باعتزاز وامتنان، أتشرف بإهداء هذه السلسلة المتواضعة لدكتورتي العزيزة – البروفيسور ساره مجدي عبد الحميد.

أحمد ابراهيم

«لم تكن قولة الشاعر – بوب – بأن العلم بالإنسان، أمثل سبيل للعلم بالإنسانية، بأبين قيمة في أي وقت منها في عصرنا. ففي كل مستوى من مستويات العلم، نجد أن الإنسان موضع البحث الناشط الدقيق. اُحتفرت عظام أسلافه من جوف الأرض لكى تُستكنه منها الوسيلة التطورية التي من طريقها وصل إلى مكانته العليا في هذا الزمن. أما العديد الوافر من المقومات التي تقوّم ذاته، فقد دُرست بوسائل من علم الوظائف حادة باترة، ومضى علم النفس يكشف عن مكنونات عقله، وطفق علماء البشر يصرفون من جهد البحث الدقيق في الكشف عن قوالب حياته الاجتماعية، مثل ما يصرف علماء الأحياء نحو مستعمرات النحل والنمل. أما ما هي طبيعته، فقد انقطع لمدارستها الشاعر، والفيلسوف، واللاهوتي، بكل ما أوتوا من همة وقدرة، ولقد انكشف لنا الكثير من أمره، ولكن تبقى الأكثر مما لم يعرف، فالإنسان ما يزال قادر على الإفلات من ثقوب الشباك التي نحاول أن نصيده بها. إنه عَقِد بحيث يتعذر أن يُحصر في قالب، شُقيت النواحي بحيث يعسر أن يعرف ببساطة، إنه مزيج من المتناقضات المحيرة، إنه ما يزال بحق: جلال الكون ونكتته وسره.»

رغم أننا تطورنا حديثاً نسبياً – منذ 300 ألف سنة تقريباً، إلاّ أن أحد أهم العناصر التي تميزنا امتلاكنـا لثقافة وتكنولوجيا معقدة، مكنتنا من الانتشار في جميع أنحاء العالم، بجانب الإقامة في نطاق من البيئات المختلفة. مما أدى إلى نوعٍ متغير بشكل كبير في الشكل الجسماني، برغم الحقيقة القائلة أننا – تقريباً – متطابقون جينيا مع بعضنا البعضً.

العمر

300 ألف سنة – حتى الآن

ينقسم الإنسان العاقل إلى:

الإنسان العاقل القديم – عاش منذ 300 ألف سنة مضت

الإنسان العاقل الحديث ( ينقسم إلى الحديث المُبكر، والحديث المتأخر) – تطور منذ حوالي 160  ألف سنة.

التسمية

لقد اخترنا لأنفسنا – الإنسان العاقل أو الحكيم.

هومو: كلمة لاتينية والتي تعني إنسان.

سابينس: مشتقة من كلمة لاتينية تعني الحكيم، الماهر، والذكي.

أسماء أخرى لنوعنا

 

  • الإنسان العاقل العاقل، عندما كان يعتقد أن إنسان النياندرتال أحد أفراد نوعنا هومو سابينس، ولكن تلك النظرة والتسمية لم تعد مُفضلة الآن.
  • إنسان الكروماغنون، يُستخدم هذا الاسم للإنسان الحديث الذي سكن أوربا منذ 10 – 40 ألف سنة مضت.
  • الإنسان العاقل المُبكر، يُستخدم لوصف المستحثات – الحفريات الإفريقية والتي تؤرخ لـ 150 – 300 ألف سنة، وتحمل خليطاً من الملامح بين الإنسان العاقل الحديث والقديم. بعض العلماء يفضلون وضعه تحت نوع مستقل يطلقون عليه هومو هلمي، ويعتبر هلمي حلقة انتقالية – وسط بين إنسان هايدلبرغ والعاقل.

 

 

نشأة الإنسان العاقل

لدينا العديد من وجهات النظر التي تفسر أصلنا، ولكن اثنان فقط هم الأكثر ترجيحاً عن غيرهم، وهما نموذجي «خارج أفريقيا»، و«الأقاليم المتعددة».

أولاً نموذج خارج أفريقيا:

يُعتبر هذا النموذج هو الأكثر ترجيحاً عن غيره، ومقبول على نطاق واسع بين العلماء. فيقترح هذا النموذج أن الإنسان العاقل قد تطور ونشأ في أفريقيا منذ 200 ألف سنة تقريباً، من إنسان هايدلبرج والذي يعتبر السلف المشترك بيننا وبين إنسان النياندرتال. وقد انتشر هذا النوع بالشرق الأوسط منذ 160 ألف سنة تقريباً، وربما 100 ألف سنة، ثم انتشر بأماكن أخرى بالعالم منذ 50 ألف سنة مضت.

أسماء أخرى لهذا النموذج:

 

  • فرضية جنة عدن.
  • فرضية سفينة نوح.
  • فرضية «خارج أفريقيا 2»، حيث تُشير فرضية خارج أفريقيا 1 إلى انتشار الإنسان المنتصب – العامل خارج أفريقيا.

 

تقترح النسخة الصارمة من هذا النموذج أن الإنسان العاقل قد حل محل الأنواع الأقدم متضمنـة إنسان النياندرتال بأوربا، الإنسان المنتصب بآسيا، وإنسان هايدلبرغ بأفريقيا، وذلك بدون أي تزاوج بيننا وتلك الأنواع. بينما تقترح النسخة الأقل صرامة أن قد تم بالفعل تزاوج بين الإنسان العاقل وأسلافه المعاصرة، ولكن على نطاق محدود. وقد دعمت نتائج تحليل جينوم إنسان النياندرتال والتي نشرت عام 2010، النسخة الأقل صرامة. حيث أظهرت أن الأوروبيين والآسيويين يتشاركون في 1-4% من جينوم النياندرتال. ويُقترح أن هذا التزاوج قد تم بعد خروج الإنسان العاقل من أفريقيا (حيث لا يوجد تشابه بين الأفريقيين وإنسان النياندرتال)، ويُعتقد أن الشرق (سوريا، الأردن، العراق، تركيا، قبرص، إسرائيل، فلسطين، ولبنان) ، حيث تعايش الإنسان العاقل بجانب النياندرتال منذ 50 – 90 ألف سنة.

يقترح هذا النموذج أن التغيرات الجسمانية التي نجدها الآن بين الإنسان الحديث ما هى إلا نتيجة المناطق الجغرافية المختلفة، وتطورت هذه الاختلافات على مدى الـ 60 ألف سنة الأخيرة، كـ تكيفات للبيئات المختلفة.

الأدلة الداعمة  لفرضية خارج أفريقيا:

 

  • أقدم الحفريات المكتشفة للإنسان العاقل إفريقيـة.
  • يُشير الدليل الحفري إلى أن الإنسان الحديث قد حل سريعاً محل الأنواع السالفة بأوربا وغرب آسيا.
  • يُظهر جميع البشر الحاليين تنوع جيني ضئيل. وذلك كنتيجـة لإحلال حديث نسبياً محل أفراد – سكان أقدم وأكثر تنوعاً.
  • يُمكن استخدام الحمض النووي للبشر المعاصرين لإنتاج خرائط لتحركات البشر عبر العالم، وعرض المدة التي عاشها السكان الأصليين في منطقة من المناطق. تُشير هذه الدراسات إلى نشأة الإنسان العاقل بأفريقيا.
  • تحليل جينوم النياندرتال

 

ثانياً نموذج الأقاليم المتعددة:

يقترح هذا النموذج أن أسلاف الإنسان غادروا أفريقيا لأول مرة منذ 2 مليون سنة مضت، وكونوا مجموعات إقليمية عبر أفريقيا، آسيا، وأوربا. ثم تطور الإنسان الحديث من هذه المجموعات الإقليمية يشكل متزامن في جميع المناطق، بدلاً من مجموعة واحدة بأفريقيا. ويعرف هذا النموذج أيضاً باسم نموذج الاستمرارية الإقليمية.

يقترح هذا النموذج أن التغيرات الجسمانية بين البشر  نتيجة المناطق الجغرافية المختلفة، قد تطورت بشكل متزامن في أفريقيا، آسيا، وأوربا منذ الوقت الذي استعمرت – أو استقرت فيه كل مجموعة بمنطقة من المناطق.

الأدلة الداعمة لفرضية الأقاليم المتعددة:

 

  • هناك تشابهات بين بعض الميزات – الملامح الموجودة في الجمجمة بين الإنسان الحديث والبدائي من نفس المنطقة.
  • بعض الآسيويين الحاليين يظهرون ملامحاً مشابهة لهؤلاء القدامى – البدائيين من الصين.
  • بعض السكان الأستراليين الحاليين الأصليين يُظهرون بعض الملامح المشابهة للإنسان القديم بأندونيسيا.
  • بعض السكان الأوروبيين الحاليين يُظهرون تشابهات لإنسان النياندرتال.
  • يُظهر جميع البشر الحاليين تنوع جيني ضئيل. وذلك بالإمكان تفسيره نتيجة للخلط الجيني المستمر بين المجموعات الإقليمية.

 

جمجمة انسان

الخصائص المورفولوجية

تمتلك جماجم الإنسان العاقل شكل مميز، يختلف عن الأنواع السابقة من أسلافه. كما يميل الجسم إلى التنوع، نتيجة للتكيف لأنواع عديدة من البيئات.

شكل وحجم الجسم

امتلكت أقدم مستحثات الإنسان العاقل أجساماً ذات جذع قصير ونحيل (الجذع هو الجسم باستثناء الأطراف والرأس = البدن.)، بالإضافة إلى أطرافاً طويلة. وتُشير النسبة بين البدن والأطراف إلى تكيف للعيش في المناطق الاستوائية، نظراً لكبر وزيادة مساحة سطح الجلد المتاحة وذلك بهدف تبريد الجسم. وتدريجياً أصبح بناء الجسم قصيراً وبديناً، وذلك بالتزامن مع انتشار الأفراد إلى مناطق باردة، كتكيف تطوري لاحتفاظ الجسم بالحرارة.

متوسط الطول للإناث 165 سم، والذكور 175 سم.

متوسط الحجم للإناث 49 كجم، والذكور 58 كجم.

المخ

يبلغ متوسط حجم المخ لدى البشر الحاليين حوالي 1350 سم3، والذي يُمثل 2.2% من الحجم الكلي للجسم. على الجانب الآخر، بلغ متوسط حجم المخ عند الإنسان العاقل المُبكر – اًلأول 1500 سم3.

الجمجمة

يمتلك الإنسان العاقل الحديث جمجمة ذات قاعدة قصيرة، وقحفاً مُرتفع. بخلاف الأنواع الأخري من الجنس هومو، حيث قمة الجمجمة هى الأعرض. وكـنتيجة لامتلاء وارتفاع القحف، اختفى تقريباً الانقباض – الضيق خلف محجر العين.

استدارة مؤخرة الجمجمة مما يُشير إلى تقلصٍ في عضلات الرقبة.

الوجه صغير على نحو معقول، مع بروز عظمة الأنف.

نمتلك قوساً حاجبيةً محدودة، مع جبهة طويلة عمودية. كما يتميز محجر العين بكونه مربعاً وليس مدوراً.

 

الفكوك والأسنان

ترتيب الأسنان داخل الفك لدى الإنسان الحديث مقارنة بأسلافه

ترتيب الأسنان داخل الفك لدى الإنسان الحديث مقارنة بأسلافه

نمتلك فكاً قصيراً، وكنتيجـة فإننا نمتلك تقريباً وجهاً مربعاً. لا نمتلك فجوة – فراغ خلف الضرس الثالث كما في الأنواع السالفة.

الفكوك ذات بنية خفيفة لا سميكة، مع ذقن عظمية بارزة لزيادة قوتها. الإنسان العاقل هو الوحيد الذي يمتلك تقريباً ذقناً بارزة.

أثرت الفكوك القصيرة  بترتيب الأسنان داخل الفك، حيث تحول صفي الأسنان الجانبي من كونهما متوازييْن كما في أسلافنا الأوائل، إلى شكل القطع المُكافئ حيث يتباعد صفي الأسنان للخارج.

الأسنان صغيرة نسبياً مقارنة بأسلافنا، ويظهر هذا جلياً خاصة في القواطع الأمامية، والأنياب.

الأسنان الضواحك السفلى ذات نابين – نتوئين.

الأطراف والحوض

عظام الأطراف أرفع، وأقل متانة عن الأنواع المتقدمة، مما يُشير إلى تقلص حجم العضلات عن أسلافنا.

الساق أطول نسبياً مقارنة بالذراع.

عظام الأصابع والقدم مستقيمـة، بدون التقوسات المميزة لأسلافنا الأوائل من الأسترالوبيثكس.

الحوض أكثر ضيقاً من الجانب إلى الجانب، ويمتلك شكل وعاء عميق من الأمام إلى الخلف عند مقارنتـه بالأنواع السالفة.

 

أسلوب الحياة – أولاً الثقافة

امتلك الإنسان العاقل القديم ثقافة بسيطة نسبياً، برغم أنها كانت أكثر تقدماً عن أيٍ من الأنواع المنصرمة. كـان السلوك الرمزي لدى الإنسان العاقل القديم نادراً، ونستدل على ذلك من ندرة الأشياء والأدوات الرمزية والتي تم إيجادها في عدد من المواقع الإفريقية، والتي تم تأريخها لـ 100 ألف سنة. بل وتشير هذه الأشياء الرمزية إلى الإبداع لدي الإنسان القديم باعتباره وميضاً – نادراً، لا سلوكاً ثابتاً. ولكنْ منذ 40 ألف سنة مضت، ظهرت ثقافـة على مستوى عالٍ من الإبداع، والتعقيد – والتي نعتبرها مُميِزة للإنسان الحديث الحالي.

يعتقد العديد من الباحثين أن هذا الانفجار في السلوكيات – والأدوات الفنيـة والرمزية والتي نراها في السجل الأركيولوجي (الأثري)، ما هى إلا نتيجة لتغيرٍ في الإدراك البشري – فربما طور البشر قدرة أكبر على التفكير، التواصل الرمزي، أو التذكر. مع ذلك، فهنـاك محاولات جلية في التعبير الفني والرمزي قبل هذا الانفجار، ولذا رُبما هناك أسباب أخرى. تقترح نظرية أن بنية وحجم السكان تلعبان درواً رئيسياً، حيث يُعتبر التعلم الاجتماعي أكثر نفعاً في تطوير ثقافة معقدة عن الإبداعات الفردية. فكلما ازداد حجم السُكان، ازدادت الصفات والميزات الثقافيـة عن المجموعات الفردية المنعزلـة.

 

الأدوات

بدايةً، قام الإنسان العاقل بصناعة أدوات حجرية مثل الكاشطات، والرقائق (قطع حجرية صغيرة، رفيعـة، وحادة.) والتي كانت مشابهة في التصميم لنظيرتها المصنعة بواسطة إنسان النياندرتال. ظهرت هذه التكنولوجيا منذ 250 ألف سنة تزامناً مع الظهور المحتمل الأول للإنسان العاقل. تطلبت هذه التكنولوجيا المقدرة على التفكير المجرد، والقدرة على التخطيط الذهني لسلسلة من الخطوات التي يُمكن تنفيذها بعد ذلك. ( بمعنى آخر المحاكـاة التخيلية.)

وبينما تم تطوير تقنيات أكثر تعقيداً في بعض أجزاء العالم، تم استبدال أدوات الجيل 3 بأخرى من الجيل الرابع أو الخامس، والتي تتميز باستخدام نطاق واسع من المواد، مثل العظام، العاج، والقرون. ظهرت تكنولوجيا الجيل 4 من الأدوات منذ حوالي 100 ألف سنة بأفريقيا. يتميز هذا الجيل بإنتاج رقائق حجرية طويلة رفيعـة، والتي تم تشكيلها لتشبـه شفرات السكاكين، ونصل الرماح. بينما يتميز الجيل الخامس باقتصاره على إنتاج شفرات صغيرة جداً، لتُستخدم غالباً في الأدوات الُمركبة ذات الأجزاء العديدة. وتشمل أدوات الجيل الخامس السهام ذات الرؤس الصغيرة، المناجل، والرماح. أدت الاختلافات الإقليمية في هذه الثقافات الحجرية، إلى تيار متدفق من الأساليب والتقنيات الجديدة في صناعة الأدوات، خاصة في آخر 40 ألف سنة وتشمل الثقافتي الماجدالينيـة، والأورينياسية.

أدوات الجيل الخامس

أدوات الجيل الخامس

النار، الملبس، والحلية الشخصية

تحكمٌ متطورٌ بالنار، مكـن الإنسان الحديث من إنشاء المواقد المعقدة، والأفران. مما سمح لنوعنا بالنجاة في أقاليمٍ عجز إنسان النياندرتال – المتكيف للعيش في البيئات الباردة – عن العيش بها.

يُظهر موقع حفرية الكروماغنون بـ دولني فيستونيس بجمهورية التشيك، أقدم الأدلة على الأفران ذات درجات الحرارة المرتفعـة، بالإضافة إلى التكنولوجيا الخزفية. يعود عمر هذه الأفران لـ 26 ألف سنة مضت، وكانت قادرة على حرق تماثيل الصلصال عند درجات حرارة تزيد عن 400 درجة سيليزية. وقد تم إيجاد حوالي 2000 كتلـة محروقـة من الصلصال متناثرة حول الأفران.

رُبما تم ارتداء جلود الحيوانات في المناطق الباردة، برغم أنه لا توجد لدينا أي أدلة على الملابس إلا في غضون آخر 30 ألف سنة. وتشمل تلك الأدلة الإبـر، وحلي مثل الأزرار والخرز مُخَيَّطْة في الملابس، وبعض بقايا الحيوانات مثل الثعالب والذئاب القطبية، مما يُشير أن تلك الحيوانات قد صِيدت بهدف الحصول على فرائها. يُجدر بنا الإشارة إلى أن الملابس التي خِيطت معاً، قد وفرت حماية أكثر من البرد عن الملابس التي تم ربطها معاً.

تم اكتشاف خيوط من الكتان بأحد الكهوف بجورجيا عام 2009، تعود لحوالي 36 ألف عام. يُشير هذا الاكتشاف أن الكتان تم استخدامه غالباً لصناعة الملابس، والسلال.

هناك أيضاَ حلية شخصية تشمل العاج، القواقع، الكهرمان، عظام، والأسنان والتي تم استخدامها لعمل الخرز والقلائد. تم إيجاد خرز مصنوع من قشر بيض النعام بأفريقيا، وتعود لـ 45 ألف سنة. بالإضافة إلى، خرز مصنوع من القواقع المثقوبة بالمغرب، وتعود لـ 80 ألف سنة، وخرز من القواقع البحرية المثقوبة بإسرائيل، تم تأريخها لـ 90 ألف سنة مضت. رغم ذلك، فإن الحلية الجسدية لم تزدهر إلا في الـ 35 ألف سنة الأخيرة.

أحد أقدم القلائد التي تم العثور عليها، تُمثل حصان تم نحته على عاج ماموث بـ فوجيلهيرد – ألمانيا، تم تأريخها منذ 32 ألف سنة.

نستنتج من الحلية الشخصية أن البشر أحرزوا تقدما من مجرد المحاولة للبقاء على قيد الحياة، إلى الاهتمام والعناية بمظهرهم.

الفن

ناي يعود للثقافة الأورينياسية

ناي يعود للثقافة الأورينياسية

بدأت فن الكهف في الظهور منذ حوالي 40 ألف سنة بأوربا، وأستراليا. يصـف معظم هذا الفن حيوانات، وربما كائنات روحية، ولكن يتم الآن تحليل علامات صغيرة بكهوف عديدة بفرنسا، وربما أوربا، كاحتمال أن تكون هذه العلامات رموزاً كتابيـة – مألوفـة لكتابات قبائل ما قبل التاريخ. حيث يظهر 26 رمزاً، مراراً وتكراراً عبر آلاف السنين، بعضهم في أزواج، وأخر في مجموعات – مما قد يُمكن اعتباره لغـةً بدائية. وتقترح هذه الاكتشافات محاولة الأوروبيين الأوائل لتمثيل الأفكار رمزياً لا واقعياً – لمشاركة الأفكار عبر الأجيال. وتعود أقدم هذه الرموز لـ 30 ألف سنة مضت.

يظهر الدليل على الآلات الموسيقية لأول مرة منذ 32 ألف سنة مضت، بأوربا. مزامير – ناي من العصر الحجري القديم، بالإضافة إلى صفارات من مواقع متنوعة بفرنسـا تعود لـ 10 – 30 ألف سنة.

تمثال فينوس المصغر

تمثال فينوس المصغر

تُوجد أيضاً أدلة على أعمال فنيـة محمولة مثل التماثيل المنحوتة، والتي ظهرت لأول مرة بأوربا بين 35 – 40 ألف سنة. تماثيل فينوس المصغرة (فينوس هنا استعارة، أي ليست إلاهة الجمال عند الرومان.)  كانت منتشرة بأوربا منذ 28 ألف سنة، ولكن قطع وُجدت بألمانيا تُشير إلى أن أصل هذه التمائيل يعود لـ 35 ألف سنة. تم اكتشاف رأس أنثى منحوتة من العاج بـ دولني فيستونيس بجمهورية التشيك، وهى واحدة من اثنين من المنحوتات التي تصور الرأس البشرية من هذه الفترة، والتي تُظهر محجر العين، الجفون، ومقلة العين. تعود لـ 26 ألف سنة مضت.

تمثال قديم

المأوى

استوطن الإنسان العاقل القديم الكهوف، والملاجئ الصخرية، ولكن مؤخراً خاصة منذ 20 ألف سنة قام الإنسان بتحسين وتعزيز تلك الملاجئ الطبيعية، إما عن طريق الجدران، أو تعديلات بسيطة أخرى. في المناطق المفتوحة، تم تشييد الملاجئ باستخدام عدد من المواد الهيكلية مثل الأقطاب الخشبية، وعظام الحيوانات الضخمة مثل الماموث. هذه الهياكل – البنى تم تغطيتها باستخدام جلود الحيوانات.

نعتقد أن عشيرة الإنسان العاقل الحديث تكونت من 25 – 100 فرد.

الدفن

كان دفن الموتى نادراً وبسيطاً. ولكن قبل 40 ألف سنة بدأ يُصبح أكثر توسعاً، وتطوراً مع تضمين الميت أشياءً ثمينةً مثل الأدوات، والحلية الجسدية. بالإضافة، لقد تم نثر لون المُغْرَة الحمراء فوق الكثير من جثث الموتى قبل دفنهم.

تم اكتشاف أحد أقدم الجثث والتي تم دفنها عمداً للإنسان الحديث، بـ جبل القفزة – إسرائيل، وتعود لـ 90 ألف سنة مضت. ويحتوي الضريح عظامـاً تعود لامرأة شابة تم دفنها مع طفل صغير عند قدميها.

البيئة والطعام

كان الإنسان العاقل القديم مـتكيفاً للعيش في المناطق الاستوائية – المدارية، ولكن قبل 40 ألف سنة احتل الإنسان العاقل نطاقاً واسعاً من البيئات عبر أفريقيا، أوربا، آسيا، وأستراليا. وفي خلال 20 ألف سنة الأخيرة، انتشر البشر أيضاً إلى الأمريكيتيـْن. تسمح لنا – اليوم – ثقافتنا وتكنولوجيتنـا بالعيش في أغلب البيئات على كوكبنـا، و بالطبع خارج كوكبنـا.

سابقاً، كان جميع البشر مما ينتمي للإنسان العاقل صياديـين وجامعـي ثمار، يعيشون على الحيوانات والنباتات البرية. ولكن قبل 11 ألف عام، بدأ الإنسان في تدجيـن – تأليـف الحيوانات والنباتات، وبرغم ذلك فإن الأطعمة البرية ظلت مهمة في غذائنا. يمتلك نوعنا حميـة – غذاء واسع النطاق، قائمٌ على المواد الحيوانية والنباتية (قارِت). مما مكننـا من استخدام مصادر الأطعمة المختلفة في البيئات المتنوعة التي سكنها الإنسان.

أهم الحفريات

كروماغنون 1

كروماغنون 1

1- كروماغنون 1 (أو كرومانيون 1)، أحد أول الحفريات المكتشفة مما ينتمي للإنسان الحديث. اُكتشفت عام 1868 بـ كروماغنون – فرنسا، ويبلغ عمرها حوالي 32 ألف سنة. يقدر العلماء عمر هذا الذكر عند وفاته بأقل من 50 عامٍ. ومن الملاحظ، أنه على عظام الوجه ثقوب تُشير إلى عدوى فطرية. وبفحص وتحليل الهياكل الأخرى التي وُجدت بـ كروماغنون، وُجد أن العديد من الأفراد عانوا من إصابات مؤلمة، بالإضافة لأنثى بالغة تمكنت من النجاة لبعض الوقت بشرخ في الجمجمة. إن بقاء هؤلاء الأفراد على قيد الحياة بمثل تلك الاعتلالات الجسدية ما هو إلا دليل على الرعاية والدعم من المجموعة، والذي سمح لإصاباتهم بالالتئام والشفاء.

سخول 5

سخول 5

2-  سخول 5، تم اكتشاف هذه الحفرية بكهـف السخول، بالقرب من جبل الكرمل – إسرائيل، وتعود لـ 80 – 120 ألف سنة مضت. تصنف هذه الحفرية ضمن الإنسان الحيث البدائي – المُبكر والذي يُعد وسط بين الإنسان العاقل الحديث، والإنسان العاقل القديم. حيث أنه يحمل بعض الملامح التشريحية مثل امتلاكه لقوس حاجبية، تشبه الأنواع السابقة. بينما يمتلك جبهة عمودية، وجمجمة مستديرة مثل الإنسان الحديث. وتعتبر سخول 5 بالإضافة إلى عينات أخرى أحد أقدم الآثار المعروفة للإنسان الحديث خارج أفريقيا. تُرجح هذه العينات أن الإنسان الحديث ربما بدأ في الهجرة والانتشار خارج أفريقيا قبل 100 ألف سنة، وربما تُمثل هذه العينات أفراداً لم ينتشروا خارج هذه المنطقة – مع هجرات لاحقة بدأت منذ 60 – 70 ألف سنة مضت.

خاتمة السلسلة

عبثاُ ما حاول كثير من عباد القديم والتقليديون أن يوفقوا بين المأثورات الأولى والكشوف العلمية، فما أغنى عنهم تعسفهم في التأويل شيئاً أمام القوة الجارفة التي سلطها منطق العقل على مذاهبهم. فعلم الأرض وعلم الأحياء، قد طوحا بالكثير من الأفكار والمعتقدات والقصص القديمة، واتسع نطاق العلم شيئاً بعد شيء، فشمل علم الإنسان قصص الأساطير والتاريخ، وراح بعض العلماء يقيسون الروايات المنقولة بمجموعات متفرقة من مفردات المعرفة، انتزعوها من القصص والراويات، فنشأ بذلك علم الموازنة بين المأثورات أو المقدسات.

لا يزال العلم بهذه الحقائق مقصوراً على قلة من المتعلمين – ويُضاف إلى جهل الأكثرين بها، تحكم العادة واستبدادها بالعقول. على أن قبول ما انعقدت عليه الموروثات التي ربت وتنشأت على مر قرون طوال، إنما هى وراثة ورثناها عن أسلافنا من الهمج، وما لم تفزع إلى مقاومتها بمعارضة حقة إيجابية، فإن ذلك الاتجاه العقلي الهمجي، سوف يحول دائماً دون التطرق إلى مسالك الارتقاء الحضاري، ولا سيما فيما يتعلق بالاعتقاد في الأساطير والخرافات.

لذا – فعندما يُفرض الجهل على الناس فرضاً، ولا يكون لهم من خيار في أن يكونوا جهلاء، ينبغي أن يُبذل من الجهد ما تستنير به العقول المستعدة لتقبل العلم، والعكوف على التأمل من المعارف الخالصة التي لا أثر للتعصب فيها. ولذا كان واجب أحرار الفكر الذين انسلخوا عن الجاهليين فكراً وعقيدةً، أن يُبصروا أهل عصرهم بكل الحقائق المتعلقـة بنشوء الأرض، وأصل الإنسان، وتطور الفكر – والدور العظيم الذي أداه على مسرح الفكر البشري «مذهب النشوء والارتقاء».

كثير من الناس يدخلون التاريخ، ولكن للتاريخ بابين، باباً أمامياً – وباباً خلفياً. الأكثرون يدخلون التاريخ من الباب الخلفي، فلا يلبثون غير قليل حتى تغمرهم موجات الزمن. أما «تشارلز داروين» وبيده كتاب «أصل الأنواع»، فمن القلة القليلة الذين دخلوا التاريخ من بابه الأمامي، ولم يدخل خلسة، بل دخل التاريخ وبابه الأمامي مفتوح على مصرعيـه.

وهكذا قدمنا لكم لمحة بسيطة عن أصلنا – الإنسان العاقل، لمحة سريعة موجزة عن أسلافنا الأوائل مصداقاً لما أكده داروين في أصل الأنواع:

«إني لألمح في المستقبل ميادين مفتوحة لبحوث أكثر أهمية. سيقوم علم النفس على أسس جديدة. وهكذا سيسطع الضوء على أصل الإنسان وتاريخه. »

 

ونختتم بهذه الفقرة الرائعـة والشهيرة من أصل الأنواع:

«إنه لمن الممتع أن نرقب ضفة يكسوها العديد من النباتات من كل نوع، تصدح بها الطيور على الشجيرات وتحوم فيها الحشرات من كل صنف، وتزحف الديدان مخترقة التربة الرطبة، ثم نتأمل كيف أن تلك الصور الحية المبنية أحسن بنيان، والتي يختلف بعضها عن بعض كثيراً، والتي يعتمد كل منها على الآخر بكيفية غاية في التعقيد، كيف نشأت كلها بقوانين تعمل حولنا. »

 

لقراءة مقالات السلسلة:

1- الأسترالوبيُكس

2- فجر الإنسانية واكتشاف الجنس هومو

3- الإنسان العامل

4- الإنسان المنتصب

5- إنسان هايدلبرج

6- النياندرتال الجزء الأول

7- النياندرتال الجزء الثاني

 

المصادر

المقولة الافتتاحية، وخاتمة السلسلة مقتبسة من تمهيد إسماعيل مظهر لترجمة أصل الأنواع.

Hominidés, “Homo sapiens”

Fran Dorey, “Homo sapiens”, Australian Museum, October 30, 2015

University of Texas Austin, “Homo sapiens “, efossils

Archaeologyinfo, “Homo sapiens”

Smithsonian’s National Museum of Natural History, “Homo sapiens”, Human Origins, June 29, 2017

 

مصطلحات

الإنسان العاقل القديم (archaic Homo sapiens)

الإنسان العاقل الحديث (modern Homo sapiens)

الإنسان العاقل الحديث المُبكر (early modern Homo sapiens)

الإنسان العاقل الحديث المتأخر (late modern Homo sapiens)

الإنسان العاقل العاقل (Homo sapiens sapiens)

إنسان النياندرتال (Homo Neanderthal)

إنسان الكروماغنون (Cro-Magnon Man)

هومو هلمي (Homo helmei)

نموذج خارج أفريقيا (Out-of-Africa model)

نموذج الأقاليم المتعددة (Multiregional model)

فرضية جنة عدن (Garden of Eden hypothesis)

فرضية سفينة نوح (Noah’s Ark hypothesis)

نموذج الاستمرارية الإقليمية (Regional Continuity model)

الإنسان المنتصب (Homo erectus)

إنسان هايدلبرغ (Homo heidelbergensis)

الإنسان العامل (Homo ergaster)

جذع (trunk)

قحف (braincase)

الانقباض خلف محجر العين (post-orbital constriction)

قوسٌ حاجبية (brow ridge)

شكل القطع المكافئ (parabolic shape)

القواطع (Incisors)

الأنياب (canines)

الأسنان الضواحك (pre-molar teeth)

الثقافة الماجدالينية (Magdalenian culture)

الثقافة الأورينياسية (Aurignacian culture)

الكهرمان (amber)

المغرة الحمراء (red ochre)

دولني فيستونيس (Dolni Vestonice)

فوجيلهيرد (Vogelherd)

قارت (omnivorous)

سخول 5 (Skhul 5)

جبل الكرمل (Mount Carmel)