يقول كثيرٌ من علماء النفس أن معظم المهام الموكلة إلى الروح يمكن أن تُفسَّر بواسطة الدماغ.
يعتقد كثيرٌ من الناس اليوم أنهم يمتلكون روحًا, على الرغم من إختلاف مفاهيمها حيث وصفها العديدون بأنها القوة الخفية التي تبدو أنها تعطي الحياة لنا، ويُعتقد غالبًا أن الروح تُبقي الإنسان على قيد الحياة وترتبط إرتباطًا وثيقًا بذكريات الشخص وعواطفه وقيمه، تباحث البعض في أن الروح ليس لها كتلة ولا تأخذ مساحة وأنها لا تتمركز في أي مكان.
لكني كعالِم أعصاب وعلم نفس لا أجد ضرورة أو منفعة للروح، على العكس من ذلك حيث أن جميع الوظائف التي تُعزى لهذه الروح يمكن أن تفسَّر عن طريق عمل الدماغ.
علم النفس هو دراسة السلوك، من أجل إنجاز العمل في تعديله كما هو الحال في معالجة الإدمان والهلع (الفوبيا) والقلق والإكتئاب، لايحتاج علماء النفس إلى أن يعتبروا الناس أنهم يمتلكون روحاً، بالنسبة لعلماء النفس أن الأكثر أهمية من عدم وجود الروح هو عدم الحاجة لها.
يُقال أن علم النفس فقد الروح في سنة 1930 في ذلك الوقت أصبح العلم هو النظام التام بالإعتماد على الإختبار العلمي والمراقبة بدلاً من التأمل النفسي.
ماهي الروح؟
ليس فقط المفكرون الدينيون هم من اقترحوا أننا نمتلك روحًا فأن بعض أبرز المؤيدين لوجود الروح هم من الفلاسفة مثل أفلاطون Plato (348-424 ق.م) و رينيه ديكارت René Descartes في القرن السابع عشر، يعتقد أفلاطون أننا لا نتعلم أشياءًا جديدة لكننا نتذكر الأشياء التي عرفناها قبل الولادة، لهذا السبب أنه استنتج أننا يجب أن نمتلك روحًا.
كتب رينيه ديكارت في قرون لاحقة أطروحته (عواطف الروح) حيث أنه ناقش وجود إختلاف بين العقل والذي وصفه بـ (التفكير الجوهري) والجسد (الجزء المادي) حيث أنه كتب: لأننا لانملك أي تصور عن الجسم في كل الاحوال، لدينا سبب للاعتقاد بأن كل الأفكار التي توجد فينا تنتمي إلى الروح.
أن الكثير من البراهين التي قدمها ديكارت على وجود الروح كانت تبين بأن الدماغ والذي هو جزء من أجزاء الجسم يكون فانٍ ومنقسم وهذا يعني أنه يمتلك جزأين مختلفين أما الروح فهي أبدية وغير مقسمة وهذا يعني أنها متكاملة غير منفصلة، لذلك أنه استنتج أن الأمور تكون مختلفة، لكن التقدم في علم الأعصاب أظهر بأن هذه الحجج زائفة (يُمكن قراءة المقال المعنون حول حوار بين عالم وفيلسوف والصادر من العلوم الحقيقية في 22 حزيران 2016 ترجمة أحمد كريم بربن).
تجريد البشر من الروح
أظهر الحائز على جائزة نوبل روجر سبيري Roger Sperry في عام 1960 أن الوعي والعقل لدينا يكونان مقسمان وبالتالي دحض هذا الجزء من نظرية ديكارت.
درس سبيري الجسم الثفني (الجاسئ) في الدماغ للمرضى، حيث تم قطع الطريق السريع جدًا الذي يربط نصفي الكرة المخيين الأيمن والأيسر بواسطة عملية جراحية تهدف للسيطرة على نوبات الصرع، منعت الجراحة أو خفضت نقل الإدارك الحسي والإدراك الشعوري والإدراك الحركي والمعلومات المعرفية بين نصفي الكرة المخيين.
أظهر سبيري أنه يمكن تدريب كل نصف كرة مخي لتنفيذ مهمة ما ولكن هذه التجربة ليست متيسرة لنصفي الكرة المخيين غير المدربين، هذا يعني أن كل نصف كرة مخي يستطيع معالجة المعلومات خارج معرفة أو إدراك النصف الآخر، والخلاصة تعني أن هذه العملية تُنتج وعيًا أو إدراكًا مزدوجًا.
وبالتالي لا يمكن أن يكون ديكارت على حق في إثباته ( أن الدماغ يكون مقسماً بينما الروح التي تُعتبر كالإدراك أو الوعي تكون غير مقسمة)، فأن جهود ديكارت كانت لإثبات وجود الروح في البشر لكنه قدَّم فعليًا حجة ضدها.
بدلاً من البحث في موضوع الروح في الفئران المستخدمة في المختبرات، جرَّد علماء النفس البشر من أرواحهم، حيث زعم عالِم النفس دي.أو هِب D.O. Hebb في عام 1949 أن العقل هو تكامل أو دمج نشاط الدماغ، و توصل العديد من فلاسفة الأعصاب إلى نفس النتيجة التي توصل إليها علماء النفس، مؤخراً مع باتريسا تشيرجلاند Patricia Churchland رئيسة قسم الفلسفة في جامعة كاليفورينا_سان دييغو University of California، San Diego وأستاذ مساعد في معهد سالك Salk Institute التي قالت أن ليس هنالك وجود لشبح الروح في الجسم (تعرف على المقال حول إحدى الإعتقادات الزائفة التي عززتها السينما حول وزن الروح 21 غرام والمنشور في العلوم الحقيقية في 26 فبراير 2016).
الدماغ يفعل كل شيء
إذا كانت الروح تكمن في العاطفة والدافع الذاتي الداخلي حيث يحدث النشاط العقلي وتُلاحَظ الأحاسيس وتُخزَن الذكريات ويأخذ المنطق مكانه وتُتخَذ القرارات، إذاً ليس هنالك حاجة إلى افتراض وجودها، والسبب أن هنالك عضو ينفذ فعلاً هذه الوظائف هو (الدماغ).
تعود هذه الفكرة إلى الطبيب القديم هيبوقراط (أبقراط) أبو الطب Hippocrates (377-460 ق.م) الذي قال: يجب على الشخص أن يعلم أن البهجة والسرور والضحك والرياضة والكآبة والحزن واليأس أوالجزع والرثاء كلها تأتي من الدماغ وليس من أي شيء آخر.
الدماغ هو عضو يمتلك خريطة لجسم الإنسان والعالم الخارجي وتجارب الإنسان، ويُنتج التلف في خلايا الدماغ كما هو الحال في الحوادث والجنون أو الخرف و التشوهات الخلقية ضررًا يتناسب مع الشخصية.
مع الأخذ بعين الإعتبار أن إحدى الوظائف من المفترض أن تنفذ بواسطة الروح – إذا أصغينا إلى أفلاطون – والتي هي الذاكرة، حيث أن الضربة العنيفة على الرأس يمكن أن تجعلك تفقد ذكرياتك للسنوات العديدة الماضية، وإذا كانت الروح هي عبارة عن شيء جوهري غير مادي (روحاني) منفصل عن وجودنا المادي فيُفترض أنها لن تُصاب بواسطة الضربة العنيفة، وإذا تم تخزين الذاكرة في الروح فيُفترض أنها لن تُفقد.
أن نشاط الخلايا العصبية في الدماغ هو المسؤول عن الخلل الوظيفي الإدراكي والعاطفي في الناس المصابين بالتوحد وأنه أمر قاسي وغير أخلاقي إلقاء اللوم على أرواحهم الإفتراضية، حيث يكفي التحكم الداخلي في الدماغ لتغيير العاطفة والمزاج وأن وجود الروح في هذه الحالة غير ضروري.
توفر قدرة الأدوية النفسانية على تغيير المزاج خيط آخر من الأدلة على عدم وجود الروح، حيث إذا تم إنتاج إختلال توازن كيميائي في الدماغ كما هو الحال في إستنزاف الدوبامين Dopamine والنورادرينالين Noradrenaline والسيروتونين Serotonin والتيترابينازين Tetrabenazine يمكن أن يُسبب هذا حدوث إكتئاب عند بعض الناس، في المقابل يمكن مساعدة العديد من الناس الذين يعانون من الإكتئاب بإعطائهم الأدوية التي تُزيد من وظيفة هذه الناقلات العصبية في الدماغ.
فالدماغ هو العضو الذي يوجد فيه التفكير و يُقيم فيه الحب والكراهية وتُلاحَظ فيه الأحاسيس وتُشكَل فيه الشخصية وتُعقَد فيه الذكريات والمعتقدات وتُتخَذ فيه القرارات، وكما قال دي.كي جونسون D.K. Johnson من جامعة نورث وسترن Northwestern University :”لم يبقَ شيٌء للروح من أجل القيام به”.
المصدر:
George Paxinos, Does the Soul Exist?, Live Science, September 23، 2016