(لكن الفيزياء يجب الا تكون بمثابة ناد خاص بالرجال, او حمام عمومي لهم ) هذا ما قاله دايفد هيلبرت الرياضياتي البارز حين وقف بوجه زملاءه الاعضاء في نفس الكلية وهم يتخذون موقفا معارضا بعناد لمنح نوثر الترقية التي تستحقها بجدارة لمنصب الاستاذ .

 

في وسط الجو الهائج لفيزياء القرن العشرين ,عاشت _بطريقة قريبة من التنسك والماساوية_اعظم انثى رياضياتية عرفها تاريخ البشرية ,انها ايمي نوثر بطلة قصتنا العلمية لهذا اليوم. مارست نوثر عملها في ما كان يعد في عصرها مركز العالم الفكري وهو جامعة غوتينغن في المانيا . وقد عملت هناك مع اكبر رياضياتي عصرها دايفد هيلبرت وقامت من خلال عملها بالتاثير بشكل كبير على العقل الذي قلب تاريخ العالم _البرت اينشتاين_.

رغم عبقرية تلك الانثى وتجاوزها حواجز لم يكن بالمستطاع تجاوزها من قبل كي تثبت نفسها محاضرة جامعية ,لكن فقط ليتلو ذلك طردها من الجامعة بسبب كونها يهودية الدين ,مما اضطرها الى توديع اسرتها واصدقاءها بحسرة ولم يتح لها ان تراهم ابدا,فقد امضت السنوات القليلة التي تبقت من حياتها المعطاءة في جامعة برين ماور في بينسلفانيا في امريكا.

 

حازت نوثر على الشهرة _خلال وجودها في غوتينغن_بسبب ابحاثها حول البنى الاساسية للفيزياء النظرية ,وذلك كي تقوم ببرهان نظرية رياضياتية شهيرة جديرة بشكل استثنائي بالاعتبار تناولت فيها الطبيعة . كانت نوثر عميقة للغاية ,حتى انه يمكن مقارنة تاثيراتها على تركيبة اذهاننا بتلك التي للنظرية المشهورة لفيثاغورس,فقد ربطت نوثر بشكل مباشر مفهوم التناظر بالفيزياء والعكس بالعكس.

وصاغت بذلك الهيكل العام لمفاهيمنا الحديثة عن الطبيعة ,ووضعت لها القواعد المنهجية العلمية المعاصرة. لقد بينت لنا بوضوح كيف تتحكم التناظرات بالعمليات الفيزيائية التي تحدد صفات عالمنا , فاعطت العلماء الضوء المنير الذي يرشدهم في محاولتهم اماطة اللثام عن اسرار الطبيعة ,خاصة وهم يحفرون وينقيون في اكثر المستويات باطنية لنسيج المادة ,حين يستكشفون اصغر منمنمات المكان واقصر لحظات الزمن.

 

تربط نظرية نوثر بشكل واضح وباناقة انثوية فائقة الروعة بين مفهوم التناظر وبين الديناميك المعقد للفيزياء ,وتوفر للفكر البشري القاعدة اللازمة لغزو العالم الداخلي للمادة عند الطاقات والمسافات الفائقة الحدة. ويمكن للمرء ان يدافع بقوة عن الراي القائل بان نظرية نوثر ذات قيمة في فهم القوانين الديناميكية للطبيعة مضاهية لقيمة نظرية فيثاغورس في فهم الهندسة. ان المساهمات الرائعة التي قامت بها نوثر _رغم عدم معرفة الكثيرين باسمها وخصوصا في الشرق الاوسط الحالم بالشعر والف ليلة وليلة_يصلح ان يكون مثالا اعلى لكل امراة بل لكل شخص سواء اكان في نيته ان يصبح عالما ام لا.

 

ان حياة ايمي نوثر والمصاعب التي تحملتها كامراة في ميدان العلم ,يمكن ان يكون درسا لنا _نحن الشرق اوسطيين_ليعلمنا ضرورة التسامح والحجة للتنوع في مجتمعنا ونحن في طريقنا لملاحقة الحقائق.