ناقشنا في مقال سابق أسس الأخلاق والعدالة في عالم الحيوان (الأخلاق في عالم الحيوان)، وفي هذا المقال سنناقش الألم عند الحيوانات. فالألم هو تنبيه يرسل للدماغ عند حدوث ضرر في أحد الأنسجة أو الأعضاء، وهو مجرد رسالة تحذير عند حدوث مشكلة ما، حيث ترسل الإشارات العصبية إلى الدماغ ويقوم الدماغ باتخاذ سلسلة من الأفعال حسب نوع الإشارة. فالإنسان لا يتفرد دون الكائنات الأخرى بالإحساس بالألم، كما يتصور البعض، بل أن الحيوانات تمتلك هذه الخاصية لما لها من أهمية تطورية.
فقد يعتقد البعض أن بعض أنواع الحيوانات لا تملك تصور معين للألم، مثلا الأسماك، حيث أن هذا الاعتقاد نابع من عدة أسباب منه: عدم امتلاك تلك الأنواع وسيلة معينة للتعبير عن الألم، وكذلك لكونها لا تمتلك جهاز عصبي متطور بالشكل الموجود عند الإنسان والثدييات. وقد يكون هناك من يعتقد أن الإحساس بالألم شعور تمتاز به الثدييات دون غيرها، أو أنه موجود عند الفقريات وغير موجود عند اللافقاريات. ونحن نرد على من يعتقد بأي من هذه المعتقدات بالقول أن جميع الحيوانات تشعر بالألم، لكن تصور الألم والتعبير عنه وردة فعل الكائن تجاهه تختلف من نوع إلى أخر.
ونستطيع معرفة ما إذا كانت الكائنات تشعر بالألم ام لا من خلال طريقتين، هما: الأولى إثبات امتلاك الكائن الخاضع للتجربة جهاز عصبي وتشريحي من مناطق الدماغ وغيرها، وهذا ما موجود عند أغلب الثدييات. والطريقة الثانية هي التحقق من ردة فعل الكائن المضادة للأشياء التي تسبب له الضرر، مثل الهرب أو عدم الاقتراب أو تجربة الشيء المسبب. وقد تكون هاتين الطريقتين غير كافيتين لمعرفة شيء معقد مثل الشعور بالألم، لكنهما تكملان بعضهما.
كما أن هنالك عدة اعتراضات على هاتين الطريقتين. فالطريقة الأولى تفترض أننا نمتلك فهم كامل لماهية الألم وكيفية تولده والشعور به في الدماغ، وهذا لم يحدث بعد. فالجهاز العصبي الموجود عند الإنسان ليس هو الطريقة الوحيدة لاكتشاف الألم عند الكائنات الحية. قد تكون هذه الطريقة مناسبة للكشف عن الألم عند الثدييات، لكنها غير مناسبة إذا ما قررنا تطبيقها على الطيور والزواحف والأسماك. بينما الطريقة الثانية قد تعطينا نتائج غير مرغوبة، مثل الشعور بالخوف الذي يتملك الكائن الخاضع للتجربة، في حين إننا نرغب في معرفة الشعور بالألم، ولكن يمكننا التغلب على هذا العيب بالاعتماد على مؤشرات أكثر دقة، مثل معدل ضربات القلب وضغط الدم وغيرها، ومع ذلك فمؤشرات الألم ليست واضحة دائما.
أن معرفة شعور الحيوانات بالألم سهل إذا ما كان من الثدييات، لكون الثدييات تشاركنا بنفس الجهاز العصبي، العواطف، تجربة الألم وتصوره. كما أن هنالك الكثير من الدلائل على شعور حيواناتنا الأليفة بالألم، فالأطباء البيطريون يعتمدون في تشخيص الحيوانات الأليفة على مجموعة من التغيرات السلوكية التي تشير لتعرض الحيوان للألم، مثلا التوقف عن اللعب وفقدان الشهية ومعدل ضربات القلب وضغط الدم. أي في الغالب يعتمدون بشكل كبير على الطريقة الثانية.
وفي دراسة أجريت عام 2000 وجد أن الطيور المصابة تفضل الطعام الحاوي على مسكن للآلام عند السماح لها باختيار نوع الطعام. وهذا ما يدل على أن الطيور تمتلك مستقبلات للآلام مثل ما موجود عند الثدييات.
في حين أن الحيوانات التي تعيش في الحياة البرية الخطرة تتجنب إظهار أي علامة تدل على الألم أو الضعف. كون مثل هذه العلامات تهدد حياة الحيوان سواء كان فريسة أو مفترس. فالفريسة تتجنب ذلك لكي لا تصبح هدف للمفترس، والحيوانات المفترسة تتجنب إظهار الألم لكي لا تصبح هدفاً لأقرانها.
اما بالنسبة للأسماك فالنقاش يطول، لما لها من خصوصية. فهنالك الكثير من الأشخاص يعتقدون أن الأسماك لا تشعر بالألم، لكونها لا تستطيع التعبير عن الآم. فهي تعيش في وسط مائي لا تستطيع فيه ذرف الدموع أو إصدار صوت خاص يعبر عن الشعور بالألم، ومن الناحية العلمية يعتقد بعض العلماء أن الأسماك لا تملك تصوراً معيناً للألم لكونها تفتقر للهياكل العصبية الخاصة بالألم والمشابهة لتلك التي يمتلكها الإنسان. لكن في ورقة بحثية قام بتأليفها كل من أستاذ علم الأعصاب أنطونيو داماسيو (Antonio Damasio) وأستاذة علم الأعصاب حنا داماسيو (Hanna Damasio) صدرت من جامعة جنوب كاليفورنيا، ذكر العالمان حججاً ترد على الاعتقاد القائل أن الأسماك لا تملك تصور للألم خاص بها، حيث توصل العالمان في ورقتهما البحثية إلى أنه لا يوجد دليل يؤيد هذا الاعتقاد، وأن الهياكل العصبية الموجودة عند الإنسان ليست كافية لوحدها في المشاعر، كما أن الأدلة التشريحية والفسيولوجية والهياكل تحت القشرية وحتى النظم العصبية الطرفية والمعوية يمكن أن تدخل في اختبار الكائنات للمشاعر، ومن ضمن هذه المشاعر الإحساس بالألم.
اغلب الكائنات لم تجرى عليها تجارب لمعرفة مدى تصورها للألم، فلدينا بيانات حول عدد قليل من الأنواع مثل القردة والقوارض وبعض الكائنات الأخرى، بينما نحن نفتقد للبيانات الخاصة للغالبية العظمى الباقية والتي لم يجرى عليها أي دراسة حول مدى إحساسها بالألم.
قد تكون البيانات المتوفرة لدينا (على قلتها) كافية للمنظمات الخاصة برعاية الحيوانات لكي تهتم بالحيوانات الموجودة في المختبرات العلمية، فقد طلب على عدة أصعدة معاملة حيوانات المختبر معاملة خاصة تضمن عدم إخضاعها لتجارب مؤلمة، وتطبيق القتل الرحيم للحيوانات التي تصاب إصابة لا يرجى شفاؤها أثناء إجراء الاختبارات.
ولا يقتصر احساس الحيوانات على الألم الذي يتعرض له الحيوان فقط، بل يتعدى ذلك إلى الإحساس بالألم الذي تتعرض له الحيوانات الأخرى من نفس النوع أو حتى من الأنواع الأخرى. فقد وجد في أحد الدراسات التي أجريت من قبل ستانلي ويتشكين (Stanley Wechkin) وجولز ماسيرمان (Jules Masserman) ووليام تيريس(William Terris)، أن بعض القردة تمتنع عن تناول الطعام إذا ما كانت السلسلة التي يسحبها لجلب الطعام تسبب إصابة زميلها بصعقة كهربائية. حيث أن أحد القردة التي أجريت عليها الدراسة امتنع عن تناول الطعام لمدة 12 يوم، حيث فضل أن يبقى جائعا على تسبب الألم لزميله القرد الآخر. في دراسة ميدانية أخرى وجد أن بعض قطعان الأفيال تدافع عن الحيوانات الأخرى إذا ما تعرضت للأذى.
المصادر:
-
كتاب العدالة في عالم الحيوان، مارك بيكوف، جيسيكا بيرس، دار كلمة، ط1، 2010.
-
Liz Langley, 2016, The Surprisingly Humanlike Ways Animals Feel Pain, 12.6.2017.
-
National Research Council, 2009, Recognition and Alleviation of Pain in Laboratory Animals, 12.6.2017.