“الجين عبارة عن مجموعة من التعليمات لعمل جزيء بروتين، ولكن القفز من هذا التبسيط  الرقمي إلى تعقيد الشخصية يبدو محالا، لكن يمكن فعله الآن للمرة الأولى، فقد وجدت التغيرات في التسلسل الجيني التي تؤدي إلى التغيرات في الشخصية.

العلوم الحقيقة
ها هي كومة القش تفصح عن أولى الإبر فيها، ومثال ذلك جين لبروتين يسمى العامل العصبي المشتق من المخ أو BDNF على الكروموسوم الثاني، وهو جين قصير يتكون من مجموعة من نص الحمض النووى DNA يحتوي على 1335 حرفا، وهو نفس طول الفقرة هذه بالضبط لحسن الحظ، والجين مكون من شفرة رباعية الأحرف، وهي محتوى بروتيني يعمل كمخصب في المخ، ويشجع نمو الأعصاب ومن المحتمل انه يفعل أشياء إضافية بخلاف ذلك. وفي معظم الحيوانات يكون الحرف رقم المائة والاثنين والتسعين في الجين هو ج (G)، ولكن في بعض الأشخاص يكون هو أ (A)، وتحمل حوالي ثلاث أرباع جينات الإنسان النسخة ج (G)، والبقية تحمل نسخة أ، وهذا الاختلاف الصغير جدا هو مجرد حرف واحد في فقرة طويلة يتسبب في وجود بروتين مختلف قليل، وهو الميثونين بدلا من الفالين في الموقع السادس والستين في البروتين. وبما أن لكل فرد نسختين من كل جين، فهذا يعني أن هنالك ثلاث أنواع من البشر وهم : البعض له اثنان من الميثونين في العامل العصبي المغذي الخاص بهم، والبعض الآخر لديه اثنان من الفالين، والنوع الثالث له واحد من كلا الاثنين. وإذا أعطيت بعض الأشخاص استبيانا عن شخصيتهم، واستطعت اكتشاف نوع العامل العصبي المغذي عندهم، فسوف تجد تأثيرا واضحا، فالذين لهم اثنان من الميثونين أقل عصبية من هؤلاء الذين لديهم واحد من الميثونين واخر من الفالين، والذين يعتبرون بدورهم اقل عصبية من هؤلاء الذين لهم اثنان من الفالين.

والذين لهم اثنان من الفالين هم الأكثر اكتئابا ووعيا بالنفس وقلقا، وضعفا، بينما هؤلاء الذين لديهم اثنان من الميثونين هم الأقل في هذه النواحي – وهي أربعة من ستة أوجه تكون أبعاد العصبية عند علماء النفس، ووجه واحد فقط من الاثنى عشر وجها الأخرى في الشخصية (وهو الانفتاح) أظهر علاقة، وهذا الجين أثر في الناحية العصبية بشكل خاص.

لا تفرح بهذه النتيجة، فهي تشير إلى نسبة صغيرة فقط من التنوع بين الأشخاص، قد يصل إلى 4% وقد تثبت نوع من الشذوذ في 257 عائلة في تيكوموسيه في ميتشجان حيث تم عمل الدراسة هنالك، ولا يعتبر بالطبع “جين العصبية” هو المقصود، لكن على الأقل في نيكوموسيه هو الجين الذي يوضح تنوع بعض اختلافات الشخصية بين إي فردين، وهو متوافق مع الطريقة المعروفة لوصف الشخصية، وهو أول جين يرتبط بشكل قوي بالاكتئاب، مما يعد شعاعا لأمل طبي بسيط لخلل الحياة المعاصرة، والذي يعد الأقل معالجة والأكثر انتشارا، والدرس الذي أود استخلاصه هنا ليس هذا الجين بالأخص، ولن يكون ذا أهمية، لكنه سوف يثبت مدى سهولة التنقل من التغيير في ترتيب شفرة الحمض النووى DNA إلى الاختلاف الحقيقي في الشخصية، ولا استطيع أو يستطيع احد أن يخبرك كيف هذا التغير الصغير الذي يسبب في شخصية مختلفة أو عن سبب ذلك، لكن حدوث ذلك يبدو شيئا مؤكدا، ولم يصدق هذا نقاد جينات السلوك، فالجينات هي وصفات للبروتينات، وليست محددة للشخصية، ولكن ميلهم هذا لا يعتد به، فالتغيير في مقادير البروتين يؤدي بالفعل إلى تغيير في الشخصية.”

 

المصدر: كتاب (الطبع عبر التطبع – مات ريدلى)