كنبات اللبلاب الذي يرسل فروعه للبحث عن شيء يتشبث به، تقوم الخلايا الدماغ العصبية (العصبونات) بإرسال استطالات تتصل مع العصبونات الأخرى في هذا العضو. الجديد في هذا الأمر هو أنّه وبفضل آلية تقنية جديدة تعيد بناء الدماغ بشكل ثلاثي الأبعاد تم اكتشاف ثلاثة عصبونات تتفرع بشكل كبير في الدماغ؛ ويلتف أحدها حول الطبقة الخارجية للدماغ بالكامل. هذا الاكتشاف قد يساعد على فهم الآلية الّتي يقوم بها الدماغ بخلق الوعي.

حيث قام كريستوف كوش رئيس مؤسسة آلِن لعلوم الدماغ والموجودة في واشنطن بشرح تقنية مجموعته الجديدة في اجتماع أقيم في الخامس عشر من فبراير المنصرم والذي يتناول أبحاث الدماغ عن طريق الآليات العصبية الجديدة والمبتكرة حيث وضّح كيف أنّ فريقه تتبع ثلاثة عصبونات من العائق Claustrum وهي عبارة عن منطقة رفيعة وصغيرة من المادة الرمادية في نصفي الكرة المخية تقع بين النواة العدسية وفص الجزيرة في الدماغ. وهي منطقة يعتقد العالم كريستوف بأنها تمثل المقعد الذي يجلس عليه الوعي عند البشر والفئران على حد سواء.

تتبع كافة استطالات العصبون باستخدام الطرائق التقليدية هو مهمة كبيرة جداً حيث يقوم الباحثون بحقن الصبغة في خلية واحدة ومن ثمّ يقومون بقطع الدماغ إلى شرائح رقيقة ليتتبعوا العصبون الذي حقنت فيه الصبغة بطريقة يدوية الأمر الذي لم يستطع إنجازه إلا قلة قليلة من العلماء. أمّا هذه الطريقة الجديدة فهي طريقة غير غازية وأكثر فعالية موفرةً الوقت والجهد.

حيث قام كوش وزملائه بهندسة سلالة من الفئران بحيث يستطيع دواء معين أن يفعل جيناتٍ محددة في عصبونات العائق. فعندما قام الباحثون بإطعام الفئران كميات قليلة من هذا العقار قامت حفنة قليلة فقط من العصبونات باستقبال ما يكفيها لتفعّل هذه الجينات والتي نتج عن تفعيلها إنتاج بروتين أخضر مشع انتشر على طول العصبون واستطالاته ثم قام الفريق بأخذ 10,000  صورة مقطعية لدماغ الفأر واستخدموا برنامجاً على الحاسوب لإنشاء بنية ثلاثية الأبعاد لهذه العصبونات المتوهجة.

هذه العصبونات الثلاثة الممتدة عبر نصفي الكرة المخية وأحدها يلتف حول محيط الدماغ مشكلةً مايشبه تاجاً من الشوك حيث أنه لم يسبق لكوش أو لأحد أن رأى عصبونات تمتد استطالاتها بهذا القدر عبر مناطق الدماغ. بالطبع يملك الفأر عصبونات أخرى طويلة كالعصبونات الواصلة للساق والعصبونات الصادرة من جذع الدماغ للدماغ إلّا أنّ هذه العصبونات الصادرة عن منطقة العائق يبدو بأنّها تصل إلى غالب – إن لم يكن كل- أجزاء الدماغ التي تتلقى المعلومات الحسية والمسؤولة عن السلوك.

يرى كوش هذا الإتصال المتشعب بأنه دليل على أنّ العائق يقوم بتنسيق المعلومات الواردة والصادرة عبر الدماغ ليخلق الوعي. حيث أنّه وعلى مستوى البشر فقد أظهرت صور الدماغ أنّ هذه المنطقة هي واحدة من أشد المناطق كثافة بالإتصالات في الدماغ، إلّا أنّ هذه الصور لا تظهر المسار الذي تسير به استطالات العصبونات الصادرة عنها أو الواردة إليها.

يشير عالم بيولوجيا الأعصاب رافاييل يوستي بأنّ هذه الطريقة “مثيرة للإعجاب” إلّا أنّه لا يعتقد أن وجود عصبونات تطوّق الدماغ هو دليل قاطع على علاقة هذه المنطقة (العائق claustrum ) بالوعي ولكنه يعتقد بأنّ هذه التقنية ستكون مفيدة في تعدد الجهود للتعرف على أنماط الخلايا المختلفة في الدماغ، الأمر الذي يؤمن كثيرون بضرورته من أجل فهم كيف يعمل دماغنا. حيث يأمل العلماء برؤية إعادة بناء ثلاثية الأبعاد لعصبونات مختلفة من الدماغ بشكل إفرادي بنفس الطريقة، الأمر الذي يمكن أن يوفر معرفة جيّدة لنوع ووظيفة كل عصبون.

بينما يخطط كوش لأن يستمر في وضع خرائط للعصبونات المنبثقة من العائق على الرغم من غلاء تكلفة هذه الطريقة وخاصة عندما يكون الهدف بهذا الحجم حيث أنّه يرغب في معرفة إذا كانت كل عصبونات هذه المنطقة تنتشر استطالاتها الهيولية عبر الدماغ أم أن كل عصبون هو فريد من نوعه يصل إلى مناطق مختلفة بشكل طفيف عن العصبونات الأخرى .

يزن الحريري

المصدر:

Reardon, Sara . “A giant neuron found wrapped around entire mouse brain.Nature News. Nature Publishing Group, 24 Feb. 2017. Web. 03 Mar. 2017.