إذا شئنا أن نبدأ بالأخبار الجيدة، فإن موضوع العادة السرية masturbation يحظى بسمعة جيدة في المجال العلمي، فالدراسات الحديثة تؤكد أن العادة السرية طبيعية [1]، بديل آمن للمارسات الجنسية ذات الخطر الكبير (الجماع غير الآمن) [2]، عامل تنبؤ مهم بالسعادة والصحة الجنسية [3]، وسلوك ضروري للتعرف على أجسادنا ولتكون استجاباتنا الجنسية مألوفة لدينا [4]، وهناك بعض الأخبار التي تعزو إلى الاستمناء دورا في التقليل من خطر الإصابة بسرطان البروستات prostate cancer.
وبالعكس، ثمة مصادر تؤكد ارتباط الاستمناء بزيادة خطر الإصابة بسرطان البروستات [5]، لكننا لم نزل هنا في الأخبار الجيدة. من الأخبار الجيدة أيضا أن الناس بدؤوا يتساءلون عن المنافع والأضرار “الطبية” لهذه العادة، ويستنكرون على من يزعم أن لها آثارا مضرة بالصحة، وفي أحسن الأحوال يبحثون عن الجذور التطورية لها باعتبارها سلوكا جنسيا حيوانيا لا يتوقف على الإنسان وحده.
لكن العادة السرية، كأي سلوك عالمي، قد أحيطت تاريخيا وثقافيا ودينيا بالكثير من التحفُّظات، وأحيانا الحماقات. فهي لم تزل إلى هذه الأيام موضوعا للوصمة stigma والتقريع الديني [1]، وقد كان يُعتقد أنها تقود إلى العمى، والضعف الجنسي، والجنون. وقبل القرن العشرين، حذَّر الأطباء لمائتي عام من أمراض كثيرة تسببها ممارسة هذه العادة [2].
كان يُظن أن مبرر هذه المواقف السلبية هو الغموض الذي أحاط بالعادة السرية كنشاط شائع. وكالعادة الغموض يسمح للأسطورة باللعب. فمع غياب الأدلة العلمية، سيطرت الأراء الشخصية المتنوعة وقد اتفقت على إقصاء هذا السلوك ورميه بالذنب والعار والعصيان. من الأخبار السيئة أن هذه الآراء لم تزل سائدة.
دراسة حديثة [5] (2008) تربط بين ممارسة العادة السرية في العشرينات والثلاثينات من العمر وزيادة الإصابة بسرطان البروستات (بعكس ممارستها في الخمسينات التي قد تقلل من خطر الإصابة)، لكن العادة السرية ليست المتهم الوحيد في هذه الدراسة، فالأرجح أن السبب هنا هو (هذا الترجيح ليس تحيزا، هناك دراسات تؤكد عدم وجود علاقة بين معدلات القذف ejaculation وسرطان البروستات [6]) الاستعداد الجيني genetic predisposition ومعدلات الأندروجين androgen العالية الناتجة عن زيادة النشاط الجنسي.
ولإلقاء نظرة عامة على الأرقام المتعلقة بالعادة السرية، سننتقل إلى الجانب الإحصائي (الدراسات مرتبا زمنيا).
* كمتوسط، الذكور يبدؤون ممارسة العادة السرية عند سن 15، والإناث عند 13سنة. [1، المرجع الثانوي هو Pinkerton, Bogart,Cecil, & Abramson, 2002].
* عموما -وفي كل الدراسات التي تمكنت من قراءتها- تبقى نسبة الذكور الذين يمارسون العادة السرية أعلى بكثير من نسبة الإناث [1].
* دراسة أميركية (1992)، في الفئة العمرية من 18 إلى 60 سنة: 61% من الرجال، 38% من النساء مارسوا العادة السرية في السنة السابقة لوقت الدراسة [7].
* في دراسة فرنسية (Béjin, 1996): في الفئة العمرية 18-19 نسبة الفتيات اللاتي مارسن العادة السرية كانت 34%، زادت هذه النسبة إلى 38% في الفئة 20-24 عاما [4].
* في دراسة على 11,161 بريطانيا (4762 رجلا، 6399 امرأة) في 2008، وُجد أن 95% من الرجال و72.1% من النساء مارسوا العادة السرية في وقت ما من حياتهم. وفي المقابل، 28.8% من النساء وفقط 5.4% من الرجال لم يمارسوا العادة السرية أبدا. في هذه الدراسة، ثمة ارتباط قوي بين معدل ممارسة العادة السرية والمستوى التعليمي الأعلى، الجنس الأبيض، الرتبة الاجتماعية، والمعاناة من مشاكل جنسية [2].
* في دراسة على 3687 امرأة من المجتمعات البرتغالية (2012): 91% مارسن العادة السرية في وقت ما من حياتهن، 87.7% في السنة السابقة، 63% خلال الشهر الماضي. ومن هؤلاء، 65.4% بررن ممارستها بالحصول على اللذة الجنسية، 31.9% للتغلب على التوتر النفسي، 20% ليستطعن النوم بسهولة [4].
يتبقى الجزء الأخير، وهو عن التأثيرات الصحية المنسوبة إلى العادة السرية بلا أية أدلة علمية. يجب التذكير هنا بأن آراء الأطباء لا تمثل بالضرورة نتائج دراسات علمية محترمة. فقد يتأثر الطبيب بديانة أو ثقافة أو عُرف معين ويبني رأيه عليه. حتى أطباء المسالك البولية والأعضاء التناسلية قد يربطون “سريريًا” بين ممارسة العادة السرية وبعض المشكلات الصحية، لكن هذا إذا حدث فليس بسبب العادة السرية وحدها، بل بسبب عوامل أخرى نسبية تختلف من مريض إلى آخر (مثل إساءة الاستعمال، الإفراط، الوسواس القهري، إهمال النظافة).
يتساءل الكثيرون عن علاقة ممارسة العادة السرية بالإصابة بأمراض كالعمى، تدهور الذاكرة، الضعف الجنسي، العقم، سرعة القذف، انحناء القضيب، حب الشباب، نقص المناعة، الاكتئاب، الهزال، البرود الجنسي بعد الزواج… إلخ من المشكلات التي ألصقت بهذا السلوك الجنسي جهلا بُغية تدنيسه والتخويف منه لإديولوجيات مذهبية دينية أو اجتماعية. وفي الواقع، يجب أن يكون المُجيب حذرا في هذه الحالات، فالإجابة بـ “لا” قد تقنع البعض بالإفراط في ممارستها، والإجابة بـ “نعم” قد تحرم البعض من لذة جنسية آمنة إذا استُعملت باعتدال. لكن، لأن هذه الأمراض باتت ترعب الشباب الممارسين أو الذين يحتاجون إلى ممارستها، يجب التذكير بأن الأبحاث العلمية الحديثة ترى أن العادة السرية آمنة تماما وصحية إن لم تكن تسهم في تحسين الصحة البدنية والجسدية [المراجع: 1-4]. فلا هي تسبب العمى، ولا العقم، ولا أي مرض نفسي [8]، ولا هي تسبب البرود الجنسي بعد الزواج [4]، وكل هذه مجرد أساطير شعبية يتناقلها الخائفون المقهورون المغلوبون على أمرهم.
يتبقى توضيح أخير. قد تكون كل هذه الهالات السوداء التي تحيط بموضوع العادة السرية مُنتَجا متوقَّعا لمشاعر الذنب والتوبيخ والرغبة في التوبة والانتهاء التي تعقب ممارستها. فلطالما خاف البشر من هذه المشاعر وتجنبوا الأعمال التي تؤدي إليها وحرموها. ولئن شئنا البحث في أسباب هذه المشاعر السلبية فليس أسهل من اتهام أنماط التربية -ليس الشرقية فحسب، بل حتى الغربية- التي تنهى الأطفال عن فعلها وتعاقبهم أشد العقاب إن فعلوها.
أخيرا، العادة السرية في 2016 ليست هي نفسها في القرن الثامن عشر. فالكثير من الدراسات سُخرت لبحث هذا السلوك الذي ظل مذموما ومتهما إلى عهد قريب حتى بدأ عالم الأحياء الأميريكي ألفريد كينزي في أربعينات وخمسينات القرن العشرين بنشر أبحاثه عنها. وليس بغريب أن يختم Michael Ashworth أستاذ علم النفس والكاتب في موقع psychcentral.com إحدى مقالاته عن العادة السرية بعبارته الواثقة: “إذا كنت والدا وتخشى أن يمارس ولدك العادة السرية، فاخش عليه إن كان لا يمارسها” [8].
المصدر: مدونة ظهر مكشوف