لطالما سمعت بمصطلح الجاثوم أو شلل النوم ولكن لم يحدث لي من قبل بالشدة التي حدثت في الشتاء الماضي. في ليلة باردة، مملوءة بالتعب والتوتر النفسي توجهت لفراشي في حدود الساعة الثانية صباحاً وخلدت للنوم بسرعة كبيرة حتى استيقظت فجأة لأجد نفسي مشلولاً وأنا مضطجع على يميني. لا أستطيع أن أنطق أو أن أحرك أي عضلة في جسدي سوى عضلات عيني. شعرت بالخوف لا من الشلل بل من وجود ذلك القزم الواقف خلفي، شعور غريب مرعب لكائن لم اشهد مثله من قبل ولكني أتذكر بأن دماغي بحث عن تسمية وقال أن ذلك هو الشيطان. شيطان قصير لا يتكلم ولا يصدر صوتاً ولكنه موجود. لحظات مرت وأنا أحاول أن أفعل شيئاً، أن أنطق واصرخ طالباً مساعدة أحد من أهلي ولكن اللسان يعجز عن الحركة والخوف يزداد إذ بدأت بالشعور بهذا الكائن وهو يميل بجسده مقترباً من أذني. لم أغلق عيناي وظللت أحركها يميناً ويساراً محاولاً أن ألمح منه شيئاً أو أن أجد تفسيراً في هذه الغرفة لما يحدث، وبوسط هذا البحث ظهر كائن أخر في زاوية غرفتي المُنارة بضوء القمر. من الصعب وصف الكائن الثانِ إذ لم أتمكن من رؤيته على الرغم من وضوح مكانه ولكنه غير مرئي، في الوقت ذاته أشعر بوجوده وأستطيع وصف أبعاده فهو أطول من الكائن الذي خلفي وأكثر هدوءاً ولكنه مرعب أكثر وأكثر قتامة وسطحه أخشن بكثير. لم يتحرك الذي في زاوية الغرفة واستمر الذي خلفي بالاقتراب وازداد خوفي أكثر وأكثر حتى اردت البكاء ولكن الدموع لم تظهر. وفجأة حدث ما كنت اتمناه فقد تحرك اصبع قدمي الكبير وبحركته اختفى الكائنان المرعبان وبدأ جسمي بالحركة ولكني لا زلت خائفاً ومن شدة خوفي لم أحاول أن أدير جسدي لأرى هذا القزم. بدأ جسدي بخفض التوتر الذي فيه حتى وصلت لمستوى يتيح لي أن اقفز من فراشي لأنير المصابيح. الآن أصبحت الغرفة منارة، وانسابت الطمأنينة بداخلي بعد أن تحدثت لصديق عن هذه التجربة.

دفعتني هذه التجربة للبحث في موضوع شلل النوم وللبحث عن تجارب خاضها غيري حتى استطعت أن أجمع بعض الحالات، منها من يعاني من الشلل فقط ولا تحدث هلوسات اثناء ذلك، ومنهم من يهلوس بشخصيات رآها في أحلامه، ومنهم من يستمع لأصوات غريبة، واخر أخبرني عن تجربة الخروج من الجسد التي صاحبت ذلك، ولكن الحالة الأكثر دهشة، والأكثر ندرة في تجارب شلل النوم، هي لفتى في العشرين من عمره عانى من شلل النوم لخمس سنوات وهذه هي تجربته:

بدأت تجاربي مع شلل النوم منذ الثانوية، ولم أعلم بوجود مثل ظاهرة كهذه، ولذلك عندما قصصت تجاربي على أهلي، ظنوا أنني مصاب بمس من الجن أو أن هناك تابعة متشبثة بي. بالطبع، شعرت بالخوف كثيراً وفي كل تجربة يزداد خوفي أكثر كوني أرى كائناً اسود الشكل، ضخم وله صوت اجش، يمكنني الشعور بحجمه ولكنني لا أرى منه سوى الارجل الى حد مستوى الركبتين. صوته لم يكن واضحاً في تجاربي الأولى، ولكن يوماً بعد يوم ازداد وضوح صوته. كما وقد ازدادت حركته ومحاولاته للاقتراب مني لإيذائي. استمرت هذه التجارب خلال السنين الخمس الماضية، وتطورت محاولاتي للتخلص من هذا الرعب، فتارة انظر لهاتفي الذي بجانبي محاولاً أن أنير شاشته، وتارة أخرى أحاول ان أمسك كوباً من الماء، ولكن المحاولات الأكثر فعالية هي محاولات أخي لإيقاظي عندما يرى التوتر على وجهي اثناء التجربة. تزوج اخي خلال الأشهر الماضية، ولذلك توقعت أن تزداد هذه التجارب شدة، وهذا ما حدث فعلاً. يجب أن أشير إلى حقيقة عدم معرفتي بوجود مثل هذه الظاهرة حتى بضع أشهر مضت، ولذلك فأن ما يُشاع في المجتمع هو ما آمنت به.

ازدادت التجارب شدة، حتى طلبت المساعدة من اهلي. بالطبع كانت استجابتهم كما سبقت، ولذلك اخذوني لأحدهم ليعالجني منه، ولكن لم ينفع ذلك. هجرت غرفتي وبدأت بالنوم في غرف البيت المختلفة، ولكن ذلك الكائن لم يتركني. في احدى الليالي، بعدما شعرت باليأس، رجعت لغرفتي وخلدت للنوم. استيقظت على صوت اقدامه وهو يقترب مني، لم استطع الهروب منه فقد انقض عليّ ووضع يده في أذني، شعرت بالألم الشديد وبالإختناق لثقله، وبعد ذلك اختفى. ازداد رعبي يوماً بعد يوم، حتى هجرت النوم. أصبح بمقدوري توقع الليلة التي سيأتي بها. خمس زيارات في الأسبوع، وثلاث نوبات في الليلة الواحدة. تذكرت شيئاً لم اذكره لك مسبقاً، فأنا مصاب بحالة المشي أثناء النوم وغالباً ما استيقظ وانا بغرفة أخرى. هذه الحالات دفعت أهلي لأن يطلبوا مني النوم في سريرهم وفعلت ذلك طالباً راحتي وراحتهم.

لم يمض الليل كما أردت أو أرادوا، ففي الليلة الاولى نمت ما بين امي وابي، ولكن ذلك الكائن لم يتركني. بدأت التجربة بإدراكي لوجوده في غرفتي في الطابق الثاني. يمكنني أن أسمع صوته، صوت اقدامه وصوت أفكاره. خطوة بعد خطوة اسمعها وببطء شديد يقول لي “لن تهرب مني.. ظننت أن بنومك مع اهلك ستهرب مني؟ ها انا قادم اليك” بعد ذلك بدأ بالنزول من الدرج وانا أرى رجله، دخل الى الغرفة، وقف واقترب مني ومن ثم شعرت بألم شديد في رأسي. انتهت التجربة واستيقظت فزعاً مفزعاً أهلي معي. لم أستطع النوم حتى الفجر، وأصبحت ايامي مملوءة بالتعب وفقدان التركيز. بعدها بدأت بالبحث وعلمت بوجود ظاهرة تدعى الجاثوم أو شلل النوم ولكن معرفتي هذه لم تنفعني كثيراً، فتجارب الآخرين تختلف عن تجاربي وان تشابهت ببعض الجوانب.

استمرت مثل التجارب كهذه طوال الفترة التي مضت، وها أنا الآن أتحدث معك محاولاً ان أجد تفسيراً لما يحدث.

تحدثت معه طويلاً عن هذه التجارب، شاركته تجاربي وتجارب الاخرين مع شلل النوم وبالتدريج بدأ بالشعور بالاطمئنان. سألته بعد فترة عن حالته وعن تجاربه وقال إنه يشعر بالتحسن كثيراً مقارنةً بما مضى وان تجاربه اقل عدداً ورعباً، لم أتمكن من سؤاله بالتفصيل عن التجارب التي تلت لقائه بي لظروف خاصة.

شلل النوم والدماغ

إن شلل النوم هو ظاهرة مميزة للوعي. إذ تشهد القشرة الدماغية نشاطاً كبيراً خلال التجربة، بينما تُكبح العصبونات المسؤولة عن الحركة، وكل ذلك بسبب جزء من الجهاز العصبي يدعى بالقنطرة Pons.

هناك مراحل للنوم، وكل مرحلة تتميز بنشاط دماغي مختلف. من هذه المراحل هي مرحلة حركة العين السريعة REM، وما يميز هذه المرحلة هو حدوث الاحلام نتيجة لتنشيط القشرة الدماغية من قبل القنطرة، وطبيعة الحلم تعتمد على المنطقة المُفعلة. هناك دليل يشير إلى أن تنشيط القشرة الحركية يؤدي إلى أحلام المطاردة، فيقضي الشخص النائم حلمه وهو يركض. والسؤال هو: لمَ لا يتحرك الانسان بنومه على الرغم من تنشط القشرة الحركية؟ والجواب هو بسبب القنطرة التي تُرسل إشارات عصبية كابحة الى العصبونات المسؤولة عن الحركة في الحبل الشوكي، ولذلك لا يتحرك الانسان بأحلامه.

يغير الانسان من وضعيته في النوم كثيراً في الليلة الواحدة، ومن أسباب هذا التغيير او التقلب هو المحافظة على التنفس بصورة جيدة. في بعض الأحيان يحدث انسداد لمجاري التنفس، مما يتطلب من الجهاز العصبي تفعيل العصبونات المسؤولة عن الحركة (والتي كبحتها القنطرة) ليغير الشخص من وضعه او ليأخذ نفساً عميقاً، مع حدوث وعي جزئي. ولكن ليست هذه الحال مع الجميع، فالذي يحدث اثناء تجربة شلل النوم هو التالي: تُرسل إشارات إلى جذع الدماغ (القنطرة جزء من جذع الدماغ)، نتيجة لنقص الاوكسجين، ليُرفع الكبح عن العصبونات الحركية وليصبح الشخص واعياً جزئياً، هنا قد يحدث خطأ لأسباب غير معروفة يؤدي الى استمرار الكبح مع حدوث وعي. هنا الوعي يكون جزئي، ونشاط القشرة يكون مرتفعاً نتيجة للحلم، عندها يتداخل الحلم مع الواقع، فيبدأ الشخص برؤية ما يحدث بحلمه في الواقع. يتفاقم الامر مع الشلل، وهنا يتحفز الجهاز الحوفي (Limbic system) مؤدياً للشعور بالخوف، مُحفزاً الجهاز السمبثاوي (Sympathetic system) الذي يطلق العنان لهورمونات التوتر، فتتسارع دقات القلب ويزداد الدافع للتنفس ولكن! .. الحجاب الحاجز قد يصيبه الشلل أيضاً فتحدث صعوبة بالتنفس، مما يؤدي لإحساس عميق بالاختناق (هناك حالات في الأدب الطبي لأشخاص وصفوا تجاربهم كحالة اغتصاب) وكل هذه التجربة تستغرق بضع ثوان او دقائق. (تنويه: تجارب شلل النوم تختلف، فهناك من يشعر بالاختناق فقط وتكون مدة التجربة قصيرة جداً، وهناك من يعاني من شلل في الأطراف فقط، وهناك من يعاني من شلل مع هلوسات مختلفة بأنواعها).

يمكن أن نفسر التجارب المختلفة بحسب النشاط الذي يحدث في المناطق المختلفة من القشرة، فتحفيز القشرة الصوتية يؤدي إلى سماع أصوات تختلف بوضوحها، وتنشيط القشرة الحسية قد يؤدي للإحساس باللمس او بالألم، وتحفيز الرابط الصدغي-الجداري يؤدي الى حدوث تجربة الخروج من الجسد. اما تحفيز الجهاز الحوفي فهو المسؤول عن الإحساس بالخوف، نتيجة لتحفيز اللوزة، وقد يؤدي نشاط الحُصين يؤدي إلى جلب المعتقدات لمستوى الوعي. ومهما اختلفت تجارب الأشخاص، فمن الممكن تفسيرها.

الأبحاث لا زالت مستمرة في هذا المجال، وبين فترة وأخرى يُنشر بحث يُفسر بُعد معين من هذه التجربة. ولكن الأهم من كل ذلك هو أن نبين لكل شخص يعاني من هذه التجارب أن ما يحدث معه هو نشاط طبيعي للدماغ يحدث عند نسبة كبيرة من البشر الطبيعيين وأن من الممكن تفسير كل ما يحدث معه.

فهل حدث شلل النوم معك؟ هل تود مشاركة تجربتك معنا؟ يمكنك الإجابة على السؤالين:

تنويه: تم تغيير أجزاء من قصة الشخص الذي ذكرته من دون التأثير على المحتوى الأساسي، وأي تشابه في أحداث القصة مع أي شخص، ما هو الا بمحض الصدفة. هذا التغيير لا يشمل قصة الكاتب.

 

اقرأ أكثر:

Sleep Paralysis: Night-mares, Nocebos, and the Mind-body Connection