المشكلة الأولى: الجمع بين النسبية العامة والنظرية الكمية في نظرية واحدة يمكنها القول بأنها نظرية كاملة عن الطبيعة (يطلق على ذلك مشكلة الجاذبية الكمية)
يمكننا أن نقسم العالم إلى مملكتين، المملكة الذرية حيث تهيمن ميكانيكا الكم، وحيث يمكننا عادةً تجاهل الجاذبية[1]. المملكة الأخرى هي التي تخص الجاذبية وعلم الكون، وحيث يمكننا غالبًا تجاهل الظواهر الكمية فيها.
لكن هذا لا يمكن أن يكون سوى حل مؤقت ومرحلي. يعتبر تجاوزه أول مشكلة كبيرة يتم حلها في الفيزياء النظرية.
للنسبية العامة مشكلة مع اللانهائيات، لأنه داخل أي ثقب أسود تصبح كثافة المادة وقوة مجال الجاذبية لا نهائيان بسرعة. عند النقطة التي تصبح فيها الكثافة لا نهائية، تنهار معادلات النسبية العامة. يفسر بعض الناس ذلك بإعتباره توقف الزمن! لكن وجهة النظر الأكثر وقارًا هي أن النظرية تكون غير ملائمة فحسب. فكر الأشخاص الحكماء في أنها غير ملائمة لأنه تم تجاهل تأثيرات الفيزياء الكمية.
وللنظرية الكمية مشاكلها الخاصة مع اللانهائيات. إنها تظهر كلما حاولت استخدام ميكانيكا الكم لوصف المجالات مثل المجال الكهرومغناطيسي الذي له قيم في كل نقطة من المكان. هذا يعني أن هناك عددًا لا نهائيًا من المتغيرات (حتى في حجم محدد يوجد عدد لا نهائي من النقط، ومن ثم عدد لا نهائي من المتغيرات). في النظرية الكمية، هناك تقلبات لا يمكن التحكم فيها في قيم كل متغير كمي. ويمكن أن يؤدي أي عدد لا نهائي من المتغيرات، وعدم قابلية التقلبات التحكم فيها، إلى معادلات تخرج عن السيطرة وتتنبأ بعدد لا نهائي عندما تسأل المعادلات الإجابة عن احتمال حدوث حدث ما، أو عن شدة قوة ما. لزمن طويل كان هناك أمل في أنه عند أخذ الجاذبية في الحسبان، فإنه سيتم ترويض التقلبات وسيصبح كل شئ محدودًا.
هكذا كل منهما يحتاج للأخر لحل مشاكلهما، نحتاج لنظرية التوحيد!
المشكلة الثانية: حل المشاكل التأسيسية لميكانيكا الكم، سيان بإعطاء النظرية معنى كما هي عليه أو بابتكار نظرية جديدة يكون لها معنى.
إحدى هذه المشاكل هي مكان رسمك لخط التقسيم، الذي يعتمد على من يقوم بالرصد:
عندما تقيس ذرة ما، تكون أنت وأجهزتك في جانب والذرة في الجانب الأخر. لكن افترض أنني أراقبك وأنت تعمل من خلال كاميرا فيديو وضعتها أنا في مختبرك. أستطيع اعتبار مجمل مختبرك -بما في ذلك أنت وأجهزتك، بالإضافة إلى الذرات التي تتعامل معها- يشكل منظومة واحدة أراقبها أنا. من الجانب الأخر أكون أنا فقط موجوداً!
هناك طرق مختلفة لحل هذه المشكلة:
- إعطاء لغة محسوسة للنظرية، نظرية تحل كل الألغاز مثل تلك التي تمت الإشارة إليها على التو وتدمج تقسيم العالم إلى منظومة وراصد كسمة جوهرية للنظرية.
- العثور على تفسير جديد للنظرية -طريقة جديدة لقراءة المعادلات -تكون واقعية، بحيث لا تلعب القياسات والرصد أي دور في وصف الواقع الأساسي.
- ابتكار نظرية جديدة، نظرية تتيح فهمًا للطبيعة أعمق مما تتيحه ميكانيكا الكم.
المشكلة الثالثة: تحديد ما إذا كانت الجسيمات المختلفة والقوى أو لم يكن من الممكن توحيدها في نظرية تفسرها كلها كحالات ظهور لهوية واحدة أساسية.
الرغبة في توحيد القوى المختلفة أدى إلى عدة تطورات مهمة في تاريخ الفيزياء. قام جيمس كلارك ماكسويل، في 1867، بتوحيد الكهرباء والمغناطيسية في نظرية واحدة، وبعد قرن، تحقق علماء الفيزياء من أن المجال الكهرومغناطيسي والمجال الذي ينشر القوة النووية الضعيفة (القوة المسؤولة عن التحلل الإشعاعي) يمكن توحيدهما. أصبحت تلك هي نظرية الكهروضعيفة (electroweak)، وتم إثبات تنبؤاتها بشكل متكرر في تجارب خلال الثلاثين سنة الماضية.
هناك قوتان رئيستان في الطبيعة (اللذان نعرفهما) يظلان خارج توحيد المجالين الكهرومغناطيسي والضعيف. هاتات القوتان هما الجاذبية والقوة النووية الشديدة (القوة المسئولة عن ربط الجسيمات المسماة بالكواركات معًا لتكوين البروتونات والنيوترونات التي تشكل النوى الذرية)
هل يمكن توحيد كل القوى الأربع؟ هذه هي مشكلتنا الثالثة.
المشكلة الرابعة: تفسير سبب اختيار قيم الثوابت الحرة في النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات، في الطبيعة.
خلال أكثر من ثلاثين سن منذ تمت صياغة النموذج المعياري، تم فحص الكثير من التنبؤات التي قدمتها هذه النظرية بشكل تجريبي. وفي كل حالة، تم إثبات صحة النظرية.
و مع ذلك، للنموذج المعياري مشكلة كبيرة: فيه لائحة طويلة من الثوابت القابلة للتعديل.عندما نضع قوانين النظرية، علينا تحديد قيم هذه الثوابت. في حدود معرفتنا، ستقوم كل الثوابت بهذا الأمر، لأن النظرية متسقة رياضيًا مهما كانت القيم التي نضعها فيها. تحدد هذه الثوابت خواص الجسيمات. ليس لدينا فكرة عن سبب أن هذه الأرقام لها قيم، ونحن نحددها ببساطة بالتجارب ثم نضع الأرقام.
هناك نحو عشرين من هذه الثوابت، ووجود الكثير من هذه الثوابت التي يتم تحديدها بشكل حر في ما هو متوقع أن يكون نظرية أساسية هو أمر مربك إلى حد هائل. كل ثابت يمثل حقيقة أساسية عن مدى جهلنا: بالتحديد، السبب الفيزيائي أو الآلية المسئولة عن وضع الثابت بقيمه المرصودة.
المشكلة الخامسة: تفسير المادة المظلمة والطاقة المظلمة. أو، إذا كانا لا يوجدان، تحديد كيف يتم تحسين الجاذبية على مقاييس كبيرة وسبب ذلك. بشكل أكثر عمومية، تفسير سبب أن ثوابت النموذج المعياري الكوني، بما في ذلك الطاقة المظلمة، له هذه القيم.
خلال العقودالأخيرة، كان علماء الفلك قد أجروا تجربة بالغة البساطة قاسوا من خلالها توزيع الكتلة في مجرة بطريقتين وقارنوا النتائج.
أولًا: قاسوا الكتلة برصد السرعات المدارية للنجوم عن طريق قوانين نيوتن.
ثانيًا: أنجزوا قياسات مباشرة أكثر للكتلة بإدخال كل النجوم والغازات والغبار الذري يمكنهم رؤيته في المجرة في الحسبان.
و لكن النتائج لم تتفق! هناك فقط تفسيران لذلك، ما أن الطريقة الثانية تفشل في التنبؤ بما تتم رؤيته، أو أن قوانين نيوتن تفشل في التنبؤ بشكل صحيح بحركات النجوم في المجال الجاذبي لمجراتها.
يعتقد الآن أغلب علماء الفلك وعلماء الفيزياء أن تلك هي الإجابة الصحيحة عن اللغز. هناك مادة مفقودة، وهي موجودة بالفعل لكننا لا نراها. إنها المادة المظلمة.
اكتشفنا حديثًا أننا عندما نجري عمليات رصد على مقاييس لا تزال أكبر، تناظر مليارات السنوات الضوئية، لا تكون معادلات النسبية العامة كافية حتى عند إضافة المادة المظلمة!
يبدو أن تمدد الكون، الذي انطلقت حركته من> 13.7 مليار سنة، يتسارع، بينما بمعرفة المادة المرصودة إضافة إلى الكمية المحسوبة للمادة المظلمة، يجب أن يفعل العكس -أن يتناقص تسارعه.
من جديد، هناك تفسيران محتملان. قد تكون النسبية العامة خاظئة ببساطة. لقد تم إثبات صحتها بشكل دقيق فقط في مجموعتنا الشمسية وبالقرب من منظومات في مجرتنا الخاصة. ربما بالوصول إلى مقياس يماثل حجم مجمل الكون، لا تكون النسبية العامة قابلة للتطبيق ببساطة عندئذ. أو أن هناك نوعًا أخر من الطاقة يؤثر في تمدد الكون.
و يفضل العلماء التفسير الثاني. حيث أن على الأقل 70% من كوننا طاقة مظلمة، 26% مادة مظلمة، 4% مادة عادية.
يوجد الآن نموذج معياري لعلم الكون، تمامًا مثل وجود النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات الأولية. ويحتوي على قائمة تضم نحو خمسة عشر ثابت. وكما في فيزياء الجسيمات، يتم أخذ قيم الثوابت من الأرصاد لكن لم تفسرها بعد أي نظرية. تمثل هذه الألغاز الكونية المشكلة الكبيرة الخامسة.
ندى عفت محمود علي سالم
المصدر
لي سمولن، كتاب مشكلة الفيزياء ترجمة: عزت عامر، الجزء الأول: تطور لا ينتهي، المشاكل الخمس الكبرى في الفيزياء النظرية، ص49، القاهرة المركز القومي للترجمة، 2016
جميل جدا ان نجد مثل هذه المقالات العلمية الجميلة والباحثة عن الابداع والحلول الجوهرية التي تساهم في رفع ما يلف الفيزياء من بعض الغموض ارجو من كم الاستمرار في مثل هذه المقالات حتى لا نحرم من المعلومات القيمه وشكراً
يبقى الكون وما يحتويه لغز امام كل ابناء ادم يمكن للفزياء تفسير ظواهر وتغيب عنها ظواهر اخرى ويمكن لعلوم اخرى تفسير ووضع حلول لمشاكل الكون لاكن ماانا اراه ان الحقيقة ظاهرة امام العيان والابداع المعرفي يمكن أن يأتي من حيث لانعلم