للوهلة الاولى قد يبدو الأمر أشبه كإحدى مبالغات الصحف الصفراء أو حتى كأنه تلفيق تام، لكنه خبر صحيح – فقد أجرى الجراحون في جامعة نيويورك لانجون هيلث أول عملية زرع عين كاملة في العالم. السؤال الحاسم الذي تثيره هذه الحقيقة هو – هل تمت استعادة الرؤية؟ الجواب هو لا، لكن هذا لا يعني أنها ليست خطوة مهمة نحو الأمام، والتفاصيل مثيرة للاهتمام.
المريض هو عسكري مخضرم يبلغ من العمر 46 عامًا من أركنساس، أصيب أثناء العمل بسبب التعرض للجهد العالي. ونتيجة للإصابة فأنه فقد ذراعه اليسرى فوق المرفق وأنفه وفمه وعينه اليسرى وخده الأيسر. ووقعت الإصابة في يونيو 2022. ومنذ ذلك الحين أجرى عدة عمليات جراحية ترميمية.
في شهر مايو من عام 2023، وكجزء من إعادة الترميم هذه، خضع لعملية زرع وجه جزئي من متبرع متوفى. تعتبر عملية زرع الوجه بحد ذاتها نادرة، حيث تم إجراء 19 عملية فقط في الولايات المتحدة، والخامسة فقط أجراها الجراح الرئيسي “إدواردو دي رودريغيز” وقد استغرقت إجراء الجراحة 21 ساعة.
تم اتخاذ قرار بإجراء عملية زرع عين كاملة في الوقت ذاته، لاستبدال عينه اليسرى المتضررة التي لابد من إزالتها لأنها كانت تسبب ألمًا شديدًا. كان هناك شعور بأن هذه عملية منخفضة الخطورة، لأن المريض يخضع بالفعل لعملية زرع وجه من نفس المتبرع ويجب أن يتناول أدوية مثبطة للمناعة لتجنب الرفض على أي حال. واعتبرت عملية ناجحة، لكن السؤال الحقيقي هنا هو مصير العين المزروعة على المدى البعيد.
هناك سؤالان أساسيان يجب طرحهما – إلى متى وإلى أي مدى ستبقى العين من الناحية البيولوجية؟ وهل من الممكن استعادة أي وظيفة حيوية؟ فيما يتعلق بالسؤال الأول، فقد تجاوزت العين التوقعات. حيث كان الجراحون يأملون أن تبقى العين لمدة 90 يومًا على الأقل. وحتى الآن فقد نجت على مدى خمسة أشهر. وتصل إلى القرنية والشبكية إمدادات الدم، ولا تزال ممتلئة وتحتفظ بسوائلها والعين صحية بشكل عام.
وهناك أيضًا جانبان من الوظائف يجب مراعاتهما، يتعلق أحدهما باستعادة العضلات حول العين. وقد تمت إعادة توصيلهما أيضًا، على الرغم من أني لم أجد أي ذكر لما إذا كانت العضلات نفسها هي عضلات المتبرع أم عضلات المريض. على أي حال، لم تتم استعادة حركة العين حتى الآن، كما أن العضلة التي ترفع الجفن لا تؤدي أي وظيفة، لذلك لا يمكنه فتح العين أو أن يرمش. لكن وفقًا للتقارير، اكتشف الفريق وميض نشاط في العضلات، غير أنه ليس كافيًا لتحريك العين أو الجفن فعليًا.
بالطبع السؤال الوظيفي الأهم هو، هل ستتم استعادة حتى لو جزء من الرؤية؟ عندما تمت إزالة العين التالفة، قطع الجراحون العصب البصري بالقرب من العين قدر الإمكان، لتسهيل إمكانية الزرع لاحقًا. عندما تم زرع عين المتبرع يتم توصيل أطراف العصب البصري. كما أنهم أخذوا نخاع العظام من المتبرع وحولوا الخلايا إلى خلايا جذعية مشتقة من البالغين. أثناء عملية الزرع قاموا بحقن هذه الخلايا الجذعية عند نقطة اتصال العصب البصري. وكان الأمل أن هذه العملية من شأنها أن تزيد من احتمالية نمو طرفي العصب البصري معًا.
في الحقيقة، لم يكن هناك توقع أن هذا سينجح. كان الأمر أشبه بالقول: “لنفعل هذا ونرى ما سيحدث” يجب اعتبار الجراحة بأكملها (جزء زرع العين بالكامل) جراحة استكشافية. ونعيد التذكير بأن العتبة الادنى للنجاح كانت نجاة العين لمدة 90 يومًا، وقد تجاوزت هذا. ماعدا ذلك فإن كل شيء على مايرام، وبهذه الطريقة تعتبر عملية زرع تجميلية وليست وظيفية.
ما مدى أهمية النجاح المحدود لهذه الجراحة؟ من منظور الزرع، أعتقد أن هذه إنجاز هام، فإنها أول عملية زرع عين كاملة ناجحة قادرة على استعادة تدفق الدم وينتج عنها عين صحية على المدى الطويل. هذه خطوة ضرورية نحو المستقبل حيث تكون عمليات زرع العين الوظيفية ممكنة. لكن من الواضح أنه غير كافٍ، ويمكن القول إن الاستعادة الوظيفية هي المهمة الأكثر صعوبة.
على عكس الأعصاب المحيطية، يعتبر العصب البصري جزءًا من الجهاز العصبي المركزي، ويفتقر إلى القدرة على التجدد. لذا فإن العصب البصري بمفرده لن يتجدد ويشكل ارتباطًا جديدًا بين العين والدماغ. على ما يبدو، أن مجرد وضع رقعة من الخلايا الجذعية المشتقة من البالغين على العصب البصري لا يكفي لتحفيز عملية التجدد. مع ذلك، فإن تجديد الجهاز العصبي المركزي، بما في ذلك تجديد الأعصاب البصرية هو مجال نشط للبحث. وليس من المستبعد أن نتمكن في المستقبل من تحفيز العصب البصري على التجدد بالكامل. لكن لا يمكننا أن نقول بعد كم من الوقت سيستغرق تطوير هذه القدرة، حيث يمكن ان يكون بعد عقود من الزمن.
تعد استعادة عضلات العين أيضًا مهمة صعبة، ولكنها أسهل من تجديد الأعصاب البصرية لأن الأعصاب والعضلات التي تحرك العين محيطية ولها القدرة على التجدد، على الرغم من أن ذلك لم يحدث بعد مع هذا المريض، إلا أن هذا الأمر ليس جديدًا تماما.
ومع ذلك يظل “الغاية المنشودة” لزراعة العين هو تجديد العصب البصري. بمجرد تحقيق هذه التقنية (اكرر قولي بأنها قد تستغرق عقودًا) من شأنها أن تتيح إمكانيات مثيرة. يمكن أن تعيد عمليات زرع العين الكاملة التي تعمل بكامل طاقتها الرؤية لكثير من الناس.
سيكون السؤال التالي هو – كيف سيتكيف الدماغ؟ وإلى أي مدى سيتمكن الدماغ من رسم خريطة للاتصالات الجديدة بالعين المزروعة؟ بشكل عام، عندما تتجدد الأعصاب، فإنها لا تعود إلى ما كانت عليه من قبل. هذا لا يهم كثيرًا إذا كنت تربط عضلة كبيرة. الأمر يهم عندما تتجدد أعصاب العضلات الدقيقة، مثل تلك الموجودة في الوجه. يتم رسم خرائط رائعة للعصب البصري على القشرة البصرية، وقد تستغرق إعادة التخطيط وقتًا طويلاً وتكون جزئية فقط. بعبارة أخرى، حتى لو كان تجديد العصب البصري ممكنًا، فلا يزال يتعين علينا النظر في درجة التعافي الوظيفي.
كما أن القدرة على تجديد العصب البصري تعيد الأمل أكثر في موضوع العيون الوظيفية الاصطناعية. العين الآلية التي هي في الأساس كاميرا رقمية مع واجهة بين الدماغ وآلة لعصب بصري وظيفي أمر ممكن نظريًا. إذا تقدمت هذه التقنية بشكل كافٍ، فسيتم تفضيلها على العين البيولوجية المانحة. قد تكون العين الآلية قادرة على استخدام الذكاء الاصطناعي لرسم خريطة لإشاراتها إلى الدماغ، بدلاً من مطالبة الدماغ برسم خريطة للنمط الجديد للإشارات الواردة.
وبما أننا نتكهن بالتكنولوجيا المستقبلية، يمكننا أيضًا تصور مستقبل يمكن فيه زراعة العيون من خلال المريض نفسه، وهي عيون مستنسخة بشكل أساسي. ذلك يمحي الحاجة إلى متبرع، كما يمحي أيضًا مشكلة الرفض والحاجة إلى الأدوية المثبطة للمناعة. في حين أن هذا أيضًا مجال بحث، فمن المحتمل أن يحدث بعد عقود في المستقبل.
في الوقت الحالي، يجب اعتبار عمليات زرع العين بأكملها تجميلية، مع بعض الآثار الوظيفية الاستكشافية. مع ذلك، فهذه خطوة مهمة وتجعل من الممكن مستقبلاً زراعة العيون الوظيفية.
المقال الأصلي:
Steven Novella, First Whole Eye Transplant, Science-based Medicine, November 15, 2023.