سنويا تقوم اليابان بأصطياد حوالي 20 الف دلفين، لذلك كان من الغريب ان يطلق سراح دلفين تم اصطياده عام 2006. السبب الذي انقذ هذا الدلفين انه كان يملك زوجين من الزعانف الخلفية الاضافية. قد يبدو الامر وكأنه تشوه طبيعي، ولكن من الناحية العلمية تترتب على هذا الحدث تبعات كبيرة. (صورة رقم 1) من المعلوم ان الحيتان انحدرت عن حيوانات اليابسة ذات الاطراف الاربعة، وانه، وعلى الاخص عند الحيتان الضخمة، يمكن العثور على عظام من بقايا الاطراف الخلفية، في داخل الهيكل العظمي للحيتان. بفضل المستحاثات، نعلم ايضا ان الحيتان القديمة كانت تملك قدما خلفية او زعانف إضافية. هذا الامر يجعلنا نتساءل، هل كان هذا الدلفين الذي اصطاده اليابانيين من بقايا نوع قديم ام انه فرد من قطيع حديث تمكن من العودة الى مظهره القديم؟ لو كان ها الامر هو مجرد حادث منفرد، يمكن عندها اعتباره صدفة شاذة، ولكن الامر ليس كذلك. من بين مجموعة الحيتان تم عام 1919 اصطياد حوت خارج سواحل Vancouver, الكندية. لقد كان يملك ليس فقط زوج من الزعانف الاضافية بل وزوج من مايشبه الاقدام، طوله حوالي المتر وتحتوي على العظام، تماما حسب ماتحتويه القدم. ظاهرة العودة الى المظهر الاصلي الذي انحدر عنه النوع، او بالاحرى استعادة بعض المظاهر الاصلية تسمى atavism or Atavistic Tendencies. هذه الظاهرة جرى ملاحظتها لدى العديد من الحيوانات، مثلا الاحصنة التي تلد ولديها اصبع اضافي، تماما كما لدى الاجداد القدماء، ولدى الانسان ، مثلا الذي يلد وله ذنب، او عدة اثداء او شعر يكسو جسمه. (صورة رقم 2) عدم القدرة على تفسير هذه الظاهرة القديمة، ادت الى ان البعض استخدمها في اهداف سياسية واجتماعية. في ثمانينات القرن الثامن عشر قام الطبيب الايطالي Cesare Lombrosco, وعلى خلفية نظرية داروين، بالادعاء ان هذه الظاهرة تفسر السلوك الاجرامي. ويقوم تفسيره على ان المصابين بالارتداد (في ذلك الوقت جرى فهم الظاهرة على انها تخلف في الارتقاء)، يكون سلوكهم اكثر بدائية من الناس ” الطبيعيين” لانهم لم يرتقوا ولازالوا في مراحل دنيا. لهذا السبب فأن المصابين من السهل عليهم القيام بالجرائم، بإعتبارهم اقرب للحيوانات، وبإعتبار ان الجريمة جزء طبيعي من طبيعتهم. هذا التفسير كان جزء من الادلة ضد المتهم، واستخدم كسبب للقيام بالاخصاء ومنع الانجاب لمنع بقاء الافراد المتخلفين. وبالرغم من ان هذه الظاهرة قد جرى سوء استخدامها في المجال السياسي والاجتماعي، الا انها تملك قيمة علمية لاتثمن. تماما كما ان العطل في الماكينة يمكنه ان يقدم معلومات افضل في فهم نواقص التصميم لدى الماكينة، احسن بكثير مما يقدمه مجرد النظر الى الماكينة ووظائفها. اي ان Atavistic Tendencies يمكنه ان يقدم لنا إمكانية لفهم افضل للميكانيزم الذي يقف خلف دوافع عملية التطور، وبالتالي يوضح لنا لماذا تنشأ التغييرات. التطور في ذاته لايملك اتجاهاً (الى الامام او الى الخلف)، وبالتالي سيظهر وكأنه لامعنى ان نتكلم عن Atavistic Tendencies على انه خطوة الى الخلف في التطور. ان توجه التطور تقرره التأثيرات التي يتعرض لها الكائن المعني، مثل البيئة والطقس وتوفرالموارد والتنافس مع البقية. خصائص جديدة مثل زعانف كاملة النمو لاتنشئ بدون مقدمات او اسباب موجبة، لتعطي الكائن مميزة قوية بالنسبة لبقية الافراد بدون ان تكون هناك دوافع موجبة اجبرتها على الظهور. ولكن، عندما تظهر هذه الحصائص بالطريقة الكلاسيكية للتطور، اي على مراحل وخطوة خطوة، لتصل الى مرحلة النضوج التام، فلايحتاج الامر الى الكثير من اجل ازالتها او إعادتها مجدداً. التحكم في ظهور الخصائص وتطور الاجزاء الفيزيائية من الجسم تقوم به مجموعة من الجينات، التي من وظائفها فتح او اغلاق عملية ظهور الخاصية. إذا لم يعد الجين قادر على تشغيل بدء تشكيل الخاصية، نجد ان الخاصية تُفقد تماماً. اما إذا تضرر الجين المسؤول عن ايقاف انتهاء التشكيل، تنشا عندها اجزاء اكثر من المقرر، او ان جزء، يفترض ان يزول قبل الولادة، لايزول ويظهر مع المولود. عند الانسان ينشأ ذيل صغير في مراحل تشكل الجنين، ولكن في الظروف الطبيعية ، يتوقف عن النمو ويضمر. هذا الميكانيزم تتحكم به الجينات، لنرى ان الفقرات الناشئة تقوم بالالتحام لتنشأ عجب الذنب (عظمة الذنب). غير انه إذا جرى تضرر في اشارة التوقف الجينية، عندها يلد الطفل وله ذيل، في درجات مختلفة من التطور. عند بعض الاطفال يكون متألف من جلد ودهن فقط، في حين عند اطفال اخرين يحتوي على فقرات وعضلات ايضا وقادر على الحركة، وهو دليل على القرابة مع القرود. (صورة رقم 3) الخصائص الجينية يمكن مقارنتها بما يحدث في الكمبيوتر. عندما نقوم بإزالة فايل، فإن الذي يزول، في بداية الامر، هو فقط عنوان الفايل وليس الفايل نفسه، وفقط عندما يجري الكتابة على معلومات الفايل المُزال يختفي الفايل تماما، وهكذا الامر مع الجينات. اي انه وبالرغم من ان الجينات لم تعد قادرة على اغلاق وتشغيل وظيفتها، على الاقل بنفس السهولة السابقة، الا انها تستمر بالوجود ويجري استساخها مع كل خلية جديدة. هذا يعني انه من الممكن تماما ان يستعيدوا قدرتهم على المشاركة يوما ما، ولكن متى؟ عادة ينطلق العلماء من مقولة ان الطبيعة لاتحتفظ بشئ لن يجري استخدامه، ولكن من الاصح القول ان الطبيعة تحتفظ بكل شئ لن سيستخدم في الوقت الراهن، طالما ان الحفاظ عليهم لايستهلك موارد كثيرة، ومن المحتمل ان يكونوا ذي فائدة مرة اخرى. عام 1980 اظهرت التجارب المختبرية للمرة الاولى، ان هذه الجينات المتنحية يمكن إعادة احياءها بطريقة اصطناعية. لقد تمكن الباحثين من التأثير على انسجة منقار الدجاج ، بحيث انه نشأ في المنقار اسنان، تذكر كثيرا بأنياب التماسيح. إذا كانت خاصية الاسنان قادرة على البقاء هذه الفترة الطويلة، إذا اخذنا بعين الاعتبار ان الطيور كانت تملك اسنان قبل 50 مليون سنة، فذلك يعني انه، عل الاغلب، لاتوجد حدود لما يمكن ان يكون محفوظا في الخلايا الحية. هذا الامر ايضا، على مايبدو، يقدم ايضا الجواب على اسئلة بيلوجيين التطور حول حجم كميات الجينات الحاملة للصفات المتنحية المتراكمة على مر الزمن. عادة تشكل هذه الجينات 90% من المجموع الكلي للجينات في الخلية. لربما تشكل هذه الجينات تاريخ تطور النوع، حيث تتضمن وصفات للعديد من الاطراف والاجزاء التي لم تعد تستخدم، والتي لازالت الخلية لم تتخلى عنها. على الاغلب، هذا الاكتشاف يقدم ايضا تفسير على كون ان العديد من المجموعات يظهر في تاريخها حادثة انها قد فقدت احدى مميزاتها ثم استعادتها، ومن هذه المجموعات يمكن الاشارة الى الحشرة Phasmatidae، التي فقدت اجنحتها والقدرة على الطيران ثم استعادتها، وتكرر ذلك عدة مرات في تاريخها البيلوجي. بهذا الشكل تمكنت من التلائم مع التغييرات البيئية المتغيرة، فتستعيد خاصية الاجنحة المحفوظة عند الحاجة. Atavistic Tendencies يشار له على انه ظاهرة نادرة الحدوث، يظهر على فترات غير منتظمة ، ولكنهم على الاغلب اكثر حدوثا مما يعتقد. يمكن الاعتقاد ان هذه الظاهرة هي التي قادت التطور في ظروف محددة، عندما يحدث ان مجموعة انتقلت الى منطقة جديدة، وفي خلال بضعة ملاين السنوات انقسمت الى العديد من الاقسام المختلفة التخصص لتقوم بإستعمار المنطقة الجديدة بأكملها. على خلفية ماتقدم، لابد ان الانسان ايضا يملك مستودعا هائلا من الجينات النائمة في انتظار التنشيط، ولذلك فمن الممكن تماما ان تظهر لدينا حالات تعيد خصائص قديمة كما هو الامر مع الذيل والشعر. هذا ايضا يعطي الاساس لللاعتقاد اننا قد نتمكن في المستقبل من قراءة اكثر دقة لتاريخ تطورنا الجيني المحفوظ في داخلنا. نبذة عن الظواهر المستعادة والي تحدث عند الانسان. 1-ولادة التوائم، وهي غالبا تحدث عند بعض العوائل اكثر من غيرهم. عند اجدادنا الاوائل والحيوانات اللبونة نجد ان ولادة التوائم هو القاعدة. 2- حلمات ثديي اضافية. نعلم بوجود 20 شخص على الاقل يملكون من واحد الى العشرين حلمة اضافية، عند اشخاص من النساء والرجال على السواء. من النادر ان تكون هذه الحلمات الاضافية قادرة على فرز الحليب عند النساء، ولكنهم يذكرون بالحالة التي عليها اكثر الحيوانات اللبونة. (صورة رقم 4) 3-اصبع اضافي في القدم او اليد. عادة اصبع واحد اضافي، ولكن توجد حالات لاطفال تصل الاصابع لديهم الى 8-9 في كل يد. اغلب الفقريات اليوم تملك خمسة اصابع واحيانا اقل، ولكن المستحاثات تشير الى ان حيوانات اليابسة في الماضي والتي انحدرت الفقريات عنها، بما فيهم الانسان، كانت تملك ثمانية اصابع في ايديها واقدامها. 4-انياب كبيرة. افراد لديهم السن اللحمي كبير وطويل بشكل يذكر بأنياب الشمبانزي. 5-اليد القردية. بعض البشر لديهم ابهام قصير للغاية في حين بقية الاصابع طويلة. هذه اليد تشبه كثيرا ايدي القرود. 6-جلد بين الاصابع. احيانا هناك اشخاص تتصل اصابعهم ببعضها بواسطة جلد تذكر بالبط. هذه الظاهرة ، على الاغلب، تعود بجذورها الى الجينات المحفوظة من الفترة التي كان فيها الانسان من الاحياء البحرية. في الحالة الجنينية تبدأ ايدينا وارجلنا تتشكل على شكل صفائح وبعد ذلك تبدأ الاصابع بالتفرق عن بعضها. 7-الحزقة، (حالة يبدأ الانسان تحت ضغط تقلص غير ارادي في العضلات بأخراج صوت وهواء من صدره، تأتي وتزول بدون ان نعلم لماذا). هذه الظاهرة شائعة للغاية، ولكن لااحد يعلم اسبابها. من المحتمل ان حالة تطورية انعكاسية، ردة فعل ورثناه عندما خرجت الكائنات المائية المبكرة الى اليابسة. لقد كانوا يملكون رئة وغلاصم في ذات الوقت، تماما كما لدى السمك الرئوي اليوم (نوع من انواع السمك الذي قادر على العيش على اليابسة). والحزقة تماثل مايحدث عند هذه الاسماك عندما تغلق فتحة القصبة الهوائية حتى لايدخل فيها الماء، في نفس الوقت الذي تقوم فيه بضم الفم من اجل ان تضخ الماء الى غلاصمها.