إذا كان هنالك شخص يحاول إقناعك بأن الهواتف الخلوية تسبب السرطان، فانه على الاغلب يستشهد ببعض دراسات البرنامج الوطني للسموم (National Toxicology Program)، بالإضافة إلى بعض الدراسات الاخرى، وهي في معظمها ليس قاطعة كما يعتقد البعض. كما أن الوكالة العالمية لأبحاث السرطان (International Agency for Research on Cancer) تقول أن ارتباط الهواتف الخلوية بالسرطان هو أمر غير صحيح إطلاقا. على سبيل المثال، غالبا ما يتم اقتباس دراسة على أنها تؤكد على أن الهواتف الخلوية تسبب السرطان، على الرغم من أن نتائج الدراسة جاءت سلبية بشكل عام.
على الرغم من أن الدراسة التي قام بها البرنامج الوطني للسموم كانت حجة جذابة لأنصار ارتباط الهاتف الخلوي بالسرطان لأنه يحظى بالاحترام الحكومي، فقد وصفت بأنها تجربة ضخمة كلفت ملايين الدولارات، وقد حضت بالكثير من الاهتمام الصحفي. وعندما أصدروا نتائج جزئية لدراستهم في عام 2016 أظهرت ارتباط بين الهواتف الخلوية والسرطان (تحديدا في ما يخص الأورام الدبقية وورم الشحم القلبي)، تبع ذلك موجة من العناوين الإخبارية المخيفة: وقال الباحثون بأنهم قرروا نشر البيانات قبل الانتهاء من تحليلها وكتابتها بسبب “الاهتمام العام الكبير” بالنتائج.
يبدوا أن هذه النتائج كانت جزئية أو اولية لم تكن حاسمة بخصوص ارتباط الهواتف الذكية بالسرطان أو عدم ارتباطه. لحسن الحظ، فإن البيانات الكاملة أصبحت متاحة، على الرغم من أن مراجعة النظراء ما زالت مستمرة والتي قد تنتج بعض التعديلات.
تصميم دراسة البرنامج الوطني للسموم
قبل النظر إلى النتائج الكاملة التي نشرت مؤخرا، يجدر النظر إلى الدراسة نفسها. فقد أشار ديفيد غورسكي (David Gorski) وآخرون إلى أن بعض المسائل المتعلقة بالدراسة. للتلخيص، فقد أجريت الدراسة على الحيوانات ولم تتضمن أي إنسان. فقد خضعت الجرذان والفئران في الدراسة لإشعاع الترددات الراديوية (RFR) من الهواتف الخلوية لمدة تسع ساعات يوميا، لمدة عامين وقد تبدأ منذ وجودها في الرحم. وفي البيان الصحفي المصاحب لإصدار النتائج الكاملة للدراسة، اعترف أحد كبار العلماء في البرنامج الوطني للسموم، جون بوتشر (John Bucher)، بما يلي:
“كانت مستويات ومدة تعرض للإشعاع التردد الراديوي أكبر بكثير مما يتعرض له الأشخاص عند استخدامهم الهاتف الخلوي، وقد تعرضت جميع أجزاء القوارض. لذلك لا يمكن استقراء هذه النتائج مباشرة على استخدام البشري للهاتف الخلوي”
والآن لنكون منصفين، كان هدف البرنامج هو اختبار السمية وعدم إثبات ما إذا كان الاستخدام البشري خطير، وهو في الأساس للتفريق بين الخطر والمخاطر. ولكن حتى إذا قبلت الدراسة على أنها صحيحة (ولا تضع بالاعتبار أننا لم نقم بذلك مع حدودها حتى الآن)، فأن نتائجها لا تؤثر بشكل مباشر على الطريقة التي يستخدم بها الإنسان الهاتف الخلوي. يبدو أن الباحثين في البرنامج الوطني للسموم يقرون بهذه الحقيقة بطريقة مختلفة نسبيا وقد ناقشوا نتائجهم في وسائل الإعلام.
لكن كانت هنالك مشاكل أخرى على الرغم من عدم قابلية تطبيقها على البشر. كان معدل الإصابة بالسرطان منخفضا جدا في المجموعة الضابطة ويتعارض مع الضوابط التاريخية. ولم يكن هنالك استجابة ثابتة للجرعة مما يعني أن المستويات العليا من إشعاع التردد الراديوي لم تزيد بشكل واضح من خطر تكوين الأورام. اخيرا عاشت الفئران المعرضة للهواتف الخلوية لفترة أطول من الجرذان في المجموعة الضابطة.
هذه النقطة الاخيرة لم تحظى بشعبية كبيرة في وسائل الإعلام. على الأرجح أن “تسبب الهواتف الخلوية للسرطان” هو العنوان الرئيسي الذي يجذب القراء اكثر من “الهواتف الخلوية تجعلك تعيش لفترة أطول”. على الرغم من ذلك، فقد كان الكثير من الناس على استعداد لتجاهل أي نتائج لا تتناسب مع معتقداتهم السابقة. في حين أن هذا قد يكون مفهوما من حيث الطبيعة البشرية والتسويقية لكنه ليس علما جيدا.
الأورام الدبقية الخبيثة (Malignant gliomas)
بغض النظر عن هذه القيود، فقد استخدمت دراسة البرنامج الوطني للسموم خلال السنتان الماضيتان كحجة لدعم الادعاء بأن الهواتف الخلوية تسبب السرطان. كانت النتائج الكاملة التي صدرت في وقت سابق من هذا العام مفاجئة بالنسبة للبعض، لأنها كانت مختلفة عن النتائج الاولية في بعض الجوانب البارزة. وعلى وجه الخصوص، لم تظهر النتائج الكاملة وجود ارتباط واضح بين أورام المخ واستخدام الهاتف الخلوي. كان هذا الفرق بين النتائج الاولية ونتائج عام 2016 ويتعلق الفرق في تحليلها الإحصائي.
وأوضح الباحثون أن تحليلهم الأولي لم يتم تكييفه مع آثار موضع نمو الجراء. وتحدث هذه الآثار لأن الجراء الذين يولدون في نفس الموضع يكونوا مشابهين لبعضهم البعض. وفي الواقع، فإن الجراء من نفس الموضع قد يصابان بمرض لا يصاب به باقي الجراء بشكل عشوائي لاسيما غير المرتبطين. وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو نقطة إحصائية صغيرة إلا أنها كانت كافية لتغيير تفسير الباحثين لبياناتهم.
لم يكن هنالك سوى شريحة واحدة صغيرة جدا ذات دلالة إحصائية (مع غياب ملحوظ للدلالة السريرية). لم يكن هنالك سوى ارتباط إيجابي بين الهواتف الخلوية وأورام المخ لدى إناث الفئران، وذكور وإناث الجرذان. حدث الارتباط فقط عند ذكور الفئران وعند نوع واحد فقط. اختبرت دراسة البرنامج الوطني للسموم فعليا نوعين مختلفين من أنظمة التعديل المستخدمة في تكنولوجيا الهواتف المحمولة، وهما: GSM,CDMA، وكانت الجرذان التي تعرضت إلى 6 واط/كجم تحتوي على ثلاث أورام جلدية خبيثة، ولم يحدث أي ورم خبيث لأولئك الذين تعرضوا ل3 واط/كجم، 1.5 واط/كجم، أو لم يتعرضوا لأي إشعاع بتاتا.
إذا قلت أن هذا الاستنتاج يمكن أن يكون بسبب الصدفة فقط، فيجب أن نهنئك على هذه الملاحظة الذكية. ففي الواقع عندما تمت مقارنة المجموعة التي تعرضت 6 واط/كجم بالمجموعة الضابطة لم يلاحظ أي فرق إحصائي. لم تظهر هذه النتيجة ذات الدلالة الإحصائية إلا عند مقارنة جميع المجموعات الأربعة بشكل خطي.
الآن، الملاحظة الذكية التي يمكن أن تكون قد لاحظتها هي أن مجموعات 3 واط/كجم و1,5 واط/كجم لا يوجد بها أورام دماغية، وقد تكون مرتبكا قليلا بسبب عدم إضافة حالات الورم الدماغي إلى التحليل الإحصائي، لكنه غير مهم إلى حد كبير. الجواب معقد رياضيا إلى حد ما، ولكن يمكن تبسيطه، تطرح اختبارات إحصائية مختلفة أسئلة مختلفة قليلا وتجيب عليها، بعضها أكثر أهمية من غيرها. إذا كان السؤال هو “هل تحتوي على مجموعة تعرضت للهاتف الخلوي على أورام دماغية أكثر من المجموعة الضابطة؟” عندئذ يكون الجواب على سؤالك هو: لا.
سيكون من الصعب الضغط على تقديم نتائج سرطان الدماغ النهائية. حيث وصف المؤلفون النتائج بأنها “غامضة”، والتي في رأيي مبالغ فيها إلى حد ما. على أي حال، لم يقترحوا وجود ارتباط بين الهواتف الخلوية وسرطان الدماغ في البيان الصحفي المصاحب لإصدار بياناتهم، حيث تم إرجاع المطالبة من النتائج الاولية لعام 2016.
ورم خلايا شوان القلبية (Cardiac schwannomas)
في النهاية، كانت النتيجة الوحيدة التي تم إبرازها في البيان الموجز هي الارتباط مع أورام في خلايا شوان القلبية. ولأورام الشوان هي أورام تنشأ من خلايا شوان التي تنتج غمد المايلين حول الأعصاب الطرفية. كان هنالك قلق من أن الهواتف المحمولة، التي نحملها بالقرب من آذاننا عند التحدث من خلالها، يمكن أن تزيد من خطر وجود نوع مماثل من الورم يسمى الورم العصبي السمعي (acoustic neuroma). لذلك اقترحت بعض الدراسات وجود صلة بين ورم العصب السمعي والهواتف الخلوية. لكن هنالك دراسات أخرى تنفي هذا الارتباط، ومن الجدير بالذكر أن الدراسات الإيجابية تبدو أنها تأتي في الغالب من مجموعة بحث واحدة.
وهكذا، عندما وجد البرنامج الوطني للسموم ارتباط بين استعمال الهاتف الخلوي وأورام خلايا شوان القلبية، يمكن اعتباره داعما للارتباط العصب الصوتي بالهاتف المحمول، لأن كلا النوعين من الأورام متشابهان من الناحية النسيجية. وعند التدقيق في البيانات، فعلى الرغم من بعض المشاكل لهذا الارتباط لأنه مثل تحليل الخلايا الدبقة، حدثت عند ذكور الفئران فقط. لم يحدث ذلك عند ذكور وإناث الجرذان، وكذلك عند إناث الفئران.
والنقطة الغربية الأخرى حول تحليل أورام الخلايا شوانية القلبية هي أنه قد تم تعريض كامل جسد الجرذان للأشعة. وبما أنه لا يوجد سبب واضح على توطين هذه الأورام في القلب، فإنها يمكن أن تحدث في عصب عبر أجسام الجرذان. وجد الباحثون أن هذه الأورام قد حدثت في أعضاء أخرى مثل الغدة النخامية، العصب الثلاثي التوائم، الغدة اللعابية، والعين. ومع ذلك، عندما تنظر إلى جميع الأورام الشوكية، وليس فقط الموجودة في القلب، لم يكن هنالك فروق كثيرة بين الجرذان المعرضة للإشعاع والمجموعة الضابطة. لذلك، لكي يكون هذا التحليل إيجابي عليه أن يركز على الأورام التي تحدث في القلب ويتجاهل باقي الجسم.
مسرحية الصدفة والمعجزة النرد
ومع ذلك، هنالك سبب رياضي آخر يدعوك للتشكيك في نتائج دراسة البرنامج الوطني للسموم. حيث تعد هذه الدراسة مشروعا ضخما، تتجاوز تقاريره الحالية 650 صفحة لكل من الفئران والجرذان. لكن هذه الضخامة هي في الحقيقة كعب اخيل (“Achilles heel” وهي تعني أنه نقطة ضعف قاتلة في كتلة بالغة القوة). فقد قدم الباحثون عشرات التحليلات، وإذا قمت بفحصها بشكل كافي ستصل إلى نتيجة إيجابية بسيطة تأتي بسبب الصدفة.
من أجل فهم كيفية أن تكون لعبة المصادفة في البحث الطبي، يجب مراجعة دراسة كارل تشارلز (Carl Counsel) ومعجزة النرد. حيث قام المحامي بإعطاء طلابه إحصائيات نرد احمر، وأبيض، وأخضر كجزء من تمرين صفي. وجعلهم يرمون النرد مرارا وتكرارا لمحاكاة نتائج التجارب السريرية (الرقم 6 يعني أن المريض توفى بسكتة دماغية، وباقي الأرقام تعني أن المريض نجى). وقال لطلابه إن بعض النردات مغشوشة وسوف تعطي الرقم 6 بمعدل اعلى أو أقل. وبعد القيام بالتجربة وتحليل بياناتهم، وجد أن النرد الاحمر زاد من احتمالات “الموت” وان النرد الأبيض والأخضر كانا وقائيان. لذلك فقد استنتجوا في عقولهم أي قطع النرد قد تم اللعب به.
ومن المؤسف أنهم كانوا مخطئين تماما لأن المحامي قد خدعهم قد قصد وأعطاهم نرداً عادياً ومتوازنا بشكل متساو. حيث أن الارتباط الإيجابي حدث لأن الطلاب كانوا يبحثون عن نتيجة (أي نتيجة) وعثروا على واحدة. كانوا مقتنعين جدا ببيناتهم، وعندما أوضح لهم المحامي أن النرد كان متوازن، لم يصدقه البعض:
“كان بعض المشاركين مقتنعين أن النرد الخاص بهم قد تم التلاعب به بالفعل. وصف المحامي (أ) ردة فعل على أول محاكمة له .. فدحرج ستة أشخاص، ثم تبعه اخر بثالث. وقال إن غرفته شعرت بهدوء شديد حيث قام بتدوير ستة للمرة الرابعة: لم يسبق له أن أظهر له في ستة مرات متكررة في حياته. في الوقت الذي كان قد تدحرج فيه خمس، كان على يقين من أن النرد قد تم تلاعب به، وأكد الرقم ستة بأن النرد قد تم التلاعب به بشكل واضح”.
وقد أوضح المحامي في ورقته بأنه “قام بهذه التجربة لتوضيح إلى مدى إمكانية أن تكون آثار الصدفة غير عادية” بحيث أن المعايير المنهجية العالية يمكن اختراقها. وهو يوضح:
“لا تحصل الصدفة على الفضل الذي تستحقه. حيث يعترف معظم الأطباء بان الصدفة تؤثر على احتمالية فوزهم بسحبه اعياد الميلاد، ولكنهم قللوا من تأثيرها على نتائج التجارب السريرية التي قرأوا عنها”.
هل يمكن أن تكون نتائج دراسة البرنامج الوطني للسموم محض صدفة؟ بالنظر إلى التحليلات المتعددة، أعتقد أن هذا ممكن، بل أنه مرجح. كان لكل دراسة من البرنامج الوطني للسموم أربع مجموعات مختلفة (ذكور الفئران، إناث الفئران، ذكور الجرذان، إناث الجرذان) تم إجراء التحاليل عليها لمعرفة أنواع مختلفة من السرطان (القلب، الدماغ، الغدة النخامية، الغدة الكظرية، الكبد، البروستاتا، الكلى، البنكرياس، غدة الثدي، وغيرها من أنواع السرطان). في الواقع هنالك بعض أنواع السرطان لا تحدث إلا عند جنس واحد فقط (مثل سرطان البروستات أو سرطان المبيض). ولكن من أجل التبسيط الرياضي قاموا بتحليل سبعة أنواع من السرطان، والتي يمكن أن تحدث في المجموعات الأربعة من القوارض. هنالك سبعة أنواع يمكن ان تحدث للمجموعات الاربعة معا والتي تنتج 28 تحليل مختلفا، ومن المحتمل جدا أن نحصل على نتيجة إيجابية خاطئة واحدة على الأقل بسبب الصدفة.
إذا افترضنا أن صدفة حصول نتيجة إيجابية خاطئة هي 5% (وهو افتراض معياري)، إذا قمنا بإجراء تحليل واحد فإن فرصة حدوث النتيجة الإيجابية الخاطئة هي:
1-0.95 =0,05 أو 5%
اثنين من التحاليل وفرصة واحدة على الأقل لنتيجة إيجابية خاطئة هي:
1-0.952 = 0.0975 أو 9.75%
خمس تحاليل مع فرصة حدوث نتيجة إيجابية خاطئة واحدة على الأقل هي:
1-0,955 = 0.23 أو 23%
أما إذا كان هنالك 28 تحليل مع فرصة حدوث نتيجة إيجابية خاطئة واحدة على الأقل هي:
1-0,9528 = 0,76 أو 76%
أي إذا قام الباحث بإجراء اختبارات إحصائية كافية عندئذ تكون هنالك بعض النتائج الإيجابية الكاذبة بسبب الصدفة. كما أن هذا تم إثباته بدراسة (ISIS-2). ولهذه الدراسة أهمية كبيرة في مجال أمراض القلب، حيث أثبتت أن إعطاء الأسبرين للمرضى بعد النوبة القلبية تحسن النتائج. ومع ذلك، على الرغم من أن الدراسة كانت إيجابية بشكل عام لم تظهر مجموعة الفرعية من المرضى أي فائدة. فقد كانت تلك المجموعة الفرعية من المرضى تولد برجي الجوزاء والميزان، ولحسن الحظ، في عام 1988 لم يشير أي شخص إلى أن التنجيم اصبح متكاملا أو مكمل لأمراض القلب. في الواقع، قام مؤلفو دراسة (ISIS-2) بتسليط الضوء على هذه النتيجة الإحصائية المضحكة والمبهمة تماما لإثبات أن “جميع تحليلات المجموعات الفرعية هذه يجب أن تؤخذ بشكل أقل جدية كدليل، لأنها يمكن أن تكون مضللة”.
إجراءات تقلل آثار الصدف العشوائية
نحن لسنا عاجزين أمام الصدف العشوائية، هنالك أشياء كثيرة يمكننا القيام بها لتجنبنا الوقوع في الفخ. ويتمثل الخيار الأول في تجنب إجراء اختبارات متعددة في المقام الأول واختبار فرضية واحدة في دراسة فعالة في الإجابة على السؤال الذي تريد العثور على إجابته. إذا كان لابد من اختبار كل شيء بوضوح، فإن تكرار نتائجك أمر مهم للغاية، على الرغم من أن تكرار دراسة لسنوات أمر يتطلب الكثير من الجهد والمال والوقت.
نظرا لأن انتظار شخص ما يقوم بتكرار نتائجك ليس مفيدا على المدى القصير، فإنه أحد الحلول المحتملة لمشكلة الفرضيات المتعددة هو استخدام تصحيح الإحصائي بونفيروني (The Bonferroni correction). حيث يعد تصحيح بونفيروني تصحيح إحصائي بسيط إلى حد ما ويتطلب القليل من العمليات الرياضية الإضافية. إذا قمت بإجراء تحليل واحد، فيمكنك الالتزام بعتبة p<0.05 القياسية للدلالة الإحصائية.
إذا قمت بإجراء اختبارات متعددة، عليك تقسيم 0.05 على عدد الاختبارات التي تنوي القيام بها لتحديد الحد الجديد.
لذلك إذا قمت بإجراء اختبارين، فسيكون الحد الجديد 0.05/2=0.025.
10 اختبارات يجب أن يكون الحد الجديد 0.05/10=0.005.
20 اختبار يجب أن يكون الحد الجديد 0.05/20=0.0025.
في علم الوراثة، حيث يكون بإمكان الباحثين اختبار أكثر من مليون جين في كل مرة، يتم استخدام تصحيح بونفيروني بشكل منتظم لتفادي النتائج الإيجابية الكاذبة، وقد تضطر الجمعيات الإحصائية إلى الوصول للقيم p<5×10-8 لكي تعتبر كبيرة. لكننا لا نحتاج للوصول إلى تلك القيمة، ولكن النقطة التي نريد توضيحها هي أن حد p=0.05 ليس سحري أو هو مجرد تنبئ، ففي الدراسات التي تجري عشرات التحاليل المختلفة، هنالك ما يبرر الحد الادنى للعتبة. لا يتفق الجميع مع تصحيحات بونفيروني، حيث يقولون عنها بأنها محافظة، بمعنى منخفضة للغاية. توجد بدائل أكثر تساهلا من تصحيح بونفيروني، على الرغم من كونه الأكثر شعبية بسبب بساطته الرياضية وسهولة استخدامه البديهية. مهما كانت الاستراتيجية التي تستخدم، فالنقطة هي عند اختبار الفرضيات المتعددة ضمن نفس مجموعة البيانات، من المهم خفض عتبة P <0.05 ، التي يبدو أن الباحثين مهووسون بها. إذا قام البرنامج القومي للسموم بتطبيق تصحيح بونفيروني، فلن تكون هنالك أي نتائج “ذات دلالة إحصائية” قد تحقق عندها الانخفاض، حيث يكون معظمها قد تم تصحيحه بواسطة عتبة P <0.05.
سياق دراسة البرنامج الوطني للسموم
هل من المنطق أن نفترض أن الهواتف الخلوية تسبب السرطان عند ذكور الجرذان، لكن إناث الجرذان والجنسي الفئران لا يتأثران؟ هل من المنطق أن نفترض أن الهواتف الخلوية تزيد من خطر الإصابة بالسكتة القلبية ولكنها لا تسبب الأورام الشظوية في باقي أجزاء الجسم. هل من المنطق أن نفترض أن الهواتف الخلوية تزيد من خطر الإصابة بالسرطان بينما تزيد من معدل الحياة؟ هذا لا يبدو منطقي بتاتا.
بالنظر إلى العدد الهائل من الاختبارات الإحصائية التي تم إجراؤها، يجب أن نكون مستعدين للعثور على بعض النتائج الكاذبة، وهذا أمر مرجح جدا. ومن المفارقات، على الرغم من أن الكثيرين واجهوا صعوبات في وصف سرطان الدماغ وورم الغدد في الشرايين القلبية، فإنهم كانوا أكثر رغبة في إسناد البقاء على قيد الحياة إلى الصدفة. تذكر أن الفئران التي تتعرض للهواتف الخلوية عاشت لفترة أطول ثم تسيطر عليها، ربما لأن الجرذان في المجموعة الضابطة طورت أمراض الكلى بشكل أكبر ولسبب غير معروف. لا أحد يتوقع أن الهواتف الخلوية ستزيد من معدل البقاء على قيد الحياة، لكن أفكار الأشخاص المسبقة سمحت لهم بفرض بعض النتائج “ذات الدلالة الإحصائية” وليس غيرها.
ومن الجدير بالذكر أيضا أن مقدار التعرض هذه القوارض للهاتف الخلوي (تعرض للإشعاع لمدة 9 ساعات يوميا على مدى عامين) لا يشبه ما يتعرض له الإنسان. لا أعتقد أن هذه الدراسة يجب أن تؤثر على حياتك بأي شكل من الأشكال. على الرغم من ذلك، ربما جون بوتشر (John Bucher) أحد الباحثين في البرنامج القومي لأبحاث السموم، قد قام بإيجاز هذا خلال مقابلة مع رويترز.
وعندما سئل عما يجب أن يأخذه الجمهور من الدراسة، قال بوتشر: “لن أغير سلوكي استنادا إلى هذه الدراسات، ولم أفعل ذلك”.
إذا لم يغير بوتشر سلوكه، ربما لا يجب عليك أن تفعل ذلك أيضا. الاقتراح الوحيد الذي سأقدمه عن الهواتف الخلوية هو التوقف عن استخدامها أثناء القيادة لأن الآلاف من الأشخاص يموتون كل عام بسبب عدم التركيز على الطريق. مثل الطلاب الذي حصلوا على عدد كبير من أرقام النرد في التجربة المذكورة سابقا، فنحن لا نرغب وبشكل واضح بالاعتراف بأن نتائجنا في بعض الأحيان هي نتائج الصدفة العشوائية. من المرجح أن العلاقة بين الهواتف الخلوية والسرطان في دراسة البرنامج الوطني للسموم ترجع إلى الصدفة العشوائية. الارتباط بين الهواتف المحمولة وحوادث المرور حقيقية للغاية.
المصدر
Christopher Labos, “Cell phones and cancer: random chance in clinical trials“, sciencebasedmedicine.org, sciencebasedmedicine.org