في عشرينيات القرن الماضي، ونظرا لشعوره بالقلق إزاء تدهور جودة الأغذية المنتجة، نتيجة كثرة استعمال الأسمدة غير العضوية ومبيدات الحشرات، ألقى الفيلسوف النمساوي رودولف شتاينر سلسلة من المحاضرات حدد خلالها معالم ما أصبح يعرف لاحقا باسم الزراعة الحركية الحيوية، التي يروج لها البعض باعتبارها من بين أولى الأساليب الزراعية التي طرحت كبديل عن طرق الزراعة التقليدية.
سعى شتاينر في محاضراته إلى تأسيس نهج جديد لتدبير الحياة العضوية، يستند إلى القوى الكونية والأرضية المحيطة بنا، التي تؤثر على مختلف الكائنات الحية، وذلك بواسطة تسع وصفات من شأنها، حسب قوله، تحفيز النشاط والانسجام في التربة.
إحدى الوصفات التي ابتكرها تنص على تجميع روث البقر أو السيليكا داخل قرون البقر ودفنها لعدة شهور قبل إضافتها إلى التربة، لاعتقاده أن قرون البقر، بحكم شكلها، تعمل كهوائيات تستقبل وتركز القوى الكونية، ثم توصلها إلى العناصر المجمعة داخلها، الأمر الذي سيجعل محتوياتها، حسب رأيه، وبعد مزجها في الماء، قادرة على التأثير بصورة إيجابية على نمو النباتات والمحاصيل.
باقي الوصفات تعتمد على نفس النموذج، إذ توضع أنواع محددة من النباتات والروث إما داخل جماجم الحيوانات، كالغزلان، أو في أعضائها، مثل الأمعاء، ثم تطمر في التربة لمدة، قبل أن يجري تخفيفها بإضافة الماء للحصول على “سماد خارق،” يحسن مردودية المزارع ويجعل المحاصيل الصادرة منها والإنسان الذي يستهلك منتوجاتها متشبعين بالقوى الكونية والأرضية التي زودتهم بها تلك الوصفات.
لم يكن شتاينر يرى أن المرض يصيب النباتات بل أنها تبدو مريضة فقط بفعل آثار أشعة القمر التي تؤثر بقوة في التربة، لذا أوصى بمعالجتها عن طريق استعمال عشبة ذنب الخيل المجففة، وكذلك اقترح أن تحرق الأعشاب الضارة والحشرات والقوارض التي تفسد المحاصيل، ثم ينشر رمادها على الحقول للوقاية من الأوبئة المستقبلية التي قد تعصف بها، ظانا أن هذه الممارسات ستمد المحاصيل بمقاومة للأمراض أكثر نجاعة وكفاءة.
طبعا لم يقدم شتاينر أي أساس منطقي لهذه الممارسات، وللوصفات التي اخترعها وروجها من بعده أتباعه المخلصين، كل ما اقترحه محض تخمينات لا يمكن التحقق منها باستخدام مناهج البحث والاستقصاء العلمية. مع ذلك، يبدو أن هذا لم يوقف سيل المنضمين إلى حزبه، فبمرور السنوات، أدخل هؤلاء العديد من الممارسات الزراعية غير التقليدية التي أكدت فعاليتها (تناوب المحاصيل الزراعية، التربية المتعددة..) إلى قائمة التقنيات التي تعتمدها الزراعة الحركية الحيوية، والتي لم تكن أساسا جزء من تعليمات شتاينر في مطلع القرن العشرين، وبذلك نجحوا في إيهام الناس أن وصفات معلمهم ناجعة وفعالة ولها أساس صحيح، بسبب الخلط الذي يقع، قصدا أو سهوا، بين الزراعة الحركية الحيوية والزراعة العضوية التي ثبتت فعاليتها.
زيادة هذه الممارسات، التي تمثل، إضافة إلى ممارسات أخرى، الأساس الذي تقوم عليه الزراعة العضوية، صعب مهمة التحقق من صحة أقوال مروجي الزراعة الحركية الحيوية، فإدخالها إلى جانب الوصفات التسع، التي ينبغي تعلمها لكل من يريد أن يصبح فردا في تلك المجموعة، منح مروجيها غطاء يحتمون خلفه عند كل حديث عن جدوى ممارساتهم، إذ إن الفرق الوحيد بين تقنيات الزراعة الأولى والثانية هو تلك الوصفات لا غير، والتي تقتصر على جرعات دقيقة غير ذات تأثير تضاف على فترات متباعدة.
إلى اليوم مازال هناك أشخاص يؤمنون بصحة مقولات شتاينر في ما يتعلق بكيفية تدبير المحاصيل الزراعية، على الرغم من أننا في القرن الواحد والعشرين، ورغم أن خلاصة إرشاداته لا تختلف عن الوصفات السحرية التي تمر بنا في قصص الفانتازيا، حيث يكفي خلط مقادير من أعشاب بعينها للحصول على تأثير سحري يغير معالم الواقع ويتحدى قوانين الطبيعة، في نبذ صارخ للمناهج العلمية المجربة التي أثبتت مصداقيتها وصحتها عبر سلسلة طويلة من التجربة والخطأ.
المصادر
Brian Dunning, “Biodynamic Agriculture”, Skeptoid Podcast #26, February 10, 2007
Chalker-Scott, Linda. “The science behind biodynamic preparations: a literature review.” HortTechnology 23.6 (2013): 814-819.
Chalker-Scott, Linda. “The myth of biodynamic agriculture.” Horticultural Myths (2004).