ستبقى البدع والمعجزات المرتبطة بالطعام المثالي سوبر فودز (Super Foods) ترافقنا على الدوام، ابحث في محرك البحث عن ” خل التفاح” وسوف تجد مقالات ذات عناوين بارزة رنانة مثل:
- ست فوائد صحية لخل التفاح يدعمها العلم.
- الطرق التي يفيد فيها خل التفاح صحتك.
- تسع عشرة فائدة لشرب خل التفاح + وكيف تشربه؟
- ما كمية خل التفاح التي يجب عليك أن تتناولها يومياً لتفقد وزنك بسرعة؟
لقد بُذلت جهود كبيرة لإضفاء هالة كبيرة حول الاعتقاد بأن خل التفاح عبارة عن معجزة، رشفة منه او رشفتان يمكن أن تحل مكان الحمية الغذائية أو التمارين الرياضية كما أنه اُعتبر واقياً ضد كل أشكال الأمراض. اليوم سوف نلقي نظرة على هذه الادعاءات ولنرى فيما إذا يجب علينا أن نتوقف ونبتعد عن كل الأطعمة المتكاملة (whole Foods) أم لا؟ (الاطعمة المتكاملة التي تبيع حصرياً منتجات خالية من الدهون المهدرجة والمواد الحافظة)
كما نفعل بالعادة، دعونا نعود للأساس، ما هو الخل؟ وهل يوجد أي شيء خاص يميزه؟
يمكن أن يُصنع الخل من أي شيء يتضمن كميات كبيرة من السكر بداخله. يمتلك عصير التفاح الكثير من السكر لذلك يعتبر مرشحاً مثالياً لصناعة الخل. عملية صنع الخل تكون على مرحلتين. المرحلة الأولى، تخمير عصير التفاح بإضافة الخميرة وذلك باستخدام فطر يقوم بالتهام السكر الموجود وإفراز الإيثانول، هذا الأمر يؤدي إلى تحوله إلى خل التفاح المخمّر وإذا تركنا العملية لوقتٍ أطول للحصول على كمية أكبر من الكحول، حينها سنحصل على نبيذ التفاح. عند الحصول على النتيجة المطلوبة يتم إيقاف عملية التخمير إما بالتسخين للقضاء على الخميرة أو بإضافة مركبات كيميائية مثل سوربات البوتاسيوم. الآن لنأت إلى الخطوة الثانية في صناعة الخل والتي تقوم بتحويل الكحول إلى حامض ويتحقق ذلك من خلال إضافة بكتيريا تدعى العصيّة الخليّة التي تستهلك الكحول وتؤدي لإفراز حمض الخل (حمض الأسيتيك). ويضاف على شكل زراعة (أم الخل) والتي هي عبارة عن مستعمرة ذاتية التغذية مشابهة لمحفزات خميرة العجين المستخدمة في صناعة الخبز وتتوقف من تلقاء نفسها عندما تستهلك البكتيريا كل الكحول الموجود. تستغرق عادةً هذه العملية كاملة بضع أسابيع إلى بضع أشهر وذلك حسب اختلاف الطريقة المعتمدة في صناعة الخل ولكن مهما كانت الطريقة فإن الأمر ينتهي بزجاجة الخل.
يتكون الخل بشكل رئيسي من حمض الخل (حمض الأسيتيك) إلى جانب السكر المتواجد أساساً في العصير الرئيسي الذي بدأت به بالإضافة إلى الماء أيضاً. طالما أن الخل يصنع من أنواع عديدة من السوائل فإنه يوجد عدد هائل من الأنواع المختلفة للخل مع صفاته المختلفة. العديد من أنواع الخل تلك تفسد لأن معظم أنواع الخل يتم تعقيمها عن طريق التسخين على الأقل بدرجة حرارة 77 (170F) لمدة عشر دقائق. كما أنه يوجد لكل أنواع الخل مدة صلاحية طالما أن هناك دائماً العديد من التفاعلات الكيميائية والبيولوجية التي تحدث بين مكوناتها.
وهكذا فإن المواد الأساسية المكونة للعصير الأساسي هي التي تميز بين أنواع الخل. الخل الأبيض، ذلك النوع المتوفر في دوارق ضخمة في الأسواق والذي يستخدم غالباً لأغراض التنظيف، يتكون من الماء فقط والسكر أو من الكحول الإثيلي (كحول الحبوب) الرخيص أو حتى من الفودكا ولا يُرغب أن تكون هناك مكونات أخرى فيه عدا الماء وحمض الخل.
خل النبيذ الأبيض وخل النبيذ الأحمر يحتويان على كل المواد الخام للعنب الأصلي ما عدا السكر. خل البلسميك ينطبق عليه نفس الاستثناء فهو مصنوع أيضاً من ساق العنب وقشره وبذوره. أما خل الأرز فيستخرج من خمر الأرز وخل الشعير يستخرج من شراب الشعير المخمر.
لدينا اليوم صناعات لا تعد ولا تحصى لأنواع مختلفة من الخل من أي شيء ومن كل شيء، لكن من بين كل هذه الأنواع المتوفرة يتصدر خل التفاح الأهمية الأكبر على أنه ذو فوائد صحية هائلة.
لماذا؟ ما الاختلاف فيه؟ من الواضح أنه مصنوع من التفاح ولدينا مثل قديم يقول “تفاحة يومياً تبقي الطبيب بعيداً”. شرب خل التفاح هو كأكل تفاحة مع الكثير من الخل الأبيض.
تتنوع طرق إنتاج الخل في الواقع ويباع بشكل خاص في أسواق “الطعام الصحي” وهو مصنف إلى خل خام أو عضوي أو غير مرشح. وقد يكون الخل مرشح قليلاً أو مكرر قليلاً أو مخمر قليلاً أو كثيراً، وينتج عن هذا الكثير من الشوائب والكثير من التفاعلات الكيميائية والبيولوجية التي تؤدي إلى منتج لا يمكن التنبؤ به على نحو كبير.
هذه الخصائص غير المعروفة التي يمتلكها خل التفاح والتي لا يمكن التنبؤ بها في الغالب تتضمن مستعمرات بكتيرية نشطة يقال عنها أنها مصدر المفعول الإيجابي على الصحة. في الحقيقة المقدار البيولوجي أو الكيميائي الذي سوف تتناوله يختلف لدرجة ما عما ستحصل عليه نتيجة تناول التفاح أو الخل الأبيض.
هذا يعيدنا إلى (أم الخل) الذي غالباً يتطور داخل قارورة الخل وخاصة في الأنواع المكررة قليلاً أو المرشحة ويظهر على شكل كرة ذات قوام هلامي يبدو غريباً وغير مألوف. يتكون في الغالب من بكتيريا حية وخمائر وهي غير ضارة ويمكنك أن تشرب الخل باستمرار في القارورة. بينما ينصح البعض بالتصفية والترشيح لإزالة جزيئات أم الخل، إلا أن بعض الهواة يوصون بمزج المحتوى حتى تضمن الحصول على بعض منها في كل رشفة. هذه التوصيات غالباً تصاحب الادعاء القائل بأن مستعمرة البروبيوتيك الحية هذه تتركز فيها الفوائد الصحية لخل التفاح.
إذا ما تلك الفوائد الصحية؟ حسناً، دعونا نلقي نظرة على أكثر الادعاءات شيوعاً وشعبية:
هل حقاً يساعد على التحكم بمرض السكري؟
يوجد في الحقيقة دليل ضعيف جداً يعتمد على تجربة سريرية صغيرة تقول بأن استهلاك كمية صغيرة جداً من الخل يومياً (ملعقتا شاي صغيرتان أو بمعدل رشفة) يمكنها أن تحسن التحكم بسكر الدم عند مرضى السكري من النمط الثاني.
من من ناحية الكيمياء الحيوية يمكن أن يكون هذا الافتراض معقولاً وقابلاً للتصديق، حيث أن حمض الخل يمكنه التدخل بامتصاص النشويات والحد من قدرتها على تغيير معدلات السكر في الدم. لكن يوجد ثلاثة شروط: أولاً، هذه القدرة التي يمتلكها حمض الخل موجودة في كل أنواع الخل ولا يوجد شيء خاص بخل التفاح. ثانيا، لا توجد فائدة على الإطلاق لأي شخص لا يعاني من السكري من النمط الثاني. ثالثاً، التأثير يكون ضئيلاً جداً جداً ولا يمكن مقارنته بأدوية السكري العلاجية. طبعاً خل التفاح لن يؤذيك لكنه لن يساعدك بشكل كاف إذا أنت اعتمدت عليه لوحده فقط دون تدخل العلاج الطبي.
يساعدك بإنقاص الوزن؟
توجد أيضاً بعض الدراسات الضعيفة في اليابان تقول بأن مرضى السمنة الذين يريدون فقدان الوزن ويتبعون نظام حمية، قد فقدوا القليل من وزنهم مقارنة بأولئك الذين يتبعون نفس نظام حمية مضيفين عليها كميات بسيطة من خل التفاح وقد لوحظ ذلك إحصائياً بشكل واضح. لكن الفرق في الوزن لا يتعدى كيلوغرام واحد فقط بحيث لا يتوافق مع ذلك التضخيم في الحقائق.
وبالرغم من ذلك، فإن العديد من الناس يقسمون بأن خل التفاح هو بمنزلة معجزة للعلاج وفقدان الوزن. إحدى البلوجرز صادقت على تعريفها المعدّل للحمية بإضافة ملعقتا شاي من خل التفاح لكل وجبة على الرغم من أنها غيرت وصفتها إلى وصفة خالية تماماً من السكر ومن الطعام المعالج ونصحت بالابتعاد عن كل رخيص ومبتذل والإكثار من أوراق الخضار والفواكه المعدلة بنسبة بسيطة والحبوب الكاملة وبروتين اللحوم المأخوذ من مصادر متنوعة بالإضافة إلى التمارين الرياضية التي يجب ممارستها بانتظام. يرينا هذا أساساً الدليل أن خل التفاح يمكنه أن يساعد في إنقاص الوزن في حال اتبعت كل الطرق لإنقاصه وخسارة نفس الكمية من الوزن دون وجود الخل.
لكن وراء كل الآليات الكيميائية الحيوية، يقول العديد من الناس ومن بينهم اليابانيون المؤلفون لتلك الدراسة بأن إضافة خل التفاح يقلل من الشهية مما يؤدي إلى الإنقاص في تناول كميات الطعام. لا يوجد أي ضرر من المحاولة واذا حصل وأثرّ الخل فيك فربما تكون قد ربحت الرهان.
يمنع أو يعالج السرطان؟
كن ذكياً جداً، عند هذه النقطة، لا يوجد أي دليل أو حتى نظرية مقبولة تقترح بأن خل التفاح يعالج أو يمنع أي مرض سرطان على الإطلاق. يدّعي بعض المؤيدون لهذه الفرضية بأن البوليفينولات الموجودة في الخل تقوم بهذه المهمة، لكن الكثير والكثير من الأطعمة تحتوي على البوليفينولات وتبقى اصابات السرطان مستمرة مع ذلك.
هناك دراسة نالت شعبية كبيرة أجريت في الصين تقول بأن الناس الذين يشربون خل الأرز كثيراً وليس خل التفاح يملكون معدلات أقل للإصابة بسرطان المريء. هذه الدراسة خلّدت الخرافة الشائعة حول الخل وقدرته على مكافحة السرطان. على أية حال، لم تستمر هذه الدراسة. إذا أردت التقليل من احتمال الإصابة بسرطان المريء وكان ذلك من أهدافك، فهناك خيار سهل جداً مدعوم بالكثير من الأدلة وهو: ألا تدخن أو تشرب كثيراً من الكحول. لن يكون خل الأرز في رأس قائمة الإجراءات اللازمة.
جيد كمنتج للغسيل والتنظيف؟
هناك فائدة واحدة للخل سواء كان خل التفاح أو غيره وهو أنه منتج معقّم مشوب بالسالمونيلا، لكنه على الأقل عندما يُمزج مع عصير الليمون يصبح منتجاً مطهراً، وهكذا فإنه لا يكون الخل بمفرده فعالاً كمطهر وإنما بصحبة مركب آخر حتى يقوم بالمهمة. الجانب السلبي من هذا المزيج هو أنك ستضطر لملازمة مزيج الليمون مع الخل المثير للاشمئزاز. رش خل التفاح لوحده على الخضراوات مهما كانت الكمية لا تزودك بحماية فعالة إذا كان المنتج فعلاً فاسد.
معقم موضعي؟
يعتقد البعض أن خل التفاح عبارة عن غسول فعال ضد الميكروبات يمكن استخدامه للجلد. إذا كان لديك جرح أو خدش أو حتى حالة جرثومية مثل حب الشباب فقط قم بمسح ذلك بخل التفاح للحصول على علاج طبيعي خارق. يحتوي الخل على الأقل على حمض الخل الذي هو فعلياً مضاد للميكروبات لكن خل التفاح يحتوي أيضاً على أشياء أخرى وهي الكثير من المركبات العضوية التي هي من مكونات التفاح الأساسية والتي تصبح عبارة عن طبق بتري غني بالمواد المغذية للميكروبات ما إن يتبخر ويتلاشى حمض الخل. وإن قمت بصب الخل على جرح مفتوح أو جروح أخرى، سوف لن يحرقك فقط بل إنه سيملأ الجرح بالملوثات والمواد المغذية للميكروبات.
لا تفعل ذلك ما لم تقتصر على الخل الأبيض، على الرغم من أنه أقل فاعلية من مضادات الميكروبات الطبية وأكثر ضرراً بكثير منها. حتى أن المسح بالكحول سيكون أفضل من كلا الخيارين.
شرب الخل على أمل أن يحدث مفعولاً شاملاً داخل جسدك كالقضاء على مسببات الأمراض أو غيرها، غير مدعم بأدلة علمية. عندما تقوم المركبات الحمضية بضرب المعي عندك مباشرة بعد المعدة فإن بيكربونات الصوديوم ستقوم بمعادلتها وبذلك فإن خاصياتها المضادة للميكروبات ستزول وتختفي.
إذا هل الخل آمن؟
شرب خل التفاح أو أي نوع خل آخر بكميات معتدلة هو آمن بشكل عام ولا توجد مخاوف جدية حول ذلك. أي نوع خل بما فيه خل التفاح له تأثير قاس على مينا الأسنان. إذا لم يكن تناولك للخل عادة مفرطة فإن هذا التأثير لن يظهر أو يكون جدير بالملاحظة. بالنسبة للناس الذين يعانون من الارتجاع المعدي المريئي، فإن الخل سوف يحرض ذلك وسيكون مزعجاً. في النهاية، أنواع الخل قاسية على الكلى لكن كحالة مينا الأسنان إذا لم تفرط في تناوله فإنه لن يظهر آثار سلبية، سواء كان هذا الخل خل التفاح أو غيره، الاستثناء هنا بالنسبة للتفاح هو مرض الكلى المزمن. تحقق عند الطبيب من ذلك، لكن من المحتمل أن يكون من الأفضل الإقلاع عن أي عادة تتضمن تناول الخل.
الخلاصة، كمية قليلة من الخل إذا ما أضيفت إلى حميتك الغذائية سوف يكون لها القليل من الفائدة. الدليل على الفوائد ضعيف لكنه ليس معدوماً، بكل الأحوال الفوائد المزعومة تلك بالكاد تذكر. السبب في ذلك هو أن المخاطر أيضاً ليست معدومة وبإمكانك أن تترك بأمان قارورة الخل الموجودة في سوق الأطعمة المتكاملة (whole foods) ولا تأخذها.
في أي وقت تسمع فيه عن حل سحري وبسيط لمشكلة معقدة يجب أن تكون دائماً بوضع الشك والريبة.
المقال الأصلي:
Brian Dunning, “Apple Cider Vinegar Woo“, Skeptoid Podcast #712, January 28, 2020