منحت جائزة نوبل الى ثلاثة من العلماء الذين حلوا اللغز الدائر حول “آلية النقل في الخلية“.

يمكن أعتبار كل خلية عبارة عن مصنع مصغر يصّنع ويصدر المواد والجزيئات، على سبيل المثال هرمون الأنسولين يصنع في الخلية ثم يصدر الى خارج الخلية الى الدورة الدموية، الناقلات العصبية هي مثال آخر على نقل الجزيئات في الخلية أو بين خلية وأخرى.

يحصل نقل الجزيئات والمواد في الخلية على شكل حقائب وتكتلات تسمى “الحويصلات“.

العلماء الثلاثة الذين حازو على جائزة نوبل في الطب هذه السنة أكتشفوا الآلية التي تتحكم بنقل الجزيئات والمواد في الخلية الى المكان المحدد في الوقت المناسب.

 راندي شيكمان أكتشف مجموعة الجينات الضرورية لتنظيم مرور “الحويصلات” في الخلية، بينما جيمس روثمان وجد الآلية البروتينة التي تسمح للحويصلات بالألتحام مع الخلية المستهدفة لغرض إيصال محتويات الحويصلة الى الخلية الأخرى، في حين أن توماس سودوف أكتشف الأشارات الكهربائية التي تجعل الحويصلات تفرغ محتوياتها وبدقة.

وبهذا فإن شيكمان، روثمان و سودوف قد فسرو النظام المسيطر على عملية نقل وإفراز الجزيئات والمواد الخلوية، إن أي خلل في هذا النظام من الممكن أن يؤدي الى سلسلة مؤذية من الاحداث ابتداءاً من الأمراض العصبية و داء السكري وليس انتهاءاً بإضطرابات جهاز المناعة.

،،،،،كيف يتم عملية نقل الجزيئات داخل الخلية،،،،،،

في الميناء، خصوصاً الموانئ الضخمة والكبيرة، لا بد من وجود نظام يرتب عملية نقل الحمولة في المكان والوقت المناسبين، إن الخلية تعمل بنفس المبدأ تماماً، الخلية الحية تصّنع وباستمرار مواد متنوعة من إنزيمات والناقلات العصبية والهرمونات ومواد اخرى، وهذه المواد اما تنتقل  الى الطرف الاخر في الخلية أو يتم تصديرها خارج الخلية، والدقة في التوقيت والمكان هما العاملين الحاسمين فيها.

هذه الحويصلات الصغيرة تنقل”الحمولة” بين أجزاء الخلية و ربما تندمج هذه الحويصلات مع الغلاف الخارجي للخلية وتطرح محتوياتها للخارج، أن ميكانيكة هذه العمليات مهمة جداً، عمل الهرمونات لتفعيل او إيقاف بعض النشاطات الأيضية في الخلية هو مثال على أهمية هذه الآلية_ آلية النقل الحويصلي_

كيف يمكن لهذه الحويصلات أن تعلم أين ومتى تفرغ حمولتها؟! ماهي الآلية الموجودة لتنظيم مثل هكذا نشاط؟!

هذا ما يجيبنا عليه أكتشاف الفرسان الثلاثة، شيكمان و روثمان و سودوف.

،،،،،،،، الازدحام المروري في الخلية دليل على وجود سيطرة جينية،،،،،،

كان شوكمان منبهراً بالطريقة التي ترتب فيها الخلية عملية النقل الحويصلي، وفي بدايات ١٩٧٠ قرر دراسة الأساس الجيني لها مستخدماً الخميرة كنموذج بسيط على النقل الحويصلي الخلوي.

استطاع ان يميز خلايا الخميرة التي تظهر خللاً جينياً في آلية النقل الخلوي، والتي تشبه بالضبط خدمات التوصيل المرورية في بعض المناطق الفقيرة، أكتشف أن سبب هذا الازدحام الخلوي هو سبب جيني، وأستطاع أن يحدد الجينات الطافرة المسببة لهذا الازدحام، كما أستطاع أن يحدد ثلاث أصناف من الجينات تسيطر على هذه العملية المنظمة، وبذلك يكون قد زودنا برؤية جديدة وواضحة حول آلية النقل الخلوي وميكانيكية عملها جينياً.

،،،،،،، الالتحام مع الدقة،،،،،

أما روثمان فقد كان منبهراً بطبيعة النقل الخلوي، عندما درس آلية” النقل الحويصلي” في خلايا الثدييات وجد أن “معقد بروتيني” هو المسؤول عن إلتحام و إندماج الحويصلات مع الجزء الهدف.

وجد أنه أثناء عملية الأندماج فإن بروتين معين من الحويصلة يتعشق ويلتحم مع بروتين آخر من الجزء الهدف وكأنها سحابة البنطلون!

الحقيقة هي أنه يوجد أنواع كثيرة من هذه البروتينات ولا يتم الالتحام إلا بوجود القرين المناسب، هذا يدل على أن العملية هذه منظمة بالكامل و دقيقة جداً، الحال ينطبق تماماً على إندماج الحويصلات مع الغشاء الخلوي للخلية نفسها.

الطريف والجميل في الموضوع أن بعض أصناف الجينات التي أكتشفها شوكمان في الخميرة مشفرة لبعض أنواع البروتينات المقابلة لها التي حددها روثمان، إن دل هذا على شيء فهو يدل على “التاريخ التطوري” لجهاز النقل الخلوي، وبهذا يكونان معاً قد بيّنا أجزاء مهمة جداً في هذه الآلية.

،،،،،،،،، التوقيت المناسب هو أهم شيء،،،،،،،

سودوف كان مهتماً بالطريقة التي يتواصل فيها عصب مع آخر، عندما تلتحم الحويصلات مع الغشاء الخارجي للخلايا العصبية يتم تفريغ محتوياتها من “الناقلات العصبية”، لكن المحير في الأمر أن هذه الحويصلات تفرغ محتوياتها فقط عندما يصل الإيعاز العصبي الى الخلية المجاورة، كيف يتم كل هذا بهذه الدقة؟!

كان معروفاً أن جزيئات الكالسيوم مهمة في هذه العملية، وفي عام ١٩٩٠ بدأ سودوف بالبحث عن البروتينات الحساسة للكالسيوم في الخلايا العصبية، وجهوده لم تذهب سدى، فقد أكتشف الآلية الجزيئية التي تستحيب للكالسيوم وتعمل على دمج البروتينات ببعضها لتحقيق التفريغ الخلوي، وبهذا يكون سودوف قد وضح و فسّر الدقة في آلية النقل الخلوي وكيف أن الحويصلات بإمكانها تفريغ محتوياتها حسب الرغبة.

،،،،،،،،،، النقل الحويصلي يعطي رؤية جديدة لبعض الأمراض،،،،،،،،،

الفرسان الثلاثة وضحو و فسرو عملية أساسية في الخلية ألا وهي “النقل الحويصلي”، وأكتشافهم هذا يفسر كيف أن الحمولة الخلوية يتم نقلها وطرحها في الخلية أو ربما خارجها، وهذه الآلية لها آثار وجوانب فسيولوجية متعددة ابتداءاً من انتقال الإيعاز العصبي وأفراز الهرمومات وصولاً إلى  الجهاز المناعي،  الخلل في نظام النقل الحويصلي هذا يسبب الكثير من الأعراض والآثار المرضية، على سبيل المثال لا الحصر: الامراض العصبية، أمراض الجهاز المناعي وداء السكري، من دون وجود نظام يرتب هذه العملية فإن الفوضى ستعم في كامل الجسم.

،،،،، سيرة مختصرة عن الحائزين على جائزة نوبل في الطب والفسلجة،،،،،،،

ولد جيمس روثمان في هافرهيل ١٩٥٠ في الولايات المتحدة الامريكية، حصل على الدكتوراه في الطب من جامعة هارفورد ١٩٧٦، وهو زميل في معهد ماساتشسوتش للتكنوجيا، وأنتقل في ١٩٧٨ الى جامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا حيث بدأ عمله على الحويصلات الخلوية، و في عام ٢٠٠٨ أنضم إلى الهيئة التدريسية في جامعة يل في نيو هيفن، حيث يعمل حالياً كأستاذ ورئيس قسم البايولوجيا الخلوية.

 

ولد راندي شيكمان في سانت بول ١٩٤٨، درس في جامعة كاليفورنيا وأيضاً في جامعة ستانفورد، حيث تحصل على الدكتوراه هناك وتحت إشراف آرثر كونبرغ ( الحاصل على نوبل ١٩٥٩ )، في عام ١٩٧٦ أنضم إلى هيئة التدريس في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، حيث يعمل حالياً أستاذ في فرع الاحياء الجزيئية والخلوية، وهو أيضاً محقق في معهد هوارد هيوز الطبي.

 

ولد توماس سودوف في غوتنغن، ألمانيا، في عام ١٩٥٥. درس في جامعة جورج أغسطس في غوتنغن، وفيها حصل على شهادة الطب ١٩٨٢ و دكتوراه في الكيمياء العصبية في نفس العام، في ١٩٨٣ أنتقل إلى جامعة تكساس، الولايات المتحدة الامريكية، وهو أيضا محقق في معهد هوارد هيوز الطبي، وعين أستاذاً في علم الوظائف الجزيئية والخلوية في جامعة ستانفورد في ٢٠٠٨.

 ::ترجمة أسامة الاسدي::

المصدر::

http://bit.ly/17vTuYS