ما هو الصحيح ؟ ما هو الجميل ؟ العلم يتضمن الصحيح بدءا من الأفكار الحقيقية مثل أن الأرض تتحرك والمستقبل غير متوقع. والعمل لفهم هذه الأفكار ووضعها في صورة منطقية وواسعة للكون. السياسة قد تتضمن ماهية الصحيح وهذا يتطلب فهماً واسعاً وإجماعاً نهائياً للعديد من الاّراء ووجهات النظر التي تظهر غالباً متعارضة. الفن هو التطوير لما هو جميل مهما يكون تعبيره عبر الكلمات أو عبر النوتات الموسيقية أو عبر الهندسة المعمارية.
الحقيقة، الأخلاق، والجمال. كانت هذه الأشياء آمال البشرية المستمرة فهذه المثاليات الثلاثة يجب ان تكون متناسقة مع بعضها البعض. الى الان النشاطات الناجحة في العلم والسياسة والفن تختلف إلى حد كبير. وانا اعتقد ان هذه النشاطات الثلاثة يمكن ان تسعى بدون الحاجة الى بعضها البعض وبدون الحاجة إلى التوفيق بين التناقضات التي قد تنشأ. اليوم هناك نظرة لوجود تناقض قوي بين النتائج العلمية و المتطلبات الأخلاقية على سبيل المثال، تطبيقات العلم أدت إلى تطوير الأسلحة النووية بينما الأخلاق ترى ان مثل هذا الطلب لم يقترح من قبلها وأن الأبحاث التي تؤدي إلى صنعها يجب ان تتوقف.
التناقض وعدم اليقين، العالم نيلز بور الذي يعتبر من الآباء المؤسسين لميكانيكا الكم أحب التناقض فلم يرد ان يتحمل فكرة ان ميكانيكا الكم في يوم من الأيام تحل محل الفيزياء الكلاسيكية. بالنسبة لبور، كان للفيزياء الكلاسيكية ان تبقى في تناقض دائم مع ميكانيكا الكم وحالة التوتر بينهما تكون جزءا من العلم. وبنفس الطريقة اثار العلم والفن والسياسة يحب ان تبقى مستقلة. يجب ان نتعلم العيش مع التناقضات لأنها تقود لفهم أعمق وأكثر تأثيرا. ونفس الشيء ينطبق على عدم اليقين.
فوفقا لعدم اليقين لهايزنبرج، فقط التنبؤات الاحتمالية يمكن إجراؤها بشأن المستقبل. علاوة على ذلك، فالأحداث الصغيرة يمكن ان تملك نتائج مهمة. مثال في كل يوم يحدث وهو التنبؤ بالطقس. فالمتنبئين بالطقس يستطيعون التنبؤ بالطقس خمسة أيام فقط ولكن إذا ضاعفت المدة فالتنبؤ قد يكون غير دقيق. وليس من الواضح ما إذا كانت التوقعات البعيدة المدى مستبعدة إلى الأبد. ولكن هذا المثال يوضح ان الأسباب الصغيرة يمكن ان تملك تأثيرات كبيرة.
وهذا الوضع يعطي مثالا واضحا في الإرادة الحرة. في عالم حتمي تماما، ما نعرفه كإرادة حرة في البشر قد خفض إلى مجرد وهم. انا قد لا اعرف ان العالي محددة سلفا في بعض الجزئيات الخاصة بي والمعقدة التكوين وان قراراتي ليست أكثر من إدراك. ما هو الفطري أو المتأصل في تكوين الإلكترونات. وفقا لميكانيكا الكم ، لا يمكننا استبعاد احتمال ان الإرادة الحرة هي جزء من العملية التي يتم إنشاؤها في المستقبل. يمكننا ان نفكر في خلق العالم كعالم ناقص وكائنات ناقصة، وجعل باب الاختيار مفتوحا الاحتمالية. وقد يقول قائل ان هذه الفكرة رائعة. فبالطبع اينشتاين يؤمن بحزم بالسببية ويرفض الجزء المتعلق بميكانيكا الكم وفي قوله الشهير : ( حين يحكم الله العالم من قبل مجموعة من القوانين، الله لا يلعب النرد مع الكون). وقد بذلت محاولات في اضافة قوانين لميكانيكا الكم للقضاء على عدم اليقين. لم تبوء هذه المحاولات بالفشل فقط وإنما لم تعطي نتائج مثيرة للاهتمام حتى.
ففي عام 1949 أعطيت المشورة لمتابعة العمل على القنبلة الهيدروجينية وفي أغسطس من عام 1949 اختبر السوفييت قنبلتهم الذرية الأولى. وقبل أربع سنوات من ذلك كان قد تم وقف العمل على القنبلة الهيدروجينية في الولايات المتحدة وبعدها واصلوا العمل فبعض العلماء شعر بأنه يجب مواصلة العمل عليها وعدم التوقف لسببين وهما السعي وراء المعرفة وتوسيع القدرات البشرية الجديرة بالاهتمام في جوهرها أما الثاني هو قلقهم من ان السوفييت متقدمين عليهم في التكنولوجيا العسكرية.
نأتي الآن إلى منشأ الأخلاق فحسب رأي العالم النفسي روي بورميستر يقول ان الثقافة هي استراتيجية البيولوجيا الإنسانية، لذا فالطبيعة البشرية قد تشكلت من قبل عملية تطورية والتي تم اختيارها في صالح هذه الصفات التي تؤدي إلى نوع جديد ومتطور من الحياة الاجتماعية (ثقافة). وبالتالي الدراسات لعمليات الدماغ سوف تزداد بدلا من ان تحل محل أساليب أخرى لدراسة السلوك البشري. فالأخلاق في نهاية المطاف نظام من القواعد التي تمكن مجموعة من الناس على العيش معا في وئام معقول. ومن بين أمور أخرى تسعى الثقافة لتحل محلها العدوان مع الأخلاق والقوانين والتي تعني المرحلة الابتدائية لحل النزاعات التي تنشأ في الحياة الاجتماعية.
وحسب رأي عالم النفس بول بلووم فإن البشر يولدون مع الأخلاق السلوكية الثابتة. والتي تولد شعوراً عميقاً بالخير والشر مدفون في العظام. وتظهر الأبحاث ان الأطفال الرضع والصغار يمكنهم ان يحكموا على الخير والشر من خلال أفعال الآخرين. فهم يريدون مكافأة الجيد ومعاقبة المسيء وهم يشعرون بالغضب والخجل والفخر ويشعرون بالذنب. لذا فالإنسان تحكمه أخلاقيات اجتماعية ولا وجود للإرادة الحرة.
يقول عالم الرياضيات جاكوب برنانوسكي :(سواء كانت حلماً أم كابوساً يجب علينا ان نعيش هذه التجربة كما هي ويجب ان نعيشها مبكراً، نحن نعيش في عالم يتوغل عن ظهر قلب بالعلم وكلاهما متكاملان وحقيقيان، نحن لا نستطيع تحويلهما إلى لعبة عن طريق أخذ الحذر).
مصادر
Edward Teller, Science and Morality, Science 22 May 1998: Vol. 280, Issue 5367, pp. 1200-1201, DOI: 10.1126/science.280.5367.1200
HOWARD GARDNER, “The New Science of Morality”, edge.org, 7-20-2010