قديماً، كنت تأخذ حيوانك الأليف عندما يمرض إلى الطبيب البيطري. ربما كنت قد حصلت على بعض الحبوب الكبيرة جداً لتقحمها داخل فمه. ربما لديك واحدة من تلك المخاريط البلاستيكية الكبيرة حول رأسه. لكن الأمور قد اختلفت قليلاً هذه الأيام. من المرجح أكثر من أي وقت مضى أن يعرض عليك نوعٌ من العلاج أكثر ما تعرفه عنه أنه مادة سحرية سبقت ما اكتشفه العلم. وما هو محير حقا هو أنه يتم تقديمها لك من قبل شخص يبدو أنه طبيب مُجاز قانونياً في الطب البيطري مع شهادة اختصاص وجميع أنواع الشهادات معلقة على حائط عيادته. ما سبب هذا التغير؟ اليوم سنلقي نظرة مخيفة ومفاجئة على أكبر تحول في الطب البيطري في قرن واحد: الطب البديل (من العلوم الزائفة غير المقبولة في الوسط العلمي)، بما في ذلك بعض العلاجات مثل المعالجة المثلية (Homeopathy)، المعالجة اليدوية ” تقنية الكايروبراكتيك” (chiropractic)، والوخز بالإبر، بما في ذلك الحديث عن يين ويانغ، تشي، الذكاء الفطري، وحكم القدماء.
مع تزايد الاهتمام بالطب البديل بين الناس المرضى، أراد نفس هؤلاء المرضى تطبيق نفس هذه السبل العلاجية على حيواناتهم الأليفة. وجد مسح للأدبيات البيطرية 7 مقالات أكاديمية فقط منشورة في عام 2000 مطابقة للكلمات المفتاحية “البيطرية” و”التكاملية” (integrative) ؛و 29 مقالة لعام 2005 ؛و88 لعام 2010 و 379 لعام 2015. إلحاح المرضى قد أودى بالصناعة البيطرية نحو نوبة من الجنون. وفقاً لمقال عام 2017 في (Minneapolis St. Paul Magazine):
أكثر من ألف ممارسة في جميع أنحاء البلاد سُجلت على أنها “شمولية” (Holistic) مقارنة بالقليل من المعالجات في أوائل الثمانينيات. لقد شهد المجلس البيطري في مينيسوتا ارتفاعاً في أعداد الأطباء البيطريين الذين يسعون إلى الحصول على تجديد رخص في الوخز بالإبر والتلاعب في العمود الفقري. الطلب على هذه العلاجات غير التقليدية آخذ بالازدياد أيضاً، وفقا للمجلة البيطرية “dvm360” في استطلاع عام 2017 لمالكي الكلاب، وجدت المجلة أن 30 في المئة من المستجيبين ذكروا أنهم تحولوا إلى التدليك، والوخز بالإبر، وغيرها من العلاجات البديلة للمساعدة على تخفيف ألم الجرو الخاص بهم.
يشير مصطلح “التكاملية”، كما تعلمون على الأرجح، إلى النهج الذي يسعى إلى دمج الرعاية غير التقليدية مع الرعاية التقليدية. هذا يعني دمج العلاجات غير مثبتة الفعالية مع تلك التي أثبتت فعاليتها؛ أو حتى أكثر من ذلك، دمج بكالوريوس العلوم مع الطب. هذا لا ينبغي اعتباره ميزة. دمج فطيرة اللحم مع فطيرة التفاح لا يجعل فطيرة اللحم أفضل بل بالعكس يجعل فطيرة التفاح أسوأ.
هذا الاهتمام المتزايد بالماورائيات ورفض الأدلة التجريبية يتماشى إلى حد كبير مع الحركة الباطنية الحديثة الغربية ((western esotericism movement “هي مصطلح يشمل مجموعة واسعة من أفكار و حركات غير مترابطة تطورت في المجتمع الغربي)التي كانت تتجه منذ أواخر القرن العشرين. جاؤوا لنا بمسمى الأطعمة العضوية، وإنكار اللقاح، وديباك شوبرا(أحد أكبر مروجي العلوم الزائفة)، و تناول المشيمة.
ومن أعراض ذلك أيضًا التوسع الهائل في صناعة الأغذية البديلة للحيوانات الأليفة، بقيمة سوقية قريبة من 10 مليار دولار “أغذية الحيوانات الأليفة العضوية، وأغذية الحيوانات الأليفة غير المعدلة وراثيا، وأغذية الحيوانات الأليفة الخالية من الغلوتين، والغذاء الخام للحيوانات الاليفة”. جميع المنتجات التي لا يمكن أن تكون أفضل من أغذية الحيوانات الأليفة التقليدية التي يتم تصنيعها لتوفير التغذية اللازمة بدلا من أن تناسب ذوق مالك الحيوانات الأليفة في الاختيار. يوجد الطب البيطري البديل بسبب الحركة الباطنية الحديثة الغربية. كانت هذه الحركة بمثابة المنارة لأولئك الذين يريدون أن يتباهوا بتنويرهم.
ومع ذلك، فإن أي مناقشة للأساس الاجتماعي للطب البيطري البديل هي ثانوية لما يدور في عقل صاحب الحيوان المسؤول عندما يواجه حيوانه الأليف مشكلة طبية فعلية. فهو يريد علاجًا سهلاً وسريعاً وفعالًا وغير مكلف في نفس الوقت. لا يزال من السهل العثور على الأطباء البيطريين المعتمدين على العلم، ولكن القوائم على الإنترنت أصبحت أكثر غموضا مع عيادات شاملة ومتكاملة. ماذا تفعل عندما تجد نفسك في مكتب الطبيب البيطري، ويتم تقديم علاج بديل لك؟
عمومًا، سيؤكد الطبيب البيطري أن مجموعة قوية من الأبحاث تظهر أن العلاج البديل فعال. يمكنهم حتى ذكر اسم مجلة أو مقالة معينة. وهذا صحيح – ولكن ما هو صحيح أيضًا هو أن هيئة أبحاث أكثر قوة تجد أن العلاج البديل لا قيمة له تمامًا. وعندما نقارن بين الاثنين، نجد – بشكل لا لبس فيه – أن الأبحاث التي لم تجد أي قيمة لهذه العلاجات أكبر. يضاعف هذا نوعية الدراسات. عالمياً، كلما كبرت الدراسة وضبطت بشكل أفضل كلما قل تأثير العلاجات البديلة. نحن نرى ذلك في الدراسات البيطرية كما نراه في الدراسات البشرية.
وهنا مثال جيد لما يحتمل أن يقدمه طبيب بيطري شامل كدليل على أن الوخز بالإبر جيد لحيوانك الأليف. لقد تم نشره عام 2006 في مجلة الطب الباطني البيطري (Journal of Veterinary Medicine)، بعنوان “فعالية الوخز بالإبر في الطب البيطري: مراجعة منهجية”، والنص الكامل متاح مجاناً على الإنترنت إذا كنت تريد تصفحه. ما أظهرته هذه المراجعة لدراسات عديدة هو أن الكثير من الدراسات قد وجدت تأثيراً إيجابياً للوخز بالإبر لحالات مثل الألم والإسهال وإصابة النخاع الشوكي والتهاب الكبد وغيرها. لكن ما يجب عليك أن تقرأه بعناية أكثر هو أن أغلب بيانات الدراسة قد تم تقديمها من قبل جمعيات الوخز بالإبر في الطب البيطري، لذلك فهي متحيزة بشدة. وقد وُجد بالتقييم المستقل للمؤلفين أن الدراسات كانت ذات جودة منخفضة. في الواقع أغلب هذه الدراسات لم تكن عشوائية، رغم أن العشوائية من أساسيات التجارب السريرية.
إن معايير الرعاية والتنظيم أكثر مرونة بكثير في الطب البيطري منها في الطب البشري. وغالبا ما يتم تجاهل المعايير الموجودة أصلاً، حيث أن هذه المعايير غير مطبقة غالباً. يوجد في عديد من الولايات والدول المختلفة قوانين تحكم استخدام المصطلحات مثل “تقويم العمود الفقري” أو “الطبيب البيطري”، لكن هذه الشروط يساء تطبيقها إلى حد كبير من قبل العديد من المهنيين الذين يفتقرون إلى الشهادات القانونية التي هي أساساً مجانية للجميع. ومما يعقد هذا الأمر من منظور مالك الحيوانات الأليفة الذي يبحث عن الرعاية الجيدة هو وجود منافسة بين أكثر من مجلس اعتماد للشهادات. في الولايات المتحدة، يتم اعتماد التخصصات البيطرية الفعلية من قبل المجلس الأمريكي للتخصصات البيطرية (American Board of Veterinary Specialties). في أوروبا، هو المجلس الأوروبي للتخصص البيطري (European Board of Veterinary Specialisation). ولكن بما أن العلاجات البديلة غير معترف بها كتخصصات طبية، فلا يتم مطالبة الأطباء البيطريين بتوفيرها. ومع ذلك، يجب أن يتم ارضاء المستهلكين، لذا فإن المعالجين البديلين يشكلون مجالس الاعتماد الذاتي الخاصة بهم، مثل الجمعية الأمريكية للطب البيطري لتقويم العمود الفقري (American Veterinary Chiropractic Association )، والرابطة الطبية البيطرية الأمريكية الشمولية (American Holistic Veterinary Medical Association )، والاكاديمية الأمريكية للوخز بالإبر (American Academy of Veterinary Acupuncture )، وغيرهم – وهذه فقط في الولايات المتحدة الامريكية. العديد من البلدان الأخرى لها جمعيات خاصة بها. جميع شهاداتهم تعتبر مزورة ومشكلة من أعضائها نفسهم، لأن المجالس الطبية الفعلية ترفض حق الاعتراف بالعلاجات غير العلمية وغير المثبتة وغير القابلة للتصديق.
أين يترك هذا المستهلك؟ للأسف، تحت رحمة أي طبيب بيطري يريد بيعه أي شيء. أي طبيب بيطري، وفي كثير من الأحيان، أي شخص من الشارع، حصل أو لم يحصل على أي تدريب، يمكنه دفع رسم عضوية متواضع والحصول على شهادة مجلس رسمية يعلقها على جداره، والإعلان عن نفسه كطبيب بيطري شمولي معتمد، أو في أي مجال آخر يختاره من العلاجات البديلة. يمكنهم حتى في عدد قليل من الولايات، أن يطلقوا على أنفسهم أطباء بشكل قانوني، بدون أي خلفية طبية سوى شهادة تم شراؤها معلقة على الجدار؛ وفي جميع الولايات، يوجد ممارسون عديمو الضمير يسمون أنفسهم أطباء بلا أي أساس قانوني – وكثيرا ما نرى شهادات عند السؤال عنها من قبل كليات غير معترف بها في الهند. والنتيجة هي أن أصحاب الحيوانات الأليفة قد خُدعوا بالاعتقاد المنطقي بأن علاجات هؤلاء الممارسين حقيقة لأنهم يملكون شهادات من قبل مجالس تدّعي الرسمية.
ومع ذلك، يمكننا أيضًا أن نكون على يقين أن عدد قليل -إن وجد- من هؤلاء الأطباء البيطريين الشموليين (holistic) مخادع بوعٍ ٍ. لدينا ما يكفي من المعلومات بالإضافة إلى نظرية تفسر سبب اعتقادهم بشيء يتناقض مع كل ما نعرفه عن الطب المسند بالعلم. والحقيقة هي أن الطب البديل للحيوانات الأليفة لا علاقة له حقيقةً بالحيوانات الأليفة. نحن نعلم أن هذه العلاجات البديلة لا توفر أي فائدة طبية للحيوانات. من تستهدف هذه العلاجات إذن؟ الحقيقة أن هذه العلاجات تستهدف الأشخاص المعنيين وليس الحيوانات الأليفة.
هذا ليس تخمينًا، إنها ظاهرة تم دراستها بشكل جيد في الأدبيات الطبية. يطلق عليه تأثير الدواء الوهمي لمقدِّم الرعاية (caregiver placebo effect) وينطبق هذا على الأشخاص الذين يعالجون الناس وعلى الأشخاص الذين يعالجون الحيوانات أيضًا. لتوضيح ذلك، دعنا نلقي نظرة على دراسة نشرت عام 2012 في مجلة الجمعية الطبية البيطرية الأمريكية (Journal of the American Veterinary Medical Association) شملت الدراسة الكلاب التي تعاني من العرج بسبب التهاب المفاصل التنكسي (تلف في النسيج الغضروفي غير قابل للعكس في مناطق الاحتكاك المفصلي)، والعرج كان قابلًا للقياس مباشرة عن طريق قراءة قوة رد فعل الأرض على جهاز الجري أثناء حركة الكلاب. من بين مجموعة الكلاب التي كان عولجت وهميًا فقط، 9٪ ساءت حالتها بشكل طفيف على مدار الدراسة و12٪ تحسنت بشكل طفيف أيضاً، لكن الغالبية العظمى 79% لم تظهر أي تغير في شدة الألم. ومع ذلك، لاحظ الناس الذين يشاهدونهم – الملّاك والاطباء على حد سواء – تحسنًا ملحوظًا. لكن فلتأخذ لحظة للتخمين: من تعتقد قد لاحظ تحسناً أكبر المّلاك أم الأطباء البيطريين.
كان الاطباء البيطريون، بهامش كبير ولكن ليس استثنائياً. 40%من أصحاب الكلاب أدركوا تحسنًا في الألم عند حيواناتهم الأليفة نتيجة المعالجة الزائفة برغم أن جهاز الجري لم يظهر أي تحسينات؛ لكن الاطباء البيطريين يعتقدون أن هناك تحسن في 45٪ من نفس الكلاب.
أحد الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من هذا هو أنه عندما تذهب إلى طبيب بيطري يبيع العلاجات البديلة، فمن المرجح أن يعتقد الطبيب البيطري بصدق بفعالية علاج غير فعال أكثر حتى من مالك الحيوان العادي. هذا هو أحد الأسباب التي دعت الكاتب العلمي في مجلة سليت (Slate) برايان بالمر إلى كتابة مقالة عدد سنة 2014 “إذا كان الطبيب البيطري الخاص بك يقدم الوخز بالإبر، ابحث عن طبيب بيطري آخر”.
إذا كان هناك حل وسط يمكن العثور عليه هنا، فمن المحتمل أنه، في كثير من الحالات، يكمن في حقيقة أن الاتصال البشري يساعد الحيوانات الأليفة على الاسترخاء، وخاصة مع الكلاب والخيول. هذه ليست مجرد ملاحظة، إنه موثق تمامًا في الأدبيات أن إجراءً اجتماعيًا بسيطًا مثل ملاعبة الحيوان الأليف يقلل من معدلات ضربات القلب ويمكن أن يؤدي إلى تغيرات وعائية. عندما يتم مثل هذا الإجراء بشكل متكرر، يمكن أن ينتج ما نسميه تأثير الدواء الوهمي الشرطي (Conditioned Placebo Effect)،حيث لا يحتاج الشخص حتى إلى ملاعبة الحيوانات الأليفة طالما أن الحيوان يلاحظ ظروف مشابهة لتلك التي تحدث بها الملاطفة عادةً. وهكذا، فإن أسلوب البيطري مع الحيوان الأليف، وخاصة الطبيب البيطري المألوف للحيوان الأليف، يمكن أن يلعب دورا هامًا في الحد من الإجهاد المرتبط بإصابة أو مرض؛ وكما نعلم، في كثير من الأحيان، يعزو الطبيب البيطري و/أو المالك هذا التحسن إلى أي علاج يتم إعطاؤه في الوقت نفسه، سواء كان حقيقيًا أو بديلًا. حيث علينا أن نكون حذرين من إعطاء فضل التحسن بالاتصال البشري إلى العلاج الآخر الذي لا فائدة حقيقية منه، وبالمثل، علينا تجنب تصنيف الاتصال البشري كعلاج بديل لمجرد أنه لا يتضمن أدوية أو جراحة.
إنها هذه الأرضية المشتركة للاتصال البشري البسيط الذي يجتمع مع حقيقة أننا جميعًا نرغب في تعافي حيواناتنا الأليفة من المرض وعدم معاناتها، سواء قبلنا الطب القائم على العلم أم أننا نؤمن بالعلاجات البديلة. جميعًا نحب حيواناتنا الأليفة. لهذا السبب نملكهم. ما يميز الحيوانات الأليفة أنها متحررة من الاتجاهات الثقافية مثل الحركة الباطنية الحديثة الغربية. فمعرفة الحيوانات عن وجبة الغرانولا ((granola الخالية من الغلوتين لا تتجاوز معرفتهم عن تعقيدات الجراحة لعلاج انسداد الأمعاء. كل ما يعرفونه هو كيف يشعرون، والأهم من ذلك، كيف يمكننا مساعدتهم على الشعور. وبغض النظر عن نوع العلاج الذي نأمل أن يعمل على أفضل وجه، فطبيعتنا الحقيقية تكشف بمدى سعينا إليها، وبالرقة التي نقدمها بها.
المقال الأصلي
Dunning, B. “Alternative Veterinary Medicine.“ Skeptoid Podcast. Skeptoid Media, 18 Sep 2018. Web. 4 Oct 2018.