هل ولد البشر وهم يمتلكون قابليات تمكنهم من الادراك المكاني الفطري في عالمنا الواسع؟ ذلك هو سؤالٌ الذي اقلق المفكرين، رجوعا حتى أرسطو على الاقل. المنحازين يجادلون لصالح أن الأمر هو إدراكٍ فطريٍ، لكن الاخرين، لاسيما بنيامين ورف، ناضل لصالح ان الادراك المكاني يتم توجيهه من قبل اللغة المكتسبة بالتعليم. بمقارنة ناس ذوي خلفيات لغوية مخلتفة وكذلك مقارنة الاستراتيجيات المكانية للاطفال الصغار مع القردة الكبيرة. لقد وجد الباحثون دليلاً يؤدي الى حل وسيط: وهو أن البشر يمتلكون ستراتيجية مكانية فطرية، ولكن يمكن تجاوزها باللغة.
بدأ دانيال هان وأقرانه من معهد ماكس بلانك لعلم اللغة النفسي في نيجميغن (Nijmegen) في هولندا باختبار 12 اثنا عشر بالغا هولنديا و 12 اثنا عشر طفلا بعمر 8 سنوات تقريبا. قارن الفريق هؤلاء البالغين والأطفال مع عدد مشابه من البالغين والأطفال من نفس الأعمال من قبائل الهاكيوم، وهي من قبائل الصيد والجمع في ناميبيا. يكمن الاختلاف الرئيسي للغة هؤلاء في كيفية وصفهم للمكان. الهولنديون، كأغلب الاوربيين، يعتمدون على مايُسمى بالإنشاءات المجردة، وفيها يوصف المكان من وجهة نظر المتحدث. مثلا “الكرة على يسار الشجرة”. بينما الهوكيميون عادةً ما يعتمدون على ما يسمى نظام التوجيه مستقل الناظر (المستقل من وجهة نظر الرائي) (viewer-independent directional system)، وفيها يوصف المكان من نظام إتجاهي مستقل عن المشاهد. مثلا ” الكرة على شمال الشجرة” [حيث لا يأخذ الرائي بنظر الإعتبار موقعه الشخصي بل مواقع الشجرة جنوباً، شمالاً، شرقاً وغرباً].
لوحظ الاشخاص عندما خبئ الباحث الذي يواجههم قطعة تحت قدح من اصل خمسة أقداح أخرى مواجهة لهم؛ بعدها حاولوا ايجاد كتلة مشابهة تحت الأقداح الخمسة الواقعة أمامهم. وقد تباين مكمن تلك القطعة المخفية أمامهم بين وجهتين:
في حالة الإختبار الانانية اذا ما وضع الباحث الكتلة تحت القدح في اقصى اليسار الاقرب له، فأنهم يعثرون عليه في القدح الواقع بأقصى يمينالمشارك.
أما في حالة اختبار التمركز حول الجسم نفسه، فقد حافظت القطع على نفس العلاقة بما يسمى العلاقة المُعَلَمة، كأن يفصل المُختبِر (من يختبر المشاركين) او أن شاشة ما تفصل بين مجموعتي الاقداح.
واخيرا، في حالة اختبار المركز الارضي (بالإعتماد على الإتجاهات الأرضية)، اذا كانت الكتلة مخبأة تحت القدح الشمال غربي موجهة الشخص الذي يجري الاختبار، فإن عناصر الاختبار يعثرون على نظيرهِ تحت القدح الشمال غربي المواجه للشخص.
واجه كل شخص كل حالة من الحالات (10) عشرة مرات، وكما كان متوقعا، ادى الهولنديون بمختلف الاعمار بشكل أفضل تحت ظروف نسبية في حين ان الهايكوم من مختلف الاعمار افضل في اختبار القياس بحسب الإتجاهات الارضية (على الرغم من ان الهايكوم البالغين لم يؤدوا جديا تحت اي ظرف بشكل عام). ” لكن حتى لو بدا الاختبار غريبا عن الهايكوم، الا انهم اظهروا تفهما للمشكلة و فضلوا حلها بطريقة اكثر من الاخرى” كما لاحظت هاون (Haun). “الشيء المثير للاهتمام هو ان الاختلاف بين حضارتنا و حضارتهم هو في اتجاهايات ذلك التفضيل”.
لكن هاون (haun) وسعت هذه التجربة لتحديد، إذا ما كان أقرب اقرباءنا –القردة العليا – يشاركوننا التفضيل الفطري لاستراتيجية ما دون غيرها. فقامت بإختبار القردة العليا مقابل 12 طفلا ألمانيا تقارب اعمارهم الخمس سنوات، وجد الباحثون أن اداء الكل كان أفضل حيث عُثر على الكتلة مخفية تحت القدح الذي ابقى على نفس العلاقة المكانية مع البيئة المحيطة. في الواقع، ستة من قردة الاورانج اوتان (السعلان) المختبرة ادت أفضل من اختبار حالة الأنانية (عندما ينظر الشخص للقدح والكتلة تحته من وجهة نظر موقعه شخصياً). تخلص هاون إلى أن “جميع الأجناس تفضل المعالجة البيئية -على الانانية- للعلاقات المكانية” في ورقة عرض النتائج المنشورة على الإنترنت هذا الأسبوع في إجراءات “الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة”.
وبطبيعة الحال، تبقى اسئلة مثل كيف قد تتجاوز اللغة الأوروبية تفضيلا فطرياً ولماذا لم يكمل كبار الهايكوم التجربة بشكل أفضل نتيجة للالتزام اكثر بتحيزهم للمركزية الأرضية. تفسر هاون “أعتقد أنه، مرة اخرى، أن الأمر ذو علاقة بحقيقة أن حالات الاختبار المجردة هي اشياء يومية للأوروبيين، اشياء غريبة جداً بالنسبة للهايكوم”. “لذا فهذا هو توقعي: إذا ما اختبرنا ثقافةً أخرى، مع تعليم مدرسي موحد محدود متساوي ما عدا اللغة المكانية الأنانية (الانوية – المتمركزة حول الذات)، فيجب ان يكون ادائهم أسوء من الهايكوم. سوف اصل لذلك بعد قليل.” على سبيل المثال، قد تختبر هاون الناطقين بلغة بانتو، والتي ويتحدث بها ناس يعيشون على بعد كيلومترات قليلة من الهايكوم. ولكن الإجابة قد لا تكون ببساطة اما الاولى أو الأخرى: “أعتقد أن كلاً من انواع أسلاف الإنسان الاخرى واسلافنا من المحتمل أن يكون لهم عدة طرق مختلفة لوضع تصور للفضاء الذي يتأقلمون معه” ملاحظات عالم النفس نيوكومب نورا من جامعة تمبل. “تميل لغة الإنسان العاقل (Homo sapiens) الى الموازنة بين المعنى المؤكد عليه والمعنى الذي يُعتقد أن يكون مقصوداً في حالات الاختبار هذه”.
وتضيف “ما نحتاجه لغرض حل هذا النقاش هو تجارب تكشف عن مستوى مرونتنا ومرونة الانواع الاخرى كدالة لأختلاف المهمة”. الحقيقة البسيطة بأن قراء اللغة الإنجليزية يمكنهم فهم هذه المناقشة هذه حول الاستراتيجيات المكانية المختلفة المضمنة تعني أننا يجب نكون قادرين على الأقل استيعاب النهج المختلفة وتوظيفها، كما يصح هذا بالنسبة لمعظم المتكلمين باللغات الأخرى. وقد تكون تلك القدرة العالمية التي يسعى الباحثون للعثور عليها: “سوف أبدأ بالبحث عن أمور تعتبر فريدة بالنسبة إلى البشر بين القردة وعالمية عبر الثقافات،” ملاحظات هاون. ” من الصعب جداً إثبات العالمية ، ولكن سوف أبذل قصارى جهدي”.
http://www.scientificamerican.com/article/language-may-override-inn/