يعرف البكاء بأنه تعبير طبيعي عن مشاعر الانسان، واهم صفة مميزة للبكاء هي إنتاج الدموع. على الرغم من كون البكاء هو تعبير مميز عن المشاعر الا ان الدراسات حوله قليلة نوعاً ما، لذا فإننا نعرف القليل حول وظائف البكاء في المجال العلمي لكن وبحسب البحوث السابقة المتوفرة فإن وظائف البكاء تنحصر في وظيفتين الأولى، هي أن البكاء يخفف من حدة التوتر و يسرع من التحسن الفسيولوجي للاشخاص بعد حزن او محنة معينة. والثانية هي أن البكاء يُعدٌ منبهاً قوياً للتعبير عن الألم و الضيق من الشخص للآخرين من حوله او للتلاعب بالبيئة الاجتماعية من حوله.
أفضل الدراسات المتعلقة بالاختلافات الجنسية في البكاء توصلت الى نتيجة واحدة: النساء يبكين أكثر من الرجال، كما ان هذا الاكتشاف يتخطى الاختلافات الثقافية. ففي دراسة جرت في أكثر من 35 دولة حول العالم في القارات الامريكية والأفريقية وآسيا واوروبا، وجد بان النساء يبكين أكثر من الرجال في كل بلدان هذه القارات، لكن وحتى الآن فاننا نعرف القليل حول خلفية هذا الاختلاف وما هي الأسباب العلمية الحقيقية خلف ذلك.
اجتماعيا يمكن تمييز أربع جوانب توضيحية للاختلاف هذا، اولا :- الاختلاف النوعي في البكاء وهو نتاج نظرة مجتمعية بان الاولاد غير مسموح لهم بالبكاء، بينما يتقبل المجتمع بشكل اكبر بكاء الفتيات، ثانيا:- يختلف النساء و الرجال بتعرضهم للمواقف المؤثرة وكيفية تعامل كل منهم مع هذه المواقف، ثالثا:- فرضيا، النساء و الرجال يختلفون في الشخصية و ردود فعلهم لنفس الموقف. رابعا:- عوامل بيولوجية منها ان الهرمونات الجنسية يفترض لها بان تلعب دور هام بهذا الاختلاف.
وهنا نطرح تساؤل هام :-هل ان البكاء يتأثر بالاختلافات بين الجنسين، سن البلوغ، الدورة الشهرية لدى النساء وعلاقة البكاء بالتعاطف؟
قام علماء من جامعة تيلبورغ الهولندية بعمل دراسة للإجابة عن هذا التساؤل، الهدف من هذه الدراسة هو اختبار الفروق الجنسية من ناحية تأثيرها على البكاء خلال فترة المراهقة وتأثير كل من الدورة الشهرية و التعاطف عليه. تم جمع متطوعين من تلاميذ تتراوح أعمارهم بين (11-16) من مدارس ابتدائية و ثانوية في هولندا. كان عدد المشاركين الكامل من كلا الجنسين هو 481
(216 صبي و 265 فتاة) تم تقسيمهم على خمس مجاميع لكلا الجنسين، وبعد أخذ موافقة خطية من ذويهم، اكملوا الاستبيانات التي تم توزيعها عليهم في المدرسة كجزء من منهجهم الدراسي المعتاد. هذه الدراسة وضحت الاختلافات العمرية والجنسية المتعلقة بالبكاء اعتمادا على تقييم ذاتي للبكاء.
هنا يجب ان نوضح بان هناك فرق بين التعرض للبكاء(وهو أمر متعلق تماما بالشخصية) و معدل البكاء الفعلي (و الذي تلعب كلا من العوامل البيئية و التعرض للمواقف الدرامية دور مهم فيه) وكلاهما يتغير بتغير العمر فمثلا قابلية الصبيان للبكاء تقل بزيادة اعمارهم ويختلف الامر بالنسبة للفتيات حيث أن التعرض للبكاء ومعدل البكاء لا يتأثران بالعمر ومعدلهما أعلى في الفتيات في كافة الفئات العمرية. فمثلا الفتيات في سن المراهقة كن أكثر عرضة للبكاء من الفتيان المراهقين. يمكن ان تكون أسباب هذا الاختلاف الواضح بان الضغط الاجتماعي على الذكور أكبر فيما يتعلق بالبكاء وعدم السماح لهم بالتعبير عن مشاعرهم كما هو الحال في الاناث او تأثيرات الهرمونات الذكرية و تغيراتها بمرور الزمن، فقبل سن الـ 11 لا توجد زيادة واضحة في نسبة هرمون التستوستيرون لذا فان الفروقات في البكاء أقل. وقد تلعب الشخصية دورا في ذلك أيضا.
خلافا لتوقعاتنا بان الحيض له علاقة وثيقة بالبكاء فإن الاختلافات بين الجنسين فيما يتعلق بالبكاء بدت واضحة تماما في عمر الحادية عشر في السن الذي لم تكن أي من الفتيات المتطوعات قد حضن، أي ان الاختلافات هذه قد نمت قبل سن الحيض، لكن هذا لا يعني أنه لا توجد تأثيرات هرمونية على البكاء. مثلا، افراز هرمون الاستروجين يزداد في الفتيات بين عمر الـ 9 و الـ 10 وهذه التغيرات الهرمونية مهمة جدا في تطور الخصائص الجنسية الثانوية للاناث، مما يمكن ان يكون له تأثير على ظهور الاختلافات في البكاء بين الجنسين.
اوضحت هذه الدراسة ايضا العلاقة بين التعاطف و البكاء، اظهرت البيانات ان التعاطف نسبته أكبر في الفتيات عن الأولاد في جميع الأعمار وأن التعاطف في الإناث يزداد بازدياد العمر وهذه له اصول تطورية لها تأثير في غاية الاهمية على بقاء البشرية وهو العاطفة بين الأم وطفلها.
ان انخفاض نسبة تعرض الأولاد للبكاء ونسبة بكائهم الفعلي يمكن ان يكون له علاقة بنقصان العاطفة لديهم مع زيادة العمر. واخيرا ان الاختلافات الجنسية المتعلقة بالبكاء تظهر بأنها نتيجة مزيج معقد من عوامل بيولوجية، سيكولوجية وعوامل اجتماعية مختلفة.
Van Tilburg، Miranda AL, Marielle L. Unterberg، and Ad JJM Vingerhoets. “Crying during adolescence: The role of gender, menarche, and empathy.” British Journal of Developmental Psychology 20.1 (2002): 77-87.