إذا سمعت بمراحل النظائر البحرية (Marine Isotope Stages) فأول ما عليك معرفته أنها مراحل لتحديد الفترات الزمنية من خلال التغيرات المناخية. تشير كل مرحلة من مراحل النظائر البحرية مثل MIS5 أو MIS2 إلى فترة معينة من آلاف السنوات. في وقت لم تكن فيه كتابة، أو تقويم أو حتى بشر يتجه العلماء لتحليل طبقات الأرض المختلفة ومنها ما يعرف بالعينات الأساسية (core samples) والتي تكون بشكل قطع اسطوانية تستخرج من باطن الأرض لدراسة التغيرات في تركيبتها مما يدل على التغيرات في المناخ أو الجيولوجيا. في حالة مراحل النظائر البحرية فإن العينات الأساسية تستخرج من قاع البحر. تعد مراحل النظائر البحرية الخمس الأخيرة محورية في تاريخ تطور الجنس البشري وهجراته وتأتي للذكر كثيراً في الحديث عن تاريخ البشر في العصر الحجري.

اتفق العلماء بحسب نتائج فحوصات مراحل النظائر البحرية على ظهور نمط يتضح فيه كثرة نظير الأوكسجين 18 في بعض المقاطع من العينات، فيما يقل النظير 18 في مراحل أخرى. اتضح أن المراحل التي يكثر فيها النظير 18 للأوكسجين هي المراحل الباردة من عمر الأرض، أي الفترات الجليدية. نحن اليوم، ومنذ 14 ألف سنة، نعيش في فترة تعرف بمرحلة النظائر 1 (MIS 1) والتي تعد مرحلة حارة ينخفض فيها النظير 18. تعرف الفترات الحارة بالفترات بين الجليدية.

يحلل العلماء تحديداً حبوب الطلع أو خلايا المثقبات (Foraminifera) التي يتم العثور عليها ضمن العينات الأساسية التي يتم اقتطاعها فضلاً عما يتواجد داخل ترسبات قاع البحر من بقايا الكائنات الحية التي تتراكم كطبقات أيضاً. لكن لماذا تتباين نسب نظائر الأوكسجين بحسب درجة الحرارة؟

التجارب حول النظير 18 من هارولد أوري إلى تشيزاري ايميلياني

أجرى عالم الكيمياء الأمريكي هارولد أوري (Harold Urey) في الخمسينات تجربة تضمنت خلط الماء مع ماء يحتوي على نظير الاوكسجين 18 ببرميل ثم تجميد البرميل جزئياً. لاحظ أوري أن نسبة النظير 16 إلى النظير 18 من الاوكسجين تتباين مع تغير درجات الحرارة. يعد النظير 16 هو النظير الأكثر شيوعاً للاوكسجين وهو الذي يدخل في تركيب معظم جزيئات الماء في الطبيعة.

على الرغم من أن النظير 18 يعد نظيراً مستقراً للاوكسجين، لكنه ليس شائعاً في الطبيعة ومع ذلك فهو موجود بما يكفي لتوسيع نطاق تلك التجربة نحو علم المناخ القديم. وهنا جاء دور تشيزاري ايميلياني (Cesare Emiliani)، المولود في بولونيا بإيطاليا والباحث بجامعة شيكاغو ومن ثم بجامعة ميامي في الولايات المتحدة، ليستخدم الحقائق التي تم اكتشافها على يد هارولد أوري في دراسة مراحل النظائر البحرية.

في العام 1957 قام ايميلياني بإجراء أبحاث على المثقبات حيث درس نظائر الأوكسجين التي تدخل في تكوينها كما حصل على التمويل والمعدات ليقوم باقتطاع عينات أساسية من قاع المحيط الأطلسي ليحصل على مثقبات من مراحل مختلفة. وصل عمر بعض المقاطع التي حللها إلى 280 ألف سنة وأخرى إلى 600 ألف سنة.

نال كل من ايميلياني وأوري تكريمات وجوائز عديدة لمساهماتهم الهامة في العلم والتاريخ وتجدر الإشارة إلى أن ايميلياني كان من دعاة استخدام تقويم جديد عرف بتقويم الهولوسين والذي يضيف عشرة آلاف سنة للسنوات الحالية. تستند فكرة ذلك التقويم على الاستناد على حدث مناخي بدلاً من حدث مجهول لا دلالة له تاريخيا وهو ولادة المسيح، كما أنه يلغي الحاجة للسنة صفر والتي تتطلب الإشارة الى ما قبل وبعد الميلاد.

تطابقت اكتشافات ايميلياني مع ما حدده ميلانكوفيتش حول دورات الأرض ودورها في الاحترار والفترات الجليدية على الأرض مما زاد من دقة الفكرة وعززها كدليل علمي إضافي لدراسة تغير المناخ تاريخياً.

مراحل النظائر البحرية المعروفة حالياً

وفقاً للاكتشافات تم تحديد مراحل تاريخية يمكن ربطها بالكثير من الأحداث في هجرات الجماعات البشرية وتغيرات الغطاء النباتي والأحداث الأساسية على الأرض في آخر 100 ألف عام.

بحسب نسبة النظائر لوحظ أننا نعيش في حقبة تمتد إلى ما قبل 14 سنة من الآن. من المعروف من مجالات أخرى في دراسة التاريخ والمناخ أن تلك الحقبة تعرف بالهولوسين. بالطبع ليس هناك حدود حاسمة لتلك الحقبة لكنها تمتد بين ذلك الحد قبل 14 ألف سنة وحتى 11.7 ألف سنة قبل الآن.

تسبق تلك الفترة ما يعرف بالعصر الجليدي الأخير والممتد بين 14 ألف سنة وحتى 29 ألف سنة. ثم فترة أخرى تظهر في مراحل النظائر البحرية وهي الممتدة بين 57 ألف سنة إلى 29 ألف سنة. لو تابعنا سلالات الحمض النووي لوجدنا الكثير من التفرعات في تلك الفترة وهذه ملاحظة شخصية ربما لا ترتبط بالضرورة بمراحل النظائر الجليدية. تعقب ذلك فترة تمتد من 71 ألف سنة قبل الآن وحتى قبل 57 ألف سنة، وتعد تلك الفترة أيضاً محورية إذ يفترض أنها فترة الخروج من أفريقيا.

من الفترات الهامة فترة احترار شهيرة تعرف بمرحلة النظائر البحرية 5 وتمتد بين 130 إلى 80 ألف سنة. شهدت تلك الفترة ارتفاعاً في مستوى سطح البحر وانحسار للدوائر القطبية وتقسم إلى 5 مراحل مختلفة تتضمن أيضاً فترات جليدية وفترات بين-جليدية. وتعد الفترة الـ e  التي تعد الأولى من تلك المرحلة شبيهة إلى حدٍ ما بفترة الهولوسين التي نعيشها مقارنة بفترات الاحترار الأخرى.

بحث تيشيزاري ايميلياني:

Emiliani, Cesare. “Pleistocene temperatures.” The Journal of geology 63.6 (1955): 538-578.

Marine isotope stages. (2024, June 23). In Wikipedia..