بما أن الحمل هو حالة طبيعية وليست مرضية فإنه يتطلب عناية خاصة تتعلق بالعلاج الطبي. ينطبق الأمر أيضاً على المرضعات لدرجة ما. السبب الواضح لهذا، هو أن الدواء أو أي تدخل من هذا القبيل قد يؤدي إلى نتائج سلبية تؤثر على نمو الطفل أو الطفل حديث الولادة. وبناء على ذلك، تتضمن معايير الرعاية مساءلة المرأة التي في سن الإنجاب عن إمكانية حملها، واعتبارها حامل أثناء معالجتها حتى لو لم تكن كذلك (اتباع الوقاية الفعالة هو ضمان كاف)، فأي دواء أو علاج لا يعرف مدى أمنه على الحمل يجب ان يُعامل بحذر وألا يستخدم إذا كان من الممكن تجنبه.
بعض الحوامل لديهن حالات صحية تستوجب العلاج، وبكل الأحوال قد يشكّلن بأنفسهن خطراً على أولادهن. وهكذا تُحصى الفوائد والمخاطر لأي علاج محتمل وعندما تكون الخيارات المتعددة متاحة، فالأولوية الكبرى تُعطى للتدخلات الأكثر أماناً من أجل الحمل.
في العديد من الحالات، تُضرب تلك التحذيرات والحسابات عرض الحائط عندما يتعلق الأمر بالمنتجات النباتية والتدخلات الغذائية التي لها علاقة بالحمية. معظم المرضى لا يكشفون لاطبائهم تناولهم لمنتجات عشبية ما لم يتم سؤالهم بشكل خاص. قد خلقت قرون من التسويق هالة صحية لأي منتج يسمى اعتباطاً ” طبيعي” (هذه المغالطة تسمى بمغالطة الاحتكام على الطبيعة). تُنتج هذه المنتجات العشبية على نحو واسع في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أي مكان من دون تعليق أي أهمية على حماية المستهلك. أُزيلت كل الخطوط الفاصلة بين الطعام والدواء عن قصد وذلك بما يسمونه “المكملات الغذائية” أو الطعام الخارق المزعوم (Super Food).
هناك الكثير من الأسباب الجيدة التي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار وهي أن المنتجات الطبيعية وحتى بعض الأطعمة تشكل خطراً محتملاً على الجنين. في دراسة مراجعة أقيمت مؤخراً تذكر الدراسة بأنه يوجد دليل على أن المواد المستخدمة المشتقة من الطعام ومن المنتجات العشبية يمكنها أن تعبر حاجز المشيمة. ويحدث هذا الشيء بعدما يتم استقلاب تلك المواد عن طريق الجراثيم المعوية. هذا يعني بأننا نحتاج لدراسة المنتجات ذاتها بالإضافة إلى كل المستقلبات (الإجراء الشائع في علم الصيدلة). يوجد دليل آخر أشارت إليه الدراسة وهو أن المعيار المزدوج بين الأعشاب والعقاقير هو معيار خاطئ بالاعتماد على الفرضية الخاطئة لمغالطة الاحتكام إلى الطبيعة. أندرو ماشفيرسون (Andrew Machpherson) كان أحد القائمين على الدراسة، يلخص محتوى البحث بما يلي:
“على الرغم من أن المنتجات النباتية هي منتجات طبيعية، إلا أنها تبقى دائماً منتجات غريبة بيولوجياً بالنسبة للجسم ويجب التعامل معها بحذر، وخاصة عند النساء الحوامل اللواتي يأخذن منتجات نباتية بكميات كبيرة.”
من الصعب تقدير استخدام المنتجات العشبية خلال الحمل بسبب قلة معدل الإبلاغ عن استخدامها. التقديرات تتأرجح من 4 إلى 69% من بين الحوامل يستخدمن تلك المنتجات. هناك دراسة في الولايات المتحدة الأمريكية اجريت عام 2010 قدّرت نسبة الاستخدام بـ 5.8%. لكن على الأرجح، هذا المعدل أقل من التقديرات الحقيقية. حتى لو كان المعدل في الدرجة الأخيرة في سلم التقديرات، يبقى يمثل الاستخدام الخطير لعدد من النساء الحوامل. هناك خوف لكنه مجرد قلق نظري غير عملي؛ ففي مراجعة أُجريت عام 2015 للأبحاث السابقة المرتبطة بهذا الموضوع، وُجد دليل واسع للأذى الناجم عن استخدام المنتجات العشبية خلال الحمل، يحذر الباحثون:
“عندما تظهر البيانات الحاسمة والنهائية، سيتوجب حينها النظر إلى المنتجات العشبية بحذر شديد، على الرغم من وجود تحذيرات واضحة بأنه لا يجب استخدام الأعشاب أثناء الحمل والإرضاع.”
الشيء الأساسي في تلك المشاكل هو أولاً، نحن لا نعلم حقاً ما هو الخطر. لدينا دليل لخطر محتمل فقط، كما لدينا تقارير أساسية لحالة الأذى الحقيقي. لكننا نفتقد شيئاً من البحث المنظم لمستوى الأمان المطلوب للأدوية. هذا الأمر يلقي بالضوء على مشكلة أخرى، وهي الافتقاد لتعريف دقيق للمحاذير الواضحة. وهذا بدوره نتيجة المعيار المزدوج للاعتقادات الشائعة وللقوانين والنظم. يُعتقد أن المنتجات العشبية آمنة بشكل سحري كونها مواد طبيعية. من الجدير بالذكر، أن هناك العديد من الأشياء الموجودة في الطبيعة مثل البوتوكس وفطر الأمانيت فالوسياني، لكنها تعتبر مواد سامة للغاية.
كما أشرت منذ البداية، عندما يؤخذ أي منتج عشبي بشكل مركز من أجل تأثيراته العلاجية المزعومة، فإنه يعتبر عقاراً له تدخلاته وتأثيراته الدوائية وسيتم استقلابه، ومن الممكن أن يسبب التسمم كما يمكنه عبور الحاجز المشيمي أو افرازه في حليب الثدي.
بكل الأحوال، نحن جميعاً نسمح لمصنعي تلك المواد بعدم تحذير الزبائن عند استخدامهم لمنتجاتهم العشبية بحجة أنها طبيعية أو أنها “مكملات غذائية”. نحن نسمح لهم بأن يقرروا بأنفسهم بأن ذلك المنتج نقي وموثوق. لا يوجد توحيد لمعايير الجرعة. نحن نفتقد وبشكل كبير لبعض المعلومات الدقيقة التي نطالب بها عندما يتعلق الأمر بالأدوية مثل الديناميكية الدوائية (Pharmacodynamics) والحركية الدوائية (Pharmacokinetics).
تحتاج الأعشاب لأن يفكر المرء ملياً لماذا هي عقاقير غير منظمة بالكاد يُدرس عنها ولا يعرف إلّا القليل عن خصائصها. بالإضافة إلى تسويقها مع مزاعم وادعاءات صحية غير مستندة إلى بحث علمي. في الحقيقة، يتم تسويقها بادعاءات قد تبين مسبقاً أنها ليست صحيحة، كما أشرت إلى ذلك من قبل:
” بيّنت إحدى التجارب السريرية الدقيقة أن أكثر المنتجات العشبية شيوعاً، لا تعمل كما تم الترويج لها مثلاً: جنكة بيلوبا (Ginkgo Biloba) من أجل الذاكرة والخرف، القنفذية (Echinacea) لأمراض الرشح والأنفلونزا، جلوكوسامين والكوندرويتين (Glucosamine, Chondroitin) لعلاج الروماتيزم، الكوهوش الأسود (Black cohosh) لعلاج الهبّات الساخنة، البلميط المنشاري Saw Plametto لعلاج البروستات والجهاز البولي.”
بالإضافة إلى ما ورد، هناك مضادات الأكسدة كثيرة الاستخدام التي قد تكون مؤذية في بعض الحالات. نحن نسمح بشكل أساسي بصناعة تلك المزاعم الخاطئة التي تُروى حولها على مسامع العامة وبذلك نحررها من عبء اثبات سلامتها أو فعاليتها. والنتائج تكون متوقعة.
الحمل حالة خاصة، والنساء الحوامل أو اللاتي يحاولن الحمل أو اللاتي قد يصبحن حوامل، يجب أن يتعاملن بحذر شديد مع أي منتج عشبي أو مكمل أو نظام غذائي شديد أو عند تناول الطعام الخارق المزعوم (Super Food). يجب تجنب تناول كميات كبيرة من أي منتج. تحليل المخاطر والفوائد هو أمر واضح جداً حيث هناك خطر محتمل كما أنه لا توجد أي فائدة قد تم اثباتها.
المقال الأصلي:
Steven Novella, Herbal Products and Pregnancy?, sciencebasedmedicine.org, May 27, 2020