”لقد قمت بقياس حياتي بعدد ملاعق القهوة.“ تي إس إليوت
”كم فاتنٌ هو طعم القهوة.
أكثر لذةٍ من ألف قبلةٍ.“ باخ
” أُريد رائحة القهوة. أريد خمس دقائق .. أُريد هدنة لمدة خمسة دقائق من أجل القهوة. لم يعد لي من مطلب شخصي غير إعداد فنجان القهوة. بهذا الهوس حدّدت مهمتي وهدفي. توثبتْ حواسي كلُّها في نداء واحد واشرأبّت عطشى نحو غاية واحدة: القهوة.. “ محمود درويش
يعد الكافيين أكثر المواد المنبه للجهاز العصبي العصبي استخداماً حول العالم دون جدل. وهو يتواجد في العديد من الأشكال: في بعض الأدوية، الشاي، القهوة، مشروبات الطاقة، وبالطبع الشوكولاتة. يعتبر الكافيين من المواد الآمنة، مع نسبة ضئيلة للغاية لحدوث السمية. تخبرنا آخر الأبحاث العلمية أن الكافيين له العديد من الفوائد المذهلة، وذلك بعد أن تم إتهامه لسنوات عديدة في التسبب ببعض الأمراض مثل أمراض القلب ومنع النمو.
يتناول حوالي 85% من البالغين في الولايات المتحدة شراب يحتوي على الكافيين مرة واحدة على الأقل يومياً. وتصل النسبة لحوالي 89% الذين يتناولون مشروباً يحتوي على الكافيين في أي يوم. تظهر الإحصائيات أيضاً أن 80% من الشعب الأمريكي يستهلكون الكافيين يومياً بانتظام. في دراسة نشرتها منظمة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) أظهرت أنه بين أعوام 2003- 2008، كان متوسط استهلاك البالغين من الكافيين حوالي 300 مجم يومياً، والمراهقين 100 مجم في اليوم.
إن كلمة كافيين مشتقة من الجذر اللغوي العربي “قهوة”، حيث يُستخرج من نبات القهوة العربية (Coffea arabica) مما يشير إلى انتشار القهوة إلى أوروبا وبقية العالم عن طريق العالم العربي. وينتمي الكافيين لمجموعة من المواد تسمى زانثينات المثيل (methyxanthines) والتي تتميز بمعدل سمية ضئيل في الإنسان. ولهذا فإن وكالة الغذاء والدواء الأمريكية منذ العالم 1958، تصنف الكافيين تحت المواد “المعترف بأنها آمنة”، واعتبرت الوكالة أن تناول 3-4 أكواب من الإسبرسو يومياً (حوالي 300 مجم) آمن بالنسبة للبالغين. بالإضافة لذلك، فإن الأغلبية الساحقة من الأدلة العلمية تشير أن تناول الكافيين في حدود المتوسط ومن مصادر طبيعية (300 مجم يومياً) آمن.
كيمياء الكافيين
يحدث تأثير الكافيين المحفز للجهاز العصبي عن طريق منع مستقبلات الأدينوزين A1 و AA2A، مما يؤدي إلى زيادة الناقل العصبي الدوبامين في الحيز خارج الخلوي. وبالتالي، فإن الدوبامين يقوم بتنشيط مستقبلات الدوبامين D1 و D2 بخاصة تلك الموجودة في جزء من المخ يدعى المخطط (Striatum). لذا، فإن ارتفاع مستوى الدوبامين هو المسئول عن التأثيرات الرئيسية للكافيين وعلى رأسها تنبيه الجهاز العصبي مثل زيادة اليقظة الذهنية.
تأثير الكافيين
يقوم الكافيين بتحسين العمليات المعرفية. على سبيل المثال، عند مقارنة الأشخاص الذين تم إعطائهم مشروب تم إخبارهم أنه يحتوي على كافيين (وهمي) بالأشخاص الذين تناولوا الكافيين فعلياً (بغرض استبعاد العامل النفسي)، تم ملاحظة أن الكافيين يقوم بزيادة اليقظة والانتباه، ووقت رد الفعل. بل تشير بعض الدراسات أن سرعة وسعة إكتساب المعلومات تزيد بالتوازي مع زيادة الإستجابة والدقة وذلك عند تناول جرعات منخفضة، متوسطة، وعالية من الكافيين. بالإضافة لذلك، تشير بعض الإحصائيات إلى أن السائقين الذين تناولوا الكافيين قبل القيادة كانوا أكثر انتباهاً، بل وقد امتلكوا معدلاتٍ أقل في التسبب بالحوادث مقارنة بنظرائهم الذين لم يتناولوا الكافيين. هذه المكتشفات قاطبةً، قادت هيئة سلامة الأغذية الأوروبية إلى إعلان أنه “قد تم تأكيد وتوطيد علاقة سببية بين استهلاك الكافيين وزيادة الانتباه.”
منذ عام 2003، تم إدراج الكافيين في قائمة المواد التي قد تمتلك تأثير حامي للخلايا العصبية، وبالتالي فإن الاستخدام المحتمل له قد يكون مفيداً في الأمراض التي تؤدي إلى تحلل الأعصاب مثل مرض ألزهايمر، باركنسون، ومرض هنتنغتون. فمثلاً، في دراسة امتدت لـ 30 سنة والتي اشتملت على 8004 رجل، وجدت أن هناك علاقة عكسية بين استهلاك الكافيين ومخاطر الإصابة بمرض باركنسون وذلك نتيجة ارتفاع الدوبامين في المخ.
هناك علاقة عكسية أيضاً بين تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين وبين مخاطر الإصابة السكري النوع 2، الإكتئاب، وحصى المرارة. علاوة على ذلك، فقد وُجد أن الكافيين يقوم بتقليل خطر التليف الكبدي وسرطان الكبد في الأشخاص المصابين بفيروس سي. يُستخدم الكافيين أيضاً مع المسكنات (مثل الباراسيتامول) لتأثيره النافع في معالجة الصداع النصفي. في النهاية، فقد وجدت بعض الدراسات ارتباطاً عكسياً بين تناول الكافيين وبين معدل الوفيات الإجمالي. (تجدر الإشارة إلى أن استشهادنا بهذه الدراسات لا يعني بالضرورة كون الترابط الاحصائي دليلاً على السببية، لكنها فقط إشارة ذات دلالة حول السلامة أو الخطورة للمادة، وطبيعة ما اقترن بالكافيين من ظواهر أثبتتها الدراسات)
السمية والسلامة
تُشير الدراسات البشرية أن الجرعة السامة للكافيين تختلف من 3 جم يومياً بالنسبة للأطفال إلى 10 جم يومياً للبالغين. بالإضافة فإن الجرعات اليومية المرتفعة إلى قد تصل إلى 1 جم لا تؤدي إلى تراكم الكافيين في الجسم. الجرعة الموصى بها بالنسبة للأطفال 2.5 مجم لكل كجم يومياً، بينما للبالغين 300 مجم في اليوم الواحد. أما بالنسبة للحوامل والمرضعات فإن مقدار الكافيين لا يجب أن يتجاوز 200 مجم يومياً.
تخبرنا الدراسات البشرية أيضاً أنه بالرغم من أن الكافيين يؤدي إلى ارتفاع طفيف ومؤقت في ضغط الدم فإنه لا يؤثر على أي من المتغيرات في الرسم الكهربي للقلب. بالإضافة لذلك، فإن الجرعة اليومية الموصى بها لا تسبب عدم انتظام في ضربات القلب أو أي ضرر له، حتى عندما تم حقن الكافيين لشخص يعاني من عدم انتظام ضربات القلب (Pray, Yaktine & Pankevich, 41). لذا، فإن تأثير الكافيين على وظيفة القلب تعتبر غير مهمة إكلينكياً.
قد يؤدي تناول الكافيين بانتظام إلى أعراض انسحاب تتمثل في توتر، قلق، خمول، رعشة، صعوبة التركيز. تتناسب شدة هذه الأعراض مع كمية الكافيين التي نتناولها بانتظام. ولكن بالطبع، فإن شدة هذه الأعرض لن تصل إلى أو تماثل أعراض انسحاب الكوكايين أو الهيروين (رغم التشابه بالتسمية الذي قد يوحي للقارئ بالتشابه بين الحالتين). تظهر هذه الأعراض عند انخفاض كمية الكافيين في الدم (بعد حوالي 8-10 ساعات) من شرب كوب قهوة. لذا، لتجنب هذه الأعراض يمكننا شرب كوب آخر مع مراعاة أن يكون الاستهلاك اليومي في حدود الموصى بها.
تداخلات دوائية
لا يجب تناول الكافيين في نفس الوقت الذي نتناول فيه الأعشاب أو الأدوية التالية (ما لم يصف الطبيب غير ذلك):
1- الكينولونات (مثل سيبروفلوكساسين، و موكسيفلوكساسين) وهى مجموعة من المضادات الحيوية. تقوم الكينولونات بتقليل التمثيل الغذائي للكافيين التي تساعد الجسم على التخلص منه، وبالتالي تؤدي إلى تراكمه في الجسم مما قد يؤدي إلى الشعور بالصداع، القلق، وزيادة معدل ضربات القلب.
2- الإيفيدرين والأمفيتامين غالباً ما يتواجدان ضمن مكونات أعشاب التنحيف. يقوم الإيفيدرين والأمفيتامين بزيادة نشاط الجهاز العصبي، وبالتالي فإن استخدام الكافيين في نفس الوقت قد يؤدي إلى صداع، أرق، ورعشة.
3- أقراص موانع الحمل (الإستروجينات)، تقوم بتقليل التمثيل الغذائي للكافيين مثل الكينولونات، وبالتالي تراكمه في الجسم مما يؤدي إلى صداع، رعشة، وزيادة ضربات القلب.
4- كلوزابين، يقوم الكافيين بتقليل التمثيل الغذائي للكلوزابين وبالتالي تراكمه في الجسم. مما يزيد من فرصة حدوث أعراضه الجانبية.
5- مضادات التجلط (مثل الأسبرين، وكلوبيدوجريل)، يقوم الكافيين بتقليل تجلط الدم. وبالتالي فإن تناوله مع أدوية مضادات التجلط قد يؤدي إلى زيادة فرص حدوث النزف والكدمات.
تعقيب آخير، لماذا تم التحول من النظر إلى الكافيين باعتباره أحد العوامل المسببة للأمراض القلبية؟ الدراسات المبكرة (Paul et al., 1963; Lancet 1972; 2:1278–81) على الكافيين لم تأخذ دائماً في الإعتبار أن بعض التصرفات التي تزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض القلبية (مثل التدخين، والخمول البدني) كانت أكثر شيوعاً بين شاربي القهوة الشرهين. (Hensrud, D., 2017)
خاتمة
نستخلص مما سبق أن استهلاك الكافيين في الحدود الموصى بها (300 مجم يومياً) آمن. وأن تناول الكافيين له العديد من الفوائد التي تزيد عن مخاطره قليلة الأهمية.
مراجع
CAFFEINE. (n.d.). Webmd. Retrieved from https://www.webmd.com/vitamins/ai/ingredientmono-979/caffeine
Coffee drinking and acute myocardial infarction: report from the Boston Collaborative Drug Surveillance Program . Lancet 1972; 2:1278–81.
Franco, R., Oñatibia-Astibia, A., & Martínez-Pinilla, E. (2013, October 18). Health Benefits of Methylxanthines in Cacao and Chocolate. Nutrients 2013, 5(10), 4159-4173; doi:10.3390/nu5104159.
Hensrud, D., MD. (2017, March 04). Does coffee offer health benefits. Mayo Clinic. Retrieved from https://www.mayoclinic.org/healthy-lifestyle/nutrition-and-healthy-eating/expert-answers/coffee-and-health/faq-20058339
Pray, L., Yaktine, A., & Pankevich, D. (2014). Caffeine in Food and Dietary Supplements: Examining Safety: Workshop Summary (p. 21). Washington: National Academies Press.
Preedy, V. (2012). Caffeine: Chemistry, Analysis, Function and Effects. Cambridge, U.K.: Royal Society of Chemistry.
Paul, O., Lepper, M., Phelan, W., Dupertuis, G., Macmillan, A., Mckean, H., & Park, H. (1963). A Longitudinal Study of Coronary Heart Disease. Circulation, 28(1), 20-31. doi: 10.1161/01.cir.28.1.20
Tom M. M., John A. C., & Harris R. L. (2016, December). A review of caffeine’s effects on cognitive, physical and occupational performance. Neuroscience & Biobehavioral Reviews,Volume 71, 2016, Pages 294-312, ISSN 0149-7634, https://doi.org/10.1016/j.neubiorev.2016.09.001
Yew, D., MD. (2018, August 21). Caffeine Toxicity. Medscape. Retrieved from https://emedicine.medscape.com/article/821863-overview#a1
مقال جيد ومتوازن ممنهج وصلت المعلومه شكرا جزيلا لكم
معلومات مفيدة وممتعة وتعتبر اضافة جديدة الي مخيلتي لاني كنت اعتقد بان الكافين ضااار