إذا كانت الشحنات المتحركة والمغزلية تصنع المجالات المغناطيسية، فلماذا تحتوي النجوم النيوترونية العملاقة المتعادلة الشحنات على مجال مغناطيسي؟
يقول جوهانز ستارك (Johannes Stark) الحاصل على جائزة نوبل عام 1919م: «بالسماح للأيونات الموجبة بالمرور عبر مجال كهربي، ومن ثَم إعطائها سرعة معينة، فمن الممكن تمييزها عن الذرات الساكنة المتعادلة الشحنات».
القليل من الفيزياء يقطع شوطًا طويلًا في اكتشاف ومعرفة الأشياء، وهذا صحيح خصوصا في الفيزياء الفلكية، حيث تصبح أصغر القوى وأقل التأثيرات هي الأشياء الجديرة بالاهتمام. هذا بالطبع بسبب التركيزات الضخمة وكميات المواد التي نتعامل معها! خذ على سبيل المثال كوكبنا المتواضع.
إن حقيقة وجود لُب منصهر يدور ويتغير مع دينامو مغناطيسي نشط بداخلها يؤدي أكثر بكثير من جعل إبر البوصلة تُشير إلى الأقطاب. يمتد المجال المغناطيسي المتولد في لُب الأرض إلى الفضاء، مما يحمينا من الأخطار الكونية، ويُحوِّل الجسيمات المشحونة سريعة الحركة بعيدًا عنا.
كما أن الشمس لها دوها بشكل كبير؛ حيث مجالها المغناطيسي الضخم، والبلازما التي تتتبع مسار خطوط هذا المجال في أحيان كثيرة. ويمكننا أن نرى بلازما الشمس الساخنة والمتأينة تمتد للأعلى وللخارج لقطر الأرض عدة مرات، حتى في بعض الأحيان تُشكِّل حلقة كاملة وتمطر مثل شلال ناري.
ليس من الصعب تخيل سبب قيام الشمس أو الأرض بذلك. فقط فَكَّر في الحقائق التالية:
- تتكون هذه الأجسام من ذرات، والتي تتكون بدورها من أنوية موجبة وإلكترونات سالبة.
- هناك تدرج في الجاذبية ودرجة الحرارة، مما يعني أن الأجسام ذات الأحجام والكتل والمقاطع العرضية المختلفة ستتأثر بشكل مختلف.
- إذا كانت هذه الظواهر يمكن أن تنتج انفصالًا صغيرًا في الشحنات، نظرًا لأن الشمس والأرض تدور، فإن هذه الشحنات التي تتحرك بشكل مختلف ستُولِد مجالات مغناطيسية.
لكن ماذا عن النجوم النيوترونية؟ بدلًا من الأنوية الذرية والإلكترونات، أليست متكونة من نيوترونات؟ ونحن نعلم جميعا أن النيوترونات متعادلة الشحنة كهربيًا (أي ليس لها شحنة).
إذًا كيف يكون للنجوم النيوترونية مجالٌ مغناطيسيٌّ والذي يُنتَج من خلال شحنات متحركة؟ هذا السؤال لن يكن مثيرًا للاهتمام لو لم نقم بالملاحظات في الفديو أدناه.
هذه هي الأشعة السينية (X-Rays) المنبعثة من سديم السرطان (Crab Nebula)، كما لوحظ بـ تلسكوب شاندرا للأشعة السينية التابع لناسا (NASA’s Chandra X-ray telescope). نحن نعلم أن هناك نجمًا نيوترونيًا نابضًا (Pulsing neutron star) في قلبه (core)، وأن هذه الأشعة السينية تنبعث نتيجة لمصدر مغناطيسي مكثف موجود في المركز يؤثر على البلازما المتأينة حولها.
إنها أكثر من مجرد أشعة سينية، تلسكوب هابل (Hubble telescope) رأى هذه التأثيرات في الضوء المرئي أيضا.
وفيما يتعلق بالمقياس، فإن سديم السرطان- الذي تم إنشاؤه في انفجار سوبر نوفا 1054 (1054 supernova explosion)- يبلغ قطره حوالي 3 سنوات ضوئية عند هذه النقطة، بعد حوالي الألفية من ولادته. لكن ما قد يفاجئك أكثر هو الحجم الهائل لهذه الميزة المغناطيسية. إنها أكثر من سنة ضوئية بمفردها!
المغزى هو أن النجم النيوتروني ليس مجرد كرة بسيطة من النيوترونات، بل هي في الواقع كرة مكونة من طبقات. ومع التقدم المعرفي لهذه النجوم من الداخل والخارج، نجد أن الطبقات مكونة من: الإلكترونات، تليها أنوية ذرات (مثل الحديد)، تليها طبقة حيث تكون الأنوية طبقات (مثل الشوائب) داخل محيط النيوترونات، تليها منطقة انتقالية إلى اللُّب، حيث يكون اللُّب عبارة عن موائع فائضة نيوترونية (neutron superfluid) (مرحلة تشبه السائل بحيث لا يوجد بها احتكاك تمامًا) إلى جانب شوائب الجسيمات المشحونة المختلفة الكتلة داخله.
إنه ليس مجرد كيان واحد متعادل الشحنات! ولا تنسَ أن النيوترونات نفسها ليست جسيمات أساسية متعادلة الشحنات، فهي تتكون من جسيمات مشحونة لها شحنات وكتل مختلفة عن بعضها البعض ( 3 كواركات: 2 كوارك سفلي و كوارك علوي)!
أيضا تمتلك النيوترونات نفسها عزومًا مغناطيسية أصيلة (intrinsic magnetic moments) (حيث أنها تتكون من هذه الكواركات (Quarks) المشحونة الموجودة بالصورة أعلاه)، والطاقات العالية بشكل لا يصدق داخل النجم النيوتروني لا يمكنها فقط خَلق جسيمات وجسيمات مضادة، ولكن يمكنها أيضًا إنشاء جسيمات غريبة وشاذة. الجسيمات المشحونة الموجودة داخل النجم النيوتروني عالية التوصيل، بالإضافة إلى أنه لا تزال هناك تدرجات (gradients) في الجاذبية والكثافة ودرجة الحرارة والتوصيلية الكهربية داخله. وعند نصف قطر يبلغ حوالي 10 كم – مع كل كمية الحركة الزاوية لنجم شبيه بالشمس – تدور هذه الأشياء بسرعات تتراوح بين 10 و 70٪ من سرعة الضوء!
باختصار، هذه وصفة لمجال مغناطيسي مُقدَّر بـ 100 مليون تسلا (Tesla)، أو ما يقرب من تريليون مرة ما نجده على سطح الأرض. ولا عجب أن هذا بالضبط ما نراه! حتى بدون التأكد تمامًا مما يحدث في النواة الداخلية للنجم النيوتروني – سواء كان لدينا كواركات عالية الطاقة، وميونات (muons) وتاوس (taus)، أو أي أنواع أخرى من الجسيمات نادرة الوجود في الطبيعة – فإن الفيزياء التقليدية في هذه البيئات الباغة الصعوبة تجعل المجال المغناطيسي فائق القوة أمرًا لا مفر منه. وبهذه الطريقة يُولِّد النجم النيوتروني مجالًا مغناطيسيًا فائق القوة!
ملاحظة: تمت ترجمة المقال بالحصول على الإذن من كاتبه ووفقًا لشروط الموقع الذي نُشر به والتي تُحوِّل الكاتب أن يمنح حق الترجمة لمن يشاء.
المقال الأصلي:
Ethan Siegel, “How are neutron stars magnetic?“, Jul 31, 2014, medium.com