“لحظة انفصال جسدنا الفيزيائي عن جسدنا الواعي” هكذا افتتح مقطع فيديو يفترض أنه يناقش تجربة الاقتراب من الموت علمياً، ما هذه العبارة؟ افتراض مسبق بوجود نوع من الوعي المنفصل عن الجسد الفيزيائي. يكمل صاحب الفيديو “تنتقل الطاقة الموجودة في الجسم إلى عالم جديد بأبعاد مختلفة” (هل توجهنا إلى علم الطاقات الزائف). هذه العبارة لم تعرض كمحل تشكيك بل عرضت كجزم بوجود “عالم جديد” وطاقة وأشياء نراها دون أن نمتلك القدرة على رؤيتها بوضعنا الطبيعي. كل ذلك عرض كأنه حقيقة. في هذا المقال سنتناول طريقة عرض الأوهام والهلوسات مثل تجربة الاقتراب من الموت والتي تنتهج لإثبات وجود ظواهر ميتافيزيقية.
قد تسمع بآروين جبسون (Arvin S. Gibson) كخبير وعالم عمل على إثبات تجربة الاقتراب من الموت، وهو لا يختلف عن جوزيف راين (Joseph Rhine) من جامعة ديوك أو آيان ستيفنسون (Ian Stephenson) من جامعة فرجينيا واللذان انفصل عملهما عن الجامعات التي يدرسان فيها. حاول راين اثبات أي أدلة على الباراسايكولوجي فيما قضى ستيفنسون سنوات في المصحات العقلية وهو يستشهد بأقوال المجانين على أنهم يمثلون تناسخاً لآخرين وأنهم يتكلمون بلغاتهم، وكان يتجول في الهند والمناطق التي يشيع فيها مفهوم تناسخ الأرواح.
الفرق أن جبسون لا يدعي الاقتراب من العلم بقدر ما هو قريب من الروحانية، في كتابه “بصمات الرب” (fingerprints of God) يقول: “الدليل على صلة الله الوثيقة بأبناءه الأرضيين، بفنه المعماري في الكون والعالم، وبتواصله المستمر مع الرسل”. من الواضح أن موقف جبسون هنا ليس علمياً بل هو ذو طابع ديني. وهو يستعين بتجارب الاقتراب من الموت لأغراض دينية. يذكرنا بصاحب كتاب (Heart code) شيفرة القلب لبول بيرسال. أو بصاحب تجربة الـ 21 غرام لإثبات وجود وزن للروح لدنكن مكدوغال.
جبسون هو مهندس نووي، هو ليس طبيباً وليس طبيب أعصاب كما أنه لم يكن موكبا في كتبه للتقدم العلمي في مناقشة ظواهر الوعي وهو يستعيض عن كونه غير مختص بالدماغ والوعي بمحاولة شرح الظاهرة فيزيائياً، في قفزة فريدة من نوعها بين التخصصات لا يرتكبها بحق البيولوجيا والطب سوى مروجو العلم الزائف. يصفه كيفين ليفينغستون (Kevin Livingstone) أستاذ الجينات في كلية ترنتي في دبلن بأنه يسبب تشويشاً للقارئ لإنعدام الاطلاع الكافي على المجال لديه. كما يقول ليفينغستون “أن بصمات الرب التي كانت واضحة بالنسبة لجبسون كانت ضبابية جداً بالنسبة لي نظراً لطبيعة التجارب التي شاركها” وذلك في قراءته لكتاب بصمات الرب لجبسون. يذكر أن الكثير في الكتاب كان يدور طريقة للإقناع الديني لكن مع أخطاء بيولوجية واضحة، وكانت الفصول تنتهي بتجربة الاقتراب من الموت كدليل غير مرتبط مع محتويات الفصول التي تناقش الأمر. الأمر أشبه بالكلام كثيراً عن قوانين فيزيائية ثم الاستشهاد بأمر بيولوجي لا صلة له. وهكذا يفعل جبسون في فصول أخرى بمواضيع كونية وفيزيائية.
أما بالنسبة للتجارب فهل هي متشابهة حقاً؟ حتى لو سلمنا بمصداقية مصدر كجبسون، لكنها مع ذلك ووفق روايته مختلفة تماماً، فهي كما يقول ليفنينغستون “إما أن تكون ذكريات مختلفة تماماً لنفس التجربة، أو أنها تجارب مختلفة عن بعضها تماماً” يذكرنا هذا بمن يروي تجربة الـ 21 غرام والتي تكونت من بضعة عينات كانت 21 غرام هي النتيجة لواحد منها فقط. يضفي مروجو العلم الزائف في هذه الحالة طابعاً موحداً أو نمطاً معيناً لنوع من الهلوسات أو الظواهر العشوائية لجعلها تبدو وكأنها ظاهرة موحدة.
خلطات عجيبة
في ورقته المنشورة عام 2000 وفي مجلة متخصصة بالعلم الزائف، يستعرض جبسون جميع التفسيرات العلمية المطروحة لتجربة الاقتراب من الموت فيما يقارب الـ 20 دراسة عصبية مختلفة، ليقفز مباشرة في المقطع التالي قائلاً: “في الأبحاث التي وصفت تجربة الاقتراب من الموت، يبدو من المرجح أن شخصية الإنسان تتواجد في جسد فيزيائي وروحاني”! وفي عبارته هذه افتراء وتدليس على الكمية التي ذكرها من الدراسات والتي لا تمت بصلة لما يقول. وتظهر في الورقة الفروقات الواضحة بين أوصاف التجارب التي اعتمد عليها فهناك من يصف الروح بالكهرباء، الضوء، الطاقة، الاهتزازات. أما الممر المظلم الذي يشار له في تجربة الاقتراب من الموت فقد عرفه أصحاب التجارب بتباين ايضاً: اكوان متعددة، نفق مظلم، ثقوب سوداء، أو ثقوب دودية. الورقة مسلية من حيث تنقلها في كافة أنحاء البيولوجيا والفيزياء وكونها حافلة باقتباسات شخصية لشخصيات مختلفة فضلاً عن أصحاب التجارب أنفسهم. التجوال في التجارب التي يستند إليها جبسون لن يقودك سوى إلى حقيقة واحدة، إنها هلوسات شديدة التباين وحتى جبسون وحده لا يستطيع أن يوحدها.
الخلطات العجيبة لا تنتهي بالظواهر ذاتها، بل بالاستعانة بظواهر أخرى، مثل تجربة الخروج من الجسد، حيث يُمكن أن تسمع الأمرين بالترادف وكأنهما تجربة واحدة. كل ما يتعلق بالنفق المظلم والذي هناك بعض الإجماع على وجوده في تجربة الاقتراب من الموت، كل ذلك مختلف ومنفصل عن هؤلاء الذين يقولون أنهم خرجوا من أجسادهم وشاهدوا أجسادهم وسقف الغرفة والورقة الموضوعة في السقف الثانوي أو مصيدة الفئران على الخزانة أو غير ذلك. كما يمزج ذلك بالهلوسات وعمليات التذكر العشوائي التي تحدث مثل استرجاع ذكريات الحياة بشكل سريع.
يتم الاستشهاد في هذه الحالات دائماً بروايات الأشخاص دون تحقيق أو دون إمكانية تحقيق حتى (أشياء غير قابلة للتخطئة وفق مبدأ كارل بوبر) وبالتالي فهي غير صالحة للاستشهاد العلمي، يقول لك شخص أنه قد رأى شيئاً في الغرفة الثانية بينما مر بتجربة الخروج من الجسد، ما لم تكذبه بشكل مباشر فإن كلامه شبيه بأي حلم أو هلوسة فردية وهو غير قابل للإثبات. قد يكون الشخص على علم بوجود الشيء في الغرفة الثانية، أو أن المرأة التي وجدت مصيدة الفئران كانت على علم بوجودها، أو كانت متفقة مع آخرين. قلة الدليل العلمي وعشوائية التجارب هذه تدعونا لتكذيبها بشكل أساسي فكل شخص يروي قصة مختلفة وتجربة مختلفة، وهناك الكثير من التحشيد والأموال التي تبذخ من أجل إعداد أكاذيب أقل قيمة من هذه فما المانع من تعاون أشخاص لترسيخ تجربة روحانية.
أيضاً ما يحدث هو تحشيد مصادر غير ذات صلة (مثلما فعل جبسون)، وخلط المصادر ذات الحقائق القليلة المؤكدة (مثل الدراسة التي تتكلم عن وجود نفق مظلم واضواء وشعور إيجابي في تجربة الاقتراب من الموت) مع مصادر باطلة مثل مصادر جبسون.
في دراسة سام بارنيا مثلاً، يصف الباحثون طيفاً واسعاً من الظواهر التي حدثت لدى مرضى السكتة القلبية منها 9% من تجربة الاقتراب من الموت، و 46% مروا بسبعة أنماط ادراكية منها الديجافو، العائلة، تذكر الاحداث السابقة للإصابة. عندما ستسمع بهذه الدراسة سيختزل الأمر بواحدة من هذه الظواهر وسيتم تضخيم النسب أو التدليس بعدم ذكرها أساساً.
المؤكد
- تجربة الاقتراب من الموت هي حالة تحدث نتيجة خلل في عمل الدماغ قد يكون ذو صلة بقلة الاوكسجين، وتجتمع المشاهدات فيها إلى حدٍ ما حول وجود نفق مظلم وبما أن ظواهر الوعي تنبثق من الدماغ كلياً فإن تشابه الظواهر نتيجة لتشابه المسببات هو أمر بديهي جداً، مثلما نحلم كثيراً بأننا نسقط، أو نفقد الذاكرة جزئياً، ونرى الكوابيس.
- تجربة الخروج من الجسد هي حالة منفصلة عن الاقتراب من الموت وهي تحدث أثناء النوم وقد كان من الممكن احداثها من خلال التحفيز الكهربائي للدماغ، أي روحانيات هذه التي تستثار كهربائياً؟
- رؤية الأشباح والموتى والأشخاص الذين نحبهم وكافة الهلوسات حول الأشخاص تحدث ضمن نطاق عمل العقاقير التي تجلب السعادة أو لدى مرضى الباركينسون الذين يمتلكون نشاطاً غير اعتيادي في الدوبامين.
- الدجالون يفعلون ما يلي:
- يخلطون هذه التجارب سوية.
- يوحدون أنماط الهلوسات ويجعلونها تبدو وكأنها متكررة.
- يخلطون الصالح والطالح من المصادر.
- يستعينون بالدجالين على أنهم علماء.
المصادر
Livingstone, Kevin. “Burden of Proof: A Review of Fingerprints of God, by Arvin S. Gibson.” Review of Books on the Book of Mormon 1989–2011 13.1 (2001): 6.
Lundahl, Craig R., and Arvin S. Gibson. “Near-death studies and modern physics.” Journal of Near-Death Studies 18.3 (2000): 143-179.
ساينتفك أمريكان، “تجربة الاقتراب من الموت وتفسيرها العلمي“، ترجمة: زياد عبدالله، العلوم الحقيقية
Blanke, Olaf, and Shahar Arzy. “The out-of-body experience: disturbed self-processing at the temporo-parietal junction.” The Neuroscientist 11.1 (2005): 16-24.
Parnia, Sam, et al. “AWARE—AWAreness during REsuscitation—A prospective study.” Resuscitation 85.12 (2014): 1799-1805.
تجاربي الشخصية حول الخروج من الجسد و استعمال تقنيات قديمة مخفية تصفها بلا معنى وتعامل مباشر مادي مع ما تعتقده تخاريف من كائنات خفية و بحثي العلمي والاكاديمي في الامر يأكد انه ما تقوم بتفسيره من منطلق مادي دغمائي فندته فزياء الكم والتجارب الخاصة مجرد هراء يجعلك تعيش في جهل وتموت في جهل…رغم الادعاء الواهم بالاستناد على اسس صلبة لذغمائية تقول انها علمية.