وسيط روحي (وساطة روحية – Mediumship) هو ما يُعرف في خرافات الروحانيات بأن هناك شخص تتواصل الأرواح معه بشكل مباشر. في حقبة بعيدة حيث كانت الأشياء أكثر بساطة ولكن أكثر دراماتيكية. حيث كان باستطاعة الوسيط جيد الاستماع إلى أصوات، تجسيد الأجسام أو قرع الأجراس، تحريك أشياء في غرفة مظلمة، خلق أمثلة عن الكتابة التلقائية والتخاطر بمعنى أخر هو يقدم كل هذا للزبون مقابل نقوده.
اليوم، يكتفي الوسطاء خاصة بكتابة أعمال للتوعية وللتأكيد على أنهم يوجهون الأرواح القديمة كما فعل “جي.ز.نايت” (JZ Knight) الذي يبيع كتابه الأبيض والذي أملته ‘رمثا’ (روح مقاتلة قديمة عمرها 35 الف سنة كما يزعم نايت).
لكن الوسطاء المعاصرون الذين نجحوا أكثر يدعون ببساطة أن الموتى يتواصلون من خلالهم تحت مسميات مثل العلاج الروحي (Spiritual healing) أو إستشاريو الحزانى، يستخدم هؤلاء الوسطاء التقنيات التقليدية في القراءة الباردة للشخصية (قراءة الأفكار) وبعض المعلومات عن زبائنهم التي يحصلون عليها أحيانا بطرق ملتوية للإيهام باستقبال رسائل مطمئنة قادمة من العالم الأخر.
التحقق الشخصي يلعب دورا رئيسياً في هذا النوع من النشاط إذ يعتمد فيه الوسطاء على التحفيز الكبير لزبائنهم للتوصل إلى معاني الكلمات أو الأحرف الأولى أو البيانات أو أي علامات أخرى، ويعد هذا التحقق دليلا على الاتصال مع الموتى.
بفضل المعلومات الممنوحة لهم بعفوية من قبل زبائنهم أو من مصادر أخرى، علي سبيل المثال في جلسات النقاش السابقة للاستشارة نفسها، أو أثناء الفواصل خلال تسجيل البرامج التلفزيونية، يتوصلون إلى إقناع كثير من الناس بأنهم باستطاعتهم التقاط أفكار لأشخاص مفقودين.
ينقل الوسيط رسائل من نوع (لقد غفر لك) أو يكشف عن أمور يعرفها الزبون مسبقا، بطريقة تجعله يتساءل كيف له أن يعرف هذا ؟ في الأيام الخوالي للروحانية والجلسات، من المرجح جدا أن تكون الرسالة “كن سخيا مع الوسيط وجماعته” (كين 1997).
فی أيامنا هذه لم یعد ضروریا استجداء المال بطريقة مباشرة، ولا اختيار مسنين يمتلكون مالا كثيرا ووقتا أكثر. ينتظر الناس أعواماً ليخدعهم محتالون يجعلونهم يعتقدون أن الأموات يرغبون بالاتصال بهم، وعندما يبعث الأموات إليك برسائل أكثر شمولاً يكون وضعها في أحد الكتب منجما حقيقيا للذهب لصاحب الكتاب، أيضاً يمكن العودة إلى جولات المحاضرات أمام مئات الآلاف من الناس، والذين سيدفع كل منهم 25$ إلى 50$ لسماع كلام من ما وراء القبور يأتي من طفل أو أحد الوالدين أو من صديق متوفى. ولا ننسى أمكانية حصول الوسيط على برنامجه التلفزيوني الخاص.
استطاع جورج أندرسن، عامل هاتف سابق ومؤلف كتاب (“دروس من النور : رسائل استثنائية من الطمأنينة و الراحة والأمل من العالم الآخر“2000) الحصول على برنامجه الخاص على قناة ABC والذي يحاول فيه المشاهير الاتصال بالأموات. وقد نجح بعض الوسطاء حتى بالحصول على برامجهم عن طريق الاكتتاب كما فعل جون ادوارد و جيمس فان براغ، بالرغم من أن تريبون ميديا للخدمات قامت بوقف برنامجه بعد عدة أسابيع فقط.
أصبح جون ادوارد أول مستمع للأصوات يقدم برنامجه الخاص على الشاشة الصغيرة (العبور مع جون ادوارد) على قناة “ساي فاي” تتصل من خلاله أرواح مع بعض الحضور. ولكن استنكر جيمس راندي [سكيبتيك، نسخة 8، عدد3] ولیون جاروف [تايم، 5مارس2001] ممارساته الاحتیالیة، ولكن لسوء الحظ بلا تأثير. ربما يكون ادوارد محتالا إلا انه ليس أقل إثارة للإعجاب. وبعد أن نجح في تقديم برنامجه، استطاع التقرب من التلفزيون الأمريكي في فترة وجيزة.
يتظاهر وسيط آخر يدعى جيمس فان براغ بالقدرة على التقاط رسائل تقريبا من كل ما هو ليس من هذا العالم. وحسب اعتقاده، فأن مليارات المليارات من أرواح المتوفين التي تطوف في الأثير لا تنتظر شيئا أخر سوى أن يتم دعوتها لبرنامجه، اعط أي اسم لفان براغ، وسيقول أن المتوفى الذي يحمل نفس الاسم يبحث، بمساعدة كلمات أو عبارات، على التواصل من خلاله أو انه يشعر بوجوده في مكان ما. شاهدناه في برنامج (الملك لاري على المباشر) معلنا عن استشعاره حضور والدي لاري الراحلين. فقد كان قادرا حتى على تحديد في أي زاوية من الأستوديو حضرت أرواحهما. وقد مده بعض الحضور بأسماء عن طريق الهاتف فروى ما استطاع أن يسمعه أو يشعر به في هذا الخصوص. اقتلع فان براغ الحديث من افراد من الجمهور الذين لم یروا هناك إلا النار. فهو یطرح أسئلته في كل الاتجاهات ويستمر على هذا النحو حتى تبتلع السمکة الكبیرة الطعم. وان كان يفشل أحيانا فهو غالبا لا يخطئ الهدف. إذ أن ضحاياه على أتم الاستعداد لمكافأته من خلال ردود الفعل الايجابية. وبالتالي فانه يستطيع أن يظهر بمظهر المتواصل مع الأرواح التي تخبره بأن الموت ليس بهذا السوء وأنهم يحبون هؤلاء الذين على قيد الحياة وأنهم آسفون ويطلبون المغفرة منهم.
قال ميشيل شيرمر، من مجلة امريكية ‘سكيبتيك’، عن فان براغ انه كان “الزعيم بين كل الوسطاء في القراءة الباردة”. فيما أظهر ‘مارسيلو تروزي’ عالم الاجتماع والباحث في الشذوذ في جامعة ايسترن ميشغان تعاطفا اقل. درس تروزي حالات مثل فان براغ خلال 35 عام. بالنسبة له فوائدهم متواضعة جدا (“جدل حماسي”، درو ستيفن، نايت رايدر، نيوز سيرفس سان دييغو – تريبون 10/تموز 1998ص1). يضيف تروزي إلى ذلك أن أغلب كلام الوسطاء “هراء“، الا انه هراء ذو جودة وهذا ما يريده الجمهور لأنه يعمل على تعزيتهم ويخفف من إحساسهم بالذنب وهذا ما يمنحه لهم. والداك يحبانك، إنهما يسامحانك، متشوقين لرؤيتك، ليس ذنبك لو وافتهم المنية.
يصف شيرمر في كتابه “لماذا يعتقد الناس بالأشياء الغريبة“، نجاح فان براغ، وكيف استطاع أن يستهوي جمهور برنامج المنوعات الحديث “الجانب الآخر” على قناة ن.ب.س. يفسر شيرمر أيضا كيف كشف أسراره المهنية الصغيرة في برنامج “ألغاز دون حل”. للأسف، فهو لم يكسب تعاطف الجمهور. حتى أن امرأة وصفت سلوكه ب”الغير مناسب” لأنه قطع أمل الناس الذين يعيشون الفجيعة.
لا يمكن التغاضي عن عناوين كتب فان براغ: “حوار مع العالم الأخر” و”الوصول إلى الجنة”، وأيضا “علاج الحزن”. يتيح موقعه الالكتروني الفرصة للمتابعين مواكبة إصداراته وأشرطته الجديدة (على سبيل المثال تطوير ذاتك النفسية أو السلسلة حول التأمل)، جولاته وأدائه. سيواصل فان براغ والوسطاء أمثاله دون أدنى شك ولفترة طويلة الاستمتاع بهذا النجاح، طالما أنهم لن يخبروا زبائنهم أن والديهم يغفرون لهم الإساءات التي تعرضوا لها خلال حياتهم، أو أن الوقت قد حان ليعترفوا بالجرائم التي اقترفوها. مع ذلك هناك خطر ضئيل بان يحدث هذا الأمر أبدا.
ذكر فان براغ خلال مقابلة أجريت معه أنه “لا يوجد الموت، بل هناك حياة… كل واحد منا هو وسيط ومستبصر بطريقة ما ” وأن معظم الأرواح في السماء (سيفتون، 1998). ويبدو أن هذه التأكيدات لا تستند على شيء سوى شعبيتها عند الجمهور التي توجه إليه.
من بين هؤلاء الذين يؤلهون فان براغ، نجد شارل غرودان، في برنامجه على قناة سي ن بي سي الذي وقع إيقافه بعد الظهور الثاني للوسيط. وضح غرودان على الملأ إلي مدى تعلقه بوالدته الراحلة وانه مستعد للعق حذاء من يتحدث إلى السماء، طرق فان براغ لم تكن إلهية على وجه التحديد، ولكنها نجحت في خداع غوردان وزوج من الجمهور على الأقل الذين بدوا مقتنعين بأن الوسيط يحاور ابنتهما الراحلة. لمسة الشك الوحيدة في البرنامج جاءت عندما تساءل غرودان بصوت مرتفع إن كان فان براغ يتحدث حقا إلى الأرواح أو إذا لم يستطع الاستمرار بقراءة ما يدور في أذهان أعضاء من الجمهور، الشخص الوحيد الأخر الذي ابدى شكه كان والدة احد ضحايا قنبلة تيموني مكفي في اوكلاهوما سيتي وحسب ما جاء على لسانها لاشيء مما قاله فان براغ حصل لابنتها إذ لا يبدو ما يقوله حقيقيا، باستثناء بعض الأشياء العامة كما قالت بأنها تتواصل بشكل مباشر مع ابنتها.
عندما لا یتوصل فان براغ، ادوارد، سلفیا براون ووسطاء آخرون مثلهم إلى إصابة الهدف يذكرون جمهورهم بأن الرسائل التي يتلقونها تصلهم على مراحل يصعب تأويلها، الخ. فإذا أخطئوا لا يمكننا لومهم لأنهم لم يدعوا الكمال أبدا، أليس كذلك؟ فی برنامج غرودان ظهر فان براغ بمظهر العاجز واستخدم أسئلته الخادعة المعتادة، بخصوص البنات والجدات أو التغییرات المهمة فی المنزل، الأسئلة دون حلول، الخ. فقد تظاهر باستلام الرسائل المألوفة حول الملائكة، السرطان، القلب، الصحف، الخ. اذ اختصر الكثير من الوقت والجهد في عملية نبش واسعة وفي الختام يطرح السؤال الغامض“أليس كذلك؟” السؤال الذي يجيب عنه الزبون ب“نعم”، دون أن يعرف جيدا على أي شيء يوافق.
بالنسبة للمشككين، فلا يملك فان براغ شيئا مثيرا أما بالنسبة لأمثال غرودان الذي اهتز بقوة لوفاة والدته فيعتبره قديسا وطلب منه فعلا مباركته كما شكره على عمله المذهل. نأمل أن يتساءل المزيد من الجمهور لما لا نظهر المزيد من الحس النقدي أثناء بث البرنامج.
علينا الانتظار ثلاث سنوات للحصول على استشارة من فان براغ. ولحسن الحظ فان العرض سيوازي قريبا الطلب مع الوسطاء الجدد الحديثين الذين لا يكفون عن الظهور.
“أليسون دوبوا” هي واحدة منهم، وقد تعاظم نجاحها عندما قدمت على قناة ن بي سي برنامجا خاصا أسمته “الوسيط”، والذي قيل أنه يستند إلى مآثر خارقة للطبيعة للسيدة دوبوا. إذ أعلنت على موقعها على الانترنت ” أنا لا أخاف أن أسمي الأشياء بأسمائها أو أن أستنزف قدراتي إلى أقصى حد ممكن في مجال البحوث الجامعية. إني أفخر بدقتي، بثباتي، وإني أساهم في مواساة أولئك الذين فقدوا أحد الأعزاء.”
وبعبارة أخرى، هي من نفس خامة جون ادوارد، جورج أندرسون، لوري كامبل، جيمس فان براغ ومجموعة أخرى من اولئك الذين يعرضون خدماتهم لأولئك الذين أوجعهم الحزن مقابل المال، بطبيعة الحال. وعلى غرار إدوارد، وأندرسون وكامبل، تم اختبار دوبوا من قبل غاري شوارتز، الذي أكد أنها تمتلك قوى حقيقية خارقة.
احد الأسباب التي تجعلنا حذرين من تقييمات شوارتز في مجال الوساطة الروحية، هو أنه لا يفقه شيئا تقريبا في الاثبات الشخصي لصحة الأشياء. في تجربة كلاسيكية مكررة عديد المرات في سياقات مختلفة، أجرى برتران فورير اختبارات الشخصية لطلابه، وبغض النظر عن إجاباتهم، أعطاهم “تقييما” من عمود التنجيم في صحيفة. ثم طلب من الطلاب إعطاء درجة من 0-5 للتقييم. إذا كان العدد المسند 5 فإن التقييم كان ممتازا، في حين أن العدد أربعة يعني أنه جيد. كان معدل الصف 4.26. وكان ذلك في عام 1948. وقد تكرر الاختبار مئات المرات مع طالب في علم النفس، وظلت النتائج ثابتة دائما عند حدود 4.2. يمكن للمرء أن يستنتج أنه في كثير من الأحيان يحدث أن يؤكد الناس أمام التصريحات التي تعنيهم ولكن لا تستند على أي معرفة لشخصياتهم، صحتها بحوالي 80٪. وقد أجريت تجارب مماثلة باستخدام جداول بنظام بيولوجي زائفة و دراسات خط كاذبة وخرائط سماء وأبراج وهمية.
وفقا لشوارتز، ترى دوبوا “دائما بشكل صحيح تقريبا بنسبة 80٪، وهو ما يجعلها تعد من أفضل الوسطاء” (ماكلين، 2005)
دون رقابة، لا يوجد لدى شوارتز وسيلة لمعرفة ما إذا كانت نتائج دوبوا مرتفعة بشكل غير عادي أو متوسطة فقط. للأسف، حتى من دون تأكيد شخص مثل شوارتز، تفوق الرغبة في التواصل مرة أخرى مع أعزاء متوفين على الرغبة في فحص عمل عالم متحصل على الدكتوراه من جامعة مؤسسة هارفارد التي كان شعارها “فيريتاس”..
رشا أحمد عبد الوهاب
تدقيق: Wided Zribi
http://www.sceptiques.qc.ca/dictionnaire/medium.html