زوبعة المساريق (the mesentery) التي قامت بها الصحف والصفحات العلمية والشباب المهتمين بالعلم والتي قد يبررها عدم وجود تعريف جامع يتفق عليه كل علماء التشريح حول ماهية العضو؛ الزوبعة التي تضمنت معلومة سخيفة وبلا أساس علمي وتداولها شباب ومواقع كثيرة تنادي بالكلام العلمي وتتبع المعلومة لمصدرها العلمي، لاسيما معلومة الـ ٧٨ عضو التي أصبحت ٧٩ (ولا ينحصر الأمر بمواقع العلوم الشعبية الصادرة بالعربية بل إن أساس الإشاعة وطبيعة تناول الحدث العلمي كانت من الصحافة العلمية الأجنبية).
باختصار يمكن تلخيص ما يلي حول تلك المعلومة:
- لا يوجد تعريف واضح للعضو بطريقة تجعل الموضوع واضح تماماً بطريقة تجعلنا قادرين على أن نقول بكل ثقة أن هذا النسيج عضو وهذا لا، هناك من يقول أن العضو يجب أن يتكون من نسيجين وأن يؤدي وظيفة معينة، وهناك من يقول أن ليس كل وظيفة تجعلنا نقرر أن ذلك النسيج يعتبر عضو بل يجب أن تكون الوظيفة رئيسية، وهناك من يشترط أن العضو يجب أن يكون “داخل” الجسم وأيضاً هناك من يقول لا يوجد شرط كهذا، بإختصار لا يوجد تعريف موحد حتى الان
- حتى الآن هناك اختلاف حول أنسجة ومكونات معينة هل هي أعضاء أم لا، مثل الجلد وحلمة الثدي .. الخ برغم أن هذه الأجزاء لها وظائف اوضح بكثير من المساريق.
- بالطريقة وأسلوب التفكير الذي جعل المساريق “عضو” نستطيع أن نسمي كل عظم في الجسم عضواً أيضا (حيث هناك ٢٠٦ عظم تقريباً بجسم الانسان البالغ)، العظم أيضا مستقل تشريحيا ويؤدي وظيفة معينة، ليس العظم فحسب بل كل وتر في الجسم، كل رابط، كل عصب أو وريد أو شريان .. من يعترض ؟ كل من هذه الاجزاء معزول تشريحيا وله وظيفة معينة قد تكون أوضح من وظيفة المساريق لكننا لن نجد عالم تشريح واحد يسمي العظم عضواً، وإن كان بحجم وأهمية عظم الفخذ مثلا.
بالمناسبة إن مسألة استقلال المساريق “تشريحياً” معروفة منذ عهد رسومات دافينشي حيث الإنسان عنده مساريقين وليس مساريق واحد، وهو الأمر الذي أظن أن جماعة العضو ٧٩ تجهله.
النقطتين الأولى والثانية يوضحن سخافة الرقم ٧٨ الذي صار ٧٩ ، واذا تتبعنا هذه المعلومة لوجدنا أن اساسها هو (الوكيبيديا).
أغلب الأطباء عرفوا حجم هذه الزوبعة الحقيقي قبل أن تاخذ صداها الإعلامي لكن ليس الأمر بهذه السهولة أن يتكلم أحدهم بهذا الأمر وسط هذا المد الإعلامي، المقال المرفق يتضمن محاورات مع اطباء وعلماء تشريح (من ضمنهم مؤلفين و ومحررين) في جرانت اناتومي (grant anatomy) وهذه المحاورات لا تُعد مصدراً علمياً لكنهم يتكلمون عن استيائهم لضخامة وعدم علمية موضوع المساريق الذي انتشر مؤخراً ويؤكدون على ان تعريف العضو صار يجب أن يكون واضحاً ليضع حداً لمثل هذه “الإكتشافات العظيمة” التي لا داعي لها.
ما تأثير هذه الزوبعات؟
كما وضحنا في مقالات سابقة أن العلوم الشعبية مفيدة وهامة لتكون حلقة الوصل بين الجماهير وبين المجتمع العلمي، لكن في نفس الوقت إن أخباراً كهذه والتي يعتقد مروجوها (وقد لا يقصدون الإساءة على الأغلب) أنها تُحبب الجماهير بالعلم وتعطي ذلك الطابع الديناميكي الثوري للأخبار العلمية لتكون كالأخبار الرياضية والسياسية، إنها في الواقع تُحدث تأثيراً ضاراً جداً في سمعة المجتمع العلمي، حيث يظهر العلماء كمجموعة من البلهاء الذين قضوا عشرات السنين في تشريح الجثث والقيام بعمليات الجهاز الهضمي وتشريح أعضاء الحيوانات وهم لا يعرفون بوجود جزء فيه.
إعطاء طابع المجهولية يُحيك حول الأمر تلك الهالة من الهيبة والإهتمام الوقتي بالأمر، لكن ما الذي سيتبقى؟ المزيد من العبارات حول جهلنا التام بالعالم وحول إمكانية كون كل تلك الإكتشافات على خطأ، إذاً حلت المسألة دعونا نعود جميعاً إلى كهوف الدوغمائية والأفكار التي تحتكر تفسير العالم وتحيل أي محاولة لفهمه إلى جهل البشر وضعف حواسهم.
هذه رسالة لكل صحفيي العلم باللغة العربية والذين يتمتع كثيرٌ منهم بإطلاع مكثف عبر الدراسات المتخصصة بالطب والذي قد يجعلهم في موقف معرفي من بعض المواضيع يفوق الموقف الذي يتمتع به الصحفي العلمي الأجنبي الذي يُترجمون منه، وهي رسالة أيضاً لكي لا نتسرع ونحاول أن نُعلم الجماهير على تلقي الخبر العلمي وكأنه يتلقى خبر فوز ريال مدريد أو خسارتها.
التعقيب حول تأثير الزوبعات يعود للعلوم الحقيقية وكاتب المقال هو الدكتور علاء سالم من واسط، العراق وساهم بالتدقيق أحمد كريم بربن.