لماذا تبدو اللّغات مختلفة تمامًا على الرغم من أنّ الأشخاص في جميع أنحاء العالم يملكون نفس أعضاء الكلام تقريبًا (الفم، والشفاه، واللسان، والفك)؟ فهل يفسّر شكل المسالك الصوتية بعض الاختلاف في أصوات الكلام؟

في الحالات الفردية القصوى، يكون ذلك واضحًا: عندما يولد الأطفال بانشقاق في الحنك (لا يتشكل سقف الفم بشكل صحيح)، يؤثِّر هذا على حديثهم. ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كانت الاختلافات التشريحية الدقيقة بين المتحدّثين الطبيعيين تلعبُ دورًا أم لا.

تتشكل اللغة والكلام أيضًا عن طريق الاستخدام المتكرر وعبر الانتقال من الآباء إلى الأطفال. ومع انتقال اللغة إلى الأجيال الجديدة، قد تتضخم الفروق الصغيرة في بعض الأحيان. قادت هذه الملاحظة فريقًا مقره معهد ماكس بلانك لعلم اللغويّات النفسي في نيميغن، هولندا، إلى التساؤل عمّا يحدث عندما تقابل الاختلافات الدقيقة في تشريح الطريق الصوتي الانتقال الثقافي.

قرر الفريق التّركيز على ما إذا كان شكل الحنك الصلب قد يُؤثر على طريقة تعلم حروف العلة وتوضيحها ونقلها عبر أجيال من الأدوات الاصطناعية. ونظرًا لأن تغيير شكل الحنك الصلب لدى المشاركين من البشر يمثل مشكلة أخلاقية وعملية، فقد اختار العلماء إجراء دراسة حسابية، معتمدين على نموذج حاسوبي للطريق الصوتي.

قام الفريق بإدخال أشكال حقيقية للحنك الصلب من أكثر من 100 عملية تصوير بالرنين المغناطيسي للمشاركين من البشر إلى النموذج الحاسوبي. ومن خلال التّعلم الآلي، قاموا بتدريب الأدوات الاصطناعية على التعبير عن أحرف العلّة الخمسة الشائعة، مثل صوت “ee” في “beet”، وصوت “oo”في”boot”. بعد ذلك، حاول جيلٌ ثانٍ منها تعلّم حروف العلّة هذه، والتي تم نقلها بعد ذلك إلى الجيل التالي، وهكذا على مدى 50 جيلًا.

“هذا يحاكي نموذجًا بسيطًا لتغيّر اللغة وتطوّرها في جهاز الحاسوب”، كما يشرح المؤلف المشارك ريك يانسن، أخصائي التعلّم الآلي في (ALTEN)، و(Philips Research) في هولندا.

هل تؤدي الاختلافات التشريحية الدقيقة في شكل الحنك إلى اختلافات في النطق؟ والأهم من ذلك، هل تصبح هذه الاختلافات أكثر وضوحًا من خلال الانتقال المتكرر؟

يعتبر علم الأحياء مهمًّا في هذه المسألة، فالاختلافات الدقيقة في شكل الحنك الصلب أثّرت على مدى دقة التعبير عن حروف العلّة الخمسة. الأهم من ذلك أن الانتقال الثقافي للأصوات عبر الأجيال زاد من هذه الاختلافات الصغيرة، على الرغم من أن الأدوات الافتراضية حاولت بنشاط تعويض شكل الحنك الصلب عن طريق استخدام أعضاء كلام أخرى (مثل اللسان). “حتى الاختلافات الصغيرة في شكل القناة الصوتية لدينا قد تؤثر على الطريقة التي نتحدث بها، وقد يتم تضخيم هذا الأمر – عبر الأجيال – إلى مستوى الاختلافات بين اللهجات واللغات. وبالتالي، فإن علم الأحياء مهم في هذه القضية”، يوضّح دان ديو (Dan Dediu)، المؤلف الرئيسي حاليًا في المركز الديناميكي للّغات في جامعة (Lumiere Lyon 2) في فرنسا.

وفقًا للمؤلّفين، فإن هذه النتيجة قد تساعد الباحثين أيضًا على فهم آثار التباين التشريحي بشكل أفضل على الكلام وكيفية تصحيحه عند الرغبة، على سبيل المثال، في حالة أمراض النطق وعلم اللغويات الشرعي، وطب الأسنان، والتعافي بعد الجراحة. ولكن الأهم من ذلك، أن الدراسة تسلّط الضوء على أهمية التباين الفردي في الكلام واللغة في سياق أوجه التشابه بيننا.

ويختم (Scott Moisik) المؤلِّف المشارك الموجود حاليًا في كلية العلوم الإنسانية، جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، بما يلي: “وفي حين أنّنا جميعًا بشر، ومتشابهين بالأساس نفسه، لكنّنا أيضًا فريدون، ويمكننا جميعًا سماع ذلك”.

تم نشر الدراسة في (Nature Human Behavior).

المصادر

Max Planck Society, “Variation in the shape of speech organs influences language evolution”, phys.org, AUGUST 19, 2019