ولد إدوارد اوزبورن ويلسون في بيرمنغهام بولاية الاباما عام 1929. عانى من فقدان احدى عينيه منذ عمر مبكر نتيجة حادث في رحلة صيد مع والدته وزوج والدته في الطفولة. ويقول أن امتلاكه للعين اليسرى فقط كان دافعاً لتركيزه على الأجسام الصغيرة كالحشرات. ولنفس السبب فقد رفض في الجيش واتجه للدراسة الجامعية ودرس في جامعة الاباما حتى عام 1950 حيث أكمل الماجستير. ثم أكمل أبحاثه في الحشرات لاحقاً في جامعة هارفارد التي انضم اليها في العام 1952 ليحصل على الدكتوراه في العام 1956.
كان أول من أوجد ما يعرف في التطور بانزياح الخواص (Character Displacement) حيث تحدث بهذه الظاهرة اختلافات بين الكائنات الحية من نفس النوع أو من أنواع متشابهة اذا ما تواجدوا سوية وذلك كنتيجة للمنافسة التي قد تكون على الموارد. إذاً، وكنتيجة للمنافسة بين الكائنين، فإن خواصهما تنزاح ويكون ذلك الانزياح قائماً على أسس جينية وقد يكون سلوكياً او شكلياً او فسلجياً ليعطي ذلك الانزياح أفضلية لأحدهما على الآخر في ظل المنافسة. تعد طيور داروين ذات المناقير المختلفة الأشكال مثالاً على هذه الظاهرة. يعتمد انزياح الخواص على مبدأ آخر يعرف بالاقصاء التنافسي وقد أوجده العالم الروسي جيورجي غوس في الثلاثينات.
اكتشف ويلسون التواصل الكيميائي بين النمل فيما يعرف بالفيرمونات (phermones). وكان ويلسون أول من عرف ما يعرف بدورة تاكسون التي تصف تطور الأنواع من خلال التوسعات والتقلصات في المساحات والتغيرات في البيئة ضمن فترة زمنية معينة. وقد اكتشف تلك الدورة ضمن ملاحظته لتجمعات النمل في ملاحظات مختلفة في الأرخبيل الميلانيزي في المحيط الهادئ (بدءاً من غينيا الجديدة وشرقاً نحو المحيط الهادئ). وقد قدم الكثير من ملاحظاته واطروحاته المشابهة حول مجتمعات الحيوانات في كتابه (مجتمعات الحشرات) الذي نشره عام 1971.
في العام 1975، نشر ويلسون كتابه المثير للجدل (علم الأحياء الاجتماعي: توليفة جديدة) (Sociobiology: new synthesis). والذي عالج فيه السلوك الاجتماعي لدى الانسان بنفس المبادئ المعمول بها لدى الحيوانات. وقد واجه كنتيجة لذلك هجمة من العديد من الناشطين الذين استنكروا ذلك معتبرين إياه تبريراً للسلوك الحيواني الذي يعتبر غير أخلاقي لدى البشر، رغم أن ويلسون شرح الأمر فقط دون أن يتناوله من ناحية أخلاقية. يذكر جاد سعد أستاذ الأعمال والرائد في علم النفس التطوري أيضاً: “كان أول من واجه تلك الهجمة التي يواجهها علم النفس التطوري اليوم هو ادوارد اوزبورن ويلسون، حيث يمكن أن تقول الأمر عن السلمندر ويكون مقبولاً، لكن أن تقول الأمر ذاته حول الإنسان تغدو حينها مجرماً”. مع ذلك، يرى ويلسون أن 10% فقط من السلوك الحيواني قائم على الجينات فيما يعتمد الجزء المتبقي الأكبر على البيئة.
كان لويلسون الريادة في طرح فكرة أن الايثار قد يكون مفضلاً عبر الانتقاء الطبيعي لاسيما حينما يكون في الجماعات من يضحي في سبيل أن ينقذ أفراداً من عائلته فيكون ذلك السلوك نافعاً من ناحية تطورية. وهكذا مضى في مناقشة العديد من الأفكار من ناحية تطورية طيلة مسيرته العلمية، إذ تناول قضية الدين والفلسفة في كتابه (توافق الأدلة) عام 1998 والذي تناول فيه الأصل التطوري لجميع الأفكار البشرية. وقد كان ويلسون يعتقد بأن التطور عملية تقدمية، أي أنها تأتي بما هو أعقد وما هو أفضل تأقلماً.
حاز ويلسون على العديد من التكريمات والجوائز في مراحل مختلفة من حياته، ونشر العديد من الكتب التي لا يسعنا ذكرها هنا. وقد بقي منتجاً حتى آخر أيام حياته بعد أن قضى شبابه في التجارب المضنية والتوثيق الرائع والسلس لتجاربه واكتشافاته العلمية والتي تقع عليها أيدينا اليوم لنتعلم كثيراً مما لم نكن لنعلمه لولا جهود ادوارد اوزبورن ويلسون. واليوم بينما نحيي الذكرى العاشرة لانشاء العلوم الحقيقية، فقد قررنا أن نحتفي بويلسون الذي غادرنا قبل أيام معدودة في 26 ديسمبر 2021 وقد بلغ الـ 92 عاماً شكلت أعواماً وعقوداً بالغة القيمة لمسيرة العلم والمعرفة البشرية.