرارية معتمدة على الدهون والبروتينات لاختبار ما إذا كان ذلك سيحدث تأثيراً أكبر في فقدان الوزن ام لا.

في الوقت الذي كتب فيه المقال هذا في ساينتفيك أمريكان عام 2013 كانت التجربة لم تقم بعد، وبعد ظهورها كشفت إنخفاضاً طفيفاً بالوزن أثناء قيام التجربة مقابل زيادة في استهلاك الجسم للطاقة الذي ينبئ بالمزيد من الخسارة في الوزن لاحقاً.

ليست تلك التجربة هي الوحيدة فمن بين 23 دراسة قارنت بين حمية السعرات الحرارية وحمية الكربوهيدرات القليلة تفوقت حمية التقليل الكربوهيدرات فيما لا يقل عن 10 من تلك الدراسات، لكن القضية ليست هنا، بقدر ما تتعلق بسهولة اتباع حمية تقليل الكربوهيدرات.

المصدر:

Gary Taubes, “What Makes You Fat: Too Many Calories, or the Wrong Carbohydrates?“, scientificamerican.com, September 1, 2013

حول الدراسات عن حمية خفض الدهون أم خفض الكربوهيدرات:

Kris Gunnars, “23 Studies on Low-Carb and Low-Fat Diets – Time to Retire The Fad“, Authority nutrition, authoritynutrition.com