بعض الناس أفضل من غيرهم في تذكر الأشياء. العمة أيدا قد تتذكر بشكل مفصل وواضح ما أكلته في وجبة العشاء في مطعم ما في عطلة سنة 1978 الصيفية لكن أخيها قد لا يستطيع تذكر وجبة العشاء لليلة الماضية.

قد يكون جزء من السبب هو تغير في جين مشترك يملك القدرة على مساعدتنا في تذكر الأشياء.

استخدم الباحثون تقنيات تصوير حديثة لاستكشاف الاختلاف في أنشطة الدماغ لمجموعة من الافراد يمتلكون انواع مختلفة من جين مهم في تشكيل الخلية العصبية ووجدوا أن اختلاف جين يدعى بعامل التغذية العصبية المشتقة من الدماغ ويختصر بـ ((BDNF قد يؤثر على قدرة الفرد على تذكر أو عدم تذكر الأشياء.

يقول مايكل بوسن (Michael I. Posne) من جامعة أوريغون أن هذه دراسة مهمة جدا وأنها تمثل طريقة جديدة للنظر في كيفية تأثير الجينات على الشبكة العصبية. نحن نلحظ اختلافاً في السلوكيات ونرغب في معرفة أسباب حدوثها.  أن هذا المجال سوف يصبح مجال كبيرا عما قريب.

البحث هو جزاء من الجهد الكبير المبذول لفهم كيفية تأثير الجينات على الدوائر العصبية في الدماغ والتي بدورها تتحكم في التصرفات المعقدة.  قد تقود التقنية إلى طرق جديدة لتشخيص وعلاج والوقاية من العديد من الأمراض العصبية مثل الزهايمر وانفصام الشخصية.

في البحث الجديد المنشور في دورية علوم الأعصاب (Journal of Neuroscience) قام دانييل وينبيرغر (Daniel R. Weinberger) وزملائه في المعهد الوطني للصحة العقلية في مدينة بيثيسدا بولاية ماريلاند (Bethesda) بدراسة 28 شخص يحملون جين شفرته الوراثية اما على شكل “Val” أو على شكل “Met” من بروتين (BDNF).

تم عرض صور لمناظر مختلفة للأشخاص الخاضعين للتجربة ومن ثم طلب منهم تذكرها. وبعد فترة تم عرض مجموعة أخرى من الصور تحتوي على صور جديدة مضاف إليها الصور التي عرضت عليهم في بداية التجربة ومن ثم طلب منهم تميز الصور المعروضة عليهم في بداية التجربة.

أثناء ما كان الأشخاص الخاضعين للتجربة يشاهدون الصور قام الباحثون بمراقبة حركة أدمغتهم باستخدام تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. أظهرت التقنية نشاط الدماغ خلال مرحلتين لعملية الذاكرة: المرحلة الأولى وهي مرحلة الترميز (encoding phase) ويتم في حفظ الصورة في الذاكرة والمرحلة الثانية هي مرحلة الاسترجاع (retrieval phase) ويتم فيها استرجاع ألصوره ذهنيا. أما لمنطقة الأكثر نشاطا إثناء المرحلتين في الدماغ فكانت منطقة الحصين (hippocampus ).

لاحظ الباحثون اختلافات مهمة في نشاط أدمغة أفراد المجموعتين اثناء مرحلة التشفير والاسترجاع للمهمة الموكلة لهم. المجموعة التي تمتلك جين “Val” كانت أفضل في تذكر الصور من المجموعة التي تمتلك جين “Met” وكان أيضا نشاط أدمغة أفرادها اكبر في كلتا المرحلتين.

بعد ذالك قام الباحثون بالتركيز على السبب وراء تذكر المشاهد. و وجدوا أن 25% من الاختلافات العادية في المقدرة على تذكر المشاهد كانت بسبب تأثير اختلاف في جين BDNF  خلال مرحلة الترميز (the encoding phase).

اختلاف جين BDNF  يؤثر على ذاكرة الإنسان العادية أكثر من أي عامل سبق ذكره حسب قول وينبيرغر الذي يضيف قائلا بأن هذا تأثير غير عادي.

التقنية المستخدمة في غاية القوة بسبب أنها تعطينا صور مباشرة لما يحدث في الدماغ. والتي بدورها توثر على التصرفات. في الغالب يصعب الربط بين طفرات الجينات  وتصرفاتنا والسبب هو تأثير العديد من العوامل الأخرى في تصرفاتنا.

” لا يمكنك أن تتصرف بشكل غير طبيعي إذا كان عقلك يفكر بالمعلومات بشكل غير طبيعي” بحسب قول وينبيرغر.

الأفراد المصابون بنشاط الدماغ غير الطبيعي غالبا ما تتطور لديهم طرق أخرى لتعويض نقصهم لذلك التأثير المباشر للطفرة الجينية  الذي قد لا يلحظ. لكن بالنظر المباشر إلى نشاط الدماغ يستطيع الباحثون أن يلحظوا تغيرات يمكن أن تمر بدون فحصها وتميزها.

استخدم وينبيرغر تقنيات مماثلة لننظر في الاختلافات في نشاط أدمغة الأفراد الذين يمتلكون طفرة في الجين الناقل للسيروتونين (serotonin) وطفرة في جين Apo E4  وهم أكثر عرضة للاكتئاب وتوثر الطفرة في جين Apo E4  على مرض الزهايمر . مثل هذه الدراسات بإمكانها أن تساعد الباحثين في كشف التغيرات في عمل الدماغ قبل أن تظهر الأعراض السريرية للمرض.

في الختام يأمل الباحثون في التكنولوجيا الحديثة لمساعدتهم في استخلاص كيفية تأثير بعض الجنات المحددة على عمل ونشاط الدماغ الطبيعية وكيف أن اختلاف بسيط فيها قد يؤدي إلى تصرفات غير طبيعية وأمراض عدة.

المصدر

Nancy Touchette, “Gene Variation Affects Memory“, Genome News Network, August 7, 2003