العلوم الشعبية هي مصطلح شامل لكافة العلوم غير الأكاديمية المقدمة لعموم الجمهور، ومن خصائصها حذف كل ما هو معقد وغير هام للقارئ غير المتخصص مثل حذف المعادلات الرياضية في كتب ومقالات الفيزياء وحذف النسب وتفاصيل المواد الكيميائية في المواضيع التي تتكلم عن المواد والكيمياء كالصيدلة وعلم الأدوية. أيضاً لا تسهب العلوم الشعبية في ذكر أي حقائق تفصيلية قد تسهم في إعطاء مظهر معقد وصعب للقارئ وبالتالي إبعاده عن المادة. كما تتميز العلوم الشعبية بالأسلوب المميز في شرح الحقائق مع الاستعانة بالأمثلة والتبسيط غير الشائع  في المواد العلمية الأكاديمية. يندرج تحت مصطلح العلوم الشعبية جل ما تطرحه مواقع المقالات العلمية من مواد، الوثائقيات العلمية والكتب العلمية مثل (الجين الأناني) لريتشارد دوكينز و(موجز تاريخ الزمان) لستيفن هوكينغ وجل ما يعرفه المطلع الاعتيادي على العلوم من طروحات كارل ساجان، بريان جرين، ستيفين هوكنيج، نيل ديجراس تايسون، ميشيو كاكو، ريتشارد فاينمان.

يقول مايكل لين في كتابه (العلوم الشعبية والرأي العام في فرنسا في القرن الثامن عشر) أن الجهود المبذولة في العلوم الشعبية ساهمت خلق اهتمام عام بالعلم لكنها في الوقت نفسه طرح الاسئلة حول الجمهور الجديد، فالجمهور الجديد رغم بساطة المحتوى لم يكن من الطبقات الشعبية بل من الطبقات التي لديها معرفة علمية من الاساس [2].

بعكس العلوم الشعبية فإن الكتابات العلمية الأكاديمية المتمثلة بالمصادر الأصلية وهي الأوراق البحثية سواء الجديدة أو أوراق المراجعة والكتب المرجعية العلمية وكافة التقارير العلمية، جميع تلك المواد تتضمن كافة التفاصيل الممكنة حول المادة المراد الحديث عنها، كما تتميز بالتخصص الشديد، مثلاً لا يُمكن أن نجد كتاباً متخصصاً أكاديمياً يتكلم عن الفيزياء بشكل شامل، بل سيكون تفصيلاً دقيقاً جداً في أحد مواضيع الفيزياء. الكتب العلمية المرجعية تحاول أن تجمع عدداً كبيراً جداً من الحقائق في مجال معين بعضها تضم عدداً من الأوراق البحثية المختصة بمجال معين. في بعض الأحيان تضم الكتب العلمية الاكاديمية بعض الاختصار لا من حيث التفاصيل المهمة بل من حيث اختصار تفاصيل الإجراءات البحثية التي أدت للوصول إلى النتائج، مثلاً لشرح عمل جهاز معين في جسم الإنسان قد يكتفي المصدر الطبي بالإشارة إلى  الأوراق البحثية التي اكتشفت التفاصيل المختلفة لكنه بصورة عامة سيوجز الحقائق حول عمل الجهاز وربما المواد الكيميائية ذات الصلة به دون الخوض في كيفية إثبات واكتشاف تلك الأمور.

ينظر البعض للعلوم الشعبية على أنها مهما حاولت فستتضمن انتقاصاً غير مقصود في تقديم المادة العلمية. يرى البعض أن الصورة لن تكون كاملة دون معادلة رياضية حتى لو كان ذلك على حساب فهم العامة للأمر، ربما يرون أن الصورة يجب أن تقدم كاملةً أو أن لا تقدم من الأساس وأنه ليس هناك حاجة كبيرة للاطلاع غير المتخصص على المواد العلمية.

يقول مايكل شيرمر في مقال له حول تصنيف العلوم الى تقنية وشعبية: “بين كتابة العلوم التقنية والعلوم الشعبية هناك ما أسميه (العلوم المتكاملة) تلك العملية التي تخلط البيانات مع القصة ومع النظرية، دون تلك الثلاثة لا يمكن أن يستقيم الأمر، إنه كالجدال حول من هو الأكثر أهمية في حساب مساحة الدائرة هل هو النسبة الثابتة أم مربع نصف القطر”. يصف شيرمر الأمر “إن العلم ليس مجرد أوراق بحثية منشورة في مجلات وجميع ما عداها هو مجرد تسطيح فتلك النظرة جاهلة وضيقة جداً ولو كانت صحيحة لكان علينا أن نتخلى عن كثير من الأعمال الثمينة بدءاً من أصل الأنواع لداروين” [1].

قيل لداروين أن كتابه أصل الأنواع تنظيري إلى حد كبير حتى أنه كان يجب أن يضع الحقائق فقط ثم يترك الأمر للآخرين فأجاب داروين موضحاً العلاقة بين البيانات والنظرية: “منذ ثلاثين سنة كان هناك الكثير من الكلام من علماء الجيولوجيا ممن كانوا يلاحظون فقط ولا يُنظرون، وأنا أذكر أحدهم يقول أنه على هذا النحو يشبه الأمر أن يذهب شخصٌ لحفرة مليئة بالحصى ثم يقوم بحساب الحصى ويصف الوانها. كم هو غريبٌ أن ننال جميع تلك الملاحظات ثم لا نكون مع أو ضد أي رأي بخصوصها إذا كان لذلك اي فائدة ممكنة!”[1].

من وجهة نظر معينة تقع الكتب المنهجية المدرسية في المنتصف بين العلوم الشعبية وبين الكتب المتخصصة فهي تجعل الطلبة يسلكون طريقاً معيناً يمرون من خلاله بالمعادلات الرياضية والتفاصيل التي تُذكر فيها الأرقام والحسابات لكنها في الوقت نفسه تتوقف عند حدٍ معينٍ من التعقيد. بالمقابل ورغم التوقف عند هذا الحد من التعقيد فإن كتب الفيزياء والكيمياء والرياضيات لطالما كانت كابوساً للكثيرين وجعلتهم يكرهون هذه المواد الى الأبد.

إن ما أثبتته طبيعة فهم العلوم من دور في تقبل العلوم الزائفة والخرافات تجعلنا أمام أمر حتمي في الترويج للعلوم الشعبية وتنويع طبيعتها بين الكتب والمقالات والوثائقيات، ذلك أن فهم العلوم بشكل صحيح هو الذي يعطي للجمهور المناعة الحقيقية بوجه الخرافة وليس فقط مقالات التفنيد وشرح طبيعة الخرافات، ففي نهاية الأمر ليس هناك حصر أو نهاية لعدد أو طبيعة الخرافات التي يُمكن أن تظهر في أي مجال. مثلاً في الطب يُمكن لأصناف وفلسفات الطب البديل (الزائفة عموماً) أن تصل إلى المئات بل الى الآلاف وبحسب الاعتقادات الشعبية الموجودة وليس بإستطاعة أي جهة علمية أن توفر الردود المناسبة لجميع تلك الخرافات. كما أن فهم طبيعة الردود بذاته يتطلب مستوى معين من الفهم العلمي لكيفية عمل الجسم، وبالتالي فإن الطريق الأسلم والأنجح لمحاربة العلم الزائف والخرافة يتمثل بطرح الفهم الصحيح المبسط، طالما أن خط الدفاع الأول وهو المناهج المدرسية فشلت على أرض الواقع على الأقل في طبقة معينة من الناس لكي يمتلكوا المناعة اللازمة بوجه الخرافات والعلوم الزائفة.

مراجع

  1. Michael Shermer, “The Really Hard Science”, michaelshermer.com, October 2007
  2. Michael R. Lynn, “Introduction”, page 3-4, Popular Science and Public Opinion in Eighteenth-Century France, Manchester University Press

راجع المقال: رمزي الحكمي