الفكرة الشائعة باستمرار بأن الجميع يجب أن يشرب ثمانية أكواب من الماء يوميًا هي محض خرافة. لندحض تلك الفكرة.
إحدى الدروس القاسية لكن المشجعة للبدء في رحلة الشك والتشكيك لفهم العالم الذي نعيش فيه أكثر هي إدراك أن معظم الأحكام الشائعة في الوعي العام غير صحيحة. على الأرجح، إذا كنت تستمد المعرفة من الثقافة الشعبية بدلاً من مصدر موثوق، فمن المرجح أنها ليست صحيحة. في الواقع، تخدعنا العديد من المصادر الموثوقة في بعض الأحيان. أواجه شخصياً باستمرار معلومات خاطئة تعيق عقلي ويتعين عليّ التخلص منها. 

“الصواب والخطأ” ليسا قيم مطلقة. في بعض الأحيان، يمكن أن تكون المعلومات “الخاطئة” مبسطة كثيراً أو تفتقر إلى الدقة والسياق المناسب فقط. من الصعب تقليص سؤال علمي معقد إلى فكرة بسيطة يمكن أن تنتشر عبر الثقافة الشعبية، والحقيقة دائمًا أكثر تعقيدًا مما تتصور.

تعود أصل فكرة شرب 8 أكواب من الماء إلى هيئة الغذاء والتغذية عندما حددت عام 1945 أن الكبار يحتاجون إلى 84.5 أونصة من الماء يوميًا للبقاء أصحاء. ومع ذلك، حُرّفت هذه النصيحة، حيث أُشير في الجملة التي تلتها إلى أن “معظم” هذا الماء يأتي من الطعام. يأتي حوالي 20٪ من كمية الماء المتناول يوميًا من الطعام. كما أن معظم ما نشربه هو عبارة عن ماء. حتى القهوة هي ماء، ولن يسبب لك الكافيين الموجود فيها بالجفاف. كمية الماء التي نتناولها أكبر بكثير مما نطرحه عن طريق البول.

ورغبة في تعزيز الإعلان عن تلك الفكرة حُوّلت الـ 84.5 أونصة إلى 64 وبذلك يمكن تحويلها إلى صيغة 8 × 8؛ أي ثمانية أكواب تحتوي على ثماني أونصات من الماء. وهذا ما حدث بالفعل، حيث أصبح هذا التفسير الخاطئ ميثاقاً شائعاً. ولكن هناك شيء آخر لا بد من التنويه إليه أيضاً، حيث قام منتجو المياه المعبأة بترويج هذه الخرافة. لأنهم بالطبع يهتمون بأن يشرب الناس المزيد من منتجاتهم. صحيح أنهم لم يبتكروا تلك الخرافة، لكنهم قاموا بترويجها بكل سعادة.

تظل خرافة 8 × 8 مستمرة، على الرغم من حقيقة أن معظم المصادر الموثوقة على الأنترنيت قد فنّدتها. وهي من الخرافات المفضلة التي تهتم بإنكارها العديد من المواقع الطبية. ولكنها لا تزال تنتشر على نطاق واسع. وما هو صحيح، بالطبع، هو أكثر تعقيدًا.

من المهم أولاً التأكيد على عدم وجود دليل على صحة قاعدة شرب ثمانية أكواب من الماء يومياً. لا يستند هذا الأمر إلى أي معلومات علمية، ولا يوجد أي دليل عن فوائد صحية من اتباع هذه القاعدة، أو الضرر من تجاهلها. والواقع، كما تعرف، أكثر تعقيداً من مجرد قاعدة عامة. حيث أشارت العديد من المصادر على مدى سنوات بأن احتياجات شرب المياه تختلف بشكل كبير من شخص لآخر. فهي تعتمد على نوع وكمية الطعام المستهلك، حجم الشخص، المعايير الفسيولوجية والطبية، البيئة والنشاط البدني. عُرف هذا بناءً على الفهم الأساسي للفسيولوجيا البشرية. ومع ذلك، أجرت دراسة حديثة بحثًا عن أدلة تجريبية لدعم هذا الأمر. درس الباحثون ما يسمونه “دورة الماء”، والتي هي في الأساس مقدار الماء الذي يحتاجه الأشخاص من كل المصادر. وفيما يلي ملخص لهذه الدراسة:

ضرورة استهلاك الماء ينعكس بشكل كبير على دورة الماء، أي الماء الذي يستخدمه الجسم يوميًا. قمنا بدراسة عوامل تحديد دورة الماء عند 5604 شخصًا، من 23 دولة، من سن 8 يوماً حتى 96 عاما، وذلك باستخدام طريقة تتبع النظائر (2H). وكان العمر وحجم وتركيب الجسم مرتبط بشكل ملحوظ بدورة الماء، بالإضافة إلى النشاط البدني والحالة الرياضية والحَمل والحالة الاجتماعية والخصائص البيئية (خط العرض والارتفاع ودرجة الحرارة والرطوبة). وكانت قيمة دورة الماء أعلى في البلدان ذات مؤشر تنمية بشرية منخفضة (HDI) مقارنة بالبلدان ذات تنمية بشرية عالية (HDI).

لذا، كيف يمكننا معرفة كمية الماء التي يجب شربها للحفاظ على الترطيب الجيد؟ لحسن الحظ، صقلت العمليات التطورية طريقة مثالية على مدى مئات الملايين من السنين – وهي العطش. هنا بعض النصائح الدقيقة لمعظم الناس: اشرب عندما تشعر بالعطش. تأكد من توفر السوائل حتى تتمكن من الشرب عندما تشعر بالعطش. ينطبق هذا بشكل خاص إذا كنت في بيئة جافة أو حارة، أو إذا كنت تشارك في نشاط يجعلك تتعرق. في مثل هذه الحالات، قد ترغب في الترطيب قليلاً لأنه يمكن أن تشعر بالجفاف بسرعة عندما لا تكون متكيفًا معها. لا يلزمك شرب مياه نقية فقط، فالمشروبات الرياضية الأخرى جيدة، وقد يكون من المفضل أن تستبدلها بالطعام. كما أن المصادر الأخرى للسوائل تعدّ مقبولة.

هناك أيضًا حالات طبية محددة قد تتطلب من الأشخاص إما تقليل استهلاك السوائل أو شرب مزيد من الماء أكثر من المعتاد. إذا كنت مصاب بحصى الكلى، على سبيل المثال، فيجب عليك الحفاظ على لون بولك فاتحًا، فعليك تناول الكثير من السوائل. إذا كان لديك أي مسائل أخرى، تحدث مع طبيبك.

هل يوجد أي سلبيات محتملة لتناول الماء بكميات كبيرة؟ نعم، ولكن من الصعب أن تسبب ضرر مباشر. يمكن أن يؤدي تناول كميات كبيرة من الماء إلى تخفيف تركيز الشوارد في الجسم، لكن يستغرق الأمر الكثير من الماء لتجاوز آليات التوازن الداخلي في الجسم. تناول الكثير من الماء يمكن أن يؤثر على النوم بسبب الحاجة إلى التبول في منتصف الليل، وهذا ليس أمراً بسيطًا، حيث أن النوم السيئ بشكل مستمر له العديد من الآثار السلبية على الصحة. كما أن استخدام الكثير من زجاجات المياه البلاستيكية لمرة واحدة يضر بالبيئة.

ولكن ربما أكبر الأضرار التي أراها في ممارستي الطبية هو مجرد إعطاء معلومات خاطئة تشتت الأشخاص الذين يريدون العيش بطريقة صحية. عندما يخبرني المريض أنه يحاول العيش بطريقة صحية أكثر ثم يذكر قائمة بالأشياء التي يقوم بها، فإن معظم القائمة غير مفيدة. تتضمن هذه القائمة غالبًا شرب ثمانية أكواب من الماء يوميًا. أود أن يركزوا بدلاً من ذلك على الأشياء التي ستحسن صحتهم بالفعل بدلاً من أن تقودهم المعلومات الباطلة إلى الشعور بأنهم بصحة جيدة.

تدل هذه الخرافة أيضًا على فهم بسيط وخاطئ للفسيولوجيا البشرية. من الصعب قياس الأضرار الناجمة عن مثل هذ الأشياء، لكنها بالتأكيد غير مفيدة.


المصدر:

Steven Novella,  Eight Glasses of Water Myth, sciencebasedmedicine.org, January 4, 2023

حول كاتب المقال:

ستيفن نوفيلا: المؤسس والمحرر التنفيذي الحالي لموقع الطب القائم على العلوم ساينس بيسد ميدسن (Science based medicine)، وهو طبيب عصبي سريري أكاديمي في كلية الطب بجامعة Yale. كما أنه مضيف ومنتج بودكاست العلوم الأسبوعي الشهير The Skeptics’ Guide to the Universe، ومؤلف NeuroLogicaBlog،
وهي مدونة يومية تغطي الأخبار والمسائل الخاصة بعلم الأعصاب وأيضًا العلوم العامة والشك العلمي وفلسفة العلوم والتفكير النقدي، وتقاطع العلم مع الإعلام والمجتمع. كما أن الدكتور نوفيلا قد أنتج دورتين لـ The Great Courses ونشر كتابًا عن التفكير النقدي بعنوان The Skeptics Guide to the Universe.

تم نشر هذا المقال ضمن العدد 55 من مجلة العلوم الحقيقية وراجعته لغوياً ريام عيسى