اتحفظ دائماً على المصطلحات الطبية الجديدة التي تُستخدم وتُروّج قبل أوانها، وهي ما زالت في مرحلة الفرضية، وعلى ما يبدو ان هذه وسيلة واضحة لتحييز أي تفكير حول ظاهرة مزعومة، فقط صنفها كفرضية وتعامل مع الفرضية على أنها استنتاجاً نهائياً، ثم اجلب أعراض مرضية تطابق مرضاً ما مثل ” مرض لايم المزمن”؛ مقترحاً شيئاً لم يتم إثباته ابداً.

كانت هذه السطور السابقة هي ردة فعلي عندما سمعت بمصطلح ” السكري من النوع الثالث” من فيديو على تطبيق التيك- توك، ومن مصدر مشكوك به مثل: “مارك هايمن” والذي قال: “يطلق العلماء الآن على مرض الزهايمر مصطلح السكري من النوع الثالث”؛ حقاً؟ لماذا لم يخبرني أحد؟

الفكرة الضمنية هي أمر جدير بالبحث، حيث وجدت الدراسات الأولية أن مقاومة الأنسولين العصبي قد تلعب دوراً في عمليتي الاعتلال الوظيفي والانتكاس في مرض الزهايمر، ولنستعرض معلومات سريعة عن ماهية الأنسولين: فهو هرمون يسمح للخلايا بحمل الجلوكوز من الدم إلى الخلايا لتستعمله في إنتاج الطاقة، النوع الأول من السكري يحصل بسبب هبوط القدرة على إنتاج الأنسولين غالباً؛ بسبب أحد أمراض المناعة الذاتية والذي يؤدي إلى تدمير الخلايا التي تنتج الأنسولين في البنكرياس.

أما النوع الثاني فيكون بسبب مقاومة الأنسولين ويعود إلى شقّين؛ الأول: جيني وراثي، والثاني؛ بسبب عوامل تتعلق بأساليب المعيشة. ومعنى مقاومة الأنسولين هو أن الخلايا تتطلب كمية كبيرة من الأنسولين الذي يجلب لها الجلوكوز، لذلك فإن المصابين بالسكري من النوع الثاني لديهم زيادة في مستويات الأنسولين، (وهذا قد يؤدي إلى إنهاك قوة البنكرياس بسبب تزايد الكميات المطلوبة من الأنسولين والتي تصل بالنهاية إلى الحد الذي لا يستطيع تلبيته).

إن الفكرة التي قام عليها مصطلح “السكري من النوع الثالث” هي أن أعصاب الدماغ تكون مقاومة للأنسولين، وأنها؛ أي الاعصاب، غير قادرة على السيطرة على طلبها المتزايد من الجلوكوز، مما يعرض وظيفتها إلى الخطر، لذلك من المعقول أن عدم التكافؤ هذا ينتج عن مقاومة الأنسولين.

إلا أن البيولوجيا معقدة، والتطور يستخدم ما موجود لتحقيق غايات متعددة، لذلك ليس من الغريب أن يكون للأنسولين تأثيرات مختلفة في الدماغ، كما يتلخص في مراجعة صدرت مؤخراً:

“تبرز أدلة من دراسات حيوانية وبشرية بالإشارة إلى أن للأنسولين تأثير في الطاقة الحيوية     للدماغ، حيث يعزز حيوية الإتصال العصبي، وتشكيل الشوكة المتغصنة Dendritic spine [هي نتوء غشائي صغير من تغصن عصبوني، يتلقى عادةً مدخلات من محور عصبي واحد عند المشبك. تعمل الشوكة التغصنية كموقع تخزين لزيادة قوة التشابك وتساعد في نقل الإشارات الكهربائية إلى جسم الخلية العصبية. تحتوي معظم الأشواك على رأس منتفخ (تغصن قمي) وعنق رفيع يربط الشوكة مع جسم التغصنات]، ويزيد من معدل تحول الناقل العصبي [تحول الناقل العصبي: مصطلح يشير إلى دورة حياة الناقل العصبي بدأً من تخليقه ثم تخزينه، ثم إطلاقه وتنتهي بتحلله بعد انتهاء وظيفته]، كالدوبامين مثلاً، كما للأنسولين دور في ضبط التركيز البروتيني، ويحفز تصفية الببتايد اميلويد بيتا، وفسفرة التاو [التاو: مجموعة من البروتينات شديدة الذوبان في الماء، وعملية الفسفرة هذه تحدث بشكل غير طبيعي لدى مرضى الزهايمر]، وهي علامات لمرض الألزهايمر، كما يُنظم الأنسولين الوظيفة الوعائية من خلال التأثير في وظيفة انقباض وانبساط الاوعية الدموية، كما يؤثر في أيض الدهون وتكوين الالتهابات، ومن هذه المسارات المتعددة فإن الخلل في تنظيم الانسولين يؤدي إلى انتكاس عصبي”.

يبدو هذا الكلام ساحراً، أليس كذلك؟

هل هذا يعني أن مرض الزهايمر هو سكري من النوع الثالث ؟

لا تستعجل؛ فتاريخ البحث العلمي في مرض الزهايمر يبين لك أن اكتشاف واحد يفتح أنواع متعددة من الأدلة في المسارات المرضية المرتبطة بالزهايمر، ويتضح أن هذا الاكتشاف هو جزء من صورة أكبر. ولا يمكن لأحد يتعامل في هذا المجال أن يُجزم بأن اكتشافاتنا في هذا المرض لحد الآن توضح بأن عاملاً واحداً فقط هو من يسبب ويحفز هذا المرض.

ثم يتضح بأنه عندما تكون العصبونات تحت نوع من الاجهاد الايضي وتبدأ بالانتكاس، فإن هنالك العديد من المسارات المؤثرة، ويتغير سلوك الاعصاب لعدة أسباب- أي طريق يمكن أن نختار التحقق فيه قد يؤدي إلى سبب من هذه الأسباب، ولقد عملت في مجال علم الأعصاب لمدة كافية لدرجة أني سمعت عشرات الفرضيات، إلا أن واحدة منها تبدو وكأنها السبب الحقيقي وراء مرض الزهايمر، فقط أنها لم توفّق.

أهو الإلتهاب؟ ربما يكون انقطاع النقل المحواري في العصب هو السبب، المتغيرات الجينية ذات العلاقة بالإنحراف في طوي البروتين قد تبدو إشكالية، وماذا عن الإجهاد التأكسدي، أو تسمم العصب؟

نحن نعرف الكثير عن ما يحدث في مرض الزهايمر، وبالتأكيد فإن تكون البيتا اميلويد وشذوذ بروتيات التاو يلعبان دوراً اساسياً. ولكن مع كل هذا، فإن كل ما لدينا الآن هو تداخلات على هيئة مضاد حيوي وحيد المنشأ، والتي تحسّن من تقدم المرض (بشكل معتدل) باستهداف الأميلويد، عن طريق تجارب سريرية يستهدف فيها بروتينات التاو ايضاً. وهنا آن لنا أن نتسائل مرة أخرى؛ هل ما نقوم به هو علاج للسبب الحقيقي لمرض الزهايمر، أم مكون واحد من المكونات المُساهمة في تقدم المرض؟

ليس من المفاجيء أن يكون أيض الجلوكوز غير طبيعي في مرض الزهايمر، وان التأثيرات المعقدة للأنسولين في الزهايمر قد تم كشفها، وأن معظم الوظائف الخلوية التي بحثنا فيها اتضحت أنها غير طبيعية في الزهايمر؛ على الأقل لدى بعض المرضى.

والآن من المعقول أن نستنتج أن الوقاية من السكري بواسطة اتباع حياة صحيّة؛ هو أمرٌ جيد، كما أنه أمر جيد عندما تتم السيطرة على نسبة الجلوكوز بالدم ومقاومة الأنسولين لدى من لديهم هذه الحالة أو من هم معرضين للإصابة بها، وهذه التوصية الموجودة مسبقاً، لذلك لم يتغير شيء. في نهاية المطاف هناك شيء سلبي وضار يمكن تفاديه من خلال السيطرة الجيدة على السكري.

ويمكننا أن نقول نفس الشيء بخصوص ارتفاع ضغط الدم، فهناك علاقة وثيقة بين ارتفاع ضغط الدم واحتمالية الإصابة بالزهايمر، كما توجد عدة دراسات التي تشرح الآلية التي تربط بين الحالتين، والآن، افضل توصية هي التحكم الجيد بإرتفاع ضغط الدم – وهي نصيحة طبية قياسية متعارف عليها مسبقاً- ومن هذا الاستنتاج؛ هل يمكن للأطباء أن يطلقوا على الزهايمر تسمية ” ارتفاع ضغط الدماغ”؟!

يبقى مرض الزهايمر، حالة معقدة وعلى نحوِ مرعب، وغير مفهوم سوى بالجانب العملي، ولدى هذا المرض مجموعة متنوعة من العمليات الايضية ذات مسار نهائي مشترك، كما له عديد من عوامل الخطورة والمؤثرات التي تلعب دوراً في نشأته، لذلك من الحماقة التفكير بأن يكون وراء الزهايمر سبب  حقيقي واحد. تبدو مقاومة الأنسولين على أنها حالة من عدة حالات تلعب دوراً في مرض الزهايمر، على المدى القصير فإن هذا يقوي قيام النصيحة بوقاية ومعالجة السكري، وربما يقود بحث ابتدائي حول آلية دور السكري في الزهايمر إلى علاجات نوعية، ولكن يبقى من السخافة إطلاق وصف “السكري من النوع الثالث” على مرض الزهايمر، ما لم تقوم بتقوية هذا الادعاء بسرد طبي مبسط يثبت الدور الهائل للغذاء في كل الأمراض..

 

 

المقال الأصلي:

Steven Novella, What Is Type 3 Diabetes?, Science-Based medicine, April 3, 2024