ترجمة:فاطمة القريشي
___________________

لعل أفضل امل لنا لمكافحة الاوبئه الخطرة هو تطوير اللقاح الذي يحمينا من كل مخاطر هذه الاوبئه فورا. فأين نحن من تحقيق هذا؟

إن اخذ جرعتين من لقاح MMR لوقاية الأطفال من الحصبة والنكاف والحصبة الالمانيه مدى الحياة وكذلك لقاحات شلل الأطفال والتهاب الكبد ,حيث ان بعض هذه اللقاحات تمنح وقاية ابدية من هذه الإمراض الفيروسية, فعند تعريض جهازنا المناعي لعينات من هذه الفيروسات يقوم بدفع الجهاز المناعي لتخزين ذاكرة دائمية لهذه الفيروسات ومواجهتها باستمرار.

إلا أن الأنفلونزا أمر مختلف, حيث يوجد لقاح علينا تعاطيه سنويا وذلك بسبب تطور فيروسات الأنفلونزا بسرعة هائلة حيث أنها تضاعف نفسها بشكل مفرط ومفاجئ منتجه بذلك الآلاف من الفيروسات ألوليده المختلفة جزئيا. ان تعرض الخلية المضيفة لوليدات السلالة يجعل هذه الفيروسات قادرة على نقل نسخ مماثلة لهذه الفيروسات مكونة بذلك وليدات هجينه عن طريق اختلاط المادة الوراثية للسلالات الوالدة, وأحيانا تنتج سلالات حديثه لم نواجهها من قبل والتي بإمكانها الانتقال للإنسان من الحيوانات.

ولغرض إعداد جهاز مناعي مواجه لكل هذه الفيروسات المتغيرة باستمرار, على العلماء تنبؤ السلالات التي سوف تكون اكبر المشاكل الموسم القادم, فان إدراج نسخ معدله من هذه الفيروسات ميتة أو ضعيفة في لقاح تؤهل الجهاز المناعي لمواجهة مثيلاتها لمدة سنة كاملة, فكلما تطورت الفيروسات كلما وجب تطوير اللقاح وأعاده تنبيه الجهاز المناعي ما يكلف من 2 إلى 4 بليون دولار أمريكي سنويا.

بإمكان هكذا تنظيم أن يبقينا أحياء لكنه غير مضمون, حيث تقل فعاليته على الأشخاص الذين تكون أعمارهم أكثر 65 عاما, ومن الممكن أن تكون التنبؤات خاطئة مؤدية بهذا إلى مراحل يكون اللقاح فيها ضعيف المفعول. تقتل الأنفلونزا مابين 250000 و 500000 شخصا حول العالم سنويا,ومن المحتمل أن تقتل هذه الأوبئة مصابين أكثر بكثير. “بإمكاننا تقديم الأفضل” قالت سارا جيلبرت من جامعة أكسفورد في بريطانيا :أن اللقاح الذي نستخدمه للأنفلونزا في الواقع هو الذي نستخدمه فعليا منذ عقود ولا يوجد لقاح أخر لكل سنة.

ربما نتساءل بأننا سنكون اقل ضغطا لو لم تنشأ فيروسات أخرى بارعة في تحطيم الجهاز المناعي_ مرض نقص المناعة المكتسبة.

فمنذ اكتشاف مرض نقص المناعة المكتسبة في أوائل 1980 وعلماء المناعة الذين قاموا بعمل مثير للاهتمام في مجال الأنفلونزا توجهوا للعمل على مرض نقص المناعة المكتسبة بدلا من الأنفلونزا, تضيف جيلبرت : لم نفعل شيء مستحدث بخصوص الأنفلونزا منذ زمن, وان وجود اللقاح السنوي خفف علينا بعض الضغط حيث لم يكن هناك عدوى للأنفلونزا منذ عام 1978.

لكن العقدين الماضيين قد هزت بنا الى خارج الاندثار بالأمن المزيف (عدم وجود عدوى الأنفلونزا), وفي عام 1997 اندلعت إنذارات انتشار فيروس أنفلونزا الطيور H5N1 من الطيور إلى الإنسان في الصين, علما بأن الفيروس قد أصاب 622 شخصا وتسبب في مقتل 60% منهم.

وفي عام 2009 سلاله من H1N1 انتقلت من الخنازير إلى الإنسان حيث أستمرت عدوى ال H1N1 لمدة ثلاثين عاما. وفي هذه السنة ظهر H7N9 من حيث لا نعلم ليصيب أكثر من 130 شخصا في الصين , لا يمكننا توقع ما القادم, قالت أيان ويلسون من معهد سكريبس للأبحاث من ولاية لا جولا الاميريكية: لو إننا نمتلك لقاح أنفلونزا شامل لتمكنا من السيطرة على كل هذه السلالات ولن نقلق من العدوى.

فعند دخول فيروسات الأنفلونزا أجسامنا فهي تتميز وتتغلغل في الخلايا مستخدمة بروتين مرصع الشكل كوسادة مرصعة بالدبابيس تسمى الراصه الدموية, وحين استشعار الاوعيه المناعية لهذه التغلغلات فأنها تقوم بإفراز مضادات حيوية تتعرف على الراصه الدموية وتنغرس بها لإعاقتها ومنع فعاليتها.

وهذا هو سبب استخدام لقاح الأنفلونزا لفيروسات حقيقيه وذلك ليتمكن الجهاز المناعي من إنتاج مضادات معينه طوال الوقت, تكمن المشكلة في وجود أكثر من 17 نوع مختلف من الراصات الدموية ( على سبيل المثال فيروس H5N1 ينقل السلالات الخامسة) وهذا هو الحال للكثير من السلالات المختلفة لكل نوع حيث أن المضادات التي تزيل مفعول سلاله معينه ليس بمقدورها مواجهة سلالات أخرى.

وان كانت هناك استثناءات فان أنواع الراصات الدموية أغلب الأحيان متشابهة بغض النظر عن كونها سلاله أو تفرع من السلالة فهي من الصعب تحولها دون تعرضها لبروتين كامل, ولكن منذ اكتشاف هذه المناطق المحمية على اجزاء من البروتين التي لاتصل الى الجهاز المناعي استصعب إصدار أجسام مضادة تواجه هذه المناطق, صعب لكنه غير مستحيل.

وفي عام 1993 اخذ العلماء اليابانيون مضادات من فأرة قد حصنت مسبقا من أنفلونزا H2N2, فهي محمية من تفرعات سلالة فيروس H2 ومن H1, H5, H6, H9 كذلك. وبعد مرور خمسة عشر عاما وجدت مجموعات جديدة مشابهة “أجسام مضادة ضعيفة المفعول بانتشار واسع” في الناس المرضى, أكثرها أثاره هي التي اكتشفت عام 2011 من قبل مجموعه يرئسها انطونيو لانزافيتشيا وهو عالم مناعة في معهد أبحاث الطب الحيوي في بيلينزونا, سويسرا, عرفت مبدئيا ب F16 وهي مضادات حيوية خارقه مقيده لستة عشر نوع من الراصات الدموية المعروفة آنذاك (النوع السابع عشر اكتشف في السنة الأخيره).

لكن لم يعتبر F16 لقاح لوحده حيث لا يمكن إنتاجه بكميات كبيره وتطعيمه للأشخاص الأصحاء الذي يجب على أجهزتهم المناعية إنتاج مضادات حيوية لهم. من المفرح إننا نعلم أين نتجه ونعلم أيضا إن هذا ما تقوم بفعله المضادات البشرية في اجسامنا.

يقول ويلسون: أن الخطوة التالية تتمثل بتصميم جزيئات تعالج بعض الراصات الدموية المعروفة ب H16 وذلك لتحفيز الجهاز المناعي لإنتاج أجسام مضادة مماثلة لتلك الجزيئات, نريدها ان تكون مشابهة لتلك الفيروسات, ولكن بمساحات معرضه أكثر, ويضيف ويلسون: نريد تركيز الاستجابة المناعية بهذا المجال.

أسلوب أخر بإمكانه الكشف عن جزيئات طبيعيه من الراصات الدموية بأكثر من طريقة ممكنه. حيث قام غاري نابل وهو سابق في المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية بدمج جزيئات الراصة الدموية مكون بذلك الفيريتين, وهو بروتين يتجمع بصورة طبيعيه مكون مجلات كروية الشكل.

أن أربع وعشرين بروتين من هذه البروتينات المصممة ستتحد بصورة تلقائية مكونة كرة من الفيريتين تبرز منها ثمان أشواك من الراصات الدموية, هذه الأشواك متباعدة وذات قابليه عاليه اكبر من الموجودة في فيروس الأنفلونزا الحقيقي, حيث ترتبط حوالي 40 جزيئه من الراصات الدموية مع بعضها البعض باتجاه بروتينات أخرى وهذا مايسبب تجميع جزيئات الفيريتين لمضادات حيوية ضد الأنفلونزا أكثر من اللقاح السائد ب 10 _40 مرة, فان تعرفت إحدى هذه الجزيئات على سلسة راصه دموية معينه فبامكانها حمايتنا من العديد من السلالات.

وفي نفس الوقت حاول علماء آخرون من إنتاج لقاح أنفلونزا شامل بالنقر على فروع مختلفة من الجهاز المناعي, ففي فترة معينه من الأنفلونزا تقوم أجسامنا بإصدار مجاميع دفاعية تسمى قاتلة الخلية تي والتي تقوم بتحطيم الخلايا المتضررة, هذه المجاميع يمكنها السيطرة بنطاق واسع على فيروسات الأنفلونزا ولكنها قصيرة العمر, فحال تنفيذها إحدى المهام تنتهي فعاليتها. وتقول جيلبرت :بهذا الشأن تحديدا أنتجنا حماية شاملة لكنها غير دائمة.

أن أجهزتنا المناعية لا تعاني من فقدان ذاكرة كلي حيث يوجد نوع من الخلايا المناعية تعرف بخلايا الذاكرة خلايا تي متمركزة داخل العقد اللمفاوية لدينا تحمل هذه الخلايا اثار لعدوى قديمة, فبإمكان هذه الخلايا توليد فروقات جديدة من قاتلات خلايا تي أذما تمكنا من حقنها بفيروسات قديمة.

و لسوء الحظ استجابة الخلايا بطيئة و تأثير الأنفلونزا سريع, فبإمكان العدوى أن تأتي وتذهب قبل أن يتم استدعاء خلايا تي المعززة. تقول جيلبرت :إن الخلايا المركزية خلايا تي بإمكانها أن تطهر وتساعد في الشفاء لكنها لا تمنع الألم.

طريقة جيلبرت تتمثل بتحريض خلايا الذاكرة خلايا تي في وقت مبكر منتجه بذلك خلايا تي جديدة متعاقبة بإمكانها تحذير ومواجهة الفيروسات القادمة.حيث يتم تلقيح هذه الفيروسات باستخدام نوعين من الفيروسات البروتينيه الأكثر شيوعا وهي MP1 و NP ,حيث تذهب هذه البروتينات إلى الخلية على شكل فيروسات مختلفة لا تستطيع نسخ نفسها,وبهذا لا تموت الخلية نهائيا ولكنها تبدو وكأنها مصابة بفيروس الأنفلونزا.

ومن تجارب صغيرة ومبدئية أوضحت جيلبرت بان اللقاح امن ويعزز العديد من خلايا تي لعشر مرات أكثر,وهو عكس اللقاح السائد الذي يكون تأثيره على كبار السن ليس كتأثيره على الشباب وهذا ليس بالمفاجئ.

مضيفة جيلبرت: أن اللقاح السائد يجبر جهاز المناعة على تنظيم استجابة جديدة سنوية ما يجعلها تضطرب بمرور الوقت,لكننا نحاول تعزيز الذاكرة الموجودة مسبقا و ألان علينا التأكد أن كان هذا اللقاح قادر على مواجهة العدوى الجديدة أم لا, وكم ستدوم فعاليته.

حتى وان اثر هذا اللقاح فلن يدوم مدى الحياة,وذلك لان خلية تي ستقوم باستمرارية التعزيز محفزة بهذا خلايا تي مرارا وتكرارا, فليس بإمكانك إعطاء شخص جرعة أو جرعتين كالأطفال وتتوقع وقايتهم إلى وقت غير معلوم, ولكن عليك تعاطي هذا اللقاح بانتظام ولكن ليس كل سنة, تقول جيلبرت: أذما توصلنا لمرحلة احتياج هذا اللقاح كل خمس سنوات سنكون قد قمنا بعمل جيدجدا.

رابط المقال:

http://www.bbc.com/future/story/20130616-can-we-make-a-universal-flu-jab