استمعت قبل بضع أسابيع إلى سلسلة ممتازة من المدونات الصوتية عن الفقر في الولايات المتحدة حيث أثارت انتباهي نقطة واحدة وهي كم عدد العوامل التي يعمل الفقراء على مواجهتها. هذه العوامل التي تستطيع-إن لم تكن فقير- رفضها أو تجاهلها أو ببساطة، عدم ملاحظتها. في عدد مارس من مجلة (scientific American) ألقت عالمة الأعصاب كيمبرلي نوبل (kimberly noble)  الضوء على أحد عناصر الفقر غير المرئية -ولكنها حقيقية بشكل كبير- وهو تأثير الفقر على تطور الدماغ عند الأطفال.

عند الأخذ بالاعتبار صعوبة هذا الموضوع، أي من المنهجيات العلمية المعتمدة على البيانات تبدو غارقة في العوامل والمتغيرات المثيرة للحيرة. ولكن هذا لا يعني أن المال نفسه يملك أي تأثير على تركيب أو وظائف الدماغ، أو بالأحرى من المحتمل أن يكون هناك اندماج بين التأثيرات البيئية و/أو الوراثية المصاحبة للفقر. والذي يتسبب في ميل عام إلى القليل من التحصيل عند الأطفال الفقراء.

من خلال ما سبق، إنها مشكلة متعددة الأوجه حيث من المستحيل فعليا التحديد ما إذا كانت هذه العلاقة هي علاقة متبادلة أو علاقة سبب ومسبب. ولكن على الرغم من ذلك، مختبر الدكتورة نوبل يعالج هذه المشكلة باستخدام أفضل الطرق والوسائل العلمية المتوفرة. أولاً، يجب تحديد المشكلة: ما هي الطرق التي يؤثر بها الفقر على وظيفة الدماغ بالتحديد؟ للإجابة على هذا السؤال، استعانت نوبل بحوالي 150 طفل من مستويات اقتصادية واجتماعية متنوعة واستخدمت وسائل الاختبار النفسية القياسية لتقييم قدراتهم في مناطق معرفية عدة مرتبطة بأجزاء محددة من الدماغ. كما سيرد لاحقاً، تتضح العلاقة بين الفقر وتطور الدماغ خصوصاً فيما يتعلق بمهارات اللغة.

تأثير الثروة      

يميل الأطفال  إلى  الأداء بشكل أفضل في المهارات المعرفية المتنوعة عندما يكون مستواهم الاقتصادي والاجتماعي  أعلى. المستوى الاقتصادي والاجتماعي كان العامل الذي فسر حوالي ثلث الاختلاف في الأداء في الوظائف اللغوية بين الأطفال ذوي الدخل المرتفع
واولئك ذوي الدخل المنخفض. بينما أظهرت النتائج جزءا أصغر من الاختلاف -ولكنه يظل مهماً- في المهارات المعرفية الأخرى التي تم اختبارها.

في حين أن البيانات الممثلة أعلاه مقنعة تماماً، إلا أنها غير مكتملة.

لاستعراض التأثيرات المادية التي تؤثر على نمو لدماغ، يجب علينا أن نفحص هذا العضو نفسه. من أجل ذلك، مختبر الدكتورة نوبل أجرى مسحا لأدمغة 1100 طفل ومراهق، ووجدِت اختلافات كبيرة حسب دخل العائلة. حيث أظهرت النتائج بشكل ملحوظ أن الأطفال الأكثر فقرا يعانون من تأخر حاد  في نمو الدماغ بشكل مضاعف بالمقارنة مع الأطفال الأقل فقرا.

دماغ في حالة فقر

متاعب التنشئة في بيئة فقيرة للغاية تقلل من مساحة سطح بعض الأجزاء من القشرة الدماغية أكثر من غيرها. المناطق المتأثرة (باللون الأرجواني) تساهم في أشكال متنوعة من المعالجة الذهنية. الباحثون أظهروا هذه العلاقة من خلال النتائج التي تم جمعها والممثلة بيانياً للمناطق المتأثرة (المشار إليها باسم مساحة السطح القشري cortical surface area).

من يعاني أكثر

الخط الأرجواني  يظهر العلاقة (على المقياس اللوغاريتمي) بين دخل العائلة ومساحة سطح القشرة. بالنسبة للأطفال حيث دخل العائلة أقل من 50,000 دولار (المنطقة الصفراء)، مساحة سطح القشرة مرتبطة بالدخل بشكل كبير. أما الأطفال ذوو الدخل المرتفع نسبياً، فالتأثير أقل بكثير. في الشكل أدناه، كل نقطة زرقاء تمثل طفل أو مراهقا.

من كل القضايا الاجتماعية التي نواجهها كبلد، يبدو الفقر على  وجه الخصوص مشكلة طاغية. ومثل هذه النتائج البحثية تفاقم ذلك الشعور بالتعنت. على أي حال، تجربة نوبل الأخيرة يمكن أن  تعزز الدعم لطريق محتمل للأمام. أوصي بقراءة المقال الكامل لمعرفة المزيد

رابط المقال:

Amanda Montañez, This is your brain on poverty, Scientific American, 3 march 2017

تدقيق: رمزي الحكمي