يلعب الفازوبريسين (أو الهرمون المضاد لإدرار البول) دوراً رئيسياً في العديد من الاستجابات السلوكية والعاطفية، كما تخبرنا الدراسات الحديثة، مثل الترابط الزوجي، العدائية، التقمص العاطفي (معرفة شعور الآخرين)، الإثار، الضغط النفسي، اليقظة، والإثارة. وذلك، بالإضافة إلى دوره الرئيسي في الحفاظ على ضغط الدم وكمية الأملاح والجلوكوز به. سوف نتعرف في هذا المقال على ماهية هذا الهرمون (وهو أيضاً ناقل عصبي)، ومكان تصنيعه وإفرازه، ودوره في الحفاظ على الأملاح وضغط الدم، وسوف ينصب تركيزنا على دوره في تنظيم السلوك والعاطفة.

ما هو الفازوبريسين؟ وأين يُصنع ويُفرز؟

يتشكل الفازوبريسين من 9 أحماض أمينية، ويتم تصنيفه ضمن الببتيدات العصبية نظراً لوظيفته كناقل عصبي تستخدمه الخلايا العصبية في التواصل فيما بينها. (الببتيدات هى مجموعة من الأحماض الأمينية عددها من 2-50، فإذا زاد عدد الأحماض الأمينية عن 50 أصبح الببتيد بروتيناً. والأحماض الأمينية هي الوحدات البنائية للبروتينات).

يتم تصنيع الفازوبريسين بشكل رئيسي بمنطقة بالمخ تُسمى: تحت المهاد، وبصورة صغيرة في مناطق أخرى. بعد تصنيعه، يتم تخزينه في الفص الخلفي من الغدة النخامية، حيث يتم إفرازه تحت ظروف معينة، مثلاً، انخفاض ضغط الدم، أو كمية الأملاح والجلوكوز.

الدور الرئيسي للفازوبريسين

أولاً: الحفاظ على تركيز الأملاح بالدم (أو التوازن بين كمية الأملاح والماء بالجسم):

منطقة تحت المهاد

منطقة تحت المهاد

يُغادر الماء جسمنا باستمرار على مدار اليوم سواء من خلال التبول، التنفس، العرق، الجفاف، والصيام مما يؤدي إلى زيادة تركيز الأملاح بالدم. تحتوي منطقة تحت المهاد (المذكورة مسبقاً) على مستشعرات لمثل هذا التوازن بين الماء والأملاح، لذا فعندما تستشعر زيادة تركيز الأملاح بالدم، يتم إفراز الفازوبريسين، والذي يعمل على إعادة امتصاص الماء من الكلية بدلاً من التخلص به، وبالتالي الحفاظ على توازن التركيز بين الماء والأملاح بالدم.

ثانياً: الحفاظ على ضغط الدم

إحدى الوظائف الرئيسية لهذا الهرمون والناقل العصبي أيضاً، هى الحفاظ على ضغط الدم، وذلك بزيادته عند انخفاضه. يتم استشعار انخفاض ضغط الدم من خلال مستشعرات ضغط موجودة بالأذين الأيسر، الشريان السباتي، والقوس الأبهر. يتم تحفيز العصب المبهم من خلال هذه المستشعرات في حالة انخفاض الضغط، والذي يقوم بدوره بتحفيز إفراز الفازوبريسين. يقوم الفازوبريسين بزيادة الضغط من خلال آليتين: الأولى هي إعادة امتصاص الماء (كما شرحنا مسبقاً)، حيث كلما انخفضت كمية الماء بالدم، انخفض الضغط. الآلية الثانية، هي عن طريق وظيفته القابضة للأوعية الدموية (يُمكننا تشبيه هذه الآلية بخرطوم المياه، الذي إذا قمنا بالضغط عليه لتقليل قطره، زاد ضغط الماء داخله، ولذلك فإن أحد المجموعات الرئيسية في علاج ارتفاع الضغط مجموعة من الأدوية تمنع انقباض الأوعية الدموية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مثل دواء فالسارتان).

خرطوم المياه

يُمكننا تشبيه آلية عمل الفازوبريسين بخرطوم المياه، الذي إذا قمنا بالضغط عليه لتقليل قطره، زاد ضغط الماء داخله

الفازوبريسين وتنظيم الاستجابات السلوكية والعاطفية

بالرغم من أنّ معظم تأثيرات الفازوبريسين السلوكية والعاطفية تم ملاحظتها على الفئران، فإن العديد من هذه التأثيرات قد تم ملاحظتها أيضاً مؤخراً على البشر. وتشمل هذه التأثيرات العاطفية والسلوكية (كما ذكرنا مسبقاً) العدائية، والخوف، الضغط النفسي، التقمص العاطفي، الإثار، الترابط الزوجي، وزيادة اليقظة والإثارة، بل وحتى التعاون. تتحكم الأندروجينات (الهرمونات الذكورية مثل التستوستيرون) في تصنيع الفازوبريسين في العديد من المناطق بالمخ، مما يشير إلى دور محدد لهذا الهرمون في السلوك الاجتماعي والعاطفي للذكور.

أولاً: العدائية

أوضحت التجارب على الفئران دور مهم للفازوبريسين في السلوك العدائي، حيث أظهرت  الفئران التي تم إعطاءها هذا الهرمون سلوك عدائي، بخاصة في الذكور، تجاه المتطفلين على أرضهم. وفي تجارب على البشر، قام الذكور الذين تم إعطاؤهم الهرمون بإظهار أنماط وجهية عدائية استجابة لرؤية وجوه ذكور غير مألوفين، وخفض القدرة لديهم على ملاحظة اللطف بهذه الوجوه. وعلى النقيض، فقد وجدت هذه التجارب أنّه يزيد من قدرة الإناث على ملاحظة اللطف بتلك الوجوه.

وأخيراً، في دراسة شملت أشخاص يُعانون من اضطرابات بالشخصية تم قياس معدلات الفازوبريسين لديهم بالسائل النخاعي المخي، أوضحت النتائج تناسب طردي في معدلات الفازوبريسين والعدائية لديهم.

ثانياً: الضغط النفسي

يقوم الفازوبريسين بزيادة هرمون الكورتيزول في الدم، سواء في وجود أو غياب ضغط أو تهديد (الكورتيزول هرمون يُساعد الجسم على الاستجابة للضغط). يُعتقد أن هذا الهرمون يزيد من حساسية الأشخاص للوسط الاجتماعي مثل الاحترام، التقبل، والانتباه الاجتماعي الإيجابي.حيثُ لوحظ زيادة في الاستجابة للضغط الاجتماعي، لأشخاص تم إعطائهم فازوبريسين وخضعوا لاختبار لتقييـم معدلات الضغط من خلال الخضوع لمهام حسابية أو التحدث أمام الجمهور.

ثالثاً: التقمص العاطفي

التقمص العاطفي هو القدرة على إدراك مشاعر الآخرين والاستجابة لها بطريقة مناسبة. وجدت بعض الدراسات ارتباطات بين الفازوبريسين والحساسية الأمومية والعلاقات الأخوية. في دراسة لتقييـم تأثير الفازوبريسين على التقمص العاطفي للذكور مقارنة بالبلاسيبو، طلب الباحثون من الذكور المشاركين التعرف على مشاعر الأشخاص بصور عُرضت عليهم. ارتكبت المجموعة التي تم إعطاءها الهرمون أخطاءً أكثر مقارنة بالبلاسيبو. تمثلت هذه الأخطاء بشكل رئيسي في عدم القدرة على التعرف على مشاعر الأشخاص الذكور (بالصور). ولم يكنْ هناك أي أخطاء عندما عُرض على الذكور المشاركون صور إناث. مما يؤكد الدور الرئيسي والانتقائي (كما أشرنا مسبقاً) للفازوبريسين في المشاعر العدائية في الذكور.

رابعاً: الإيثار

يمكن تعريف الإيثار على أنه تفضيل الشخص لمصلحة الآخرين على حساب مصلحته الخاصة، والأمر الذي يمثل تحدياً لنظرية التطور، ولكن بالطبع تُوجد العديد من التفسيرات له مثل اختيار الأقرباء، الإيثار المعاكس، والتبادل (المعاملة بالمثل) غير المباشر. لاحظ الباحثون تناسباً طردياً بين طول المنطقة الأولى (المنطقة التي يتم بدء نسخ الجين من عندها) في جين الفازوبريسين والإيثار.

أخيراً: التعاون

مما لاشك فيه يعتبر التعاون مخاطرة، لأن نجاحه يعتمد على أفعال الآخرين غير المعروفة (وقت اتخاذ القرار، وقبل الشروع). بالإضافة لذلك، فإن التعاون غالباً ما يتم في سياق نفعي مشترك. وجد الباحثون، أنّ الفازوبريسين يزيد من ميل الشخص للسلوك التعاوني المفيد للطرفين، والغير معتمد على رغبة الشخص في المخاطرة، أو حتى في مساعدة الآخرين بشكل إيثاري.

 

 

المصادر: