نُشرت مؤخرًا مقالة مهمة تصف نتائج تشريح جثة شخصين ماتا على ما يبدو بسبب التهاب العضلة القلبية بعد تلقي اللقاح، وأود أن أنوه أولاً: أن هاتين الوفاتين كانتا مأساويتين بكل تأكيد، وثانيًا أدعو إلى الهدوء في ضوء نشر هذا المقال. وأن أشرح طبيعة التحليل المقدم في هذه المقالة، والذي يستهدف عمومًا العاملين في مجال الرعاية الصحية لمعرفة سبب حدوث التهاب العضلة القلبية بعد تلقي لقاح كوفيد.
شكل كُتاب المقال المذكور أعلاه تعاونًا مع مكتب الطب الشرعي في ولاية كونيتيكت وعدة جامعات، وقاما بتحليل قلبيّ مراهقين عُثر عليهما متوفين بعد ثلاثة أو أربعة أيام من تلقي لقاح كوفيد. يود أطباء القلب لو أُتيحت لهم فرصة الحصول على تلك التحاليل في وقت مبكر من بدء التطعيم، لكن نظرًا لقيود القانون الفيدرالي (HIPAA) ورغبات الأسر ونقص الموارد والغياب الفعلي للأطباء المختصين بعلم الأمراض Pathologists) في بعض مراكز الطب الشرعي، فتجد أن هناك القليل من تقارير التشريح المتوفرة للعامة. إن النقص في أخصائيي الأمراض المعتمدين مسألة خطيرة للغاية وتستحق مقال خاص، لكن دعونا الآن نركز على التهاب العضلة القلبية.
ما هي مسببات التهاب العضلة القلبية؟
هناك العديد من المسببات منها:
- الفيروسات
- الطفيليات
- البكتريا
- الفطريات
- البروتوزوا
- السموم
- الأدوية والعقاقير غير المشروعة
- مشاكل مناعية
ما الذي قام به مؤلفو المقال؟
ما قامت به المجموعة البحثية المعنية هو فحص القلبين بالعين المجردة والقيام ببعض الفحوصات الأساسية، والشرائح المجهرية. كان وزن أحد الولدين طبيعي والآخر بدين، وقلب الولد الأول كان طبيعي من حيث الحجم والمظهر العام، بينما قلب الولد الثاني كان كبيرًا ومتوسع، وهذه أشارة خطر لطبيب القلب أن شيئًا ما قد حدث قبل وقت طويل، لماذا؟ لأنه كما نوقش فيما يخص أمراض القلب لدى الرضع والأطفال والمراهقين، فإن التهاب العضلة القلبية لا يتسبب في التضخم أو التمدد في غصون بضعة أيام أو أسابيع.
أفاد الفريق بأن الأولاد لم تكن لديهم أعراض واضحة ثم عُثر عليهم متوفين، على الرغم من وجود آليات يمكن من خلالها أن يحدث ذلك، فإن أطباء القلب المحترفين يعرفون أن هذا التصريح بحد ذاته ليس دليلاً كافيًا لضمان أن التهاب العضلة القلبية كان سببًا في وفاتهم، وهم بحاجة إلى مزيد من المعلومات مثل: تخطيط القلب لليلة كاملة يوثق ضربات القلب. ومن الأمثلة على الحالة التي يكون فيها ما يكفي من الأدلة التي تثبت بشكل قاطع سبب السكتة القلبية <<ارتجاج القلب>> (Commotio cordis) حيث يصيب لاعب كرة البيسبول على صدره أو صدرها بالقرب من القلب، ويتم توثيق الرجفان البطيني.
بينما كان الجزء الثاني من التحليل مجهريًا، ولم يكن لدى أي من الولدين دليل على حدوث عدوى الكوفيد سابقة عبر تفاعل البوليميراز المتسلسل أو ما يعرف بالـ (PCR). مع الصبي الأول، كانت هناك نتائج من الالتهاب بالسائل المحيط بالاوعية (perivascular inflammation)، جروح، والعَدِلات مع المنسجات (histiocytes) ، كما تلقى أيضًا أختبار خلايا كشف عن طفرتين وراثيتين غير معروفتين. أما الصبي الثاني فكانت نتائج اختبار الخلايا مماثلاً، مما يدعم التشخيص الخلوي لالتهاب العضلة القلبية في كلتا الحالتين. ثم خلص كُتاب المقال إلى أن <<إعتلال تاكوتسوبو القلبي>> (Takotsubo cardiomyopathy) من المرجح كان موجودًا لدى هؤلاء الأولاد استنادًا إلى نمط الإصابة، كما ذكروا أن النتائج الخلوية لالتهاب العضلة القلبية في تلك الحالتين كانت غير عادية إذا ما قورنت بنتائج الخزعة التقليدية.
في هذه المرحلة، تصبح الأمور أكثر إثارة للجدل، أن ما تبقى من هذا التحليل سوف يكون في الأغلب استنادًا إلى ما أعرفه عن أمراض القلب، ربما كانت الفائدة المُثلى لهذا المقال هو إعطاء أفكار للباحثين في المستقبل من أجل الوصول بنا في نهاية المطاف إلى آلية جزيئية وإجابة أكثر دقة. فإن الشرائح المعروضة في التقرير لا تجزم حدوث التهاب العضلة القلبية نتيجة لتلقي لقاح كوفيد، وخلاصة القول في الفقرات القليلة القادمة من المقال هو أنني أود أن يكون هناك تحليل شامل، لكن الوقت والموارد لا تسمح بذلك في بعض الأحيان.
إعتلال تاكوتسوبو القلبي
إجهاد عضلة القلب هو شيء ربما سمع به القراء ويشار إليه باسم اعتلال تاكوتسوبو القلبي، وهذه الكلمة إشارة إلى فخ الأخطبوط الياباني والذي يشبه شكل القلب في هذا الاضطراب.
ما ترونه هنا هو أن الجزء المدبب من البالونات البطينية اليسرى للقلب يخرج وينكمش بشكل ضعيف، وتُرى هذه الحالات بعد التعرض لضغوطات الحياة. ومن الجدير بالذكر أن إعتلال تاكوتسوبو القلبي يحدث عادة لدى البالغين، والنساء يكونون أكثر عرضة للأصابة من الرجال، في حين أنه من الممكن أن يكون ذلك بسبب الكاتيكولامين المستحث (catecholamine-induced) ما يجهله عامة الناس هو أننا نعطي الكاتيكولامين مثل الأبينفرين لمرضى جراحة القلب معظم الوقت تقريباً، وذلك لدعم وظيفة القلب، وفي بعض الأحيان لعدة أيام، مع ذلك فإن المتلقين لا يتعرضون إلى الإصابة بإعتلال تاكوتسوبو، وهذا في حد ذاته لا ينبغي أن يفسر النتائج المعروضة.
بعد ذلك، نجد أن التوسع البطيني والتليف الواسع لا يحدث في غصون أيام قليلة، وأن تلك المشاكل عادة ما تكون نتيجة أسابيع أو حتى أشهر من محاولة القلب للشفاء بعد أن تضرر من بعض العمليات غير العادية. أن التليف (Fibrosis) يعني استبدال الأنسجة ( في هذه الحالة عضلة القلب) بالنسيج الندبي (scare tissue) لا يمكنه الانكماش وبالتالي لا يستطيع المساعدة في ضخ الدم، وهذا يمكن أن يكون اعتلال وراثي في عضلة القلب أو التهاب العضلة القلبية أو شيء أخر مثل خطأ أيضي خُلقي (inborn error of metabolism) ، وهناك أيضًا العديد من الفايروسات التي يمكن أن تكون مسؤولة هنا. أن أي من هذه يمكن أن تسبب مشكلة مميتة في ضربات القلب والتي قتلت في نهاية المطاف هؤلاء الأولاد، ولا تتطلب أي من هذه العمليات أخذ التطعيمات.
كما يذكرون أختبارًا جينيًا غير معروف، فيتم إجراء الاختبارات الجينية لمعرفة ما إذا كان التحول في الحمض النووي مسؤولاً عن اعتلال القلب، والمثال الذي يعرفه معظم الناس هو إعتلال عضلة القلب الضخامي (Hypertrophic Cardiomyopathy) وهذا يعني أن طفرة جينية تسببت في أن يصبح القلب سميكًا بشكل غير طبيعي. وقد تم العثور على طفرة جينية في المراهق الأول (الذي بدا قلبه طبيعيًا) لكن لم تكن موجودة في الثاني ( الذي كان قلبه متضخمًا). الطفرات الجينية الموصوفة في المراهق الأول كانت موجودة ولكنها لم تدرس بما فيه الكفاية لمعرفة ما تعنيه، والتي تعرف بمتغيرات غير معروفة الأهمية، يحدث هذا طوال الوقت في أمراض القلب عند الأطفال، عندما يُطلب منا أن نفصل سبب كون الطفل له قلب متضخم وضعيف الأداء. وفي بعض الأحيان نحصل على اختبارات جينية طبيعية في قلوب فيها خلل واضح (قد تكون هناك حاجة إلى اجراء فحوصات شاملة) . في الواقع، أن إحدى الطرق الشائعة التي يأتينا بها الأطفال كأطباء قلب الأطفال من أجل تشخيصهم هي عن طريق الاهتمام بشؤونهم الخاصة واكتشاف بعض الأعراض المحتملة المرتبطة بالقلب، وغالبًا ما يكون التشخيص دقيقًا، لكن هؤلاء الأطفال المتوفين ليس لديهم أي سجلات طبية مسبقة يمكننا مراجعتها. ومن الشائع جدًا أن يكون لدى المصابين باعتلال عضلة القلب التوسعي (dilated cardiomyopathy) والتهاب العضلة القلبية أعراض خفيفة أو عدم وجود أعراض على الاطلاق في الأطفال إلى أن يبدأ القلب في مواجهة مشاكل في تلبية الاحتياجات اليومية، كما أن الفحص الجيني لمعرفة سبب كون القلب الضعيف ضعيفًا هي عملية معقدة.
لا يذكر المؤلفين على وجه التحديد تحليلاً لنظام التوصيل القلبي، والذي من الممكن أن يوفر معلومات قيمة عن سبب أي اضطراب محتمل في ضربات القلب في المراحل الأخيرة.
يمكن أن يكون اختبار التألق المناعي (Immunofluorescence) المقترن ببعض تحاليل الدم للعينات المجمدة قد زادت من فهمنا لهذا الاضطراب بشكل كبير، لكن لم يتم الإبلاغ عنها هنا. التألق المناعي هو علم اكتشاف أنواع محددة من الخلايا والبروتينات باستخدام جزيئات معينة تتوهج في الظلام، لكن لسوء الحظ فهي مكلفة نوعًا ما وهناك مستشفيات معينة يمكن فيها القيام بتلك الفحوصات.
لكل هذه الأسباب، فإن البيانات لا تدعم بشكل كامل إبلاغ العامة بأن هؤلاء الأطفال قد ماتوا نتيجة التهاب العضلة القلبية بعد تلقي اللقاح ومن الضروري إجراء المزيد من التحاليل، وما زال هناك أنواع أخرى من الاعتلالات القلبية من الممكن أن تكون مسؤولة عن النتائج المرضية أعلاه. ليس من الممكن حتى الآن التوصل إلى استنتاجات شاملة تستند إلى هذه المقالة وحدها، بل ينبغي أن تكون بمثابة نقطة انطلاق للباحثين كي يقوموا بأجراء تحليلات أكثر تعمقًا.
ماذا يجب أن نفعل بعد ذلك؟
نظرًا للمعلومات التي أضافتها هاتان الوفيتان، ما هي خياراتنا وتوصياتنا لتلقي تطعيمات كوفيد-19 والعلاج؟ استنادًا إلى أدلة شبه مؤكدة فإن رأيي هو:
- ليس من الحكمة الامتناع عن التطعيم لمجرد الخوف من الآثار الجانبية، وخاصة بالنسبة لأولائك الذين لم يتم تشخيصهم بالكوفيد-19، يجب أن يكون حصول الأشخاص غير الملقحين كليًا على اللقاح الأول أولوية عالمية، ويجب التشديد على أهمية ذلك في المناطق التي يكون فيها نسبة انتقال فيروس كورونا المسبب للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (SARS-CoV-2) مرتفعًا. أن التطعيم يمنحك فرصة الأصابة بمرض كوفيد بأعراض خفيفة، كما أن الموت ليس السيئة الوحيدة للكوفيد (حتى عند الأطفال)، فالأشخاص الذين يعانون من <<المراضة المشتركة>> (comorbidity) فأن أوضاعهم تسوء بالفعل، لكن حتى الأشخاص الذين يعانون من الحد الأدنى من المراضة المشتركة يمكن أن يصابوا بالمرض، كما يتجلى ذلك على طول فترة كوفيد.
- أن المناعة المستمدة من الفيروسات في غياب التطعيم غير منتظمة وفي بعض الأحيان غير مفيدة على الأطلاق، فمتغير أوميكرون قادر على الهروب المستضدي (immune escape) بشكل كبير. ويتعين على أولئك الذين لم يتلقوا التطعيم والمتعافين من كوفيد أن ينظروا في فوائد الحصانة الهجينة (hybrid immunity) أي تلقي التطعيم لمرة واحدة على الأقل بعد الاصابة ب فيروس كورونا المسبب للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (SARS-CoV-2).
- تبقى التدخلات غير الدوائية مهمة مثل (التهوية، الكمامات، غسل اليدين وما إلى ذلك).
- بدأ دواء باكلوفيد بالتوفر الآن ولكن لا تزال هناك مشكلة التوزيع والندرة.
- أن المجموعة الأكثر عرضة للإصابة بالتهاب العضلة القلبية بعد اللقاح هم الأولاد في أواخر مراهقتهم والشباب، لا سيما في الأسبوع الأول بعد كل جرعة، ولكن ليس من الضروري الخوف من التهاب العضلة القلبية (وعدم وجود سبب يدعو للخوف من التهاب التامور(pericarditis) بشكل خاص) وهناك ثلاثة أساليب محتملة لتقليل المخاطر منها:
- المباعدة بين الجرعتين الأوليتين بما لا يقل عن 8 أسابيع.
- أستخدام فايزر بدلًا من موديرنا للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن الـ40 عامًا (أولئك الذين تقل أعمارهم عن 5 أعوام وأكبر من 40 عام أقل عرضة للاصابة بالتهاب العضلة القلبية بكثير).
- استخدام لقاح ذو وحدات بروتين فرعية (protein subunit) إذا كان متاحًا في بلدكم (نوفافاكس، سوبيرانا، لكن اللقاح الأكثر فعالية هو اللقاح الذي تستطيع الوصول إليه بسهولة).
- أن أعراض التهاب العضلة القلبية هو مزيج من ألم في الصدر، الدوار، خفقان، ألم في البطن، الإرهاق، عدم تحمل التمارين، الحمى، ضيق في التنفس في غصون الأسبوع الأول من التطعيم. في حال كان أحد أفراد الأسرة يعاني من هذه الأعراض فعليه أن يسعى فورًا للحصول على الرعاية الطبية.
في هذه المرحلة لا يزال السبب الحقيقي وراء التهاب العضلة القلبية بعد اللقاح غير معروف، لكن لدى العاملين في علم المناعة بعض الأفكار العملية، في حين أن السبب غير معروف، فأن غالبية العظمى من المرضى الذين يعانون من التهاب العضلة القلبية بعد اللقاح يطيبون، كما أن لنظم العلاج من التهاب العضلة القلبية سجل طويل يؤكد على سلامته. إن المزيد من التعاون بين أطباء المناعة وأطباء القلب وأطباء الأمراض من الممكن أن يساعدنا في الحصول على بعض الاجابات حول سبب حدوث ذلك وكيفية تقليل المخاطر من خلال تقنيات تلقيح الحمض النووي الريبوزي في المستقبل (التي يتم حاليًا أجراء العديد من التجارب السريرية لأمراض أخرى)
ترجمة: مرام الصرّاف
ترجم المخطط: مرتضى مشكور
مراجعة لغوية: ريام عيسى
تم نشر المقال في مجلة العلوم الحقيقية العدد 47
المقال الأصلي:
Frank Han, “That latest article on the post vaccine myocarditis autopsy analysis“, from: sciencebasedmedicine.org/that-latest-article-on-the-post-vaccine-myocarditis-autopsy-analysis/, February 19, 2022