التضحيات البشرية قد يكون لها دور إيجابي في بناء المجتمعات، الممارسات المظلمة، النخبة في إبقاء الطبقات الدنيا في حالها، دراسة جديدة تُلمّح.

طعن، حرق، غرق، خنق، ضرب، دفن على قيد الحياة. هذا فقط قليلٌ من الممارسات العديدة التي تم التضحية بالبشر بها في الشعائر الدينية على مر التاريخ. هؤلاء الناس ضحوا بحياتهم احتراماً للإله المعبود وذلك لعدد من الأسباب: لضمان المحاصيل الخصبة، للحاق بأسيادهم في الآخرة، لجلب المطر.

الضحايا، كانوا دائماً من الطبقات الدنيا في المجتمع، العبيد وأسرى الحروب، وموتهم كان في كثير من الأحيان بطيء جداً. ومن كان يفعل هذه الممارسات هم نخبة المجتمع. هذه الحقائق توضح الدافع المظلم للتضحيات البشرية: حفظ بعض الناس في أعلى السلم الاجتماعي وآخرون في أسفلة!

هذه الفكرة، تعرف باسم فرضية التحكم الاجتماعي، وقد نُشرت في أواخر التسعينات، مع دراسة التضحيات البشرية في الثقافة الأميركية المبكرة. ولكن هناك دراسة جديدة نشرت في مجلة الطبيعة “Nature” أضافت دليل إلى أن الفرضية يمكن أن تكون صحيحة. باستخدام طرق إحصائية، أظهر فريق باحثون من نيوزلندا أن التضحيات البشرية لعبت دوراً مهماً في ترسيخ الطبقات الاجتماعية، والتي أدت إلى تشكل نهائي للعديد من المجتمعات المعقدة.

في هذه الثقافات المبكرة، كانت التضحيات البشرية أداة لترويع وترهيب الجماهير، ويقول رئيس فريق الدراسة، جوزيف واتس، وهو طالب دراسات عليا في جامعة أوكلاند” قدمت تبريراُ فوق الطبيعة للعقاب”، وقد فسره على موقعه على الأنترنت.

وقد ركزت الدراسة على ثقافة الأسترونيزيين (Austronesian)، وهي مجموعة من الشعوب تشترك في جذور اللغة التي منشأها تايوان. على مر التاريخ، تتنوع هذه الشعوب وتنتشر في جنوب شرق آسيا وأوشيانيا (جزر المحيط الهادئ). وكذلك في مدغشقر. والعديد منهم مارسوا التضحيات البشرية، ويشمل ذلك تقريباً نصف الثقافات الـ 93 التي درسها واتس وزملائه.

أساليب وطقوس هذه الممارسات تختلف بشكل كبير بين الناس الممارسين لها. على سبيل المثال، في جزيرة شورتلاند (Shortland)، التي تقع بالقرب من بابو غينيا الجديدة، وهو أن التضحية يجب أن تكون على مبنى مشهور. بحيث توضع الضحية في حفرة، ثم تُسحق بفعل عمود يُرمى إلى الحفرة.

وهناك شعوب أخرى، مثلاً : شعب الميلاناو في بورنيو الشمالية، يقوموا بربط أيدي العديد من العبيد إلى ضريح سيدهم المتوفى مؤخراً، ثم يُهجروا هناك. وقد يموت العبيد، وهذا ما كان يسمى، الحفاظ على سيدهم بعد الموت.

وأستخدم الباحثون حسابات من السجلات التاريخية تعود في المقام الأول إلى القرن التاسع عشر، وكانوا حريصين للفترات ما قبل دخول ديانات العالم الكبرى، كالإسلام والمسيحية، وقبل حداثة المجتمعات.  باستخدام المعلومات اللغوية، أنشأ الباحثون شجرة لتطور السلالات –خريطة متفرعة ومعقدة تستخدم لإظهار الترابط بين الأنواع عبر الزمن. ولكن بدلاً من الكائنات، وضعوا تطور الثقافات الأسترونزية. وقد زُينت الشجرة باثنين من التفاصيل الرئيسية لكل مجتمع: درجة الطبقية الاجتماعية، وعما إذا كانوا يمارسون التضحيات البشرية أو لا.

الآن لنأتي إلى الرياضيات. طبّق الباحثون طرق إحصائية لهذه الشجرة، لاستنتاج الأنماط ودراسة العلاقة بين الطبقية الاجتماعية وممارسات التضحيات البشرية عبر الزمن. وقد حددت فيما إذا مارست الحضارات التي شكلت طبقة النخبة ممارسات التضحيات البشرية أو لا. هذه الطريقة ساعدت الباحثين لفهم السبب والنتيجة، أيهما حدث في البدء؟ الطبقيّة الاجتماعية أم التضحيات البشرية. ما أظهرته النتائج أن التضحيات البشرية ساعدت في حدوث الاختلافات بين الطبقات الاجتماعية. في المجتمعات التي مارست التضحية البشرية من غير المحتمل اختفاء الطبقية الاجتماعية وعودة الناس ليتساووا اجتماعياً. أظهر النموذج أيضاً أن ممارسة التضحيات البشرية ساعد في تسريع التفريق بين الطبقات المختلفة في المجتمع. النتائج تضيف دعماً لفكرة أن التضحيات البشرية تغرس الخوف في الطبقات الدنيا وتظهر في الوقت نفسه قوة النخبة، يقول واتس. هذا النظام قد يكون المعنى المبكر للبناء والمحافظة على السلطة، والتي كانت الخطوة لتطور المجتمعات المعقدة والأنظمة السياسية الرسمية. وأوحى النظام إلى أنه ليست التضحيات البشرية وحدها هي العامل الهام في تحول المجتمع من مجتمع متساو إلى طبقي. وذلك بسبب، يقول واتس، ” إذا كانت التضحيات البشرية وحدها سبباً في بقاء السلطة الاجتماعية، يجب أن يكون هنالك سُلطة للبدء بها.”

“هذه الآثار ليست قوية بشكل كبير، ولكنها متسقة” قال مارك باغل (Mark Pagel)، أخصائي الأحياء التطورية في جامعة ردينغ (Reading University)، والذي لم يشارك في الدراسة. بالرغم من أن النتائج تدعم الدور الذي لعبته التضحيات البشرية في الطبقية الاجتماعية، يمكن أن يكون هنالك استثناءات لهذا النموذج.

التضحيات البشرية، يمكن أن تكون أسلوب فعال للمحافظة على السلطة في بعض المجتمعات. يقول باغل، “تخيل وأنت تعيش في مجتمع طبقي، وأن أحد من هم من النخبة، في أحد المناسبات، أخذوا شخصاً من الشارع وقاموا بالتضحية به” يقول، انه أسلوب مؤثر لتحذير الناس بأن النخبة لهم القوة والسلطة ولا يجب أن تعصى أوامرهم. هذا لا يعني بأن هذا التصرف صحيح، ولكنها تخدم عملية التحكم بالمجتمعات،” يقول.

وقد لاحظ واتس أن الكثير من الطقوس الشعائرية المتعلقة بالتضحية تهدف إلي إحداث أقصى جَور—في بعض الطقوس يكون الموت بطيء وقد يستغرق ساعات. “القتل بكفاءة لايهم، هناك أكثر مما هو عليه، وهو الحصول على أعلى درجات الترهيب من المشهد.” كما يقول.

أحد هذه الأمثلة للطقوس الشعائرية ما يحدث في مجتمع ناهو “Ngaju” والذي وصفه هانز شارير في دين الـ “Ngaju” : مفهوم الرب بين شعب جنوب البورنيو. “أنه يبدأ منذ غروب الشمس وحتى الشروق، جميع المشاركين يبدؤون بالرقص حول العبد ومن ثم يتلقى الطعن بالرماح والسيوف والخناجر ويستمر هكذا إلى شروق الشمس، ومن ثم يتم منحة الضربة القاضية ليموت غارقاً بدمائه

ويبقى السؤال هو ما إذا كانت هذه الدراسة تتجاوز شعوب الأسترونزية أم لا. إن دوافع التضحيات البشرية تختلف على نطاق واسع عبر الثقافات، ولكن يوجد هناك روابط متشابهه في التسلسل الهرمي. يقول واتس.

ووجد الباحثون قبراً في شرق الصين، على سبيل المثال، وقد حدد الباحثون بأن القبر لأحد الارستقراطيين وقد دفن بالقرب منه أربعة عشر شخصاً مع مجموعة من القطع الأثرية النفيسة. وأيضاً القدماء المصريين، فمن المعروف أن الكثير من العبيد دفنوا جنباً إلى جنب مع الحاكم المتوفى.

ومع ذلك، في بعض المجتمعات في أميركا اللاتينية والوسطى، في قبائل المايا والإزتك والأنكا، يحتفلون بالتضحية بزعيمهم أو أحد أفراد الطبقة العليا، قال جون فيرانو، عالم الأنثروبيولوجيا، “يجب أن تكون الضحية البشرية ممن قد خدموا في أغراض مختلفة.”

بالنسبة لكثير من المجتمعات، فأن التضحيات البشرية كانت أولى الخطوات للوصول إلى المجتمعات المعقدة، يقول واتس،” في هذه المراحل المبكرة، كان للتضحيات البشرية دوراً حاسماً في البناء والمحافظة على الهياكل الاجتماعية.”

المصدر:

http://www.smithsonianmag.com/science-nature/human-sacrifices-may-lie-behind-rise-ancient-social-status-180958646/?no-ist