اليوم سنوجه عين الشك إلى ما يُعد على الارجح اكثر الاديان سيئة السمعة، وهو السينتولوجيا، الكثير من الناس يسخرون منه، البعض يكرهونه، البعض كرس حياته ليحتج عليه. ماذا عن هذا الخلق في القرن العشرين الذي يلهم هذه المشاعر؟
اخترع دين السينتولوجيا بواسطة كاتب الخيال العلمي لافاييت رون هوبارد، وقد أعتمد على ابداعه ليشكل اسطورة مبنية على أوبرا فضائية، تضم مجرة أباطرة الشر، معارك فضائية، انفجارات، كائنات تتجدد أجسادها. أتباع السينتولوجيا يقومون بما يشبه المقابلات مع نوع من أجهزة كشف الكذب، ويجندون المشاهير إلى جانبهم بدهاء ليزيدوا شعبيتهم. لكن كيف يمكن مقارنة التصور العام لواقعية كنيسة السينتولوجيا و مؤسسها الغامض لافاييت رونالد هوبارد؟
هوبارد نشأ كأبن لأب يعمل في البحرية يعيش في المكان الذي يتمركز فيه والده، والذي كان في جزيرة غوام (جزيرة في المحيط الهادي تابعة للولايات المتحدة الامريكية) أواخر عام 1920، حيث يدعي ان هذا بطريقة ما ساعده لتعلم الحكمة العظيمة بواسطة رجال الدين الصينيين والتيبتيين، بل حتى تم تنصيبه بواسطة كهنة كبار؛ رغم ذلك ليس هنالك كتاب سيرة ذاتية مهمين أو رجال معرفة حقيقيين أخذوا هذه القصص على محمل الجد. وادعى انه عندما كان صبيا آخى رجلا من الهنود الحمر لسبب غير معلوم. بعبارة أخرى أعط قلما لكاتب خيال مبدع ومن يعلم على ماذا ستحصل منه.
أمضى العشرينات من عمره في تجربة جامعية فريدة من نوعها، حيث لم يحقق درجات عالية ابدا، جزء من ذلك بسبب قضاءه وقتا طويلا بالكتابة. لم يكن هوبارد كاتب خيال علمي غزير الإنتاج، بل كان مروعا ايضا. كتاب غينيس للأرقام القياسية عام 2006 اختاره بصفته المؤلف الأكثر نشرا وأكثر مؤلف ترجمت أعماله على مر العصور، بـ 1048 عملاً ترجمت إلى 71 لغة. الغالية العظمى من هذه الأعمال كانت أعمال خيال وليس لها أي علاقة بالسينتولوجيا. بغض النظر عن رأيك بجودة كتاباته – فإن الآراء الموضوعية بصدق من الصعب ان تأتي مع كاتب سيء السمعة مثله- لكن من الصعب ان تنكر ان الرجل وجه العيون الى صفحات كتبه.
لكن بالرغم من انتاجه المذهل، إلا أن نجاحه المهني ككاتب لم يأت بسهولة وسرعة، حيث كانت البحرية عمله اليومي. بحلول الحرب العالمية الثانية أصبح هوبارد برتبة ملازم في سفينة مضادة للغواصات قبالة الساحل الغربي للولايات المتحدة. كما هو الحال في العديد من جوانب حياته فإنه ضخم مسيرته في الحرب في كتاباته، وهذه المبالغات لا تزال محفوظة في السجلات الرسمية للسينتولوجيا. ومن ضمن مبالغاته ذكره انه جرح عدة مرات أثناء الحرب، وكونه أول مصاب في عمليات المحيط الهادئ، وأنه خدم في مسارح العمليات الخمسة كلها، وبأنه حصل على 21 ميدالية ونوط شجاعة، وبأنه كان بطل حرب، وأنه أعُلن ميتاً مرتين. في الحقيقة فإنه لم يجرح قط في المعارك، فقط أصيب بالتهاب في عينه والتهاب كيسي وقرحة، وأعفي من قيادة المهام القليلة التي انيطت به لضعف ادائه، واستلم فقط أربع ميداليات وكل هذه الأربع كانت قد أعطيت لكل مقاتل في القوات المسلحة خدم في نفس مسارح العمليات التي خدم بها، مجددا، أعط كاتب خيال مبدع قلما.
بعد الحرب، أخيرا بدأ مستقبل هوبارد في التبلور. أمضى كثير من الوقت في العالم السفلي الغامض في لوس انجلوس، ممضيا فترة من الوقت مع مكان لمجموعة تعبد الشيطان نوعا ما مع مؤسس مختبر الدفع النفاث في ناسا جون بارسونز. كان هذا المكان الذي يتسكع فيه مشاهير هوليوود ليثملوا، ويجربوا العقاقير المهلوسة والملذات. الكثير من هذه الاوقات المجنونة موثقة في السيرة الذاتية لجون بارسونز، قيل بأن النساء في هذا المجمع وجدن هوبارد لا يقاوم، وقد مر بهن واحدة تلو الأخرى، ليس بالضرورة مثنيا على نفسه مع جميع الرجال، في تلك الأيام الشاذة بدأ هوبارد بأخبار أصدقائه بأن بدأ دين جديد هو الطريق الحقيقي للحصول على المال، وعندها بدأ بتحديد ملامح خططه.
بدأ الامر مع الداينتكس (Dianetics) عام 1950. الداينتكس كسلسلة من المؤسسات في الولايات المتحدة الامريكية تقدم العلاج ظهرت بالتزامن مع كتاب الداينتكس : العلم الحديث للصحة العقلية. فكرة هوبارد الأساسية من الداينتكس هي أن التجارب السلبية السيئة محفوظة في ذاكرتنا في ما اسماه الانكرامات، وهذه الانكرامات هي مصدر كل الأمراض العقلية والاضطرابات الأخرى، طور عملية تدعى بالتدقيق، حيث يتم مقابلتك وسؤالك عن تجاربك السلبية بواسطة مدقق، الى ان تشعر بأن هذه الانكرامات لم تعد تعيقك. استخدام المقياس الإلكتروني (اي – ميتر)، جلفانومتر بسيط يقول هوبارد بأنه يجب أن يحمل في يد الشخص محل العلاج، يزعم أنه يسمح للمدقق ان يحدد فيما اذا كان الشخص قد تخلص من كل الانكرامات. بعدها تصبح كما يقول ” خالي”، حر من الانكرامات، ومن المفترض أن تكون صحي نفسيا.
ما فعله هوبارد ببساطة هو ان تأخذ شيئا اساسيا الى حد ما – حقيقة ان الحديث بانفتاح عن مشاكلك وتجاربك السيئة هو عادة مفيد – وادعى هوبارد انه اخترع هذا الشيء، الذي جمله ببعض مصطلحاته الفنية وتجهيزاته (مثل سائر العلوم الزائفة). ليس لدي شك بأن الناس الذين خضعوا للتدقيق وجدوا الامر إيجابيا وأنه تجربة ساهمت في تقويتهم. لكن كان من الممكن ان يحصلوا على نفس النتائج عند التحدث مع صديق، مستشار أو حتى ساقي في حانة. الهيكل الرسمي لعملية التدقيق هو مثل سلسلة من الجلسات مع معالج، يتأكد من اكمالك العملية بمجملها، واستخدم المقياس الإلكتروني يجعله يبدو أكثر دراماتيكية ومثيرا للإعجاب.
ليس هنالك أي دليل على ان عملية التدقيق مفيدة بواسطة أي معيار معترف به للأمراض النفسية، لكن هناك سؤال مختلف: هل ان التجربة كانت مرضية شخصيا ام لا؟
بذل هوبارد واتباعه جهدا كبيرا في محاولة جعل الداينتكس نظام صحة عقلية معترف به. لكن هذا جوبه بالملاحقة القضائية لممارسة مهنة الطب بدون رخصة، والإفلاس. في البداية انزعج هوبارد ثم “رأى النور” ان صح التعبير، وفي عام 1952 تمت اعادة صياغة فكرة الداينتكس كدين اسماه السينتولوجيا. من أجل تقديم فكرة العلاج النفسي المخادع كدين، أحتاج إلى العنصر الروحي، لذلك اعتمد على خياله العلمي وابتكر فكرة الثيتانات (الأرواح). الثيتانات كائنات مادية خالدة تتجدد إلى ما لا نهاية. فنحن كل فرد منا ثيتان (روح) كما ترى، وقبل ان تأتي ارواحنا الى الارض عشنا حياتنا ككائنات فضائية على كواكب أخرى، منذ بلايين السنين مراكمة الانكرامات على طول الطريق.
تاريخ كنيسة السينتولوجيا منذ ذلك الحين كان مسلسلا بلا نهاية للدعاوى القضائية حول قضية إعفائها من الضريبة كونها مؤسسة دينية في بلدان مختلفة، الاستخدام المقياس الإلكتروني كجهاز طبي غير مصرح به، نزاعات حول العلامات التجارية، وتقريبا حول كل شيء آخر من الممكن ترفع قضية حوله. في الولايات المتحدة، كانت قضية الإعفاء الضريبي لكنيسة السينتولوجيا الدعوى القضائية الأطول والأكثر كلفة في تاريخ دائرة الإيرادات الداخلية، وكانت في النهاية لصالح السينتولوجيا.
كيف يدفعون ثمن هذه الدعاوى القضائية ؟ حسنا، لديهم الكثير من الأموال. عملية التدقيق مكلفة بشكل سخيف، تكلف آلاف الدولارات، وفي كل مرة يكمل فيها عضو جديد سلسلة واحدة، هنالك سلسلة اخرى اعلى تكلفة يمكن ان ينتقلوا إليها. بالرغم من ادعاء السينتولوجيا بأمتلاكها عددا أكبر بكثير من الأعضاء، إلا أن الإحصاءات العالمية تقدر عددهم بحوالي خمسين ألف عضو يمكن تعريفهم كسينتولوجيين. الغالبية العظمى منهم أناس عاديون مثلي ومثلك يعيشون حياة طبيعية يؤمنون بالنظام ويدفعون ثمن جلساتهم قدر المستطاع. هذه المجاميع هي المساهمة الكبرى في دخل السينتولوجيا.
الافراد الاكثر اخلاصا، قد يختارون العمل لوقت كامل، وهذا يعني الانضمام إلى مؤسسة البحر. التي تأسست على متن ثلاث سفن من قبل هوبارد أعضاء مؤسسة البحر يعيشون بشكل أساسي على اليابسة يعملون في مراكز في المدن الكبرى في “القواعد” المختلفة للسينتولوجيا، حيث يقومون بأعمال مثل إنتاج مقاطع الفيديو، تعلم كيف يصبحون مدققين، إنتاج المقياس الإلكتروني، وحفظ أرشيف هوبارد. أعضاء منظمة البحر يدفع لهم بنفس قوانين الضرائب للرهبان والراهبات والتي تسمح للمخلصين دينياً بالعمل لساعات عمل إضافية أكثر من قوانين العمل العادية مع الحد الأدنى من التعويض. نمط حياتهم منظم للغاية، يرتدون زيا رسميا، يمنع عليهم الاتصال الخارجي أو ان يصابوا بالضعف، الروتين اليومي منظم للغاية، وهم يخضعون لكل أنواع الرقابة وأنظمة العقوبات الداخلية تحت ادارة الاعضاء الأعلى مرتبة في منظمة البحر.
ربما افضل وصف لنمط حياة الساينتولوجي وتأثيرها على حياتهم كشفت في مجلة رولينج ستون في مقال تحت اسم داخل السينتولوجيا بواسطة جانيت ريتمان، وسعت هذه المقالة فيما بعد إلى كتاب. ريتمان حققت في ثلاثة مسارات، سارت في الطريق الأمامي لحرم جامعة هولييود وحصلت على خبرة اي منتسب جديد، اتصلت بهم بشكل محترف كمراسلة صحفية، وحصلت على جولة في قاعدة الذهب الخاصة بهم في هيميت، كاليفورنيا، وتحدثت مع العديد من السينتولوجيين السابقين والحاليين. ما وجدته كان عددا من الأعضاء السابقين الذين أصيبوا بخيبة أمل، والكثير من الأعضاء الذين يشعرون بالرضا التام.
تشتهر السينتولوجيا بطبيعتها المشاكسة. وعادة ما تكون دعاواهم القضائية موجهة إلى أعضاء سابقين في الكنيسة الذين تحدثوا بشكل سيء عنها. يطلب من الأعضاء توقيع بأن لا يفعلوا شيء مثل هذا ابدا، لذلك فان هذه القضايا نادرا ما تكون تافهة. حقيقة التهديد بالملاحقة القضائية جزء من الضغط الذي يواجهه أعضاء مؤسسة البحر في حال تفكيرهم بالرحيل. الأعضاء الاعتياديون نادرا ما يقلقون من هذه الأمور، لكن ان تكون مع مؤسسة البحر هو عرض ان تكون مشتركا في كل شيء أو لا تكون. عادة ما يقارن هذا بأن تكون في الجيش. تغرق أو تسبح. البيئة التنظيمية من الافضل ان تجدي معك، لأنها ان لم تفعل فإنك ستجد نفسك على جليد رقيق.
لكن هذه الدعاوى القضائية ليست السبب الوحيد الذي يجعل انتقاد السينتولوجيا مبررا. أداتهم الرئيسية لجذب أعضاء جدد مدرين للدخل هي “اختبار قلق مجاني” أو ” أختبار شخصية مجاني” يعرض للعامة، بدون ذكر السينتولوجيا، مصممة لتكون سريعة، تجربة أولى إيجابية للتدقيق. ثم يقدمون لك المزيد من هذه العروض. حيث يزعم التدقيق انه بديل لعلم النفس والطب النفسي، السينتولوجيا تروج لرسالة قوية ضد الطب النفسي، الذي تجده هناك مع لقاح ضد الشعوذة.
بينما انا بالتأكيد لا أعتنق أي من فلسفة السينتولوجيا، وأعتقد بأن قصة الثيتان مع اللورد زينو سخيفة كسائر القصص، فأنني متحير من العاطفة القوية المناهضة للسينتولوجيا المتمثلة في خصومها مثل المجموعة المنظمة بشكل سيء والتي تدعى المجهولون. انا لست من طائفة الآميش، لكنني لا أحمل ضغينة لأولئك الذين يختارون نمط حياة الآميش، وليس لدي مشكلة مع الأشخاص الذين يقررون أن يرتدوا زيا بحريا ويعيشون في ثكنات منظمة.
سواء أعجب ذلك المجهولون أم لا، هنالك أشخاص يزدهرون في مثل هذه البيئة المنظمة بشكل صارم. انها تعمل معهم، وأنها صالحة كأسلوب حياة مثل غيرها، أنها متوفرة للأشخاص الذين يريدونها، واذا كنت لا ترغب بها، فإنه لا أحد يريد أن يحشرها بالقوة في فمك.
ليس هنالك مجموعة من الناس في العالم صالحين تماما أو أشرار تماما.
هنالك أشياء في السينتولوجيا تستحق الاشمئزاز، ابرزها هو مواقفها المناهضة لعلم النفس والطب النفسي، وهنالك أشياء حولها تعمل بشكل عظيم مع الأشخاص الذين يختارون ذلك النوع من أسلوب الحياة. وهكذا، وبالرغم من ان سماع هذا قد يسبب الما للعديد من المستمعين لي، فإن السينتولوجيا ليست في قائمتي لأسوأ الاشياء في العالم، ابقوا تشكيككم صحيا.
المصدر:
Dunning, B. “Scientology.” Skeptoid Podcast. Skeptoid Media, 25 Jan 2011. Web. 28 Dec 2016.
Translated by Zainalabidin Hadi (زين العابدين هادي حسن) written by: Brian Dunning
Translation is done following obtaining permission from Skeptoid.com. All rights reserved, any use of the material requires permission from the Skeptoid.com.
الترجمة تمت بموافقة موقع (Skeptoid.com) وجميع الحقوق محفوظة لا يحق إستخدام المادة دون موافقة (Skeptoid.com).