Podcast: Play in new window | Download
حاسة الرقم: كيف يصنع العقل الرياضيات. عنوان الكتاب بالانجليزية: The Number Sense: How the Mind Creates Mathematics
المؤلف هو البروفيسور ستانيسلاس ديهين الذي يشغل منصب رئيس قسم علم النفس التجريبي الادراكي في كلية فرنسا (كوليج دو فرانس) بباريس حالياً وصاحب كتب أخرى كثيرة في العلوم الإدراكية. سنمر على أفكار عديدة من الكتاب ولا تغطي قراءتنا فيه بالضرورة تسلسل وتغطية لكل ما ورد في الكتاب. سيتم نشر نص البودكاست في العدد القادم لمجلة العلوم الحقيقية.
رابط يوتيوب: https://youtu.be/8vYgf2Crilw
رابط الموقع: https://real-sciences.com/?p=257393
نص البودكاست:
سنمر على أفكار عديدة من الكتاب ولا تغطي قراءتنا فيه بالضرورة تسلسل وتغطية لكل ما ورد في الكتاب.
الإرث الذي أخذناه من أسلافنا في المملكة الحيوانية يعد أمراً مميزاً في الكتاب. هل كنت تعلم أن الجرذان مثلاً تمتلك تمثيلاً تجريدياً للأرقام؟ يعني ذلك أن إدراكها للحساب ليس فقط حسياً وقائماً على تكرار المشاهدات بل تمتلك تمثلاً معيناً للأرقام. كيف فهم العلماء ذلك؟ في العادة تقوم التجارب على ربط ومضتين أو صوتين مثلاً بالرقم اثنان، أو بربط زر معين يضغطه الحيوان ليحصل على مكافأة. وهنا قام رسل تشرتش (Russel Church) وورين ميك (Warren Meck) بتغيير طبيعة الإشارة الحسية فمثلاً بدلاً من ربط الرقم اثنان مع الزر الواقع على جهة اليمين، أو بأربعة ومضات من الضوء فقد قاموا بعكس ذلك لفترة ما. والمفاجئة أن الجرذان أدركت مرة أخرى ما يرتبط باثنان أو أربعة. مما يدل على أن إدراك الجرذان للرقم اثنان وأربعة لا يقترن بالتجربة الحسية بل له ترميز معين.
غير أن عقول الحيوانات لا تستوعب الأرقام بالطريقة الدقيقة التي نمثل فيها الأرقام بالرموز الكثيرة التي نعرفها من آلاف وملايين. حتى نحن لا نستطيع أن نستوعبها كما هي ممثلة بنظام الأعداد. ما يحدث هو أن أذهاننا كسائر الحيوانات الأخرى القادرة على ذلك، تستطيع تمييز الأرقام البسيطة مثل 1، 2 أو 3 بشكل حاسم وسريع، لكن حينما يكبر الرقم فإن ما يستطيع الدماغ فعله هو تمييز الكميات بشكل ضبابي، فمثلاً يمكن للحمامة أو الفأر تمييز أن 45 أكبر من 20، لكن لا يمكنهما ولا يمكن حتى للإنسان أن يميز لوهلة بأن 49 أصغر من 50، لاسيما حين تكون ممثلة بعدد من الأجسام.
لكن لماذا تمتلك الحيوانات مهارات الحساب تلك؟ السبب أن ذلك يمثل ميزة للبقاء. الكلب الجائع القادر على تمييز أن الطبق الكامل أكبر من نصف الطبق سيستطيع الحصول على كمية أكبر من الغذاء. والسنجاب الذي يدرك أن كومة تتكون من أربع قطع جوز هي أكبر من جوزتين سيحصل على كمية أكبر من الغذاء أيضاً.
الآليات العصبية لإدراك الأرقام لم تفهم في الإنسان فحسب بل أيضاً في الحيوانات. ريتشارد ثومبسون (Richard Thompson) عالم الأعصاب من جامعة كاليفورنيا سجل لأول مرة في الستينات نشاط عصبونات معينة في قشرة دماغ القطط حينما كانت القطة تشاهد ومضات من الضوء بعدد معين أو تسمع أصواتاً بعدد معين. أحد تلك العصبونات مثلاً أظهر إشارة بعد حصول ست إشارات سواء كانت ومضات للضياء أو أصوات قصيرة أو أصوات طويلة.
لا يختلف الأمر كثيراً لدى أطفال البشر فإذا زاد العدد قلت الدقة. ففي تجربة أجريت عام 1967 على يد كل من ميهلير وبيفير وضعوا فيها صفين من قطع حلوى ام اند ام بأربع قطع لكل صف، لكن حين قاموا بتقصير أحد الصفين ووضع قطعتين اضافيتين كان الأطفال بعمر ثلاثة إلى أربعة سنوات يفضلون الصف الآخر الذي يبدو أطول رغم أن فيه أربعة قطع فقط. مما يشير إلى أن الأطفال فهموا حس الحجم والمساحة ولم يفهموا العدد. بالمقابل فإن الأطفال بحسب تجربة أخرى كانوا قادرين على تمييز أن الرقم اثنان أصغر من ثلاثة حتى وهم بعمر أيام بعد الولادة. التجربة للأطفال بهذا العمر صممت بعناية وأخذت بنظر الاعتبار الموقع والطول بحيث لا يختار الأطفال الصف الأطول مثل التجربة السابقة، كان الأطفال ينظرون الى الشاشة وتظهر أمامهم أجسام مختلفة، جسمين أو ثلاثة، ويتم الحكم على ردود أفعالهم من خلال . وفي تجربة أخرى كان يتم عرض دبين واخفاءهما، وقد لوحظ أن الأطفال الرضع يطيلون النظر ويدهشون حين ظهور حالة مستحيلة وهي 1+1 = 1 وقد ثبت في التجربة أن الأطفال قادرين على فهم أن 1+1=2.
فهمنا للأرقام بحسب فلسفة الكتاب يعتمد إلى حد ما على كونها كميات أو أحجام مرئية. نعم نحن نستطيع التمييز والحسم بين رقم كبير معين وآخر أصغر منه بفارق واضح لكن من الصعب الحسم بين مجموعة من الأجسام أحدهما يحمل 49 جسماً والأخر 52 مثلاً. يذكر الكتاب تجارب حول الأخطاء في الحساب أو في تقييم الأكبر والأصغر فيتضح أننا لا نخطئ في الأرقام الصغيرة إلى حد معين مثل 3-4 لكن الأخطاء تبدأ بالزيادة حين نتحدث عن أرقام مثل 9-10 وكذلك الحال في التجارب التي تقوم على الوقت الذي يستغرقه الدماغ لانجاز حل مسألة رياضية معينة ومراقبة التصوير الدماغي أثناء ذلك أو مجرد حساب وقت الحصول على الإجابة الذي يحدث بفارق شاسع بين الأرقام الصغيرة والأرقام الأكبر بقليل مما يشير إلى ما يشبه الحاسة في التعامل مع الأرقام إلى حد معين وبشكل معين لكن ليس مع الأرقام الكبيرة. بذات الهيئة، نحن نفهم بعض أنظمة الأرقام كالتقويم وفئات النقود التي تتوزع بشكل متزايد مثل 1، 2، 5، 10، 20، 50، 100، 200، 500 وهكذا لتوافق حاسة العدد لدينا.
تفاعل الأرقام لدينا مع اللغة يعكس أيضاً الأرقام التي نفهمها بشكل فطري، أو كحاسة للعدد، حيث أن هناك تمثيل قواعدي للمثنى والمفرد من جهة والجمع من جهة في اللغة العربية وهذا المثال نذكره نحن وليس من الكتاب. أو ما يذكره الكتاب من كلمات مثل ثنائي وثلاثي بالضد من كلمات حول الجمع بشكل عام. يذكر الكتاب أن كلمة ثلاثة قد تكون في اللغة الهندوأوروبية الأولية تعني الكثرة والجمع ليس إلا ومن ترسبات ذلك بقاء كلمات مثل tres بالفرنسية وتعني اليوم جداً مما يعني أن الأرقام كانت فقط واحد واثنان ثم “كثير” او “جمع” وهذا ما يمكن ملاحظته بلغات بعض القبائل التي لا تمتلك اعداداً في لغتها اليوم.
الأرقام بالشكل الذي نعرفه اليوم تعد بشكل ما مفهوم لغوي. طول الكلمة له دور في طبيعة الحساب حتى، ومن القضايا المثيرة للاهتمام في الكتاب هي طول لفظ كلمات الأرقام وثمن ذلك على الحساب بلغة معينة حيث يصبح الحساب أصعب لأن خزن تلك الأرقام في الذاكرة قصيرة الأمد يكون أقل كفاءة مع طول لفظ الكلمات. يذكر الكتاب تجارب تقارن بين سرعة ودقة الحساب لدى متكلمي الصينية بالضد من الويلزية حيث تكون الأرقام طويلة جداً والإنجليزية التي تقع ما بين الاثنين. مدى الذاكرة او memory span يلعب دوراً أيضاً في قدرة الحساب الفوري التي يناقشها الكتاب أيضاً بإسهاب ويناقش آلياتها العصبية.
لن نتطرق إلى مواهب الحساب الخارقة وتفسيرها في الكتاب ونترك ذلك لمن يريد قراءة الكتاب، لكن يتطرق الكتاب إلى مواهب أغرب ذات صلة بالأرقام مثل شخص يبلغ من العمر 14 سنة وهو قادر على تذكر التقويم الغريغوري يوماً بيوم. بالتأكيد هذه ليست موهبة فطرية حيث لا يوجد شيء يستدعي من الدماغ أن يعرف ما هو ديسمبر كما يقول الكتاب.
استعراض احدى المواهب الغريبة تلك كان يدعو للذهول بالفعل. يسرد الكتاب حواراً بين أستاذ جامعي يدرس إحدى تلك المواهب، يسأل الأستاذ الطالبة عن ناتج طرح ثلاثة من أربعة فتعجز عن الإجابة، فيعيد صياغة السؤال بعدة طرق وتفشل، ثم يسألها عن أيهما أكبر وتعجز عن فهم مفهوم أكبر وأصغر. ثم سألها عن كم رقم بين ثلاثة وأربعة فعجزت عن الإجابة. السؤال الأخير المذهل كان حول ضرب رقمين من المليارات، فأجابت فوراً. فسألها كيف عرفت ذلك؟ قالت أنها تتذكر كل الاحتمالات الممكنة للضرب.
كما ذكرت، فإن هذا جانب يسير مما في الكتاب، وندعو لقراءته بالدرجة الأساس للاطلاع على كل ما فيه.